بالنسبة لريال مدريد، أفضل ما يمكن قوله عن مباراته الأخيرة أمام باريس سان جيرمان أنها كانت آخر مباراة للفريق في موسم 2024 – 2025، وهذا هو الأمر الذي أكد عليه المدير الفني الجديد للنادي الملكي، تشابي ألونسو، بشكل متكرر، بعدما شاهد فريقه وهو ينهار تماماً أمام باريس سان جيرمان. والآن، يريد ألونسو أن يعود إلى دياره لكي «يعيد ضبط الأمور»، ونسيان الأمر. لكن يتعيّن عليه أن يستخلص العبر والدروس مما حدث، فاللحظات المؤلمة قد تساعدنا كثيراً في الوصول إلى الحلول المناسبة، وهو الأمر الذي أكد عليه المدير الفني الإسباني الشاب، حين قال: «أريد أن يكون لما حدث تأثير علينا، لكن دون أن يُثقل كاهلنا. في أغسطس (آب) سوف نبدأ موسم 2025 – 2026، الذي سيكون مختلفاً تماماً».
في الواقع، كان سقوط ريال مدريد مألوفاً؛ حيث حدث ذلك أكثر من مرة في الفترة الأخيرة. وقال ألونسو: «لقد عانينا كما عانى الآخرون ضد باريس سان جيرمان». قد يكون هذا صحيحاً، لكن الحقيقة أن ريال مدريد لم يعانِ أمام باريس سان جيرمان وحده، والدليل على ذلك أن الفريق خسر 15 مرة في آخر 68 مباراة هذا الموسم. ولم يفز ريال مدريد إلا ببطولة كأس السوبر الأوروبي، التي مرّ عليها وقت طويل الآن، وبطولة كأس الإنتركونتيننتال ضد باتشوكا المكسيكي في قطر. وفي الدوري الإسباني الممتاز، خسر ريال مدريد أمام غريمه التقليدي برشلونة مرتين، واستقبل أربعة أهداف في كل مباراة من هاتين المباراتين. وفي كأس ملك إسبانيا، استقبل ريال مدريد ثلاثة أهداف من برشلونة؛ وفي كأس السوبر استقبل خمسة أهداف. وفي دوري أبطال أوروبا، استقبل ريال مدريد ثلاثة أهداف من آرسنال. في الواقع، اكتفى باريس سان جيرمان بإحراز أربعة أهداف فقط، لأنه لم يكن بحاجة إلى المزيد!
لقد كانت بطولة كأس العالم للأندية بمثابة اختبار لريال مدريد بحلته الجديدة. لم يكن ألونسو متحمساً لتولي قيادة الفريق في كأس العالم للأندية في الولايات المتحدة، لكن بمجرد أن اتضح له أنه يتعيّن عليه القيام بذلك، وصف ذلك بأنه فرصة لتسريع القيام بالعمليات التي خطط لها، وتنفيذ أفكاره وفلسفته التدريبية مبكراً. لقد ركز المدير الفني الإسباني في كل تصريحاته على الحديث عن الجماعية والروح المعنوية وهيكل الفريق. وفي كل مرة كان يُسأل فيها عن أي لاعب، كان يرد بالحديث عن الفريق ككل، ويؤيد أنه يتعين على الجميع، من دون استثناء، أن يعملوا من أجل الفريق.

وكانت هناك تفاصيل أيضاً يجب الحديث عنها، وكان هناك شيء ما يتطور: اللعب بطريقة جديدة تعتمد في بعض الأحيان على وجود ثلاثة لاعبين في خط الدفاع، على أن يقوم أوريليان تشواميني بما وصفه ألونسو بـ«الدور المزدوج»، بحيث يعود إلى خط الدفاع ثم يتقدم إلى منتصف الملعب وفقاً لمجريات اللقاء. وأظهر غونزالو غارسيا قدراته الهائلة للجميع، بل وكان بمثابة «اكتشاف» في هذه البطولة. ومن الممكن أن يشارك دين هويسن أيضاً في التشكيلة الأساسية، كما قدّم فران غارسيا مستويات جيدة أيضاً. وقد يتم الاعتماد على أردا غولر في مركز صانع الألعاب، وهو المركز الذي لا يوجد به أي لاعب آخر.
لقد وصل ريال مدريد إلى الدور نصف النهائي. من المؤكد أن هذا كان متوقعاً لفريق بحجم وقيمة ريال مدريد، لكن الحقيقة أن النادي لم يتغلب على فرق كبيرة. وعلى الرغم من أن يوفنتوس وبوروسيا دورتموند كانا اختبارين جيدين، وبصرف النظر عن الدقائق العشر الأخيرة المجنونة من مباراة بوروسيا دورتموند، فإنهما أقل في المستوى بالطبع من ريال مدريد. لكن الشيء الغريب، والوضيع في حقيقة الأمر، أن البعض سارع لتوجيه الانتقادات والإدانات للمدير الفني الإيطالي كارلو أنشيلوتي، الذي فاز بكل شيء، ونسيان كل ما قدمه لهذا النادي طوال السنوات الماضية، بمجرد أن قدّم الفريق أداءً جيداً في مباراة أو مباراتين.
ثم جاءت مباراة باريس سان جيرمان، وانهار كل شيء. بدا ريال مدريد عاجزاً تماماً عن الضغط على الفريق الباريسي، الذي سجل هدفه الأول بعد مرور ست دقائق فقط من عمر اللقاء. لكن الشيء المذهل حقاً يتمثل في أنه بحلول الوقت الذي سجل فيه فابيان رويز الهدف الأول، كانت هذه هي الفرصة الرابعة الواضحة لباريس سان جيرمان! ولم يتمكن لاعبو ريال مدريد من الوصول إلى الكرة أو إيقاف لاعبي باريس سان جيرمان. وقال حارس المرمى تيبو كورتوا: «لم نتمكن من تطبيق خطة المدير الفني. ولم نكن قادرين على الضغط مثلهم؛ من وجهة نظري، كنا نصل متأخرين بعض الشيء دائماً، وكان جميع اللاعبين متمركزين بشكل خاطئ، وهذه هي الطريقة التي تغلبوا بها علينا. لم نكن قريبين منهم».

وكانت الأخطاء التي أدت إلى أول هدفين سخيفة وساذجة للغاية من راؤول أسينسيو وتوني روديغر. كانت هناك عوامل أخرى مؤثرة، مثل غياب ترينت ألكسندر أرنولد للإصابة، وغياب هويسن للإيقاف. لقد اضطر فالفيردي للعب في مركز الظهير الأيمن، كما تم تغيير طريقة اللعب. وعاد كيليان مبابي للمشاركة في المباريات. والآن، سيكون من السهل جداً القول إن ريال مدريد خسر في المرة الأولى التي بدا فيها مبابي في التشكيلة الأساسية، لكن الحقيقة أن الأمر لم يكن يتوقف عليه بمفرده. في الواقع، من الغريب للغاية أن تتساءل عما إذا كان مهاجم سجل 44 هدفاً، وهو أفضل سجل تهديفي لأي لاعب في أول موسم له مع ريال مدريد على الإطلاق، ناجحاً أم لا! ومع ذلك، قد يكون من المشروع والمنطقي أن يطرح البعض هذا التساؤل، خاصة أن مبابي نفسه قد قال: «جئتُ للفوز بالألقاب»، لكنه لم ينجح في القيام بذلك!
انضمّ مبابي إلى فريقٍ يعاني من خلل واضح في جوانب متعددة، ودائماً ما يتم تضخيم أو تشويه أهميته للفريق، سواء للأفضل أو للأسوأ. وأمام باريس سان جيرمان، الفريق الذي فاز بكل شيءٍ فور رحيله عنه، ازداد الأمر سوءاً. لم يجد ريال مدريد بديلاً لمبابي ولا لفينيسيوس جونيور، الذي لم يعد مستواه كما كان وتراجع تماماً منذ فشله في الفوز بالكرة الذهبية. لقد أعادت الهزيمة أمام باريس سان جيرمان هذه العيوب، وغيرها، إلى الواجهة مرة أخرى.
وقال كورتوا: «ما حدث اليوم قد يساعدنا على التعلم وتصحيح الأمور ومواصلة التحسن». في الواقع، يمكن استخلاص الكثير من العبر والدروس مما حدث على أرض الملعب، سواء بالنسبة لريال مدريد بعد أدائه الضعيف، أو بالنسبة لباريس سان جيرمان وما يطمح لتحقيقه خلال الفترة المقبلة. كما أن ما حدث في هذا اللقاء لم يكن حدثاً عابراً أو مفاجئاً، بل كان امتداداً لما شهدناه طوال الموسم. وبالتالي، لا يجب تجاهل ما حدث، ولا يمكن أن نتخيل أن الخلل الموجود في ريال مدريد سوف يعالج بسرعة كبيرة، بل يجب التعامل معه بهدوء وشكل صحيح.
وقال ألونسو عن ذلك: «في بعض الأحيان قد يكون من الجيد أن ترى الأخطاء، فهذا يساعدك في المستقبل. إذا واصلت ارتكاب نفس الخطأ، لن يكون هذا تصرفاً ذكياً». عادة ما تكون مثل هذه الخسارة الثقيلة بمثابة ذريعة للانقلاب على المدير الفني، لكن هذا لن يحدث مع ألونسو، لأنه لم يشرف على قيادة الفريق إلا في ست مباريات فقط من أصل 68 مباراة لعبها الفريق هذا الموسم. قال المدير الفني لباريس سان جيرمان، لويس إنريكي، مدافعاً عن ألونسو: «لم يكن لديه الوقت لفعل أي شيء».
أما ألونسو فقال: «هذه آخر مباراة في موسم 2024 – 2025، وليست الأولى في موسم 2025 - 2026». وقد كرر المدير الفني الإسباني هذه العبارة أكثر من مرة. ربما كان ألونسو يعفي نفسه من المسؤولية عندما قال ذلك، لكنه كان يبعث أيضاً برسالة يذكرنا من خلالها بأنه يجب نسيان الفشل ويجب التركيز على بداية جديدة مع انطلاق الموسم المقبل، وبأنه ستكون هناك تغييرات كبيرة، سواء في الثقافة داخل النادي، أو في غرفة خلع الملابس. وتحدث ألونسو عن رغبته في «بناء فريق يلعب كوحدة واحدة بروح عالية».

كما تحدث لأول مرة عن التغييرات في صفوف الفريق أيضاً، وإن كان ذلك بإيجاز. سوف يرحل بعض اللاعبين - لوكا مودريتش ولوكاس فاسكيز وبالتأكيد رودريغو – وبالتالي يجب التعاقد مع لاعبين جدد. تعاني بعض المراكز من نقص واضح، في حين هناك خيارات كثيرة في مراكز أخرى. وعندما سُئل ألونسو عن التعاقدات الجديدة، رد قائلاً: «لم نتحدث كثيراً عن
قائمة الفريق خلال كأس العالم للأندية، لكننا الآن منفتحون دائماً على الحديث عن إجراء تحسينات وتدعيمات، وهناك مجال لذلك».
وأضاف: «لقد بدا عصرنا الجديد للتو، وهناك الكثير من الأشياء التي يتعيّن علينا القيام بها بشكل أفضل. ما حدث اليوم مؤلم، ويتعيّن علينا أن ننتقد أنفسنا، لكن هذا يُظهر لنا الكثير من الأشياء. سنستفيد مما حدث في هذه المباراة ومن كأس العالم ككل. إننا نرحل عن هذه البطولة ونحن فريق أفضل، حتى وإن كان من الصعب قول ذلك الآن. قد يكون هذا نقطة انطلاق بالنسبة لنا، وطريقة لبدء الموسم المقبل بشكل أفضل. اليوم هو نهاية هذا الموسم، وليس بداية الموسم المقبل. لقد كشفت لي هذه البطولة عن الكثير من الأمور بشأن واقعنا وما يتعين علينا تحسينه. سوف أرحل من هنا وأن واثق بالكثير من الأشياء. سوف نبدأ من الصفر في أغسطس، مع بداية موسم 2025 – 2026، لن نبدأ مما حدث مع نهاية هذه المباراة، ولكننا سنبدأ من الصفر تماماً».
* خدمة «الغارديان»
