غاب ماركوس راشفورد مهاجم مانشستر يونايتد عن التهديف لمدة ستة أشهر تحمل خلالها انتقادات قاسية من جماهير فريقه، لكنه خلال هذا الأسبوع استطاع أن يسجل ثلاثة أهداف ساهمت في انتصار فريقه على ساوثهامبتون بالدوري 3-صفر، ثم على بارنزلي بكأس الرابطة 7-صفر.
خاض راشفورد 13 مباراة متتالية دون أن يسجل أي هدف قبل أن يهز الشباك في الدقيقة 41 خلال فوز يونايتد 3-صفر على مضيفه ساوثهامبتون، ليكون الأول له منذ الفوز 2-صفر على إيفرتون في التاسع من مارس (آذار) الماضي. وفي مباراة كأس الرابطة أمام بارنزلي مساء أول من أمس تألق وسجل هدفين من سباعية الانتصار الكبير، والأهم هو ظهوره منتعشاً وسعيداً.
كان الفوز على ساوثهامبتون هو الثاني الذي يحققه الفريق خارج ملعبه في الدوري الإنجليزي الممتاز منذ فبراير (شباط) الماضي، وأكبر فوز له منذ نوفمبر (تشرين الثاني)، ليحقق مانشستر يونايتد ما أراد وحصد ثلاث نقاط ثمينة خارج الديار.
ونظراً لأن ساوثهامبتون لم يقدم شيئاً يذكر تقريباً في هذه المباراة سوى ارتكاب الأخطاء الساذجة، فقد رأى المدير الفني لمانشستر يونايتد، إريك تن هاغ، فريقه بالشكل الذي كان يبحث عنه طوال الوقت: هادئاً تماماً، ومتحكماً في زمام المباراة. كان كوبي ماينو يسيطر على مجريات الأمور تماماً في وسط الملعب، وكان ماركوس راشفورد وأماد ديالو ينطلقان في المساحات الخالية، كما قدم النجم الأرجنتيني الشاب أليخاندرو غارناتشو أداء رائعاً. وعلاوة على ذلك، أظهر مانويل أوغارتي، القادم الجديد من باريس سان جيرمان، أنه سيكون إضافة قوية للشياطين الحمر.
لكن السؤال الذي يجب طرحه الآن هو: كيف وصل مانشستر يونايتد إلى هذه المرحلة، سواء من الناحية الذهنية أو الخططية؟ ربما يكمن جزء من الإجابة عن هذا السؤال، وليس الإجابة بأكملها، في النتيجة النهائية لهذه المباراة. لقد تقدم مانشستر يونايتد في الآونة الأخيرة بفارق هدفين في الكثير من المباريات - كما هو الحال أمام نيوكاسل على ملعبه الموسم الماضي، وغلاطة سراي خارج ملعبه، وفي كل مباراة تقريباً في مشواره الذي انتهى بالفوز بكأس الاتحاد الإنجليزي - لكنه كان يجد صعوبة كبيرة في الحفاظ على التقدم حتى النهاية.
لكن الأمر كان مختلفاً تماماً هذه المرة. ربما يبدو من التبسيط الشديد القول إن نجاح أحد أكبر أندية كرة القدم وأكثرها تعقيداً في العالم يتوقف على مستوى لاعب واحد يبلغ من العمر 26 عاماً، وهو ماركوس راشفورد، لكن الحقيقة هي أن الأمر كذلك بالفعل! قد يرى البعض أن الأمر يتوقف على المراجعات الاستراتيجية وإعادة ضبط الثقافة داخل النادي وتكوين لجنة قوية للتعاقد مع اللاعبين المناسبين وإعادة ضبط سياسة التعاقدات، لكن الحقيقة الواضحة للجميع هي: عندما يكون ماركوس راشفورد جيدا وسعيداً يكون مانشستر يونايتد جيداً وسعيداً!
ولكي ندرك ذلك يتعين علينا أن ننظر كيف كان لاعبو مانشستر يونايتد يحتفلون بسعادة غامرة مع راشفورد عندما سجل هدفه الأول مع الفريق منذ أكثر من ستة أشهر، وكيف كانوا يصطفون للاحتفال معه، لمشاركته فرحته. ويجب أن ننظر أيضا إلى ما حدث على مقاعد بدلاء مانشستر يونايتد من إثارة وبهجة، عندما دخل راشفورد إلى عمق الملعب من ناحية اليسار وسدد الكرة من مسافة بعيدة لتستقر في شباك آرون رامسديل. لا يتعين علينا إلا أن نشاهد راشفورد نفسه وهو يبتسم، وكأنه قد تذكر كيف يبتسم مرة أخرى، وهي الابتسامة التي تبدو معدية وتنتقل من النجم الإنجليزي الدولي الشاب إلى باقي زملائه داخل الملعب، وهو الأمر الذي كان واضحاً في الفوز الساحق على بارنزلي عندما افتتح السباعية لتنفتح شهية الفريق.
ويجب الإشارة إلى أن الأشهر الستة التي غاب فيها راشفورد عن التهديف قد شهدت تعرضه لبعض الإصابات في نهاية الموسم الماضي، وحصوله على إجازة صيفية طويلة بسبب عدم انضمامه لقائمة المنتخب الإنجليزي في نهائيات كأس الأمم الأوروبية، والمشاركة في فترة الاستعداد للموسم الجديد، وهو ما يعني أنه لم يلعب سوى 12 مباراة فقط خلال تلك الفترة. ومع ذلك، فإن ابتعاد راشفورد عن المنتخب الإنجليزي وعدم فعاليته مع مانشستر يونايتد جعلا اللاعب يبدو حزينا ومحبطا لفترة طويلة من الوقت.
وتجب الإشارة هنا إلى أن الحالة النفسية لبعض اللاعبين في بعض الفرق تؤثر كثيرا على باقي لاعبي الفريق. ربما يكون القائد البرتغالي برونو فرنانديز هو الوحيد في مانشستر يونايتد الذي يقترب من راشفورد من حيث قدرته على التأثير على الحالة النفسية للاعبي الفريق ككل. وبالتالي، فإن نجاحات وإخفاقات راشفورد تبدو مؤشرا للفريق ككل، وذلك بسبب حجم المشاعر المستثمرة فيه، سواء لأسباب تاريخية أو ثقافية أو حتى أيديولوجية، على نحو لا يحدث مثلا مع لاعبين من أمثال كريستيان إريكسن أو ديوغو دالوت.
كان البعض ووفقا لأرقام وإحصائيات، يرى أن إحراز هدف واحد في مباراة انتهت بالفوز بثلاثة أهداف نظيفة على ساوثهامبتون لا يعني الكثير في حد ذاته، وأن راشفورد لا يزال غير قادر على ممارسة الضغط على لاعبي الفريق المنافس كما ينبغي، وأنه لا يزال غير قادر على تقديم مستويات ثابتة والحفاظ على سجل تهديفي جيد لفترات طويلة، ما يجعل مكانه في التشكيلة الأساسية مهدداً. لكن عندما نتحدث عن الطريقة التي يمكن بها للاعب أن يلهم مشاعر زملائه من حوله، فإنه لا يمكننا أن نقيس ونقيم ذلك من خلال أرقام وإحصائيات أو من خلال ما يمكن إنجازه بشكل ملموس على أرض الملعب من حيث الأهداف والتمريرات الحاسمة، وهو ما أظهره في مباراة كأس الرابطة التي نال فيها جائزة رجل المباراة.
ومن وجهة نظر من يدون الأرقام والإحصائيات، فإن الأمر لا يختلف كثيراً بين عدم تسجيل أي أهداف خلال آخر 189 يوماً وتسجيل 3 أهداف خلال آخر 192 يوماً، لكن الفارق بالنسبة لبعض اللاعبين قد يتمثل في أنهم كانوا محبطين بالأمس وسعداء تماماً اليوم، وهذا هو الأمر بكل بساطة!
* خدمة «الغارديان»