قبل عشرين عاماً من هذا الأسبوع، حققت فينوس ويليامز واحداً من أكثر الانتصارات إثارة في تاريخ نهائيات ويمبلدون، حينما قلبت تأخرها أمام ليندسي دافنبورت إلى فوز أميركي كلاسيكي بنتيجة 4-6، و7-6 (4)، و9-7، في مباراة استمرت ساعتين و45 دقيقة، لتصبح الأطول في تاريخ نهائيات السيدات بالبطولة، وأحد أعظم نهائيات البطولات الكبرى على الإطلاق. لكن رغم عظمتها، لا تحظى هذه المباراة بالمكانة التي نالها نهائي الرجال في 1980 بين بورغ وماكنرو، أو ملحمة نادال وفيدرر في 2008، أو حتى فوز إيفانيسيفيتش عام 2001. فالسردية الكبرى في التنس لا تزال منحازة إلى المباريات التي تُلعب بنظام الأفضل من خمس مجموعات، وهو ما يخص الرجال وحدهم، ويمنحهم مساحة زمنية وأسطورية لا تتمتع بها اللاعبات.
وبحسب شبكة «The Athletic»، فإن التمييز لا ينبع من ضعف في جودة مباريات السيدات، بل من طبيعة النظام؛ ففي مباريات ثلاث المجموعات يُحدد زمن المباراة مسبقاً تقريباً، ويُحدّ من فرص الغوص في الذاكرة الجماعية للجمهور. ورغم أن مباريات خمس المجموعات قد تصاب بالترهل أحياناً، فإنها تمنح مجالاً للتألق والتحول الدرامي، كما حدث في نهائي رولان غاروس الشهر الماضي بين ألكاراس وسينر.
وفي الوقت الذي تُقترح فيه حلول مثل توحيد النظام بين الجنسين - بجعل أول أربع جولات من البطولات الكبرى بنظام ثلاث المجموعات، ثم التحول إلى الخمس في الأدوار النهائية - لا تزال هذه الأفكار محل جدل.
الطريف أن فينوس ويليامز نفسها قضت يوماً سابقاً على النهائي التاريخي في 2005 في اجتماعات مع منظمي ويمبلدون للحديث عن عدم المساواة في الجوائز المالية. يومها، حصل فيدرر على 630 ألف جنيه إسترليني مقابل 600 ألف لفينوس. وبعد عامين فقط، أقرّت «ويمبلدون» المساواة لتلتحق بباقي البطولات الكبرى.
دافنبورت التي كانت المصنفة الأولى، تتذكر تلك الخسارة كواحدة من أقسى هزائم مسيرتها، رغم أنها لعبت مباراة رائعة. والضربة الخلفية الأسطورية التي سددتها فينوس على الخط لحفظ نقطة البطولة، جسّدت عظمتها، مثلما جسّدت المباراة الدور الثوري الذي لعبته لاعبات جيلها - من فينوس وسيرينا ويليامز إلى كابرياتي - في تغيير طبيعة التنس النسائي بقوة ضرباتهن ودقتهن.
ورغم التجربة القصيرة لبعض اللاعبات مع نظام خمس المجموعات - كما حصل في نهائي بطولة الجولة الختامية بين 1984 و1998 - فإن العديد من النجمات الحاليات غير متحمسات للفكرة.
آرينا سابالينكا، المصنفة الأولى عالمياً، علّقت الأسبوع الماضي قائلة: «ربما أكون من أقوى اللاعبات بدنياً؛ لذا فقد يفيدني النظام، لكنني لا أعتقد أنني مستعدة لخوض مباريات من خمس مجموعات. سيزيد ذلك من الإصابات. لن أعتبره خياراً».
إيغا شفيونتيك التي تخوض اليوم نهائي البطولة ضد أماندا أنيسيموفا، أيدت الفكرة من ناحية قدرتها البدنية، لكنها أيضاً لم ترَ ضرورة لتغيير النظام الحالي. أما ماديسون كيز، فقالت بوضوح: «لماذا أرغب في ذلك؟ هل رأيتم التعب الذي بدا على اللاعبين في النهائي؟ مباريات من خمس مجموعات قد تمتد لخمس ساعات! نحن نلعب مباريات ثلاث مجموعات مليئة بالدراما، لا حاجة لمجموعتين إضافيتين».
وبينما ترى جيسيكا بيغولا أن النظام الأطول يصب في مصلحة المصنفات الأوليات، فإنها تؤيد المساواة عن طريق تقليل مباريات الرجال إلى ثلاث مجموعات، لا العكس.
حتى التفاوت في الحضور الجماهيري يُكرّس هذه الفجوة؛ فبينما يبلغ السعر المقترح لإعادة بيع تذكرة نهائي الرجال 16 ألف جنيه إسترليني، فإن تذكرة نهائي السيدات لا تتجاوز 4 آلاف. الفارق ليس في الجودة، بل في التصور المرتبط بالزمن و«الأسطورة».
نهائي بطولة أستراليا للسيدات هذا العام بين كيز وسابالينكا كان مذهلاً، وتفوق بمراحل على نهائي الرجال بين سينر وزفيريف في اليوم التالي. لكن النظام المكون من خمس مجموعات هو ما يمنح الرجال فرصة خلق أساطير تتجاوز حدود التنس، في حين يُترك للسيدات سقف لا يمكن تجاوزه مهما بلغت روعة الأداء.
ومع انطلاق نهائي اليوم بين شفيونتيك وأنيسيموفا، ثمة احتمال أن نشهد مباراة لا تُنسى، ولكن حتى لو فعلنا، فإن التاريخ - كما هو الآن - لن يسمح لها أن تخلَّد كما خُلِّد نهائي الرجال في 2008. وقد يُنظر إلى هذا القيد مستقبلاً بنفس العبثية التي نُظر بها إلى منع النساء من الجري لمسافات طويلة في الأولمبياد، أو منع الفتيات من العمل كمساعدات ملاعب في ويمبلدون حتى 1977.
وحتى حين تكون الجودة في صف التنس النسائي، تبقى الكمية سيدة الموقف. وربما آن الأوان لإعادة تعريف ما يجعل المباراة «عظيمة»، لا بطول مدتها، بل بمدى تأثيرها على الذاكرة، وعلى اللعبة نفسها.