وسط إطلالة لافتة على الأكروبوليس في أثينا، يدخل كوستاس تسيميكاس بابتسامته المعتادة وحيويته المعروفة، يداعب قلادة «البرق» المعلّقة في عنقه، ويتحدّث بحماس عن المنتخب اليوناني ونابولي وروما... لكن ما يلفت أكثر في حديثه ليس كرة القدم، بل فلسفته الجديدة في الحياة.
وحسب شبكة «The Athletic»، يقول تسيميكاس وهو يرفع حاجبيه كأنه يختصر سنوات من التجربة: «الموهبة ليست كل شيء. الأهم أن تعمل بجد، ألا تستسلم... وأن تكون قادراً على تقبّل الحزن. كرة القدم مليئة بالحزن... وقليلة النجاح، لكن هذا القليل هو الذي يدفعك للاستمرار».
منذ وصوله إلى ليفربول عام 2020 قادماً من أولمبياكوس، كان تسيميكاس يعلم أن مكانه سيكون خلف أندرو روبرتسون، لكنه لم يكن مجرد بديل. فقد وجد لاعب اليونان الدولي نفسه جزءاً من روح المدينة، وأصبح من أبرز الوجوه المحبوبة في «أنفيلد». ويكفي أن جماهير النادي منحته لقب «الهداف اليوناني»... وهو ما وضعه بنفسه في سيرته على «إنستغرام».
لحظة ذروة مسيرته لم تكن هدفاً ولا تمريرة... بل ركلة الجزاء الأخيرة التي حسمت نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي 2022 أمام تشيلسي. ما زال يحتفظ باللحظة على جلده: «وشم» على ذراعه اليسرى.
ورغم الحب المتبادل، شعر تسيميكاس بأن الوقت قد حان للرحيل بحثاً عن دقائق لعب أكثر. رحل إلى روما معاراً هذا الموسم، في حين تعاقد ليفربول مع ميلوش كيركيز مقابل 40 مليون جنيه.
سؤاله عن العودة المحتملة إلى ليفربول يأتي بابتسامة واسعة: «لا أحد يعرف. أهم شيء أن أكون بصحة جيدة وألعب. العام المقبل قصة مختلفة. أريد النجاح والفوز... والله وحده يعلم ما سيحدث».
لكنه يضيف بوضوح: «ليفربول جزء مني... سأظل ليفربولياً إلى الأبد».
على معصمه وشم آخر: «نأمل لو كنت هنا». العبارة ليست مجرد اقتباس... بل رسالة إلى صديقه الراحل دييغو جوتا، الذي توفي في حادث سيارة مع شقيقه أندريه في يوليو (تموز) الماضي.
يمتلئ صوت تسيميكاس بالألم، لكنه يُصرّ على الحديث: «الأمر صعب... مؤلم كلما فكّرت في دييغو. كان شخصاً مميزاً. جئنا إلى ليفربول في الوقت نفسه... قضينا أوقاتاً لا تُنسى. كان دائماً بجانبي في الرحلات وفي السهرات. نحاول تذكّر الإيجابيات... الحياة هدية من الله، وعلينا أن نحافظ عليه في قلوبنا دائماً».
رحيل جوتا تزامن مع انتقال تسيميكاس إلى بلد جديد ونادٍ جديد، ليجد نفسه مضطراً لمعالجة حزنه مع التكيف على بيئة مختلفة تماماً.
روما التي لم تتذوّق لقب الدوري منذ 25 عاماً، تجد نفسها في قلب سباق «سكوديتو» ناري مع نابولي وإنتر وميلان وبولونيا.
تسيميكاس يرى تشابهاً كبيراً بين روما وليفربول: «كلاهما ناديان يعيش عليهما الناس. كلاهما يملك جماهير مجنونة، وعشقاً لا نهاية له. وهذا ما جعلني أريد خوض التجربة».
كما أعجبه العمل تحت قيادة جان بييرو غاسبيريني، الرجل الذي منح أتالانتا لقب الدوري الأوروبي قبل الانتقال إلى العاصمة الإيطالية.
ويصف الفارق بين مدربيه الأخيرين: «أرنِي سلوت، يهتم بالتفاصيل التكتيكية الدقيقة، وغاسبيريني: مباشر، بدني، سريع الإيقاع».
ومع وجود الإسباني أنخيلينيو، يجد تسيميكاس نفسه أمام منافسة جديدة على مركز الظهير الأيسر... لكنه لا يمانع: «يجب أن أتكيّف. المهم أن أكون جاهزاً عندما أحصل على الفرصة».
وحين يتحدّث تسيميكاس عن تطوّره، يربط كلّ محطة بما أضافته إليه: الدنمارك (إسبييرغ): «صنعتني رجلاً... وبنتني بدنياً».
وهولندا (فيلليم تفاي): «تعلّمت بناء اللعب... كرة القدم الذكية»، وأولمبياكوس: «طموح البطولات... نادٍ كبير»، وليفربول: «اكتشفت أنّني لاعب جيّد... وأنني قادر على اللعب في القمّة». ويختصر كل شيء بجملة واحدة: «لو لم أمرّ بهذه الخطوات الصغيرة... لما كنت لأصبح اللاعب الذي أنا عليه».
بين ليفربول وروما، بين الألم والذكريات، وبين المنافسة والحزن... تسيميكاس ليس مجرد ظهير أيسر، بل لاعب يعيد اكتشاف نفسه في كل محطة، ويحوّل أحزان كرة القدم إلى وقود للاستمرار.
وفي قلب روما... يعيش «الهداف اليوناني» فصلاً جديداً، لا أحد يعرف كيف سينتهي.

