كانت مواجهة تشيلسي أمام برشلونة أكثر من مجرد مباراة بالنسبة إلى مارك كوكوريا، كانت مواجهة تحمل وزن السنين.
المدافع الإسباني الذي نشأ في أكاديمية برشلونة، والذي ظلّ يشجع النادي الكاتالوني منذ طفولته، لم يحصل يوماً على الفرصة التي كان يحلم بها. لم يخض أي مباراة دوري مع الفريق الأول، وغادر المدينة التي أحبها دون أن يدوِّن اسمه هناك كما كان يتمنى.
مصدر مقرّب من اللاعب -طلب عدم ذكر اسمه حفاظاً على العلاقات- قال إن كوكوريا رأى المواجهة فرصةً لإثبات نفسه، بل وأكثر؛ فرصةً ليلفت أنظار الإعلام الإسباني، الذي لا يتابع تفاصيل تشيلسي بالاهتمام نفسه... إلا حين يكون الخصم برشلونة.
وإذا كانت هناك طريقة واحدة لتُجبر الصحافة الإسبانية على الالتفات إليك، فهي: إيقاف لامين جمال، وهذا ما فعله كوكوريا حرفياً.
فوز تشيلسي 3-0 كان عنوانه ثنائية إيسْتيفاو وتألق المواهب الشابة، لكن داخل الملعب كان هناك لاعب واحد أطفأ شرارة برشلونة الهجومية: مارك كوكوريا.
لامين جمال -وصيف الكرة الذهبية، والفائز بجائزة كوبا مرتين- لم يستطع تجاوز كوكوريا. فالإسباني حدّ من خطورة زميله في المنتخب، وقيّده بثلاث لمسات فقط داخل منطقة الجزاء، وبمعدل «xG» لا يتجاوز 0.07.
وفي الطرف الآخر من الملعب، لم يتوقف تأثيره الهجومي. كوكوريا هو مَن أرسل العرضية الأرضية التي أسفرت عن الهدف الأول بعد أن وضعها كوندي في مرماه، وهو من أربك رونالد أراوخو، وأجبره على التدخل الذي تسبب في طرده.
«يويفا» اختارته رجل المباراة... ولم يكن ذلك مفاجئاً لأي من مشجعي تشيلسي. المصدر نفسه وصف هذه الفترة بأنها الأفضل في مسيرة كوكوريا على الإطلاق، والجماهير الآن تشاركه الرأي.
عندما وصل كوكوريا إلى تشيلسي في صيف 2022 مقابل 63 مليون جنيه إسترليني، أصبح رمزاً لصفقات النادي العشوائية في تلك المرحلة. وتعرّض لانتقادات قاسية... بل وصل الأمر إلى أن بعض الجماهير أطلقوا ضده صافرات استهجان.
اليوم، الرقم نفسه يبدو صفقة ذهبية، كوكوريا لم يعد مجرد لاعب أساسي... بل أصبح غير قابل للاستبدال.
لقد لعب دقائق أكثر من أي مدافع في الفريق هذا الموسم، وثاني أكثر لاعب في تشيلسي بعد إنزو فيرنانديز. مركز الظهير الأيمن يشهد تناوباً بين ريس جيمس ومالو غوستو، وقلب الدفاع مليء بالمداورة... أما كوكوريا، فهو الثابت الوحيد تقريباً في تشكيل إنزو ماريسكا.
والسبب ليس فقط قلة البدائل، رغم أن البديل الوحيد المتاح هو اليافع صاحب الـ19 عاماً غوريل هاتو الوافد من أياكس، المشكلة ليست في هاتو... الفرق النفسي، والبدني، والتكتيكي بينه وبين كوكوريا... كبير جداً.
كوكوريا ليس ظهيراً تقليدياً، إنه جناح إضافي حين يتقدم تشيلسي، ولاعب وسط إضافي عند بناء الهجمة، وعنصر ضغط أول عند فقدان الكرة، والأهم... مصدر ثقة لزملائه، فوق العشب وخارجه. مثال من مباراة برشلونة: لقطة أراوخو التي تسببت في طرده بدأت بتدوير سريع للكرة، وتحرك ذكي من كوكوريا، وركض عمودي أربك دفاع برشلونة، ثم التحام نتج عنه بطاقة صفراء ثانية لأراوخو.
وفي لقطة أخرى، بعد أن تجاوزه يامال، عاد كوكوريا بسرعة جنونية، ضغط على إريك غارسيا، وأجبر فيرمين على الخطأ ليحصل على خطأ لصالحه.
سرعته ليست فقط لصناعة الهجمات... بل لإنقاذ الفريق عند الحاجة.
عمره 27 عاماً فقط، لكنه ثالث أكبر لاعب في الفريق، وخارج الملعب بات شخصية محورية.
مصادر داخل النادي قالت لشبكة «The Athletic» إن تشيلسي يستشير كوكوريا بشأن بعض اللاعبين المعروضين على النادي، وهي ممارسة موجودة في بعض الأندية لضمان ملاءمة الصفقات الجديدة للبيئة الداخلية.
كوكوريا مقرّب من إنزو، وكايسيدو، وبيدرو نيتو... ويلعب دوراً أبوياً مع اللاعبين الشباب، فيساعدهم على التأقلم مع النادي والمدينة.
ماريسكا قال عنه الأسبوع الماضي: «هو من الشخصيات المهمة في غرفة الملابس. يستطيع أن ينتقل من المزاح إلى الجدية في لحظة. كلما كان لديك لاعبون مثل مارك... كان فريقك أفضل».
بعد تألقه ضد برشلونة، عاد الحديث في إسبانيا: هل أثبت كوكوريا أنه كان يستحق فرصة مع الفريق الأول؟هل يفكر في العودة؟
اللاعب كان واضحاً: «ربما لو بقيت هناك لما لعبت دوري الأبطال، ولا ارتديت قميص تشيلسي، ولا حققت الألقاب التي فزت بها. أنا سعيد بمسيرتي... وسعيد بوجودي هنا».
تشيلسي سعيد جداً أيضاً، والجماهير... أسعد.

