نجح نابولي مؤخراً، ودون ضجة تُذكر، في التعاقد مع النجم البلجيكي كيفن دي بروين، الذي يُعد أحد أفضل اللاعبين في جيله، والذي ينتقل من نادٍ إلى آخر، لأول مرة منذ عقد من الزمان. وكان لخضوعه للفحص الطبي في روما، وليس نابولي، دورٌ في ذلك، إذ أدى ذلك إلى عدم ظهور الجماهير التي كانت ستنتظره لتقدم له التحية. مع ذلك، تمكَّن عدد قليل من المشجعين من الوجود هناك عند وصوله إلى عيادة «فيلا ستيوارت»، على بُعد 140 ميلاً من ملعب فريقهم.
وجاء تأكيد انتقال النجم البلجيكي أولاً من مالك النادي الإيطالي، أوريليو دي لورينتيس، الذي نشر صورة لهما على وسائل التواصل الاجتماعي وهما يجلسان جنباً إلى جنب على كرسيّ المدير، وعلق على الصورة بعبارة: «مرحباً كيفن!». ونشر نابولي عبر حسابه الرسمي على منصة «إكس» للتواصل الاجتماعي، صورة لدي بروين وهو جالس على عرش وعلق عليها قائلاً: «الملك كيفن هنا». وفي تغريدة أخرى قال النادي الإيطالي: «مرحباً بك في نابولي كيفن دي بروين». وقال نابولي أيضاً عبر منصة «إكس»: «كيفن فخور بكونه واحداً منا!».
ومن الواضح أنه قد حدث تطور كبير في الطريقة التي يُعلن بها دي لورينتيس عن صفقاته، فهو الرجل الذي كشف ذات مرة عن التعاقد مع غوخان إنلر - لاعب سويسري دولي، ولكنه بلا شك أقل موهبة وشهرة من دي بروين - من خلال ظهوره مرتدياً قناع أسد في حفلة على متن سفينة سياحية!
لقد تغيَّر الوقت، كما تغيَّر نابولي وأصبح ينافس بقوة على البطولات والألقاب، ويسعى للاستمرار في ذلك. لقد نجح نابولي في تعزيز مكانته الدولية لدرجة جعلته يتمكن من التعاقد مع لاعب بقيمة دي بروين. ولم يكن دي بروين هو أول صفقة كبرى يعقدها نابولي في عهد دي لورينتيس، فقد سبق أن تعاقد النادي مع النجم الأرجنتيني غونزالو هيغواين بعدما سجل 121 هدفاً بقميص ريال مدريد، وفاز بالدوري الإسباني ثلاث مرات. كما دفع نابولي أكثر من 70 مليون يورو (60 مليون جنيه إسترليني) للتعاقد مع المهاجم النيجيري فيكتور أوسيمين من ليل.
ومع ذلك، من المؤكد أن دي بروين ينتمي إلى فئة مختلفة، فهو أحد أفضل اللاعبين في تاريخ الدوري الإنجليزي الممتاز، وحصل على ستة ألقاب للدوري الإنجليزي الممتاز، وجائزة أفضل لاعب في الدوري مرتين - وهو الإنجاز الذي يضعه في مكانة مرموقة إلى جانب تييري هنري وكريستيانو رونالدو ونيمانيا فيديتش ومحمد صلاح. وعلاوة على ذلك، فاز دي بروين بلقب دوري أبطال أوروبا مع مانشستر سيتي في عام 2023. ومنذ الاستحواذ على نابولي في عام 2004، أعاد دي لورينتيس بناء صورة النادي من خلال إبرام صفقات من العيار الثقيل، والتعاقد مع مديرين فنيين متميزين. ونظراً لأن دي لورينتيس قد صنع ثروته في صناعة السينما، فإنه يعرف أكثر من غيره التأثير الكبير الذي يحدثه وجد عدد من النجوم في أي ناد.
سيبلغ دي بروين 34 عاماً بحلول الوقت الذي يلعب فيه مباراته الأولى مع نابولي، ويشير العامان الأخيران له في مانشستر سيتي إلى أنه لم يعد قادراً عل تقديم المستويات التي كان يقدمها في السابق. ومع ذلك، فإن اللاعب الذي أحرز ثمانية أهداف وقدم 17 تمريرة حاسمة خلال آخر موسمين له في الدوري الإنجليزي الممتاز، رغم أنه شارك أساسياً في 34 مباراة فقط، لا يزال لديه الكثير ليقدمه، كما لا يزال يمتلك الصفات القيادية داخل الملعب وخارجه.
ووفقاً لصحيفة «إل كورييري ديلو سبورت»، أضاف حساب نابولي على «إنستغرام» أكثر من 500 ألف متابع جديد - أكثر من 10 في المائة من إجمالي متابعيه - في غضون ساعات قليلة من الإعلان عن انضمام دي بروين. ربما تثير مثل هذه التفاصيل استياء بعض مشجعي كرة القدم، لكنها مهمة للغاية في عالم كرة القدم الحديثة، فعدد المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي يُعد أحد المقاييس التي تُقيمها الشركات عند التفاوض على الصفقات التجارية مع الأندية.
من المؤكد أن التعاقد مع دي بروين وحده لن يُحدث تغييراً جذرياً في نابولي، لكنه قد يُعزز التوجه الجديد للنادي، الذي فاز بلقب الدوري الإيطالي الممتاز مرتين في آخر ثلاث سنوات. ومع ذلك، فقد بدا أن هذه النجاحات غير مترابطة بشكل غريب، حيث تحققت تحت قيادة مديرين فنيين مختلفين بخطط تكتيكية مختلفة.

لقد فاجأ نابولي الجميع عندما فاز بلقب «السكوديتو» في موسم 2022-2023، حيث اعتمد المدير الفني الإيطالي لوتشيانو سباليتي على الموهبة الاستثنائية للنجم الجورجي خفيتشا كفاراتسخيليا المكتشَف حديثاً، بالإضافة إلى عام مميز للمهاجم النيجيري فيكتور أوسيمن، في حين كان الأمر مختلفاً تماماً، الموسم الماضي، حيث نجح في الفوز باللقب تحت قيادة أنطونيو كونتي، الذي حقق نجاحاً أسرع بكثير مما توقعه أي شخص. وقال كونتي، لشبكة «سكاي سبورت» الإيطالية، مؤخراً: «لقد حددنا لأنفسنا هدف العودة إلى المسابقات الأوروبية، وخاصة دوري أبطال أوروبا. أردنا أن نحظى بعام آخر من التطور، قبل أن نحاول المنافسة على الفوز بالألقاب في العام الثالث».
وكاد التوتر الناجم عن رؤية المدير الفني، الذي يرى أن الفريق بحاجة إلى وقت طويل للمنافسة على البطولات، ورؤية مسؤولي النادي الذين كانوا يضغطون بشدة من أجل مواصلة الفوز بعدما أصبح الفريق مرشحاً للفوز بلقب الدوري - يؤدي إلى رحيل كونتي عن منصبه مبكراً. وحتى عندما كان نابولي يحتفل بحصوله على لقب الدوري، كانت تصريحاته بشأن دي لورينتيس فاترة. فهل كان الوعد بالتعاقد مع لاعبين مثل دي بروين هو ما أقنع كونتي بالبقاء في نهاية المطاف؟

بل يمكن أن نعكس السؤال لنطرحه على النحو التالي: ما الدور الذي لعبه وجود مدير فني مثل كونتي في إقناع دي بروين بالانضمام إلى نابولي؟ لقد تلقّى النجم البلجيكي عروضاً من فرقٍ في الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، لكنه لا يزال يرغب في المنافسة على أعلى المستويات الأوروبية. وفي الوقت نفسه، أكد كونتي، خلال الموسم الماضي، قدرته المذهلة على الفوز بالبطولات والألقاب في أي مكان يذهب إليه.
لكن ربما كانت هناك عوامل أخرى أقنعت دي بروين بهذه الخطوة. فربما تحدث مع زميله في المنتخب البلجيكي روميلو لوكاكو، الذي سجل 14 هدفاً وقدم 10 تمريرات حاسمة بعد انضمامه إلى نابولي قادماً من تشيلسي الصيف الماضي. أو ربما تحدث مع مواطنه دريس ميرتنز، الذي لعب تسعة مواسم مع نابولي ووقع في غرام المدينة لدرجة أن يصفها بأنها «وطنه»، ولا يزال يفكر في نابولي، على الرغم من رحيله إلى غلطة سراي في عام 2022. وقد حصل ميرتنز على الجنسية الفخرية لنابولي، هذا الشهر.
أو ربما شاهد دي بروين لاعباً آخر انتقل إلى نابولي قادماً من مانشستر ونجح في إحياء مسيرته الكروية، فقد تحول سكوت مكتوميناي من لاعب منبوذ في مانشستر يونايتد إلى أفضل لاعب في الدوري الإيطالي الممتاز في غضون تسعة أشهر فقط. والآن، سيكون من المثير للاهتمام أن نرى كيف سيعتمد كونتي على كل من دي بروين ومكتوميناي معا. لقد أظهر المدير الفني الإيطالي مرونته الكبيرة هذا الموسم، وغيّر طريقة اللعب الأصلية من أجل استغلال نقاط القوة لدى اللاعب الأسكوتلندي الدولي.

في الواقع، هناك كثير من الأسباب التي تدعو لاعتقاد أن دي بروين سيحقق نجاحاً كبيراً مع نابولي أيضاً، خاصة أن الدوري الإيطالي أقل قوة وسرعة من الدوري الإنجليزي الممتاز. ونظراً لأنه سيحصل على مزيد من الوقت والكرة بين قدميه، فستتاح له الفرصة لإعادة اكتشاف نفسه من جديد - كما فعل مراراً، خلال الفترة التي لعبها تحت قيادة المدير الفني الإسباني جوسيب غوارديولا في مانشستر سيتي.
في عام 2016، قال دي بروين، لشبكة «سكاي سبورتس» البريطانية: «أنا معتاد اللعب في ستة مراكز مختلفة». وفي أوقات مختلفة مع مانشستر سيتي، لعب دي بروين في خط الوسط المهاجم يتحرك من منطقة جزاء فريقه وحتى منطقة جزاء الفريق المنافِس، كما لعب صانع ألعاب، وجناحاً، بل لعب مهاجماً وهمياً.
وقال دي بروين، في أبريل (نيسان) الماضي، وهو يفكر في مسيرته الكروية بعد مانشستر سيتي: «لا يزال لديّ كثير لأقدمه. من الواضح أنني لم أعد في الخامسة والعشرين من عمري، لكنني ما زلت أشعر بأنني قادر على القيام بعملي كما ينبغي».
والآن، سيفعل دي بروين ذلك في نابولي، تحت قيادة مدير فني قادر على تحقيق الفوز بالبطولات والألقاب، ومالكٍ لديه طموحات ترتفع باستمرار. لقد صرح كونتي، أكثر من مرة، خلال الموسم الماضي، بأنه يشعر بالإحباط بسبب تحرك ناديه المتأخر في سوق الانتقالات، وهو الأمر الذي لا يمنحه الوقت الكافي للاستعداد جيداً. لكن التعاقد مع دي بروين في هذه المرحلة المبكرة قد يكون إشارةً إلى أن النادي سيتحرك بشكل أفضل لتدعيم صفوفه، هذا الصيف.
* «خدمة الغارديان»
