ساوثغيت يعيد هيبة الكرة الإنجليزية... لكن حان وقت الرحيل

قاد المنتخب إلى نجاحات بعد سنوات طويلة من التراجع والانحدار

 ساوثغيت ولحظة تقدير لجماهير إنجلترا الحزينة (أ.ب)
ساوثغيت ولحظة تقدير لجماهير إنجلترا الحزينة (أ.ب)
TT

ساوثغيت يعيد هيبة الكرة الإنجليزية... لكن حان وقت الرحيل

 ساوثغيت ولحظة تقدير لجماهير إنجلترا الحزينة (أ.ب)
ساوثغيت ولحظة تقدير لجماهير إنجلترا الحزينة (أ.ب)

في البداية، يجب التأكيد على أن ثماني سنوات هي فترة طويلة للغاية في عالم كرة القدم، وهي فترة كافية تماماً لكي ينفد خلالها صبر الناس، وفترة طويلة بحيث تجعل البعض ينسون النجاحات، وتصبح خلالها العيوب ونقاط الضعف واضحة ومزعجة بشكل أكبر. لقد ظهر المنتخب الإنجليزي بشكل سيئ للغاية خلال دور المجموعات ببطولة كأس الأمم الأوروبية الأخيرة، وكان هناك شعور بنفاد الصبر والانزعاج من جميع الاتجاهات. وبالتالي، كان من الأفضل أن يرحل المدير الفني للمنتخب الإنجليزي غاريث ساوثغيت الآن بدلاً من أن نترك الأمور تتفاقم، وتتحول الأجواء إلى شيء أكثر سُمية، في أعقاب التعادل السلبي مع هندوراس على سبيل المثال في المباراة الثانية من دور المجموعات بكأس العالم القادمة!

لكن في الوقت نفسه، يجب الإشارة إلى أن هذه السنوات الثماني كانت استثنائية بالنسبة للمنتخب الإنجليزي، وتوضح كل شيء يتعلق بالتغييرات التي أحدثها ساوثغيت، للدرجة التي جعلت مهمة المدير الفني الذي سيخلفه صعبة للغاية؛ لأن الجماهير رفعت سقف التوقعات وبدأت تؤمن بقدرة المنتخب الإنجليزي على الفوز بالبطولات والألقاب، وهو ما يُعدّ في حد ذاته بمثابة إنجاز رائع في حقيقة الأمر، بالنظر إلى ما كان عليه المنتخب الإنجليزي عندما تولى ساوثغيت المسؤولية في عام 2016.

كانت إنجلترا قد خسرت أمام آيسلندا في بطولة كأس الأمم الأوروبية، لكن ذلك لم يكن سوى محصلة طبيعية تماماً لعقد من الزمان بائس للغاية. وكان المنتخب الإنجليزي قد قدم مستويات سيئة في كأس العالم 2006 رغم وصوله إلى الدور ربع النهائي، ثم فشل في التأهل لكأس الأمم الأوروبية عام 2008.

وبعد ذلك، قدم أداءً كارثياً في كأس العالم 2010، وكأس الأمم الأوروبية 2012، وكأس العالم 2014، الذي ودع فيه البطولة مبكراً بعد أول مباراتين في دور المجموعات! وعلى مدار عقد كامل من الزمن، لم نرَ حتى المنتخب الإنجليزي يخرج من بطولة بشكل مثير ودراماتيكي، وكان يعاني دائماً لعنة ركلات الترجيح، وكان معتاداً على الخسارة والخروج بشكل مخيب للآمال.

ثم تولى سام ألاردايس مهمة قيادة المنتخب الإنجليزي في مباراة واحدة فقط. وبعد ذلك، تم تعيين ساوثغيت مديراً فنياً مؤقتاً؛ نظراً لأنه كان المدير الفني الجيد الوحيد المتاح في ذلك الوقت، لكن الأمور سارت في صالحه بعد ذلك، وأصبح نموذجاً للبطل الإنجليزي الذي يأتي عن طريق الصدفة ويقبل بالمهمة على مضض، ثم يتعامل مع الأمر بهدوء ويحقق نجاحاً كبيراً.

ربما لم يكن هناك تخطيط مسبق لتعيين ساوثغيت على رأس القيادة الفنية للمنتخب الإنجليزي، وربما جاء في مهمة طارئة، لكن اتضح بعد ذلك أنه كان الخيار المثالي.

كان ساوثغيت قد شارك في برنامج الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم لتطوير اللاعبين الشباب، وهو البرنامج الذي تسبب إلى حد كبير في ظهور هذه الوفرة من اللاعبين المبدعين أصحاب القدرات والفنيات الهائلة. وكان قد سبق له أيضاً أن قاد المنتخب الإنجليزي تحت 21 عاماً، وكان يعرف هذا الجيل الصاعد جيداً وما هو متوقع منه.

هناك وجهة نظر ترى أن ساوثغيت يميل دائماً إلى اختيار مجموعة معينة من اللاعبين بغض النظر عن مستوياتهم مع أنديتهم وأنه «مخلص» للغاية لهم، إن جاز التعبير.

لكن هذا هراء في حقيقة الأمر، والدليل على ذلك أن أول قائمة اختارها للمشاركة في بطولة كبرى شهدت استبعاد جو هارت وواين روني، مفضلاً جوردان بيكفورد وديلي آلي وجيسي لينغارد.

وفي كأس العالم في روسيا، قاد ساوثغيت المنتخب الإنجليزي للفوز في إحدى مباريات الأدوار الإقصائية بركلات الترجيح، وهو أول فوز لإنجلترا بركلات الترجيح في كأس العالم وثاني فوز فقط لها بركلات الترجيح في البطولات الأوروبية.

وعلاوة على ذلك، قاد المنتخب الإنجليزي للوصول إلى الدور نصف النهائي للمرة الأولى منذ عام 1996؛ وهو ما يعني أنه أعاد الهيبة إلى كرة القدم الإنجليزية بعد سنوات طويلة من التراجع والانحدار.

وتشير الأرقام والإحصائيات إلى أن المنتخب الإنجليزي خاض 18 مباراة في الأدوار الإقصائية في البطولات الكبرى، تسعة منها في السنوات الثماني الماضية. صحيح أن زيادة عدد المنتخبات المشاركة في هذه البطولات تعني أن المستوى في بعض تلك المباريات كان أقل مما كان عليه من قبل، لكن إنجلترا وصلت إلى الدور نصف النهائي ثلاث مرات تحت قيادته بعد أن وصلت أربع مرات طوال تاريخها من قبله (إحداها في بطولة كأس الأمم الأوروبية 1968).

وعلاوة على ذلك، وصلت إنجلترا إلى المباراة النهائية ثلاث مرات طوال تاريخها، من بينها مرتان تحت قيادة ساوثغيت.

لكن هذا لا يعني أنه لا توجد انتقادات لساوثغيت، فقد كان بطيئاً في رد فعله واتخاذ القرارات المناسبة عندما استحوذت كرواتيا على خط الوسط تماماً في الدور نصف النهائي لكأس العالم 2018.

وكان بإمكانه أيضاً التعامل بشكل أسرع مع عودة إيطاليا إلى نتيجة ومجريات المباراة النهائية لكأس الأمم الأوروبية 2020، والتي يُنظر إليها الآن على أنها أكبر فرصة لم يتم استغلالها. لكن هذه التفاصيل - المهمة من دون أدنى شك - تأتي على مستوى من الإنجازات التي لم يصل إليها سوى عدد قليل للغاية من المديرين الفنيين الآخرين للمنتخب الإنجليزي.

وأظهر ساوثغيت أيضاً أنه لا يزال هناك مكان للخبراء، وللتحضير للمباريات والبطولات بكل دأب وصبر ودقة. لقد نجح، حتى الآن على الأقل، في القضاء على لعنة ركلات الترجيح من خلال التدريب المناسب والحيل النفسية المختلفة، وخير مثال على ذلك الأداء الرائع للاعبين الإنجليزي في ركلات الترجيح أمام سويسرا.

هذا لا يعني أن إنجلترا ستفوز دائماً بركلات الترجيح؛ لأن الفرق الأخرى تستعد أيضاً لهذا الأمر بشكل جيد، لكن على الأقل لم يعد هناك ذلك الشعور الذي كان موجوداً من قبل بأن المنتخب الإنجليزي سيخسر لا محالة في حال وصوله إلى ركلات الترجيح.

لكن الشيء الواضح خلال هذه البطولة هو أن الاستعداد لها لم يكن جيداً بالشكل نفسه الذي كان عليه خلال البطولات الثلاث الأخرى، حيث لم ينجح ساوثغيت في إيجاد حل لمشكلة محور الارتكاز قبل انطلاق البطولة، بالإضافة إلى عدم وجود ظهير أيسر يجيد اللعب بقدمه اليسرى، وعدم قدرة هاري كين على التحرك بالشكل المطلوب، بالإضافة إلى أن قرار الدفع بوجود بيلينغهام في مركز متقدم كان له تأثير سلبي على توازن الفريق ككل.

هل رحيل ساوثغيت جاء في التوقيت المناسب (إ.ب.أ)

وتم تغيير طريقة اللعب في منتصف البطولة، وكان هناك شعور بأن كل شيء يحدث بسرعة وعلى عجل. ومن هذا المنطلق، كان الأمر برمّته خلال هذه البطولة يشبه ما كان المنتخب الإنجليزي يقدمه خلال السنوات الصعبة قبل مكلارين وكابيلو وهودجسون.

ولهذا السبب؛ ربما كان هذا هو الوقت المناسب لرحيل ساوثغيت.

يتعرض جميع مدربي منتخب إنجلترا للانتقادات، ومن المؤكد أن ساوثغيت لم يسلم من ذلك. لكن عندما تهدأ الأمور، سيدرك الجميع أن ساوثغيت قد وضع اسمه ضمن أبرز المديرين الفنيين للمنتخب الإنجليزي عبر التاريخ. يظل السير ألف رامزي في المقدمة بفضل رؤيته التي غيّرت الخطط التكتيكية وقادت إنجلترا للفوز بكأس العالم، ويظل الفارق بينه وبين ساوثغيت كبيراً. لقد قاد ساوثغيت المنتخب الإنجليزي للوصول إلى النهائي مرتين، والأهم من ذلك أنه غيّر الثقافة الكروية بشكل كامل. وربما سندرك حجم إنجازاته حقاً خلال الأشهر والسنوات المقبلة!


مقالات ذات صلة

نيستلروي مرشح لتدريب هامبورغ وليستر سيتي

رياضة عالمية رود فان نيستلروي (أ.ب)

نيستلروي مرشح لتدريب هامبورغ وليستر سيتي

ذكرت تقارير إعلامية، اليوم الاثنين، أن فريقيْ هامبورغ الألماني وليستر سيتي الإنجليزي يتنافسان على التعاقد مع المهاجم الهولندي السابق رود فان نيستلروي.

«الشرق الأوسط» (هامبورغ)
رياضة عالمية كريستيان هورنر وماكس فيرستابن (أ.ف.ب)

رئيس فريق «ريد بول»: الفضل لفيرستابن في التتويج باللقب الرابع

قال كريستيان هورنر، رئيس فريق «ريد بول»، المنافس ببطولة العالم لسباقات سيارات «فورمولا 1»، إن الفضل في تتويج الهولندي ماكس فيرستابن بلقب بطولة العالم للمرة الرا

«الشرق الأوسط» (برلين)
رياضة عالمية سيباستيان كو (أ.ف.ب)

سيباستيان كو: منفتحون على السعودية أو الهند لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية

تعهد رئيس «الاتحاد الدولي لألعاب القوى (وورلد أثلتيكس)»، البريطاني سيباستيان كو، بحماية الرياضة النسائية في حال فوزه برئاسة «اللجنة الأولمبية الدولية».

«الشرق الأوسط» (باريس)
رياضة عالمية نوفاك ديوكوفيتش وأندي موراي (أ.ف.ب)

شراكة موراي وديوكوفيتش... تحدٍ لا يمكن رفضه

كشف نجم التنس الصربي نوفاك ديوكوفيتش عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أيام قليلة، عن أن البريطاني أندي موراي، أحد منافسيه السابقين سيكون مدرباً له في الفريق نفسه

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية الأهلي يباشر حملة الدفاع عن اللقب والفوز للمرة الثالثة على التوالي (النادي الأهلي)

«دوري أبطال أفريقيا»: «كلاسيكو المغرب» الأبرز في افتتاح المجموعات

تشدّ القمة المغربية بين الرجاء الرياضي وضيفه الجيش الملكي، الثلاثاء، الأنظار في الجولة الافتتاحية لدور المجموعات لمسابقة دوري أبطال أفريقيا لكرة القدم.

«الشرق الأوسط» (الدار البيضاء)

شراكة موراي وديوكوفيتش... تحدٍ لا يمكن رفضه

نوفاك ديوكوفيتش وأندي موراي (أ.ف.ب)
نوفاك ديوكوفيتش وأندي موراي (أ.ف.ب)
TT

شراكة موراي وديوكوفيتش... تحدٍ لا يمكن رفضه

نوفاك ديوكوفيتش وأندي موراي (أ.ف.ب)
نوفاك ديوكوفيتش وأندي موراي (أ.ف.ب)

كشف نجم التنس الصربي نوفاك ديوكوفيتش عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أيام قليلة، عن أن البريطاني أندي موراي، أحد منافسيه السابقين سيكون مدرباً له في الفريق نفسه.

وذكرت وكالة الأنباء البريطانية (بي إيه ميديا) في تقرير لها أن هذه الخطوة تبقى مفاجأة كبيرة قياساً لتاريخ المنافسة بين النجمين، لكن موراي أكد قبل اعتزاله بفترة قصيرة أنه ينوي الاتجاه إلى مجال التدريب.

وأوضحت أن الاتفاق بين ديوكوفيتش وموراي يبقى قصير الأجل، حيث سيتولى الاسكوتلندي مهمة تجهيز النجم الصربي لمنافسات الموسم الجديد، وسيكون بجواره في دورة أستراليا المفتوحة التي يسعى ديوكوفيتش للفوز بلقبها للمرة الحادية عشرة.

وأشارت إلى أن تمديد التعاقد بينهما يبقى أمراً وارداً بعدما تراجع ديوكوفيتش في تصنيف لاعبي التنس المحترفين أمام كل من الإيطالي يانيك سينر والإسباني كارلوس ألكاراس، وإذا نجح موراي في إعادة البريق للنجم الصربي البالغ من العمر 37 عاماً، فمن الوارد بقوة أن يستمر التعاون بينهما.

وأوضحت أيضاً أن موراي يفتقد الخبرة الكافية في عالم التدريب، لكنه كان من أكثر اللاعبين ذكاءً على المستوى الفني، ويعرف قدرات ديوكوفيتش جيداً، حيث بدأت المواجهات المباشرة بينهما عندما كانا يبلغان من العمر 11 عاماً ويفصل بين عمريهما أسبوع واحد، كما أن النجم البريطاني لديه دراية كافية عن نقاط القوة والضعف لمنافسي ديوكوفيتش بفضل مواجهاته معه قبل اعتزاله التنس.

ولفتت وكالة الأنباء البريطانية إلى أن مغامرة موراي مع ديوكوفيتش تبقى تحدياً لا يمكن رفضه، وأن النجم البريطاني لن يعلّم ديوكوفيتش الضربات الأمامية والخلفية، لكن بإمكان أندي موراي أن يترك بصمة فنية على النجم الصربي، وستكون وسيلة الشراكة بينهما وكيفية تأقلم موراي على الحياة بعد الاعتزال تجربة مثيرة ورائعة.