كانت الخماسي الحديث من بنات أفكار بيار دو كوبرتان مؤسّس الحركة الأولمبية الحديثة؛ إذ أراد مسابقة تحاكي تجربة جندي في القرن التاسع عشر خلف خطوط العدو؛ يركب حصاناً لا يعرفه، يحارب الأعداء بالمسدس والسيف، ثم يسبح ويجري للعودة إلى رفاقه. ترجم المصري أحمد الجندي هذا التخيّل بإحرازه ذهبية أولمبياد باريس السبت وتحطيمه الرقم العالمي.
اعتبر الإغريق القدامى الخماسي حدثاً مهماً؛ لأن المتنافسين كان عليهم التفوّق في مزيج من المهارات البدنية والحركية، بما في ذلك السرعة والقوّة وخفّة الحركة والقدرة على التحمّل.
عرفت المسابقة منذ اعتمادها في أولمبياد 1912، تغييرات عديدة وستتواصل في لوس أنجليس 2028 لرفع شعبيتها ومعدل الحضور الجماهيري، حيث يطمح الجندي لإحراز ميدالية جديدة.
قال الرياضي الشاب البالغ 24 عاماً بعد تتويجه في قصر فرساي، لقناة «بي إن سبورتس»: «في لوس أنجليس سيحلّ سباق الموانع (يشبه تحدي أميركان نينجا ووريور) بدلاً من الفروسية»، بعد ضغط من اللجنة الأولمبية لعدم تكرار حادثة ضرب حصان في أولمبياد طوكيو.
تابع ابن نادي الشمس الذي نشأ وسط عائلة رياضية ويتابع دراسته رغم التدرب على خمس ألعاب: «كسبت ذهبية أولمبياد الشباب (في بيونس آيرس 2018)، وفضّية في طوكيو (2021)، والذهب في باريس. سيكون مثيراً أن أحصل على ميدالية أخرى في لعبة جديدة».
وللمرّة الأولى أقيمت المسابقات على مدى زمني يمتد ساعة ونصف الساعة فقط. يبدأ المشاركون في مسابقة فروسية لقفز الحواجز، ثم سيف المبارزة، يليه سباق سباحة 200 متر حرّة.
تتحوّل نتائج كل مسابقة إلى نقاط، وحسب الفوارق يتم تحديد انطلاق المسابقة الأخيرة وهي الجري لـ3000 متر يتخللها رماية بمسدّس الليزر من مسافة 10 أمتار.
والرياضي الأول الذي يقطع خط الوصول ينال الذهبية، كما حصل مع الجندي الذي أصبح أول أفريقي يحرز هذا اللقب.
تصدّر الجندي المسابقة من بدايتها حتى نهايتها، محاولاً عدم تكرار سيناريو طوكيو عندما نال الفضية: «كان هدفي من اليوم الأوّل عدم الوصول إلى سباق الليزر (متأخراً) كما حصل في طوكيو. وفقني الله من اليوم الأوّل في السلاح».
وتابع: «في نصف النهائي، حصل موقف في الفروسية لكن (سيطرت على الحصان). كان جرس إنذار لعدم التساهل. كان يومي موفقاً في الفروسية، والسباحة، وسباق الجري، والرماية».
وسجّل الجندي 1555 نقطة، متفوّقاً على الياباني تايشو ساتو (1542) والإيطالي جورجو مالان (1536).
قبل شهرين من بطولة العالم في أنقرة، أصيب الجندي في مايو (أيار) 2023 بخلع في الكتف، على غرار ما حصل معه قبل أولمبياد طوكيو عندما حلّ وصيفاً بفارق خمس نقاط فقط عن البريطاني جو تشونغ الذي حلّ تاسعاً السبت: «لم أكن قادراً على الوصول إلى هنا من دون دعم أهلي والمدربين وكل الدولة. حتى عندما كنت مصاباً كانوا يدعمونني».
سارع إلى معانقة والدته بعد ضمانه اللقب. والدته كانت تصطحبه في طفولته إلى نادي السباحة؛ لأنه كان يعاني من الحساسية، وأوصاه طبيبه بالبدء بالسباحة لتحسين تنفّسه: «أُعجبت والدتي بفكرة ممارسة خمس رياضات وشجعتني».
سابع رياضي في تاريخ مصر يحصل على ميداليتين أولمبيتين، أهدى مصر ذهبيتها الأولى في باريس: «تعني لي الكثير؛ لأني عانيت كثيراً في آخر ثلاث سنوات على الصعيدين الجسدي والذهني بسبب الأوجاع والإصابات. أنا سعيد لأنها لم تجبرني على التوقف».
وعن كونه أوّل مصري يحرز ذهبية في الخماسي الحديث، قال حامل العلم المصري في حفل الافتتاح: «هذه الذهبية الوحيدة (لمصر) في هذه الألعاب. حصلنا على برونزية، واليوم فضية في رفع الأثقال (سارة سمير التي حملت معه العلم المصري في الافتتاح)، أنا فخور جداً لمنح بلادي هذه الميدالية».
بعد تتويجه بالفضية في طوكيو، قال الجندي صاحب النظارات والابتسامة المحبّبة: «الشعور رائع والميدالية ثقيلة، لم أتوقع قَطّ أن تكون بهذا الثقل!».
تغيّر اللون وأصبح ذهبياً، وتحوّل معه الجندي إلى جندي متكامل كان دو كوبرتان سيفخر بمشاهدته يتألق أمام المساحات الخضراء الخلابة لقصر فرساي.