بعد محاولات عدة غير مثمرة، سيحقق المغرب أخيراً حلم تنظيم كأس العالم في كرة القدم مع جارتيه إسبانيا والبرتغال عام 2030، ما يمثل فرصة سانحة لتعزيز قوته الناعمة من خلال «دبلوماسية الكرة».
قبل 36 عاماً كانت المملكة المغربية أول بلد أفريقي يترشح لتنظيم الحدث الرياضي الأهم في العالم (نسخة 1994)، وأصرت على هذا الطموح في 4 محاولات أخرى فاشلة آخرها لنسخة 2026. وكان المغرب قريباً من الفوز في سباق نسخة 2010 الذي ربحته في النهاية جنوب أفريقيا بفارق 4 أصوات.
الأربعاء، يرتقب أن يصدّق الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) على اعتماد الملف المغربي الإيبيري، بعدما قرر خريف العام الماضي اختياره ترشيحاً وحيداً. وهو القرار الذي أعلنه العاهل المغربي باحتفاء معتبراً أنه «اعتراف بالمكانة الخاصة التي يحظى بها المغرب بين الأمم الكبرى».
يمثل هذا التحدي بالنسبة للمملكة المغربية؛ حيث تحظى الكرة بشعبية كبيرة، «فرصة فريدة من أجل تقوية دينامية نمو الاقتصاد الوطني خلال السنوات المقبلة، وخلق المزيد من فرص العمل، وتعزيز الجاذبية السياحية للبلاد»، كما أوضح رئيس لجنة المغرب 2030 فوزي لقجع خلال مجلس وزاري الأسبوع الماضي.
وذلك من خلال مشاريع عدة، تشمل على الخصوص «توسعة وتجديد المطارات»، و«الطرق»، و«البنية التحتية الفندقية والتجارية»، و«تقوية وتحديث المنشآت الصحية»، و«تطوير وتحديث شبكات الاتصال»، وفق ما أوضح بيان للمجلس الوزاري الذي ترأسه الملك.
يصادف مونديال 2030 أيضاً طموحاً استراتيجياً لبلوغ معدل نمو 6 في المائة سنوياً في أفق عام 2035، لتجاوز معضلة التفاوتات الاجتماعية والمناطقية، بالرهان أساساً على استقطاب استثمارات في البنى التحتية والصناعة والخدمات؛ حيث لا تزال الزراعة توظف ثلث السكان النشيطين (13.6 في المائة معدل بطالة حتى سبتمبر/أيلول).
ولم يتجاوز معدل النمو العام الماضي 2.9 في المائة، و2.8 حتى الفصل الثالث من هذا العام، وفق أرقام رسمية.
على الصعيد الرياضي، من المقرر «تأهيل» 6 ملاعب في كل من الرباط والدار البيضاء (غرب) وفاس وطنجة (شمال) ومراكش (وسط) وأغادير (جنوب)، إضافة إلى تشييد ملعب ضخم ببلدة بن سليمان ضواحي الدار البيضاء يتسع لـ115 ألف متفرج.
ويعول عليه المغرب لاحتضان افتتاح البطولة أو النهائي، بتكلفة تناهز 5 مليارات درهم (نحو 500 مليون دولار)، وفق ما أفادت الحكومة في وقت سابق.
لكن هذه «البنيات التحتية التي ستكون إرثاً للأجيال المقبلة»، ليست الحافز الوحيد لإصرار المغرب على تنظيم كأس العالم منذ 3 عقود. فقد أدرك، منذ فوز العدائين نوال المتوكل وسعيد عويطة بأول ميداليتين ذهبيتين في أولمبياد لوس أنجليس 1984، أهمية الرياضة في الترويج لصورته، وفق الباحث في السياسات الرياضية منصف اليازغي.
ويذكّر بأن فكرة الترشح لتنظيم المونديال طُرحت أول مرة بعد الصدى الإيجابي الذي خلفه تأهل «أسود الأطلس» للدور الثاني لمونديال 1986 بالمكسيك، وكان حينها إنجازاً غير مسبوق للكرة الأفريقية والعربية.
ويستطرد عالم الاجتماع المختص في علوم الرياضة عبد الرحيم بورقية موضحاً أن «تحسين مختلف أنواع الخدمات والبنيات التحتية لن يكون فقط محركاً للاقتصاد»، بل سيمكن أيضاً من «ربط صورة المغرب لدى زواره أكثر فأكثر بالقيم الإيجابية للرياضة، من جودة الحياة والثقة» في البلد.
اختار المغرب تاريخياً الانفتاح على الخارج، خصوصاً بلدان أوروبا الغربية، لاستقطاب الاستثمارات والسياح. ووجه هذا الانفتاح في الأعوام الأخيرة نحو أفريقيا؛ حيث أطلق استثمارات عدة وعزز حضوره في العديد من بلدان القارة.
موازاة مع عودته للاتحاد الأفريقي عام 2017 «رأينا دبلوماسية كروية تجاه بلدان القارة»، كما يضيف اليازغي، مشيراً إلى 44 اتفاقية شراكة بين الاتحاد المغربي واتحادات أفريقية في كرة القدم خلال الأعوام الماضية.
تأكيداً لهذا التوجه، يحتضن المغرب كأس أمم أفريقيا نهاية العام المقبل، بعدما تراجع عن استضافة دورة 2015 بسبب وباء إيبولا، كما استضاف كأس أمم أفريقيا للسيدات في 2023، ويفترض أن ينظم أيضاً كأس العالم للأندية عام 2029، بعد 3 نسخ سابقة.
لكن الأولوية ظلت للظفر بتنظيم كأس العالم، ففي اليوم التالي لإخفاقه في سباق تنظيم مونديال 2026، أعلن الملك محمد السادس نية بلاده في الترشح مجدداً لتنظيم نسخة 2030.
لم يتم تفعيل هذه النية رسمياً، إلى أن أعلن العاهل المغربي في رسالة لمؤتمر الاتحاد الأفريقي (كاف) برواندا في مارس (آذار) 2023 تقديم ترشيح مشترك مع إسبانيا والبرتغال.
على الصعيد الرياضي، يشير اليازغي إلى أهمية المشاركة في البطولات الكبرى وتنظيمها في تطوير كرة القدم المحلية وزيادة الممارسين، حيث «لا يتجاوز عدد اللاعبين المرخص لهم نحو 90 ألفاً من أصل 38 مليون نسمة».
لتجاوز ضعف التكوين في الأندية المحلية، أطلق الاتحاد المغربي في أغسطس (آب) شراكة مع عملاق الفوسفات العالمي «المكتب الشريف للفوسفات» لتمويل مراكز لتكوين لاعبين محترفين، وذلك في سياق الزخم الكبير الذي خلفه تألق «أسود الأطلس» في مونديال 2022، عندما بلغوا نصف النهائي في سابقة أفريقية، وأولمبياد باريس، حيث أحرزوا الميدالية البرونزية.