ولي العهد السعودي: عملنا على إيجاد حراك عربي وإسلامي لوقف العدوان على غزة

أشار إلى ما تحقق للمملكة من مراكز متقدمة في العديد من المجالات خلال كلمته أمام مجلس الشورى

TT

ولي العهد السعودي: عملنا على إيجاد حراك عربي وإسلامي لوقف العدوان على غزة

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يلقي الخطاب الملكي السنوي لافتتاح أعمال مجلس الشورى (واس)
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يلقي الخطاب الملكي السنوي لافتتاح أعمال مجلس الشورى (واس)

شدد الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي أمام أعضاء مجلس الشورى، الأربعاء، على عمل المملكة على إيجاد حراك عربي وإسلامي مشترك، لوقف العدوان على غزة، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع من خلال القمة العربية الإسلامية المشتركة التي عقدت في المملكة، مشيراً إلى مضي بلاده في نهضتها التنموية وفق رؤية 2030 وبرامجها الطموحة.

جاء ذلك ضمن الخطاب الملكي السنوي الذي ألقاه ولي العهد السعودي نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في افتتاح أعمال السنة الرابعة من الدورة الثامنة لمجلس الشورى، موضحاً خلاله سياسة المملكة الداخلية والخارجية.

وأكد ولي العهد السعودي أن بلاده ماضية في نهضتها التنموية وفق رؤية 2030 وبرامجها الطموحة، التي ستسهم في محافظة المملكة على مكانتها المتقدمة عالمياً، وتحقيق المزيد من التطور والازدهار وتوفير سبل الحياة الكريمة للمواطنين.

وأشار ولي العهد السعودي في الكلمة إلى ما تحقق لبلاده من مراكز متقدمة في العديد من المجالات، بما في ذلك تقدمها في أكثر من 50 في المائة من مؤشرات التنمية المستدامة للأمم المتحدة، وتطور الاقتصاد السعودي ليكون الأسرع نمواً، على مستوى دول مجموعة العشرين في عام 2022م، بمعدل 8.7 في المائة، نمواً في الناتج المحلي، وكذلك نمواً في النتائج المحلي غير النفطي بنحو 4.8 في المائة، والوصول ضمن الدول العشرين الأكثر تنافسية في العالم.

كما أشار ولي العهد السعودي إلى ما تحقق في مجال السياحة في المملكة من أداء تاريخي في الربع الأول من عام 2023، ونموه بنسبة 64 في المائة، مؤكداً على مواصلة العمل في مسيرة التحول الاقتصادي وفق مستهدفات الرؤية، مشيراً إلى أن ما تحقق من نتائج إيجابية، يبشر بمزيد من النجاحات لتحقيق إصلاحات اقتصادية، وتقوية المركز المالي للمملكة بما يعزز النمو الاقتصادي الشامل لبلادنا.

وأضاف ولي العهد السعودي: «حرصاً على تيسير أداء مناسك الحج والعمرة، لأكبر عدد ممكن من الحجاج والمعتمرين؛ فقد رحبت المملكة بأكثر من مليون وثمانمائة ألف حاج أدوا مناسك الحج، وأكثر من عشرة ملايين معتمر خلال العام الماضي، ويعد ذلك من نتائج برنامج خدمة ضيوف الرحمن أحد برامج رؤية 2030».

ولي العهد السعودي أكد مضي بلاده في نهضتها التنموية وفق رؤية 2030 وبرامجها الطموحة (واس)

وبين ولي العهد السعودي أنه «انطلاقاً من مكانة المملكة التي تحظى بها على المستويين الإقليمي والدولي، وحضورها المؤثر على جميع الأصعدة عملت المملكة على توثيق علاقاتها البناءة بالدول الشقيقة والصديقة، حيث استضافت عدداً من القمم الكبرى جمعت أكثر من (100) دولة في العام الماضي».

وقال ولي العهد السعودي «إن اختيار المملكة لاستضافة معرض إكسبو 2030، يأتي تأكيداً لما تحظى به من مكانة وثقة عالميتين، ولتكون واجهة مثالية لاستضافة أبرز المحافل العالمية».

وأضاف: «كما عقدت المملكة القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية، لمواجهة الأحداث المؤلمة التي يتعرض لها أشقاؤنا في غزة، عملت المملكة من خلالها على إيجاد حراك عربي وإسلامي مشترك، للضغط على المجتمع الدولي نحو اتخاذ مواقف جادة وحازمة لوقف العدوان الإسرائيلي، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة».

جانب من حضور الأمراء والعلماء في افتتاح أعمال السنة الرابعة من الدورة الثامنة لمجلس الشورى (واس)

كما أكد ولي العهد السعودي أن نهج المملكة الثابت قائم على احترام السيادة الوطنية لجميع الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية والالتزام الدائم بمبادئ الشرعية الدولية وقراراتها، والتمسك بمبادئ حسن الجوار وحل النزاعات بالطرق السلمية، والأخذ بكل ما من شأنه تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.

واختتم ولي العهد السعودي الكلمة بالشكر لأعضاء المجلس، وجميع العاملين في أجهزة الدولة الذين يخدمون وطنهم بكل إخلاص وتفان.

ولدى وصول ولي العهد السعودي إلى مقر مجلس الشورى، كان في استقباله، الأمير فيصل بن بندر أمير منطقة الرياض، والأمير محمد بن عبد الرحمن نائب أمير منطقة الرياض، ورئيس مجلس الشورى الشيخ الدكتور عبد الله آل الشيخ. وبعد أن أخذ ولي العهد مكانه في المنصة الرئيسية، بدأ الحفل المعد لهذه المناسبة، بتلاوة آيات من القرآن الكريم.

جانب من أعضاء مجلس الشورى في افتتاح أعمال السنة الرابعة من الدورة الثامنة لمجلس الشورى (واس)

ورفع رئيس مجلس الشورى نيابة عن أعضاء المجلس وجميع العاملين فيه الشكر لولي العهد السعودي على الرعاية الكريمة بافتتاح أعمال السنة الرابعة من الدورة الثامنة لمجلس الشورى نيابة عن خادم الحرمين الشريفين.

وأضاف أن «المتتبع للمسيرة المباركة في هذا العهد الميمون يدرك بوضوح جلي التنمية الشاملة التي تسير عجلتها وفق خطط مرسومة على أعلى مستوى من الإبهار والتميز في ظل رؤية المملكة 2030 التي يقود برامجها ولي العهد السعودي بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين، والتي تحلق بالوطن في آفاق تنموية لا حدود لها».

واستطرد الدكتور آل الشيخ: «لقد عقد مجلس الشورى خلال السنة الثالثة من الدورة الثامنة للمجلس 48 جلسة، وصدر عنه 379 قراراً، وإنجازات لا يتسع الوقت لذكرها، وما كان ذلك ليتم لولا فضل الله سبحانه وتعالى ثم توجيهات ودعم خادم الحرمين الشريفين وولي العهد السعودي».

وعُدّ تشريف ولي العهد لمجلس الشورى وإلقائه الخطاب الملكي، في تصريح صحافي، مصدر فخر واعتزاز للمجلس رئيساً ومسؤولين وأعضاءً ومنسوبين، مؤكدا أن الخطاب الملكي الكريم يعد خريطة طريق للمجلس تعطي مضامينه إضاءات مهمة لأعضاء المجلس لمواقفهم إزاء السياسة الداخلية والخارجية للمملكة.

ونوه الدكتور آل الشيخ بمضامين الخطاب الملكي، مبيناً فيه سياسة الدولة الداخلية والخارجية وما تحقق، وعزم الدولة على تحقيق كل ما يلبي التطلعات ويلبي الطموحات.

وأشار إلى أن تأكيد ولي العهد أن السعودية ماضية في نهضتها التنموية وفق رؤية 2030 وبرامجها الطموحة، لَيبرهن على ما تمثله المملكة من مراكز متقدمة وتحولها الكبير من الاقتصاد التقليدي إلى الاقتصاد العصري، خصوصاً وأن الاقتصاد السعودي أصبح وفق ما تفضل به سموه الأسرع نمواً، على مستوى دول مجموعة العشرين في عام 2022م. منوهاً في هذا الصدد بتأكيد ولي العهد على أن استضافة معرض إكسبو 2030، تأتي لما تحظى به المملكة من مكانة وثقة عالميتين ولتكون واجهة مثالية لاستضافة أبرز المحافل العالمية.

كما نوه بما تفضل به ولي العهد من أن المملكة عملت من خلال القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية وعدة اجتماعات على إيجاد حراك عربي وإسلامي مشترك، للضغط على المجتمع الدولي نحو اتخاذ مواقف جادة وحازمة لوقف العدوان الإسرائيلي، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، مؤكداً أن ذلك نابع مما تتمتع به المملكة من ثقل سياسي على المستوى العالمي حيث تسعى جاهدة وباستمرار من خلاله لتحقيق الأمن والسلام العالميين.

وأشار رئيس مجلس الشورى إلى أن تأكيد ولي العهد أن المملكة حريصة على تيسير أداء مناسك الحج والعمرة ، لأكبر عدد ممكن من الحجاج والمعتمرين، نابع ممَّا تحمله المملكة من أمانة ورسالة عظيمتين لخدمة ضيوف بيت الله الحرام لهاتين الشعيرتين.

نص الخطاب الملكي

فيما يلي النص الكامل للخطاب الملكي السنوي لأعمال السنة الرابعة من الدورة الثامنة لمجلس الشورى، والمفصل للسياستين الداخلية والخارجية للمملكة:

الحمد لله القائل في محكم التنزيل: (وأمرهم شورى بينهم)، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. الإخوة والأخوات رئيس وأعضاء مجلس الشورى. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: بعون الله وتوفيقه نفتتح أعمال السنة الرابعة من الدورة الثامنة لمجلس الشورى، وندعو الله أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وأن يوفق المجلس لمواصلة مسيرته المباركة، وسعيه الحثيث للوصول إلى الأهداف المنشودة منه على الوجه الذي يرضي المولى عز وجل، وأن يحقق ما نصبوا إليه من آمال وتطلعات. وإننا إذ نحمد الله عز وجل على ما تحقق من إنجازات تنموية ضخمة على مختلف الأصعدة، في السنة الماضية خصوصاً، والعقود السابقة عموماً، لَنتطلع إلى تحقيق المزيد منها بما يعود بالنفع والفائدة والأثر العظيم على الوطن والمواطنين والمقيمين، وأن نحافظ على هذه المكتسبات من أجل هذا الجيل والأجيال القادمة. لقد منّ الله علينا في هذه البلاد المباركة بنعم كثيرة تستوجب الشكر، أهمها نعمة التوحيد والإيمان واجتماع الكلمة ووحدة الصف، وقد بذل الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – طيب الله ثراه – ورجاله المخلصون، الغالي والنفيس؛ لتوحيد وطن يعمه الأمن والأمان ويخدم فيه ضيوف الرحمن. لقد شرف الله هذه البلاد بخدمة الحرمين الشريفين، فسخرت كل جهودها لخدمتها، وحرصت منذ تأسيسها على الاضطلاع بواجباتها بكل ما يخدم الإسلام والمسلمين، وتوفير كل ما من شأنه التيسير على ضيوف الرحمن. وحرصاً على تيسير أداء مناسك الحج والعمرة لأكبر عدد ممكن من الحجاج والمعتمرين في الموسم الماضي، أعلن عن عودة الإعداد إلى ما كانت عليه قبل جائحة كورونا، وقد أدى أكثر من مليون وثمانمائة ألف حاج مناسك الحج العام الماضي، إضافة إلى إعلان تجاوز الجائحة بعد أن عملت الدولة بأعلى مستويات المسؤولية والجدية والابتكار على مواجهتها، مع حرصنا على ضمان استمرارية الأعمال وتوافر كامل السلع والخدمات دون انقطاع، لتصبح المملكة نموذجاً عالمياً في التعامل مع الجوائح الصحية. وتم بفضل الله تحقيق أعلى رقم في أعداد المعتمرين، حيث تجاوز عشرة ملايين معتمر خلال السنة المنصرمة، أسهم في ذلك تيسير الإجراءات، وأنظمة التأشيرات المتطورة، ورقمنتها في منصة موحدة بعدة لغات، وهذا من نتائج العمل المؤسسي المنبثق من برنامج خدمة ضيوف الرحمن، أحد برامج رؤية المملكة 2030. أيها الإخوة والأخوات: إن بلادكم ماضية في نهضتها التنموية وفق رؤية 2030 وبرامجها الطموحة، التي ستبقي المملكة بتوفيق الله في تقدم مستمر، وستحقق للمواطنين سبل الحياة الكريمة، مع الاستمرار في إصدار الأنظمة والقرارات بما يتواءم مع متطلبات المرحلة، وبما يتسق مع شريعة الإسلام السمحة وثوابتنا وتقاليدنا، ومن ذلك صدور نظام المعاملات المدنية (وهو ثالث نظام من الأنظمة الأربعة التي أعلنها سمو رئيس مجلس الوزراء، بعد صدور نظام الأحوال الشخصية، ونظام الإثبات؛ الهادفة لتطوير البيئة التشريعية والمرفق العدلي بما يكفل زيادة كفاءة الأنظمة، وحماية الحقوق، وتعزيز الشفافية)، وصدور نظام حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ليشمل مختلف متطلبات الحياة، ويكون أساساً يمكنّهم من الحصول على مزيد من الحقوق والخدمات في مختلف القطاعات.

وللارتقاء بالقطاع الصحي في المملكة، تمت الموافقة على إنشاء المعهد الوطني لأبحاث الصحة، ليكون داعماً للباحثين، والكفاءات المتميزة في مجال الأبحاث الانتقالية، والتجارب السريرية. وقد حققت دولتكم الريادة العالمية في فصل التوائم السيامية، حيث أشرف البرنامج السعودي لفصل التوائم السيامية على 133 حالة من 24 دولة منذ عام 1990م.

ويحظى قطاع التعليم باهتمامنا البالغ، فهو إحدى الركائز الأساسية لرؤية المملكة، ونسعى جاهدين لتطوير مهارات أبنائنا وبناتنا وقدراتهم، وبناء أجيال تتمتع بمعارف ومهارات عالية وقادرة على المنافسة عالمياً، وتهيئة البيئة التعليمية المناسبة والفاعلة في تحقيق تنمية اقتصادية شاملة ومستدامة، وقد نتج عن ذلك التقدم في المؤشرات المتعلقة بالتعليم والبحث والابتكار ضمن تقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية 2022. وقد سرّنا ما حققه أبناؤنا الطلبة الموهوبون والموهوبات في المسابقات العلمية الدولية المختلفة من جوائز. كما سرّنا فوز المملكة باستضافة معرض إكسبو 2030 الذي جاء نتيجة للجهود الطموحة والمستمرة منذ الإعلان عن تقدم المملكة بطلب الاستضافة، وهذا الفوز تأكيد لدور المملكة الريادي، وللثقة الدولية بإمكاناتها، وأنها الوجهة المثالية لاستضافة المحافل العالمية.

إن صدور نظام صندوق التنمية الزراعية يؤكد استمرار دعم القطاع الزراعي، وتقديم القروض والتسهيلات الائتمانية طويلة الأجل، وزيادة مدتها للمشاريع الاستراتيجية، وكذلك صدور نظام المساهمات العقارية الذي يأتي امتداداً لمنظومة التشريعات العقارية، الهادفة إلى تطوير البيئة التنظيمية للقطاع العقاري، ومواكبة النمو الاقتصادي والاستثماري في المملكة.

وامتداداً لحزمة المبادرات المستمرة وفق مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للنقل، أطلق سمو رئيس مجلس الوزراء المخطط العام للمراكز اللوجيستية، من أجل تطوير البنية التحتية للقطاع اللوجيستي، وتنويع الاقتصاد المحلي، وتعزيز مكانة المملكة بصفتها وجهة استثمارية رائدة، ومركزاً لوجيستياً عالمياً.

ولقد تقدمت المملكة 17 مرتبة في المؤشر اللوجيستي العالمي الصادر عن البنك الدولي، لتصل إلى المرتبة الـ(38) من 160 دولة، وذلك بعد تحقيقها قفزات واسعة في كفاءة الأداء. واستكمالاً للمرحلة التطويرية التي تعيشها البلاد، تم إطلاق العديد من الاستراتيجيات والمخططات والمشروعات والشركات الرائدة، ومن ذلك: (الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية، والاستراتيجية الجديدة لجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية «كاوست»، والمخطط العام لمطار الملك سلمان الدولي، والمخطط العام لمطار أبها الدولي الجديد، ومشروع وارفة، ومشروع مرافي، ومشروع «قمم السودة»، ومشروع تطوير «ليجا» في نيوم، وشركة مشاريع الترفيه السعودية «س.ف.ن»، وشركة تطوير المربع الجديد، وشركة طيران الرياض).

وحرصاً على رفع نسبة التملك السكني للمواطنين، تم توفير العديد من الحلول والخيارات السكنية المتنوعة، التي أسهمت في رفع نسبة التملك للأسر السعودية إلى أكثر من 60 في المائة عام 2022م، وسنستمر ـ بإذن الله ـ في توجهاتنا بتوفير السكن الملائم للمواطنين وزيادة نسبة تملكهم للمساكن.

وتولي المملكة القطاع الثقافي اهتماماً كبيراً؛ لكونه ركيزة أساسية في رؤيتها الطموحة، ونتج عن ذلك إعلان لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، اعتماد المملكة ـ بالإجماع ـ رئيساً للجنة التراث العالمي.

وشهد القطاع الرياضي قفزة عالية وتغييراً جذرياً، حيث أطلق سمو رئيس مجلس الوزراء مشروع الاستثمار والتخصيص للأندية الرياضية، تحقيقاً لمستهدفات رؤية المملكة 2030، الهادفة إلى بناء قطاع رياضي فعال، من خلال تحفيز القطاع الخاص وتمكينه من الإسهام في تنمية القطاع الرياضي، بما يحقق التميز المنشود للمنتخبات الوطنية والأندية الرياضية والممارسين على الأصعدة كافة. ونتج عن الدعم غير المحدود الذي يحظى به القطاع الرياضي؛ الإجماع غير المسبوق في نسبة تأييد الملف السعودي لاستضافة كأس العالم 2034 من قبل الاتحادات الإقليمية والدولية، مما أسهم في دعم ملف استضافة المملكة، بالإضافة إلى توافر البنية المهيأة، والإمكانات اللازمة التي مكنت المملكة من استضافة أعرق البطولات العالمية، مثل: «فورمولا 1، ورالي داكار».

ولتعزيز المحتوى الإعلامي المنتج محلياً، تمت الموافقة على التنظيم الجديد للهيئة العامة لتنظيم الإعلام؛ ليكون داعما للنشاط الاقتصادي للمملكة في مختلف مجالات الإعلام، ويوفر وظائف متنوعة وفرص عمل كبيرة، عبر تهيئة البيئة الاستثمارية لتمكين الشركات الوطنية، واستقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، إلى جانب اعتماد أحدث التوجهات، وأفضل الممارسات المعتمدة إقليمياً ودولياً في مجال الإعلام بما يسهم في تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030م، من خلال تنويع مصادر الاقتصاد الوطني.

ولقد حققت بلادكم ولله الحمد مراكز متقدمة في عدد من المجالات، حيث أحرزت تقدماً في أكثر من 50 في المائة من مؤشرات التنمية المستدامة للأمم المتحدة. وواصلت دولتكم إنجازاتها في مجال السياحة بتحقيقها نمواً بنسبة 64 في المائة خلال الربع الأول من عام 2023م، ويمثل ذلك أعلى أداء ربعي، تاريخياً، إضافة إلى حصولها على المركز الثاني عالمياً في معدل نمو عدد السياح الوافدين. وحققت بلادكم إنجازاً علمياً تمثل في إرسال رائدي فضاء إلى محطة الفضاء الدولية، حيث أسهمت تلك الرحلة العلمية في تعزيز مكانة المملكة عالمياً في مجال استكشاف الفضاء وخدمة البشرية، وسعياً منا لدعم قطاع الفضاء تمت الموافقة على الترتيبات التنظيمية لتحويل الهيئة السعودية للفضاء إلى وكالة الفضاء السعودية؛ لتكون نقلة نوعية من حيث التركيز على صناعة سوق الفضاء وتحفيز البحث والابتكار فيه. ويحظى شبابنا برعايتنا، لكونهم الأيدي التي تبني حاضر المملكة ومستقبلها، والأساس في بناء وتنفيذ أي خطة تنموية؛ ومما أسعدنا كثيراً رؤية العديد منهم يتسنمون مناصب قيادية في مختلف القطاعات ليس على المستوى المحلي فحسب، بل على المستوى الدولي.

ولقد نالت المرأة السعودية نصيبها من فرص التمكين والبناء حتى أصبحت شريكاً مهماً وفاعلاً في النهضة التنموية التي تعيشها المملكة في مختلف المجالات، وتبوأت مراكز قيادية رفيعة في القطاعين الحكومي والخاص وفي المنظمات الإقليمية والدولية.

أيها الإخوة والأخوات: تمضي المملكة قدماً على طريق التنمية والتحديث والتطوير المستمر، وتسير بخطى ثابتة وفق رؤية 2030، التي جاءت لتعزز هذا المسار التنموي من خلال تنويع القاعدة الاقتصادية ومصادر الدخل واستثمار الطاقات والثروات المتوافرة، والإمكانات المختلفة المتاحة بما يضمن استمرار بلادكم في هذا المستوى الذي يضاهي ما وصلت إليه الدول المتقدمة. إن مسيرة التحول الاقتصادي التي تتبناها دولتكم مستمرة، وإن ما تحقق من نتائج إيجابية حتى الآن يبشر بمزيد من النجاحات في تحقيق الإصلاحات الاقتصادية والمالية الهادفة إلى تعزيز النمو الاقتصادي الشامل، وتقوية المركز المالي للمملكة بما يضمن الاستدامة المالية نحو اقتصاد مزدهر. إن المواطن عماد التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة، فهو ركيزة أساسية في النهضة التنموية، ويسهم إسهاماً مباشراً في تحقيق الإنجازات في مختلف المجالات والقطاعات الواعدة. تواصل بلادكم جهودها في تعزيز منظومة الدعم والحماية الاجتماعية للمواطنين، لما تشكله من أهمية في توفير مستوى معيشي كريم، وتعزيز جودة حياتهم وزيادة فرص التوظيف وتحسين مستوى الدخل، وتطوير البنى التحتية للمدن وتوفير جميع الخدمات وفق أعلى المستويات. وحرصاً منا على تخفيف الأعباء عن المواطنين والمواطنات، وتحسين معيشتهم في ظل المتغيرات الاقتصادية، صدرت الموافقة على زيادة الحد الأدنى الأساسي لاحتساب المعاش لمستحقي الضمان الاجتماعي، واستمرار العمل ببرنامج حساب المواطن، واستمرار فتح التسجيل والدعم المالي الإضافي للمستفيدين من برنامج حساب المواطن لمدة ثلاثة أشهر حتى شهر ديسمبر 2023م.

واستكمالاً للتنمية الاقتصادية التي يعيشها الوطن، تم إطلاق أربع مناطق اقتصادية خاصة، لتنويع الاقتصاد السعودي وتحسين البيئة الاستثمارية، بما يعزز مكانة المملكة بصفتها وجهة استثمارية عالمية رائدة.

إن عضوية المملكة في مجموعة (العشرين) الدولية التي تضم أقوى 20 اقتصاداً حول العالم، تشكّل زيادة في الدور المؤثر الذي تقوم به في الاقتصاد العالمي، لكونها قائمة على قاعدة اقتصادية صناعية صلبة، وبيئة آمنة للاستثمارات من مختلف دول العالم، وكان لمبادراتها المختلفة دور بارز ومؤثر في كثير من القطاعات والأنشطة، الرامية إلى تحقيق أهداف وطموحات الدول الأعضاء ورفاه الشعوب.

لقد تمكنت بلادكم ولله الحمد من تحقيق مراكز متقدمة، حيث صنّف تقرير صندوق النقد الدولي الاقتصاد السعودي بالأسرع نمواً في اقتصادات مجموعة (العشرين) في عام 2022م، بمعدل بلغ 8.7 في المائة، مع نمو الناتج المحلي غير النفطي بنحو 4.8 في المائة، وتراجع معدلات البطالة بين السعوديين إلى أدنى مستوى تاريخي لها، حيث انخفضت إلى 8 في المائة، وأثنى التقرير على جهود المملكة لاحتواء التضخم عبر الدعم المحلي ووضع سقف لأسعار عدد من المنتجات، حيث بلغ متوسط مؤشر أسعار المستهلكين الرئيسي 2.5 في المائة في عام 2022م.

ونتيجة لاستمرار جهود الحكومة في تطوير السياسة المالية، والإصلاحات الهيكلية التنظيمية والاقتصادية الشاملة، صنّفت وكالة التصنيف الائتماني (موديز) المملكة عند (A1) مع نظرة مستقبلية (إيجابية).

وحقق وطنكم المرتبة الثانية في التنافسية الرقمية بين دول مجموعة (العشرين) وفق المركز الأوروبي للتنافسية الرقمية، إضافة إلى تحقيق شهادات تميز في القمة العالمية لمجتمع المعلومات، ليرتفع مجموع شهادات التميز التي تحصلت عليها المملكة إلى 35 شهادة، وحصل على المرتبة الثالثة في مؤشري الطرح العام الأولي ومجالس الإدارة ضمن مجموعة (العشرين)، وجاء في المرتبة الأولى بين دول مجموعة (العشرين) في معدل نمو إنتاجية العامل لعام 2022م.

وبحسب منظمة الطيران المدني الدولي (الإيكاو)، جاءت دولتكم في المركز السابع على مستوى دول مجموعة (العشرين) في مجال قطاع أمن الطيران، وحققت المركز الثاني على دول مجموعة (العشرين) والرابع عالمياً في جاهزية التنظيمات الرقمية، والمرتبة الثالثة عالمياً في مؤشر نضج الحكومة الرقمية الصادر من مجموعة البنك الدولي لعام 2022م، والمركز الأول في مؤشر نضج الخدمات الحكومية الإلكترونية والنقّالة لعام 2022م، الصادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، وقدمت المملكة للعالم نموذجاً رائداً في سد الفجوة الرقمية، حيث نجحت البنية التحتية الرقمية في تغطية 99 في المائة من مجموع السكان.

وتمكنت المملكة من تحقيق المرتبة الـ(17) عالمياً من أصل (64) دولة هي الأكثر تنافسية في العالم، لتصبح من الدول الـ(20) الأولى لأول مرة في تقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية، وتقدمت (7) مراتب في نسخة عام 2023م، مدعومة بالأداء الاقتصادي والمالي القوي في عام 2022م، وتحسن تشريعات الأعمال، الذي جعلها في المرتبة الثالثة بين دول مجموعة (العشرين) لأول مرة، وأسهمت الإصلاحات الاقتصادية المنفذة وكفاءة الإنفاق في وصولها إلى المراتب الثلاث الأولى في 23 مؤشراً.

ولقد تجاوزت نسبة مشاركة المرأة السعودية في سوق العمل نسبة 30 في المائة، المستهدفة ضمن رؤية المملكة 2030، فيما بلغ عدد المستثمرات السعوديات في سوق الأسهم بنهاية الربع الثاني 2023م مليوناً وخمس مائة واثنين وستين ألفاً وسبع مائة وإحدى وثمانين مستثمرة، وتملك النساء السعوديات أكثر من 45 في المائة من المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المملكة، وقد شهدت «المنشآت» عموماً في الربع الثاني من 2023م، زيادة بنسبة 2.6 في المائة على الربع الأول من هذا العام لتصل إلى 1.23 مليون منشأة.

وسجل القطاع غير الربحي تنامياً متسارعاً خلال عام 2022م، وزادت منشآته أكثر من 114 في المائة مقارنة بما كانت عليه قبل رؤية المملكة 2030، ووصل عددها إلى أكثر من 3.800 مؤسسة وجمعية، كما ارتفع عدد الجمعيات المتخصصة منها بنسبة 67 في المائة، وبلغ عدد المتطوعين أكثر من 650 ألف متطوع، مما يعكس اهتمام الدولة بالقطاع لكونه أحد محاور رؤية 2030.

ومن أجل تلبية التطلعات في القطاع الصناعي، وتعظيم دوره في تنويع القاعدة الاقتصادية للمملكة، تم إطلاق الاستراتيجية الوطنية للصناعة؛ للوصول إلى اقتصاد صناعي جاذب للاستثمار، يصدِّر المنتجات عالية التقنية، ويسهم في تأمين سلاسل الإمداد العالمية بالشراكة مع القطاع الخاص، إضافة إلى إطلاق شركة «سير»، أول شركة سعودية لصناعة السيارات الكهربائية في المملكة.

وعملت المملكة على جذب كبار المستثمرين، بناءً على متانة قاعدتها الاقتصادية وموقعها الاستراتيجي الذي يربط بين ثلاث قارات؛ وحرصت على تحسين البيئة الاستثمارية لزيادة جاذبيتها للمستثمرين، وقدمت عدداً من المبادرات الاستثمارية العملاقة، تحت مظلة صندوق الاستثمارات العامة، ومن تلك الجهود إطلاق صندوق الفعاليات الاستثماري، وشركة عسير للاستثمار، وتأسيس (5) شركات إقليمية، إضافة إلى دور الصندوق المحوري في تنويع الاقتصاد عبر المشاريع، وصرف 150 مليار ريال سنوياً في الاقتصاد ودعم المحتوى المحلي.

ويأتي توقيع مذكرة تفاهم بشأن مشروع إنشاء ممر اقتصادي جديد يربط الهند والشرق الأوسط وأوروبا، بلورة للأسس التي بنيت عليها بما يحقق مصالح المملكة المشتركة، ويعزز الترابط الاقتصادي مع شركائها من الدول الأخرى، بما ينعكس إيجاباً على الاقتصاد العالمي بصورة عامة، كما يظهر المشروع أهمية موقع المملكة الاستراتيجي الذي يربط الشرق بالغرب، وزيادة انفتاحها على المشاريع الرابطة للقارات التي تخدم التجارة البينية، وتعزز من دور المملكة الريادي عالمياً بصفتها مصدراً موثوقاً للطاقة وما تمتلكه من ميزات تنافسية تجعل مشاركتها فيه محورية لإنجاحه.

أيها الإخوة والأخوات: تعمل المملكة ضمن استراتيجيتها للطاقة، ودورها القيادي في ضمان استقرار الاقتصاد العالمي وأسواق الطاقة، على دعم استقرار وتوازن أسواق النفط العالمية، بوصف النفط عنصراً مهماً في دعم نمو الاقتصاد العالمي، ويتجلى ذلك في دورها المحوري في تأسيس واستمرار اتفاق مجموعة (أوبك بلس) نتيجة مبادراتها الهادفة إلى تسريع استقرار الأسواق واستدامة إمداداتها، وكذلك حرص المملكة على تنمية واستثمار جميع موارد الطاقة التي تتمتع بها.

وقد حظيت برامج ومبادرات منظومة الطاقة بالمملكة باهتمام كبير من الدولة، حيث اتضح الأثر الإيجابي لذلك في الاقتصاد السعودي من خلال الخطط والبرامج لزيادة مساهمة مصادر الطاقة المتجددة التي سوف تشكل نحو 50 في المائة من سعات إنتاج الطاقة الكهربائية في مزيج الطاقة بحلول عام 2030م.

وحققت بلادكم الريادة في حماية البيئة من خلال طرحها مبادرات محلية ودولية تعتمد على الطاقة النظيفة وتسهم في تقليل الانبعاثات الكربونية، ومن أهمها مبادرتا السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر، اللتان تؤكدان التزام المملكة بجهود الاستدامة الدولية، وتسهمان في زيادة قدرات المنطقة على حماية الأرض من خلال وضع خطة ذات معالم واضحة تعمل على تحقيق جميع المستهدفات العالمية.

وتأكيداً لدور المملكة في التصدي لتحديات المياه حول العالم والتزامها بقضايا الاستدامة البيئية، تم تأسيس منظمة عالمية للمياه مقرها الرياض، لتستكمل ما قدمته بلادكم على مدار عقود من تجربة عالمية رائدة في إنتاج ونقل وتوزيع المياه وابتكار الحلول التقنية لمواجهة تحدياتها، ومساهمتها في وضع قضايا المياه على رأس الأجندة الدولية، ومن ذلك تقديمها تمويلات تجاوزت 6 مليارات دولار لعدد من الدول الشقيقة والصديقة في 4 قارات حول العالم لمصلحة مشاريع المياه والصرف الصحي.

ولقد أسهم صندوق التنمية الوطني عبر جهاته المرتبطة به في تمويل أكبر مصنع لإنتاج الهيدروجين الأخضر في العالم مزمع إنشاؤه بمدينة «أوكساجون» في «نيوم»، ضمن جهود المملكة في التحول إلى الطاقة النظيفة وتلبية الطلب المتزايد للطاقة عالمياً، وانطلاقاً من دورها الريادي في تطوير مصادر طاقة جديدة وبديلة، حيث يمثل الهيدروجين الأخضر واحداً من أبرز الاستثمارات التي تقود المملكة تطويرها.

أيها الإخوة والأخوات: تأتي مكافحة الدولة للفساد واجتثاث جذوره، إدراكاً منها بأنه العدو الأول للتنمية والازدهار، وأن القضاء عليه مهمة وطنية جليلة تستلزم تكاتف الجميع في سبيل الحفاظ على المال العام، وحماية المكتسبات الوطنية، ومنع التكسب غير المشروع الذي ينافي ما جاء به الشرع الحنيف، ونؤكد أن الدولة ماضية في نهجها الواضح بمكافحة الفساد والقضاء عليه، والإعلان عن كل قضايا الفساد وما تتوصل إليه الأجهزة القضائية بكل عدل وشفافية، مع ضرورة التعاون الدولي الوثيق، وهو الذي نقوم به ضمن مبادرة الرياض العالمية، وضمن الاتفاقية العربية واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، لدرء مخاطره وآثاره المدمرة، بما يخدم المصالح المشتركة ويحد من الملاذات الآمنة للفاسدين.

وتعد المخدرات من الأزمات الكبرى التي تواجهها دول العالم، وأصبحت تؤثر في حياة الشعوب ومكتسباتها؛ واضطلاعاً من المملكة بدورها في حماية المجتمع من هذه الآفة الخطيرة والتصدي لها، أطلقت الحملة الأمنية لمكافحة المخدرات بدعم وقيادة سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، وقد حققت ولله الحمد نتائج ملموسة، ونؤكد في هذا المقام أن الضربات الاستباقية ستظل حازمة ولن تدع مجالاً للمهربين أو المروجين بأن يستهدفوا أبناءنا وبناتنا أو يعبثوا بأمننا بأي شكل من الأشكال.

وإيماناً منا بأهمية توعية المجتمع بأضرار المخدرات وخطورتها، تم تنظيم حملات توعوية في القطاعات كافة، وتوفير المراكز العلاجية والإرشادية الخاصة بمكافحتها والحد من آثارها.

أيها الإخوة والأخوات: لقد قامت المملكة على ركائز أساسية؛ هي عقيدة التوحيد، وشريعة الإسلام، ورحابة مبادئه وما احتواه من أسس التعايش السلمي لجميع أمم العالم مهما اختلفت انتماءاتهم الدينية والطائفية والعرقية، ونحن دعاة حوار وسلام عادل قائم على احترام الحقوق، والمواثيق الدولية، والتعايش السلمي بين الأمم والشعوب. ونعبر عن التزامنا واعتزازنا بقيمنا وثقافتنا القائمة على الحوار والتسامح والانفتاح، مع تأكيد احترامنا قيم الآخرين وثقافاتهم، واحترام سيادة واستقلال الدول وسلامة أراضيها. ونشدد على رفض المملكة القاطع أن يسيء كائن من كان تحت أي ذريعة إلى الدين الإسلامي، أو أن يحاول تشويه صورته، أو أن يعتدي على القرآن الكريم أو أن ينال من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أو صحابته الكرام - رضي الله عنهم ـ أو أن يمس شيئاً من مقدسات المسلمين، مؤكدين في الوقت ذاته أهمية تعزيز الحوار والتعاون بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات واحترام الأديان السماوية عموماً، من أجل السلام والوئام في العالم، وأن نشر قيم التسامح والسلام هو السبيل الأمثل لمواجهة خطابات الكراهية والتعصب والتطرف والعنف والتحريض.

إن شريعة الإسلام السمحة ورسالته السامية تنبذان العدوان والتطرف والإرهاب، ومواقف المملكة الثابتة القائمة على الدين الحنيف ترفض الإرهاب مهما اختلفت صوره، وتنوعت مشاربه، وتعددت مسوغاته، فهـو شـر ماحق، يزرع الفتنة بين المجتمعات، ويثير الكراهية والحقد بين الناس، ولا يعترف بحدود أو قيم، ولا يفرق بين الشعوب مهما تباينت معتقداتها وألوانها وأعراقها.

تؤمن المملكة دوماً بأن السبيل إلى الأمن والاستقرار، والتنمية والازدهار، يتطلب استمرار الجهود الجماعية في محاربة الإرهاب وجماعاته المجرمة، ومواجهة الفكر المتطرف الذي يتناقض مع كل القيم الدينية والإنسانية والأخلاقية، وإيماناً بمحاربة الفكر بالفكر، واجتثاث آفة الإرهاب من جذورها، ونبذ الكراهية والتطرف، أنشأت المملكة المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف «اعتدال»، الذي يهدف إلى مكافحة الفكر المتطرف ورسائله، ومحاربة أنشطته والحد من آثاره، ونشر مبادئ التسامح وتعزيز ثقافة الاعتدال، وذلك بالتعاون مع شركائنا على المستويين الإقليمي والدولي.

أيها الإخوة والأخوات: لقد رسخت المملكة مكانتها الإقليمية والدولية من خلال استضافتها قمة الرياض العربية الصينية للتعاون والتنمية، وأعمال الدورة العادية الـ32 لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة (قمـة جدة)، وقمة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ودول آسيا الوسطي، والقمة: (السعودية الأفريقية الأولى) والقمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية في مدينة الرياض؛ بالإضافة إلى زيارات سمو ولي العهد للدول الشقيقة والصديقة، ومشاركة سموه في المؤتمرات الدولية، وقيام العديد من رؤساء الدول بزيارة المملكة التي أضحت صانعة سلام يشار إليها بالبنان في كل مقام.

ونجحنا على المستوى الخليجي في تفعيل الدور الاستراتيجي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية إقليمياً وعالمياً، وأكدت القمة الخليجية الـ43 أهمية التنفيذ الكامل والدقيق لرؤيتنا، ومن ذلك استكمال مقومات الوحدة الاقتصادية والمنظومتين الدفاعية والأمنية المشتركة، وتنسيق المواقف بما يعزز تضامن واستقرار دول المجلس، والحفاظ على مصالحها، ويجنبها الصراعات الإقليمية والدولية، ويلبي تطلعات مواطنيها وطموحاتهم، ويعزز دورها الإقليمي والدولي من خلال توحيد المواقف السياسية وتطـوير الشراكات الاستراتيجية مع المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية والدولية والدول الشقيقة والصديقة.

ودعمت المملكة منذ تأسيسها وحدة الصف العربي وتضامنه وتكاتفه في مواجهة الأخطار والتحديات والمتغيرات التي مرت بها المنطقة العربية، وما شهدته من منعطفات سياسية كبيرة أثرت في معظم الدول، ومن تلك المواقف الرامية إلى تحقيق السلام والأمن والاستقرار والازدهار في المنطقة، دعم الجهود والمبادرات القائمة لإيجاد حل سياسي شامل للأزمات في اليمن والسودان وسوريا.

وعلى المستوى الإسلامي، اضطلعت بلادكم بدور مهم وجوهري في خدمة الإسلام ونشر تعاليمه السمحة، والدفاع عن قضايا المسلمين عموماً؛ انطلاقاً من كونها حاضنة للحرمين الشريفين وقبلة للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.

وأولت المملكة قضايا الأمتين العربية والإسلامية اهتمامها البالغ؛ إيماناً منها بأهمية لم شمل العرب والمسلمين والعمل على وحدة الصف وتوحيد الكلمة لمواجهة ما يبرز من تحديات للأمتين وقضاياهما على الصعد كافة.

ونؤكد في هذا المقام وقوفنا المستمر مع الشعب الفلسطيني الشقيق الذي تعرض لحرب شعواء في قطاع غزة راح ضحيتها الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين العزل ونبذل كل الجهود الممكنة بالتواصل مع الأطراف الدولية والإقليمية كافة؛ لوقف أعمال العدوان الجاري في قطاع غزة؛ ومنع اتساعه في المنطقة، وتأكيد ضرورة الالتزام بالقانون الدولي الإنساني وعدم استهداف المدنيين.

ونشدد على دور الأمم المتحدة ومؤسساتها في توفير ممرات إنسانية آمنة، لتقديم الرعاية الطبية والاحتياجات الغذائية للمدنيين الذين هم تحت الحصار في غزة، ونؤكد رفضنا القاطع لاستهدافهم بأي شكل من الأشكال وتحت أي ذريعة، ورفض محاولات التهجير القسري.

وفي إطار دور المملكة العربية السعودية التاريخي وجهنا بإطلاق حملة شعبية لإغاثة الشعب الفلسطيني الشقيق في قطاع غزة، وبادرت بلادكم بتقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية جواً وبحراً، وقد عقدت قمة عربية إسلامية مشتركة غير عادية بالرياض، بناءً على طلب المملكة؛ لتشكيل موقف عربي موحد وتكثيف الضغط الدولي، للوصول إلى وقف العدوان في غزة، وتعزيز الجهود الرامية إلى دعم أمن واستقرار المنطقة. ونؤكد أن أمن منطقة الشرق الأوسط يتطلب الإسراع في إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، يُبنى على أساس قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية بما يكفل حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية، وتجدد المملكة رفضها وإدانتها جميع الإجراءات الأحادية التي تعد مخالفة وانتهاكاً صارخاً لجميع القوانين الدولية وتسهم في تقويض جهود السلام الإقليمية والدولية وتعرقل مسارات الحلول السياسية.

وفي الشأن اليمني، تؤكد المملكة حرصها على أمن واستقرار الجمهورية اليمنية الشقيقة، ودعم جميع الجهود الرامية لحل الأزمة، ورفع المعاناة الإنسانية عن الشعب اليمني الشقيق، والدفع نحو الوصول إلى الحلول السياسية، لإعادة الأمن والاستقرار إلى اليمن، ودرء التهديد عن المملكة والمنطقة، ونعرب عن ارتياحنا للبيان الذي أصدره المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن بشأن التوصل إلى خارطة طريق لدعم مسار السلام الذي جاء متوافقاً مع مبادرة المملكة لإنهاء الحرب في اليمن، ودعمها للجهود الأممية والدولية؛ للتوصل إلى حل سياسي شامل ومتوافق مع المرجعيات الثلاث، ومنها قرار مجلس الأمن رقم 2216.

وفي العراق الشقيق، تدعم المملكة الجهود التي تبذلها الحكومة العراقية الرامية إلى تحقيق الاستدامة في النمو والازدهار، والأمن والاستقرار، والحفاظ على سلامة العراق ووحدة أراضيه، وسيادته الكاملة وهويته العربية الإسلامية، ونسيجه الاجتماعي ووحدته الوطنية؛ ومساندته لمواجهة الجماعات الإرهابية والميليشيات المسلحة؛ تكريساً لسيادة الدولة وإنفاذ القانون.

وفيما يتعلق بالسودان الشقيق، نؤكد مواقف المملكة الثابتة بشأن الحفاظ على أمن السودان وسلامته واستقراره، والحفاظ على تماسك الدولة ومؤسساتها ومنع انهيارها، ومساندته في مواجهة تطورات وتداعيات الأزمة الحالية، وضرورة التهدئة، وتغليب لغة الحوار وتوحيد الصف، ورفع المعاناة عن الشعب السوداني الشقيق، والحيلولة دون أي تدخل خارجي في الشأن السوداني يؤجج الصراع ويهدد السلم والأمن الإقليميين، وقد استضافت المملكة محادثات السلام السودانية في مدينة جدة، تأكيداً لموقفها، واستشعاراً لمسؤوليتها، وحرصها على أمن واستقرار السودان الشقيق.

وتدعم المملكة قرار جامعة الدول العربية استئناف مشاركة وفود الحكومة السورية في اجتماعات مجلس الجامعة والمنظمات والأجهزة التابعة لها، ومخرجات قمة جدة، ونأمل أن يسهم ذلك في دعم واستقرار الجمهورية العربية السورية الشقيقة ووحدة أراضيها، وإيجاد حل عاجل للأزمة السورية يسهم في العودة الطوعية الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم.

وفي لبنان الشقيق، تقف المملكة باستمرار إلى جانب الشعب اللبناني الشقيق، وتدعو الأطراف اللبنانية إلى تنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية هيكلية شاملة تقود إلى تجاوز الأزمة الحالية، كما تؤكد المملكة بسط الدولة لسلطتها على جميع الأراضي اللبنانية مع الالتزام بأحكام قرارات مجلس الأمن ذات الصلة واتفاق الطائف، بما يسهم في ضبط الأمن والتصدي للمخدرات والأنشطة الإرهابية التي تهدد أمن المنطقة والعالم.

وفيما يتعلق بأفغانستان، تؤكد المملكة أهمية تحقيق الأمن والاستقرار، وضمان عدم تحول أفغانستان إلى ملاذ للجماعات والتنظيمات الإرهابية، وتحث على تكثيف الجهود الإقليمية والدولية؛ لتقديم المساعدات الإنسانية والاقتصادية، للتخفيف من معاناة الشعب الأفغاني الشقيق.

أيها الإخوة والأخوات: لقد جاء ترحيبنا بمبادرة الرئيس الصيني لتطوير علاقات حُسن الجوار بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، انطلاقاً من نهج المملكة الثابت والمستمر منذ تأسيسها في التمسك بمبادئ حسن الجوار، والاحترام المتبادل، والأعراف والقوانين والمواثيق الدولية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وحل الخلافات بالطرق السلمية والحوار المباشر، والأخذ بكل ما من شأنه تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.

وتنهج المملكة سياسة حكيمة وثابتة في إقامة علاقات متوازنة مع الدول الشقيقة والصديقة، مكنتها من القيام بدور الوسيط المخلص والنزيه لحل الخلافات وتسوية المشكلات التي تقع بين بعض الدول، ومن تلك الجهود استضافة المملكة ممثلين عن القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع من أجل الوصول لوقف دائم للأعمال العدائية، واستضافة اجتماع لمُستشاري الأمن الوطني، وممثلي عدد من الدول بشأن الأزمة بين روسيا وأوكرانيا والتي أكدت المملكة موقفها الثابت منها المبني على مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، والحفاظ على النظام الدولي القائم على احترام سيادة الدول وسلامة أراضيها واستقلالها السياسي، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وعدم استخدام القوة أو التهديد بها، وتدعم جهود الوساطة لحل الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، ووقف إطلاق النار، وحل الأزمة سياسياً، وتغليب لغة الحوار، وتسوية النزاع من خلال المفاوضات.

أيها الإخوة والأخوات: استشعاراً لدور بلادكم الإنساني تجاه العالم، واستلهاماً من رسالتها في المحافظة على كرامة الإنسان النابعة من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، أولت المملكة اهتماماً كبيراً بإغاثة الملهوف ومساعدة المحتاج، والمحافظة على حياة الإنسان وكرامته وصحته، ومد يد العون وتقديم الدعم والعطاء والمساندة للأفراد والدول الشقيقة والصديقة، من خلال مؤسساتها الإغاثية، ومنصاتها الخيرية.

ولقد تصدرت المملكة الدول المانحة في مجال تقديم المساعدات الإنمائية الرسمية (إنسانية وتنموية) إلى الدول منخفضة ومتوسطة الدخل.

وبلغ إجمالي المساعدات السعودية خلال العقود الماضية حتى وقتنا الحالي 123.22 مليار دولار أميركي، حيث نُفذ (5694) مشروعاً استفادت منها 167 دولة حول العالم، إضافة إلى تقديم (782) مساهمة لـ(62) جهة مستفيدة من المنظمات والهيئات الدولية.

وبادرت المملكة منذ بداية الأزمة السودانية إلى إجلاء (8455) شخصاً من (110) دول وإعادتهم إلى أوطانهم سالمين، كما أسهمت في إنشاء منطقة إنسانية لبرنامج الأغذية العالمي في جدة؛ لتكون مركزاً لتخزين وإرسال المساعدات الإنسانية إلى جمهورية السودان، والبلدان المجاورة المتضررة من الأزمة.

ومن منطلق حرصنا على الوقوف إلى جانب المتضررين من الشعوب الشقيقة، وجهنا بتقديم مساعدات صحية وإيوائية وغذائية ولوجيستية إلى كل من تركيا وسوريا والمغرب، لتخفيف معاناتهم جراء الزلازل المدمرة التي وقعت، وسببت خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، إضافة إلى وقوفنا مع دولة ليبيا الشقيقة، وتقديم مساعدات غذائية وإغاثية للمتضررين من الفيضانات، وللتخفيف من معاناة الشعب الليبي الشقيق.

وفي الختام، نشكر جميع العاملين في أجهزة الدولة الذين يخدمون وطنهم بكل إخلاص، والمتفانين في إنجاز مستهدفات رؤية المملكة بما يحقق للوطن الرفعة والتقدم، ويدفعه إلى المراتب العليا عالمياً.

والشكر موصول لمنسوبي القطاعات الأمنية والعسكرية كافة، وللجنود الأبطال المرابطين على الحدود، سائلين المولى عز وجل أن يتقبل من قضوا في سبيل حماية الوطن ومقدراته ومكتسباته في عداد الشهداء، وأن يمنّ على المصابين بالشفاء العاجل، كما نشكر مجلس الشورى على جهوده وما يقدمه من أعمال ضمن اختصاصاته، راجين من الله أن يوفقنا جميعاً لما يحبه و يرضاه، إنه سميع مجيب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


مقالات ذات صلة

القيادة السعودية تهنئ سلطان عُمان بذكرى اليوم الوطني لبلاده

الخليج خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان (الشرق الأوسط)

القيادة السعودية تهنئ سلطان عُمان بذكرى اليوم الوطني لبلاده

هنأ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، السلطان هيثم بن طارق، سلطان عُمان، بمناسبة ذكرى اليوم الوطني لبلاده.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (الخارجية السعودية)

ولي العهد السعودي والرئيس الفرنسي يستعرضان التطورات هاتفياً

استعرض الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، الخميس، مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تطورات الأوضاع الإقليمية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين (الخارجية السعودية)

محمد بن سلمان وبوتين يناقشان التطورات والأزمة الأوكرانية

أشاد ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس (الأربعاء)، بالعلاقات المتميزة بين السعودية وروسيا وبالجهو.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين (الخارجية السعودية)

محمد بن سلمان وبوتين يناقشان التطورات والأزمة الأوكرانية

أشاد الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأربعاء، بالعلاقات المتميزة بين السعودية وروسيا.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج الأمير محمد بن سلمان لدى ترؤسه جلسة مجلس الوزراء السعودي في الرياض (واس)

السعودية تجدد دعوتها دول العالم للانضمام لتحالف «حل الدولتين»

جدد مجلس الوزراء السعودي، الثلاثاء، التأكيد على وقوف بلاده إلى جانب الأشقاء في فلسطين ولبنان، لتجاوز التبعات الإنسانية الكارثية جراء العدوان الإسرائيلي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

مسؤول إيراني لـ«الشرق الأوسط»: عازمون مع الرياض على إرساء السلام في المنطقة

نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)
نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)
TT

مسؤول إيراني لـ«الشرق الأوسط»: عازمون مع الرياض على إرساء السلام في المنطقة

نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)
نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)

أكد نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي، أن إيران والسعودية تعتزمان إرساء السلام وديمومة الهدوء في منطقة متنامية ومستقرّة، مضيفاً أن ذلك يتطلب «استمرار التعاون الثنائي والإقليمي وتعزيزه، مستهدفين تذليل التهديدات الحالية».

وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» على هامش زيارته إلى السعودية التي تخلّلها بحث العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها وتطويرها في شتى المجالات، بالإضافة إلى مناقشة المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية، خلال لقاء، الاثنين، مع وليد الخريجي، نائب وزير الخارجية السعودي، قال روانجي: «الإجراءات الإيرانية - السعودية تتوّج نموذجاً ناجحاً للتعاون الثنائي ومتعدد الأطراف دوليّاً في إطار التنمية والسلام والأمن الإقليمي والدولي»، مشدّداً على استمرار البلدين في تنمية التعاون في مختلف المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والتجارية والقنصلية؛ بناءً على الأواصر التاريخية والثقافية ومبدأ حسن الجوار، على حد وصفه.

الجولة الثانية من المشاورات الثلاثية عُقدت في الرياض الثلاثاء (واس)

والثلاثاء، رحبت السعودية وإيران «بالدور الإيجابي المستمر لجمهورية الصين الشعبية وأهمية دعمها ومتابعتها لتنفيذ (اتفاق بكين)»، وفقاً لبيان صادر عن الخارجية السعودية، أعقب الاجتماع الثاني للجنة الثلاثية السعودية - الصينية - الإيرانية المشتركة لمتابعة «اتفاق بكين» في العاصمة السعودية الرياض.

وأشار نائب وزير الخارجية الإيراني إلى أن الطرفين «تبادلا آراءً مختلفة لانطلاقة جادة وعملية للتعاون المشترك»، ووصف اجتماع اللجنة الثلاثية في الرياض، بأنه «وفَّر فرصة قيّمة» علاقات متواصلة وإيجابية بين إيران والسعودية والصين.

روانجي الذي شغل سابقاً منصب سفير إيران لدى الأمم المتحدة، وعضو فريق التفاوض النووي الإيراني مع مجموعة «5+1»، اعتبر أن أجواء الاجتماعات كانت «ودّية وشفافة»، وزاد أن الدول الثلاث تبادلت الآراء والموضوعات ذات الاهتمام المشترك وأكّدت على استمرار هذه المسيرة «الإيجابية والاستشرافية» وكشف عن لقاءات «بنّاءة وودية» أجراها الوفد الإيراني مع مضيفه السعودي ومع الجانب الصيني، استُعرضت خلالها مواضيع تعزيز التعاون الثنائي، والثلاثي إلى جانب النظر في العلاقات طوال العام الماضي.

الجولة الأولى من الاجتماعات التي عُقدت في بكين العام الماضي (واس)

وجدّد الجانبان، السعودي والإيراني، بُعيد انعقاد الاجتماع الثاني للجنة الثلاثية السعودية - الصينية - الإيرانية المشتركة لمتابعة «اتفاق بكين» في الرياض، الخميس، برئاسة نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي، ومشاركة الوفد الصيني برئاسة نائب وزير الخارجية الصيني دنغ لي، والوفد الإيراني برئاسة نائب وزير خارجية إيران للشؤون السياسية مجيد تخت روانجي؛ التزامهما بتنفيذ «اتفاق بكين» ببنوده كافة، واستمرار سعيهما لتعزيز علاقات حسن الجوار بين بلديهما من خلال الالتزام بميثاق الأمم المتحدة وميثاق منظمة التعاون الإسلامي والقانون الدولي، بما في ذلك احترام سيادة الدول واستقلالها وأمنها.

من جانبها، أعلنت الصين استعدادها للاستمرار في دعم وتشجيع الخطوات التي اتخذتها السعودية وإيران، نحو تطوير علاقتهما في مختلف المجالات.

ولي العهد السعودي والنائب الأول للرئيس الإيراني خلال لقاء في الرياض الشهر الحالي (واس)

ورحّبت الدول الثلاث بالتقدم المستمر في العلاقات السعودية - الإيرانية وما يوفره من فرص للتواصل المباشر بين البلدين على المستويات والقطاعات كافة، مشيرةً إلى الأهمية الكبرى لهذه الاتصالات والاجتماعات والزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين في البلدين، خصوصاً في ظل التوترات والتصعيد الحالي في المنطقة؛ ما يهدد أمن المنطقة والعالم.

كما رحّب المشاركون بالتقدم الذي شهدته الخدمات القنصلية بين البلدين، التي مكّنت أكثر من 87 ألف حاج إيراني من أداء فريضة الحج، وأكثر من 52 ألف إيراني من أداء مناسك العمرة بكل يسر وأمن خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الحالي.

ورحّبت الدول الثلاث بعقد الاجتماع الأول للجنة الإعلامية السعودية - الإيرانية المشتركة، وتوقيع مذكرة تفاهم بين معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية ومعهد الدراسات السياسية والدولية، التابع لوزارة الخارجية الإيرانية.

كما أعرب البلدان عن استعدادهما لتوقيع اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي (DTAA)، وتتطلع الدول الثلاث إلى توسيع التعاون فيما بينهما في مختلف المجالات، بما في ذلك الاقتصادية والسياسية.

ودعت الدول الثلاث إلى وقف فوري للعدوان الإسرائيلي في كلٍ من فلسطين ولبنان، وتدين الهجوم الإسرائيلي وانتهاكه سيادة الأراضي الإيرانية وسلامتها، كما دعت إلى استمرار تدفق المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى فلسطين ولبنان، محذرة من أن استمرار دائرة العنف والتصعيد يشكل تهديداً خطيراً لأمن المنطقة والعالم، بالإضافة إلى الأمن البحري.

وفي الملف اليمني، أكدت الدول الثلاث من جديد دعمها الحل السياسي الشامل في اليمن بما يتوافق مع المبادئ المعترف بها دولياً تحت رعاية الأمم المتحدة.

وكانت أعمال «الاجتماع الأول للجنة الثلاثية المشتركة السعودية - الصينية - الإيرانية»، اختتمت أعمالها في العاصمة الصينية بكّين، ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، وأكد خلاله المجتمعون على استمرار عقد اجتماعات اللجنة الثلاثية المشتركة، وعلى مدى الأشهر الماضية، خطت السعودية وإيران خطوات نحو تطوير العلاقات وتنفيذ «اتفاق بكين»، بإعادة فتح سفارتيهما في كلا البلدين، والاتفاق على تعزيز التعاون في كل المجالات، لا سيما الأمنية والاقتصادية.

وأعادت إيران في 6 يونيو (حزيران) الماضي، فتح أبواب سفارتها في الرياض بعد 7 أعوام على توقف نشاطها، وقال علي رضا بيغدلي، نائب وزير الخارجية للشؤون القنصلية (حينها): «نعدّ هذا اليوم مهماً في تاريخ العلاقات السعودية - الإيرانية، ونثق بأن التعاون سيعود إلى ذروته»، مضيفاً: «بعودة العلاقات بين إيران والسعودية، سنشهد صفحة جديدة في العلاقات الثنائية والإقليمية نحو مزيد من التعاون والتقارب من أجل الوصول إلى الاستقرار والازدهار والتنمية».