رغم أن مصر تضم ملايين الأطفال، فإنه توجد «عقبات» في اكتشاف المواهب الكروية، ما يثير تساؤلات حول موضع الخلل بمنظومة رياضية يُفترض أن تكون منجماً لا ينضب من النجوم.
ففي بلدٍ يعشق كرة القدم إلى حدّ الهوس، ويلمع فيه محمد صلاح بوصفه أيقونة ملهمة، توالت التصريحات بشأن معوقات اكتشاف وتطوير المواهب الكروية، فالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عبّر مؤخراً عن دهشته من عجز الدولة عن إنتاج آلاف اللاعبين الموهوبين على غرار «الملك المصري»، رغم امتلاك قاعدة شبابية ضخمة. أما اللاعب السابق محمود عبد الرازق «شيكابالا»، فوصف المنظومة الكروية بأنها «مقلوبة»، مشيراً إلى أن «اللعبة لم تعد متاحة لأبناء الطبقات الفقيرة، بل أصبحت حكراً على من يملك المال».
وأثار التصريحان نقاشاً حول الحاجة إلى مراجعة آليات اكتشاف المواهب، لا سيما مع ظهور مواهب بالريف المصري والأحياء الشعبية حققت شهرة لافتة على مواقع «السوشيال ميديا» بعد نشر مقاطع فيديو توثق مهاراتهم الفذة.

وبلغ عدد اللاعبين المسجلين في جميع الفرق المصرية نحو 151 ألف لاعب، وفق التقرير الختامي للنشاط الرياضي لكرة القدم عن الموسم الماضي (2023 - 2024)، من بينهم حوالي 20 ألفاً مسجلين في الفرق الأولى بكل الأندية.
قائد الأهلي المصري الأسبق، مصطفى يونس، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن الأجيال الكروية الفذة في مصر جاءت من تحت التراب، في إشارة إلى أنها نشأت في الشوارع والأندية الصغيرة، مضيفاً: «هذه البيئة هي التي تخرج المواهب الحقيقية، أما الآن تحول الأمر، هناك أسر تدفع ثلاثين ألفاً وخمسين ألف جنيه (نحو ألف دولار) لضمان أن يلعب أبناؤها، لذا أصبحت كرة القدم اليوم لمن يملك المال».

واستطرد: «الأندية الكبرى، مثل الأهلي والزمالك، تشتري اللاعبين ولا تُخرج ناشئين، وقطاعات الناشئين تحولت في غالبية الأندية إلى مساحة للمحسوبية».
ويطالب يونس الدولة المصرية بالبدء في «إصلاح منظومة كرة القدم من أول السطر، لمواجهة ما بها من فساد هيكلي»، بحسب وصفه.
وقال أحمد صلاح البعلي، منظم دورة شعبية بقرية البعالوة الصغرى بمحافظة الإسماعيلية (شرق القاهرة)، لـ«الشرق الأوسط»، إن «المشكلة لا تكمن في غياب المواهب، بل في غياب الاهتمام الرسمي بها»، مؤكداً أن «القُرى تزخر بمواهب كروية تفوق مهاراتها لاعبي الدوري الممتاز، وإذا قام اتحاد كرة القدم بتكليف كشّافين لحضور الدورات الشعبية التي تقام بها، لاكتشفوا مواهب قادرة على حصد البطولات».

كما ينتقد البعلي التغطية الإعلامية الرياضية في مصر، عادّاً أنها تتجاهل المواهب في الأندية الصغيرة والقرى، مضيفاً: «الإعلام الرياضي ليس محايداً، لو أرسلوا مراسلين لتغطية الدرجات الأدنى والدورات الرمضانية والصيفية، لاكتشفوا كرة قدم مختلفة تماماً».
أما رئيس الاتحاد المصري للثقافة الرياضية، الناقد الرياضي أشرف محمود، فلمح إلى أسباب عدة تعيق اكتشاف المواهب، لافتاً إلى أن «المشكلة تكمن أولاً في غياب الأساليب العلمية في انتقاء اللاعبين، كون آلية اكتشاف المواهب غالباً ما تُوكل للاعبين سابقين، الذين يفتقدون الانتقاء العلمي للمواهب».
ويوضح محمود لـ«الشرق الأوسط»، أن «السبب الثاني والأخطر هو التحول الاقتصادي لقطاع الناشئين، بعد بيع أندية لقطاعات الناشئين لديها لمستثمرين»، وواصل: «تتعمق المشكلة أيضاً مع انتشار الأكاديميات الخاصة التي أسستها الأندية، والتي تهدف بشكل أساسي إلى تحصيل الأموال، دون النظر إلى مخرجاتها من اللاعبين».
واختتم بأن القاعدة الشبابية الكبيرة تحتاج إلى إرادة وتخطيط استراتيجي واسع المدى، مؤكداً أن حلم الجميع بظهور صلاح آخر لن يتحقق بمجرد الرغبة.
لتفعيل هذه الرغبة، يوضح النائب البرلماني محمود حسين، رئيس لجنة الشباب والرياضة بمجلس النواب المصري، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن مصر في حاجة بالغة لإعداد الناشئين بصورة جيدة عبر منظومة متكاملة تستفيد من تجارب الدول الأخرى التي برزت مؤخراً في هذه المرحلة، مثل المغرب التي توّجت بكأس العالم للشباب مؤخراً، مؤكداً أن مصر لديها آلاف اللاعبين الموهوبين على غرار محمد صلاح، في حاجة فقط لمن يكتشفهم.

ويُحمّل البرلماني الحكومة مسؤولية إنشاء مدارس رياضية خاصة بالناشئين، يلتحقون بها لإعدادهم جيداً، على أن تتعلق مجالات دراستهم بالمجال الكروي بشكل شامل، فهم في حاجة على سبيل المثال إلى تعلم اللغات الأجنبية حتى لا يصطدموا بعائق اللغة عند توجههم للخارج مستقبلاً، إلى جانب الإعداد البدني السليم، والتأهيل النفسي.
هنا، يوضح الدكتور وائل الرفاعي، أستاذ علم النفس الرياضي بجامعة حلوان، لـ«الشرق الأوسط»، أن الإعداد النفسي للاعبين يجب أن يبدأ في سن مبكرة، منتقداً غياب المنهجية العلمية في الأندية، التي تكتفي بتدريب اللاعب على المهارات الفنية، وعدم إخضاعه لقياسات علمية دقيقة، كما أن المنظومة الكروية الحالية تفتقر إلى استخدام التكنولوجيا والتقنيات الحديثة في الكشف عن المواهب المبكرة عبر اختبارات فيسيولوجية تحدد ما إذا كان هذا اللاعب مؤهلاً للعب كرة القدم أم لا.
ودعا الرفاعي إلى ضرورة إحداث ثورة في طريقة تأهيل اللاعب المصري، مشدداً على أهمية بناء العقلية الاحترافية منذ سن مبكرة، مبيناً أن الرياضة الحديثة تجاوزت مرحلة التدريب البدني التقليدي، لتركز على الذكاء النفسي والقدرة على إدارة الضغوط العصبية، موضحاً أن التجهيز النفسي للاعبين يتطلب فهم جوانب معقدة، مثل «التكيف النفسي» و«النمط العصبي» الخاص بالرياضي، والأهم من ذلك، بناء «الصلابة العقلية».

