مرة أخرى، تكون دولة الإمارات العربية المتحدة القطب الجاذب للأضواء بسبب تلاقي 3 أحداث رئيسية دفعة واحدة: الحدث الأول عنوانه العيد الوطني الإماراتي والاحتفال بالعيد الـ52 لولادة الدولة، والثاني تواصل فعاليات قمة المناخ (كوب 28) التي تستضيفها دبي، التي شهدت تدفق وفود من كل حدب وصوب، والثالث مهرجان الشيخ منصور بن زايد للخيول العربية الأصيلة، وإلى جانبه الملتقى العالمي للخيول العربية الأصيلة، اللذان استضافتهما أبوظبي من 28 نوفمبر (تشرين الثاني) إلى 3 ديسمبر (كانون الأول).
وإلى جانب الحدثين الأولين الرئيسيين، فإن أبوظبي كانت عاصمة الخيول العربية الأصيلة وشغلها الشاغل، حيث تدفق إليها ما يزيد على 400 ضيف، قدموا من 40 دولة وهم من أبرز الفاعلين والضالعين في صناعة الخيول ورياضتها الآخذة باحتلال مكانة بارزة على الصعد الرسمية والشعبية والإعلامية.
وهذا العام، استضافت أبوظبي، من جهة، النسخة الثالثة عشرة للملتقى العالمي للخيول العربية الأصيلة، ومن جهة ثانية تمتعت بسباقات النسخة 2023 من مهرجان سباقات الشيخ منصور بن زايد في مضمار نادي أبوظبي للفروسية الذي يعد من ميادين السباق المميزة. وأبرز هذه السباقات، سباق جوهرة الشيخ زايد بن سلطان الذي تبلغ قيمة جائزته 5 ملايين درهم. ويضاف إلى ذلك، السباقات التي جرت برعاية مهرجان الشيخ منصور بن زايد في مدينة العين، وسباق الشيخة فاطمة بنت مبارك للقدرة (الخاص بالسيدات).
بيد أن الحديث عن مهرجان الشيخ منصور بن زايد، نائب رئيس دولة الإمارات نائب رئيس مجلس الوزراء، لا يستقيم من غير التركيز على فعاليات الملتقى العالمي للخيول العربية الأصيلة ولجلساته الست التي استضافتها قاعات فندق «دوسيت ثاني» وشهدت مداخلات ومناقشات ذات مستوى متميز. فالندوة الأولى تركزت حول توليد الخيول العربية الأصيلة، وثانيها دار حول محور مستقبل سباقات الخيول العربية، وثالثها الإعلام والعلاقات العامة.
أما العناوين الأخرى للندوات فقد جاءت كالتالي: التحديات في تدريب وسباقات الخيول العربية ودور المرأة في هذه الرياضة وآخرها تركز حول رياضة السباقات ووسائل التواصل الاجتماعي. وتجدر الإشارة إلى أن منظمي المهرجان والمنتدى يولون مكانة خاصة لتناول موقع المرأة في صناعة الخيول ورياضة السباقات؛ خصوصاً أن هذه الرياضة كانت لأجيال معقودة اللواء للرجال.
كان التنوع السمة البارزة في الملتقى وهو يفهم بمعنيين: الجغرافي إذ شارك فيه أهل صناعة الخيول العربية الأصيلة من العديد من البلدان العربية والدولية مع تركيز المنظمين بالدرجة الأولى على تعزيز الحضور الخليجي الذي يتميز بكفاءات لم تعد بحاجة للبرهان. والتنوع الجغرافي وفّر للملتقى إمكانية المقارنة بين التجارب الجارية في الإمارات والمنطقة الخليجية بشكل عام وبين ما يجري على مستوى العالم كله، بحيث تحول الملتقى إلى مختبر يتم فيه تبادل المعارف والخبرات وفتح باب للتجديد. والمعنى الآخر للتنوع، يكمن في المواضيع التي تمت معالجتها والتي يرى الكثيرون أنها لا تنضب إن بسبب التقدم العلمي المطرد وتنوع الخبرات أو بسبب اتساع الملفات التي تتعين معالجتها للإحاطة بموضوع يحمل شحنة رمزية كبيرة.
بينت المداخلات والمناقشات التي يضيق المكان لتعداد كل من شارك فيها والأفكار الثرية التي طرحت والجدل الذي أثارته أحياناً، الاهتمام الكبير إماراتياً وخليجياً وعربياً بالتعرف أكثر فأكثر على كل الملفات الواجب التعمق فيها لدفع صناعة الخيول العربية إلى المصاف العالمي. من هنا، أهمية التركيز على التحديات التي تواجهها هذه الصناعة والخطوات المتواصلة التي يتعين القيام بها، خصوصاً على المستوى الخليجي، حيث يختلف الطقس عما هو عليه في البلدان الأوروبية على سبيل المثال، وما يستدعي ذلك من تأقلم وترتيبات مختلفة حول تربية الخيول وتدريبها وسباقاتها. بيد أنه، إلى جانب المداخلات ذات الطابع العلمي، كانت هناك جملة من الشهادات الحية التي جاءت على ألسنة المشاركات في الجلسة التي خصصت لهن وأدارتها الرئيسة التنفيذية للمهرجان، لارا صوايا، وكان لها تأثير قوي على الحضور لأنها أتت من القلب ومن تجربة صادقة وحية.
كما في كل مرة، تكبر أكثر فأكثر المشاركة الخليجية، من البلد المضيف بالطبع ومن المملكة العربية السعودية وعمان وقطر والكويت، ما يعني أن هذه الصناعة تتقدم بشكل متوازٍ في المنطقة الخليجية. وليس سراً أن التعاطي بملف الخيول العربية الأصيلة، كما هي حال الخيول بشكل عام، موضوع بالغ التعقيد ولم يعد يعتمد على الحدس والسليقة وحدهما، بل هو صناعة تستند إلى تقدم العلوم وتراكم الخبرات في كل الميادين الخاصة بهذه الصناعة ومنذ ما قبل ولادة المهر أو الحصان وحتى وصولهما إلى مضامير السباقات. ولا شك أن الغربيين سبقوا العرب في هذا المجال. من هنا، استعانة الملاك والمربين الخليجيين والعرب بالعديد من الخبراء الغربيين الذين يضعون علمهم ومهاراتهم في خدمة الخيول العربية الأصيلة، وقد كان حضورهم بارزاً إن في قاعة المحاضرات أو في ميادين السباق. ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد. فخلال أيام المهرجان، كانت قاعات الفندق المتعددة التي حل فيها ضيوف المهرجان وميادين السباقات، مكاناً للقاءات وحوارات متواصلة بين أهل المهنة.
يعي الجميع أهمية التماهي التاريخي بين الإنسان العربي والخيول العربية الأصيلة وانعكاساتها على الشغف العربي بها. وثمة رمزية في أن يتزامن المهرجان مع احتفالات عيد الاستقلال الثاني والخمسين لدولة الإمارات التي كانت لمؤسسها الشيخ زايد بن سلطان اليد البيضاء في تشجيع تربية الخيول والثقافة المرتبطة بها وتوفير الدعم لها. وفي السياق عينه، يندرج مهرجان الشيخ منصور بن زايد الذي تعود بداياته لعام 2009 ومن وقتها ظل يتطور محلياً وخليجياً وعربياً ودولياً، بحيث أصبح محطة رئيسية في الأنشطة السنوية الخاصة بصناعة سباقات الخيول التي عرفت في العشرية الأخيرة طفرة استثنائية. ولكن رغم التقدم، يرى الخبراء المعنيون بهذه الصناعة أنها ما زالت بحاجة إلى المزيد لتصبح في مصاف ما يعرفه العالم اليوم.
مَن تابع مهرجان الشيخ منصور بن زايد استمتع ولا شك بالسباقات التي حصلت في إطاره والتي دارت لثلاثة أيام تنقلت بين نادي الفروسية في مدينة العين إلى مضمار الوثبة، والأجمل ما حصل في مضمار الفروسية في أبوظبي، حيث كان التنافس على أشده معطوفاً على حماس المشاركين والجمهور والجوائز. لكن إلى جانب ذلك ولربما الأهم كان جمالية السباقات وهي متعة لا تضاهى.