بلغت حمى الانتقادات اللاذعة لحكام كرة القدم ذروتها هذه الأيام في الدوريات الكبرى؛ حيث قارات أوروبا وآسيا وأفريقيا، وذلك على خلفية أخطاء تحكيمية جدلية وقع فيها طواقم التحكيم التي تدير المنافسات في الدوريات السعودي والإنجليزي والإسباني والتركي والمصري، وعشرات الدوريات الأخرى.
لم تجد الفرق المتضررة من أخطاء الحكام سوى رميهم بالتلميحات تارة، والاتهامات بالفساد تارة أخرى، أو الاستقالة؛ اعتراضاً عليهم، في حين يحاول المسؤولون عن اللجان التحكيمية في كثير من دول العالم الدفاع عن قضاة الملاعب بقولهم إن ما يحدث طبيعي كون الأخطاء جزءاً من اللعبة، وهو ما لا يقبله على الإطلاق المسؤولون في تلك الأندية الذين يصرون على أنه يجب ألا تكون هناك أخطاء ما دام هناك حل اسمه «تقنية الفيديو المساعد».
في الدوري الإسباني أصدرت لجنة الحكام، أمس، بياناً مليئاً بالإحباط لقولها إن الحكام يشعرون بالغضب من الإساءة التي تعرَّض لها زميلهم خوسيه مونويرا مونتيرو، بعد طرده جود بلينغهام لاعب ريال مدريد، ما يعكس «الكراهية والعنف اللفظي» الذي يتعيَّن على حكام المباريات تحمُّله.
ويعتقد مونتيرو أن لاعب وسط إنجلترا (21 عاماً) وجَّه له ألفاظاً بذيئة خلال التعادل 1 - 1 على ملعب أوساسونا، وأشهر له بطاقة حمراء مباشرة، لكن بلينغهام ومدربه كارلو أنشيلوتي قالا إن الحكم كان مخطئاً.
وقال الاتحاد الإسباني للعبة، في بيان في وقت متأخر الاثنين، «يرفض الحكام المحترفون بشدة الهجمات والتهديدات التي يتلقاها زميلنا خوسيه لويس مونويرا مونتيرو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي لا تستهدفه شخصياً فحسب، بل تستهدف عائلته أيضاً».
وأضاف: «تضاف هذه الهجمات للكراهية والعنف اللفظي اللذين نواجههما في أثناء أداء عملنا أسبوعياً، واللذين يتحولان في الفئات الأدنى للأسف الشديد لعنف جسدي في كثير من الحالات».
وكان خافيير تيباس، رئيس رابطة الدوري الإسباني لكرة القدم، قد أكد أن ريال مدريد، حامل اللقب، يلعب دور الضحية و«فقد عقله» بعد الانتقادات التي وجهها إلى الجهاز التحكيمي في البلاد.
وتعرَّض ريال مدريد للهزيمة أمام إسبانيول الذي يواجه خطر الهبوط 0 - 1 السبت، ثم أرسل بعد ذلك رسالةً غاضبةً إلى الاتحاد الإسباني للعبة انتقد فيها التحكيم في البلاد، ووصفه بأنه «فاسد» و«فقد مصداقيته تماماً».
وقال تيباس للصحافيين، إثر حضور اجتماع مع أندية الدوري والاتحاد الإسباني وممثلي لجنة التحكيم الإسبانية، «ريال مدريد يريد إلحاق الأذى بالبطولة (الدوري الإسباني)، وليس فقط بالمجموعة التحكيمية».
وأضاف: «بنى مسؤولوه قصة الضحية، وأعتقد أن القشة التي قصمت ظهر البعير كانت الرسالة التي نشروها في اليوم التالي. لقد تم تضخيم هذه القضية بشكل غير متناسب. لقد فقدوا عقولهم».
وذكر الاتحاد، في بيان، أن رئيس لجنة التحكيم لويس ميدينا كانتاليخو اقترح «بث التسجيلات الصوتية لمراجعات (في إيه آر) مباشرة، بشرط أن يسمح (فيفا) بذلك».
من ناحيته، قال الألماني هانزي فليك، مدرب برشلونة، إن فريقه لن يختبئ وراء «الأعذار» بعد أن هاجم غريمه ريال مدريد التحكيم الإسباني عقب الهزيمة المفاجئة في الدوري الإسباني لكرة القدم.
وقال فليك، في مؤتمر صحافي قبل مباراة فريقه أمام فالنسيا في ربع نهائي كأس إسبانيا، «هذه (الرسالة) هي اختيارهم، يفعلونها بهذه الطريقة، إنها ليست طريقتنا. قلت لا أعذار، وسنفعل ذلك بهذه الطريقة».
وتابع: «كل نادٍ لديه بعض الأسباب ليقول شيئاً ما. نحن بشر. إنه أمر طبيعي في الحياة، الجميع يرتكب أخطاء... الحكام لديهم وظائف صعبة. علينا أن نعتني بهم. ليس من السهل هذا الموقف... عندما وصلت قلت لا أعذار ولا اعتراض ولا لوم، لا أحب ذلك».
وانتقد ريال مدريد التحكيم «المفتقر تماماً إلى المصداقية»، ووصفه بأن به «نظاماً فاسداً من الداخل»، وذلك في رسالة موجهة إلى الاتحاد الإسباني لكرة القدم.
وكتب أمين عام مجلس إدارة النادي، خوسيه لويس ديل فايّي بيريس، في الرسالة التي نشرها ريال، الاثنين، «الأحداث التي وقعت خلال هذه المباراة تجاوزت أي هامش للخطأ البشري أو التفسير التحكيمي».
وقال ريال: «نظراً لخطورة ما حصل، يطالب ريال مدريد الاتحادَ الإسباني لكرة القدم بتسليمه على الفور التسجيلات الصوتية لـ(في إيه آر/ حكم الفيديو المساعد) المتعلقة بهاتين الحالتين المفصليتين في المباراة»، مطالباً بإصلاح «كامل» لنظام التحكيم في إسبانيا.
وانتقد ريال ما عدّه التلاعب في النظام التحكيمي «المصمم هيكلياً لحماية نفسه»، و«نظاماً أثبت فساده من الداخل»، كاشفاً عن أنه بعث بنسخة من هذه الرسالة إلى المجلس الأعلى للرياضة.
وردَّ الاتحاد الإسباني على بيان النادي الملكي، قائلاً «نأسف بشدة لنبرة وخطورة الاتهامات التي تُشكِّك بنزاهة هيئات التحكيم وسير البطولة بأكملها. نحن نتفهم أنه في تطوير كرة القدم الاحترافية قد تكون هناك خلافات حول بعض القرارات، لكننا نثق في أن جميع الأطراف تتصرف بمسؤولية واحترام».
وفي الدوري المصري، أرسل النادي الأهلي خطاباً لاتحاد كرة القدم في بلاده، بعد تكرار «الأخطاء التحكيمية»، التي وصفها بـ«الفجة»، التي تؤثر في نتائج مباريات الدوري المحلي بشكل مباشر، على حد وصفه، دون إجراءات حاسمة.
وتضمَّن نصُّ الخطاب، حسب الموقع الإلكتروني الرسمي للنادي: «لقد تم إرسال عشرات المكاتبات طوال الفترات الماضية لإنقاذ مسابقة الدوري، وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين الأندية المتنافسة، لكن لم يتلقَّ النادي أي ردود على مكاتباته، ولا يزال فريق الأهلي يعاني من تكرار الأخطاء غير المبرَّرة، وحرمانه من حقوقه المشروعة، وآخرها مباراة أمس (الأول أمام المحلة)».
يذكر أن الأهلي يشير بشكل مباشر إلى وجود مجاملات تحكيمية لصالح فريق بيراميدز في المباريات المحلية.
في حين جدَّد غريمه التقليدي الزمالك شكواه من وجود «أزمة حقيقية في التحكيم» خلال الموسم الحالي للدوري المصري الممتاز لكرة القدم، مطالباً بإسناد رئاسة لجنة التحكيم إلى «خبير أجنبي».
وكان الزمالك قد تقدَّم بشكوى رسمية للاتحاد المحلي للعبة ورابطة الأندية ضد «التجاوزات والأخطاء التحكيمية» بعد تعادله مع سيراميكا كليوباترا في الدوري في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وطالب وقتها بإجراء تحقيق عاجل، و«منع طاقم التحكيم المذكور من إدارة مباريات الفريق، وإحالة كل مَن يثبت فقدانه للحيادية والنزاهة إلى لجنة الانضباط».
حمى التشكي من التحكيم ضربت أطنابها في الدوري السعودي منذ سنوات طويلة، حيث انتقد الهلال، الجمعة الماضي، أداء التحكيم، وعدم مراجعة تقنية الفيديو في مبارياته بالدوري السعودي للمحترفين لكرة القدم، بعد تعادله مع الرياض، في مباراة ألغت فيها تقنية الفيديو هدفين للفريق الزائر، كما ألغت ركلة جزاء احتُسبت لفريق المدرب خورخي خيسوس قرب النهاية.
وقال النادي في بيان: «أبدى الهلال استغرابه من الحالات التحكيمية المريبة التي تشهدها مباريات الفريق في منافسات الدوري السعودي رغم وجود أحدث التقنيات المساعِدة لاتخاذ القرارات العادلة. جاءت آخر الحالات في مواجهة الفريق الأخيرة أمام الرياض، بإغفال احتساب ركلتَي جزاء أوضحت لقطات حكم الفيديو المساعد صحتهما من اتجاهات متعددة، في امتداد لحالات تحكيمية يسودها التعنت بعدم الرغبة في العودة إلى تقنية الفيديو أو عدم احتسابها رغم وضوح الحالة».
وشدَّد الهلال على أن «موقفه ثابت تجاه أهمية استقطاب طواقم تحكيمية أجنبية لقيادة مباريات الفريق»، مشترطاً أن «يكونوا من حكام النخبة» في مسابقات الدوريات العالمية.
وكان مسؤولو نادي الشباب قد أصدروا بياناً غاضباً، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، شنوا خلاله حملة ضد الحكم التركي خليل ميلر؛ حيث استغربوا وقتها تكليفه مباراة صعبة لاعتبار أنه كان ضحية اعتداءات من مسؤولي أندية في الدوري التركي العام الماضي، بينما الحال تقول إنه يدير مباريات أصعب في دوري أبطال أوروبا حتى اللحظة.
وفي البريميرليغ، قالت رابطة الحكام المحترفين في إنجلترا، إن الشرطة تحقِّق في التهديدات والإساءات ضد الحكم مايكل أوليفر بعد قراره إشهار البطاقة الحمراء لمايلز لويس-سكلي لاعب آرسنال خلال الفوز على ولفرهامبتون واندرارز في الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم، مطلع الأسبوع الماضي. وقالت رابطة الحكام: «نشعر بالفزع من التهديدات والإساءات الموجهة إلى مايكل أوليفر بعد مباراة ولفرهامبتون واندرارز وآرسنال. لا ينبغي أن يتعرَّض أي حكم لأي نوع من أنواع الإساءة، ناهيك عن الهجمات البغيضة التي استهدفت مايكل وعائلته خلال 24 ساعة الماضية».
وأضافت: «الشرطة على علم (بالتهديدات)، وقد بدأت عدداً من التحقيقات. ندعم مايكل والمتضررين جميعاً، ونحن مصممون على مكافحة هذا السلوك غير المقبول».
وقالت رابطة الدوري الإنجليزي الممتاز، في بيان، إن «تقنية حكم الفيديو المساعد فحصت وأكدت» قرار طرد اللاعب «وعدّت أن تدخل لويس-سكلي خطأ خطير».
ولكن المحللين الرياضيين على التلفزيون تفاجأوا من قرار الحكم أوليفر، وقال الحكم السابق في الدوري الإنجليزي الممتاز، مايك دين، إن التدخل كان يستدعي بطاقة صفراء فقط.
من جهته، رأى الهولندي أرنه سلوت مدرب ليفربول، متصدر الدوري الإنجليزي لكرة القدم، أنه ليس من هواة إعلان الحكام على المذياع قرارات حكم الفيديو المساعد (في إيه آر) في الملاعب، خشية من ازدياد الضغوط عليهم.
وفي الدوري التركي أجبرت الأخطاء التحكيمية بديرهان دوراك، رئيس نادي أضنة ديمرسبور، على الاستقالة من منصبه؛ احتجاجاً على التحكيم، وذلك بعد أن قرَّر فريقه الانسحاب من أرض الملعب خلال مباراته في الدوري التركي الممتاز لكرة القدم ضد غلاطة سراي قبل أسبوعين، بعد مرور 30 دقيقة من بداية المباراة.
وأضاف سنجاك أن أندية كرة القدم الصغيرة تُعامَل بشكل غير عادل، ولم يتم حل مشكلاتها، وذلك دون تقديم مزيد من التفاصيل.
وكان أضنة ديمرسبور، الذي يتذيل الترتيب، خاسراً صفر - 1، بعدما سجَّل المهاجم الإسباني ألفارو موراتا هدف غلاطة سراي من ركلة جزاء في الدقيقة 12.
وقال دوراك في بيان: «أرى الآن بكل أسف أننا وصلنا إلى طريق مسدود. ومن أجل ناديّ وأسرتي وأحبائي وصحتي، أعلن استقالتي من الرئاسة».
ويدافع كثير من الخبراء بأن أخطاء الحكام نتيجة طبيعة كرة القدم وصعوبة تفسير الحالات التحكيمية خلال المباريات لتباينها وبسبب صعوبة بعضها، وهو ما يجعل محللي وخبراء قانون كرة القدم يختلفون بشأنها عقب انتهاء المباريات.
في حين يرى آخرون أن مهاجمة التحكيم ووصفه بأقذع الأوصاف، نتاج لفشل الأندية في المباريات وعدم قدرتها على تحقيق الفوز خلال المباراة، فتذهب إلى شماعة الخسائر الشهيرة المعروفة بتحميل المسؤولية لقضاة الملاعب، وأنهم سبب الهزائم التي تتعرَّض لها تلك الأندية.