أولمبياد هلسنكي 1952: الحرب الباردة تلاحق الرياضة... وتتويج الزوجين زاتوبيك

أميل زاتوبيك وألان ميمون (أ.ف.ب)
أميل زاتوبيك وألان ميمون (أ.ف.ب)
TT

أولمبياد هلسنكي 1952: الحرب الباردة تلاحق الرياضة... وتتويج الزوجين زاتوبيك

أميل زاتوبيك وألان ميمون (أ.ف.ب)
أميل زاتوبيك وألان ميمون (أ.ف.ب)

اندلعت حرب كوريا في 25 يونيو (حزيران) 1950، فهبّت الرياح الساخنة للحرب الباردة بين الكتلتين الشرقية والغربية، معلنةً نزاعاً سيمتدّ عقوداً ويبدّل أوجهاً كثيرة، منها الرياضة.

وبعد عامين، أقيمت ألعاب الأولمبياد الخامس عشر، من 19 يوليو (تموز) حتّى 3 أغسطس (آب) في هلسنكي، المدينة التي كان مقرراً أن تستضيف دورة 1940 التي تنازلت عنها طوكيو. لذا، فإن المنشور الكبير الذي يرمز إلى شعار الدورة، والذي كان معدّاً للمناسبة التي طوتها الحرب العالمية الثانية، «نُبش» من جديد وأُزيل عنه الغبار.

وعلى إيقاع مشاهد، هي خليط من السياسة والرياضة، شارك الاتحاد السوفياتي للمرة الأولى، علماً أن المشاركة الأخيرة لروسيا تعود إلى دورة عام 1912. وافد جديد دقّ ناقوس الخطر في وجه الهيمنة الأميركية.

وفي القرية الأولمبية ظلّل علما الألعاب والاتحاد السوفياتي صورةَ جوزيف ستالين في مقرّ البعثة السوفياتية. وكانت اللجنة الأولمبية الدولية قد اعترفت في مايو (أيار) 1951 باللجنة الأولمبية الوطنية لاتحاد الجمهوريات السوفياتية.

وحصلت ألمانيا على «رخصتها الدولية» عبر اسم جديد، هي ألمانيا الاتحادية الفيدرالية أو الغربية، ما سيؤدّي لاحقاً إلى الاعتراف الرياضي بألمانيا الأخرى «الديمقراطية» أو الشرقية، فأعاد الإخراج السياسي الجديد ألمانيا إلى حظيرة المنافسات.

وجمعت الولايات المتحدة 40 ذهبية، في مقابل 22 للاتحاد السوفياتي و16 للمجر.

وسيطر الأميركيون على ألعاب القوى والسباحة، وضربت «القاطرة البشرية» التشيكوسلوفاكية العداء أميل زاتوبيك بقوة، ففاز بذهبيات سباقي 5 و10 آلاف متر والماراثون.

أما حصيلة المشاركة العربية فكانت إحراز اللبناني زكريا شهاب فضية المصارعة اليونانية الرومانية لوزن الديك، ومواطنه خليل طه برونزية المسابقة لوزن الوسط، والمصري عبد العال راشد برونزية المسابقة لوزن الريشة.

بلانكرز تغادر بالدموع

أما نجمة ألعاب لندن 1948، الهولندية فاني بلانكرز كون، صاحبة الذهبيات الأربع، فتعثرت في سباق 80 متر حواجز وغادرت بالدموع، لكنها ظلت شاهدة على العصر الرياضي الجديد وتطوّراته المتسارعة حتى وفاتها في يناير (كانون الثاني) 2004 عن 85 عاماً، في حين «قبضت» السوفياتية ماريا غوروخوفسكايا على مسابقات الجمباز فأحرزت ذهبيتين و5 فضيات، وهو إنجاز غير مألوف حتى تاريخه.

وباتت الفارسة الدنماركية ليز هارتل المصابة بالشلل في ساقها أوّل امرأة تشارك مع الرجال في مسابقة واحدة، إذ نافست في مسابقة الترويض وحلّت ثانية.

وفي سباق 400 متر حرة سباحة، كان الأميركي من جزر هاواي فورد كونو، والسويدي بيراولاف أوستراند، مرشحَين فوق العادة، لكن الفرنسي جان بواتو حقّق المفاجأة «السعيدة» إذ وعده والده بتزويجه من فتاة أحلامه إذا ما فاز في هلسنكي، وكان لهذا الرهان مفعول السحر مسجلاً 4:30.7 دقيقة، ومن شدّة تأثره قفز والده بكامل ثيابه في الحوض لتهنئته.

زاتوبيك ميمون

عند «فلفشة» أوراق دورة هلسنكي، لا بد من الحديث عن سباق 5 آلاف متر، الذي يعدّه مراقبون كثر السباق الأفضل على هذه المسافة في تاريخ الألعاب، وهو مواجهة جمعت «قاطرة العصر» زاتوبيك، والفرنسي ألان ميمون، والبلجيكي غاستون ريف، قاهر زاتوبيك في سباق دورة لندن، والإنجليزي الخطر كريستوفر شاتاواي، والألماني هيربرت شاد.

يتذكّر ميمون السباق، ويصفه بالمعركة المفتوحة: «كل منّا كان يبذل طاقته ويتقدّم ليتصدّر حين تسنح له الفرصة، وليس كما يحصل حالياً حيث يتلطّى العداؤون خلف (الأرنب) في المقدمة ويتحيّنون الفرصة للانقضاض بواسطة (السبرينت) في الأمتار الأخيرة».

ويضيف: «بداية، تصدّر الإنجليزي غوردون بيري، ثم زاتوبيك، بعدما تجاوز ريف وشاد، وحاولت قدر الإمكان أن أبقى قريباً منه طمعاً في ميدالية أولمبية ثانية. رأيته في منتصف السباق، وقد فتح فمه، ومدّ لسانه وتدلّت رقبته، وهي العلامات التي تشير إلى وهنه المتصاعد، بينما يكون في كامل قوته. وفي اللفة الأخيرة، كان لا يزال في الصدارة، وكلّ منا يراقب الآخر ليدركه في السرعة النهائية، أعتقد أنني ارتكبت خطأً كبيراً بعدم المبادرة إلى ذلك، إذ لربما كنت أنا الفائز، وتردّدت حين لاحظت اقتراب شاد خلفي. كان ريف أصبح بعيداً قليلاً وشاتاواي خلفنا. لم ينتظر زاتوبيك طويلاً فشنّ هجومه في المائتي متر الأخيرة. وعند المنعطف الأخير، تعثر شاتاواي ووقع أرضاً واستلحق نفسه بحلوله خامساً، في حين كان زاتوبيك يمضي إلى حصد الذهبية التي أهدرها في دورة لندن، وبقيت خلفه حتى النهاية».

سجّل زاتوبيك 14:06.6 دقيقة، وميمون 14:07.4 دقيقة، وشاد 14:08.6 دقيقة، لكن سقوط شاتاواي جعل منه نجماً، علماً أنه اعترف لزملائه بعدها أنه كان تعباً جداً، ولم يقوَ على المثابرة حتى النهاية.

دوران الدولاب

بعد عودته إلى بريطانيا، حظي بفضل «حظه العاثر» بشعبية كبيرة، ما أسهم في انتخابه نائباً ثم تعيينه وزيراً. وعن السباق المثير، يقول: «أسفت كثيراً لما حصل، لكن عزائي الوحيد أنني بذلت جهدي وحاولت قدر المستطاع».

واحتفظ زاتوبيك بعدها بلقبه في سباق 10 آلاف متر، معززاً رقمه الأولمبي (29:17.00 دقيقة)، وتلاه الفرنسي ميمون.

قرّر خوض الماراثون للمرة الأولى من أجل تثبيت هيمنته أكثر فأكثر. وفي منتصف السباق، ظهر في المقدمة السويدي غوستاف يانسون، لكن لفترة قصيرة، إذ تفاعل زاتوبيك سريعاً مع الأمر وأخذ زمام المبادرة ليقود الصدارة وحيداً وبعيداً في ما يشبه المهرجان والاستعراض الخاص، وكأنه يخوض سباق 10 آلاف متر، واجتاز خط النهاية مسجلاً 2:23:03.2، بفارق نحو دقيقتين عن الثاني الأرجنتيني رينالدو غورنو، وجاء يانسون ثالثاً.

دخل زاتوبيك الاستاد، وركض أمام مدرجات مكتظة بحشود هتفت بصوت واحد باسمه، وكان احتفال «القاطرة» مزدوجاً، إذ أحرزت زوجته دانا أنغروفا زاتوبيكوفا في الوقت عينه ذهبية رمي الرمح (50.47 متر)، وهما ببساطة متناهية حصدا لتشيكوسلوفاكيا 4 ذهبيات.

رُقّي زاتوبيك إلى رتبة نقيب في الجيش، ولاحقاً رُفّع إلى رتبة عقيد وشغل منصب مدرب المنتخب، ثم جرّد من كل شيء وكاد يصبح نكرة بعدما حرم من مميزات الإنجاز، إذ دفع ثمناً غالياً لشجاعته ودعمه الحرية ووطنيته في أحداث «ربيع براغ» عام 1968.

دار دولاب زاتوبيك «سنوات» إلى الخلف، لكنه ظل شجاعاً متفائلاً محباً للحياة، «نُفيَ» بعيداً عن زوجته، وعمل حفاراً للآبار، ولم يتمكن من رؤيتها إلا مرة كل أسبوعين، لكنّ عزاءه ومتنفسه الوحيدين بقيا في أن عمله كان في الهواء الطلق وسط الغابات والريف.

انتابه الحزن، لأنه لم يعد بمقدوره الاعتناء بالحديقة الصغيرة بجوار منزله إلى أن «رُضي عنه» بعد سنوات، فنقل للعمل في قسم التوثيق باللجنة الأولمبية في براغ، واعترف أنه بات من الرياضيين القدامى أصحاب الشهرة، «لكني لم أتقاعد من العمل، وأنا مستعد دائماً للمساعدة في أي موقع لأبقى مفيداً».

ويتذكّر أنه طمح دائماً لتقديم الأفضل وتحقيق الإنجازات، «لكن ذلك تطلّب كداً وتعباً وتدريباً يومياً مكثفاً لتحطيم الأرقام وإحراز الألقاب، تماماً كالأشغال الشاقة، لكني كنت أستمتع بها».


مقالات ذات صلة

إيقاف هيلينيوس لعامين بعد سقوطه في اختبار المنشطات

رياضة عالمية الملاكم الفنلندي روبرت هيلينيوس عوقب بالإيقاف لعامين (رويترز)

إيقاف هيلينيوس لعامين بعد سقوطه في اختبار المنشطات

أعلنت الوكالة البريطانية لمكافحة المنشطات، الجمعة، عن إيقاف الملاكم الفنلندي روبرت هيلينيوس لعامين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية ليني يورو فضّل الانضمام لمانشستر يونايتد على ريال مدريد (أ.ف.ب)

ماذا بعد فشل ريال مدريد في التعاقد مع ليني يورو؟

قبل تحليل ما يعنيه تعاقد مانشستر يونايتد مع ليني يورو بالنسبة لريال مدريد، يجب أن نؤكد على شيء ما: هذا النوع من القرارات ليس عاديًا، بل على العكس تماماً.

ذا أتلتيك الرياضي (مدريد)
رياضة عالمية ملعب سانتياغو بيرنابيو مرشح لاستضافة مونديال 2030 (إ.ب.أ)

ملعبا ريال مدريد وبرشلونة مرشحان لاستضافة مونديال 2030

اقترح الاتحاد الإسباني لكرة القدم 11 ملعبا لاستضافة مباريات كأس العالم 2030... بينها ملاعب أندية ريال مدريد وبرشلونة وأتليتيكو مدريد.

«الشرق الأوسط» (مدريد)
رياضة عالمية كارلوس ساينز تصدر التجارب الحرة الأولى بسباق المجر (رويترز)

«جائزة المجر الكبرى»: ساينز الأسرع في التجارب الحرة الأولى

رفع كارلوس ساينز سائق «فيراري» من آمال فريقه... بعدما حقق أسرع زمن في التجارب الحرة الأولى بسباق جائزة المجر الكبرى

«الشرق الأوسط» (بودابست)
رياضة عالمية ستيف كاري (يسار) سيقود منتخب أميركا في أولمبياد باريس (إ.ب.أ)

مدرب صربيا: المنتخب الأميركي الحالي أفضل من فريق الأحلام

قال سفيتسلاف بيسيتش المدير الفني للمنتخب الصربي لكرة السلة إن المنتخب الأميركي المنافس في دورة الألعاب الأولمبية في باريس هو الأفضل في تاريخ الرياضة.

«الشرق الأوسط» (باريس)

موراتا «بطل أوروبا» يعود إلى إيطاليا من بوابة ميلان

الفارو موراتا إلى ميلان (رويترز)
الفارو موراتا إلى ميلان (رويترز)
TT

موراتا «بطل أوروبا» يعود إلى إيطاليا من بوابة ميلان

الفارو موراتا إلى ميلان (رويترز)
الفارو موراتا إلى ميلان (رويترز)

عاد المهاجم الدولي الإسباني ألفارو موراتا إلى الدوري الإيطالي لكرة القدم من بوابة ميلان، بعد أيام معدودة على إحرازه كأس أوروبا مع منتخب بلاده، وذلك بتوقيعه مع النادي اللومباردي لأربعة أعوام وفق ما أعلن الأخير.

وتعاقد ميلان مع ابن الـ31 عاماً بهدف تعويض الفرنسي أوليفييه جيرو المنتقل إلى الدوري الأميركي للدفاع عن ألوان لوس أنجليس إف سي.

وقال النادي في بيان الجمعة: «وقع موراتا مع روسونيري (لقب ميلان) حتى 30 يونيو (حزيران) 2028 مع خيار التمديد لعام إضافي».

وأفادت وسائل الإعلام الإيطالية بأن ميلان دفع البند الجزائي في العقد الذي يربط موراتا بأتلتيكو مدريد وقدره 13 مليون يورو، على أن يتقاضى اللاعب 4.5 مليون يورو راتباً سنوياً.

والتقى المدير التنفيذي لميلان جورجو فورلاني بموراتا في مدريد حيث أجرى اللاعب الإسباني فحصه الطبي الروتيني.

ونقلت شبكة «سكاي سبورتس» الإيطالية عن موراتا قوله: «أتطلع بفارغ الصبر» للعب مع ميلان، مضيفاً: «سأذهب الآن في عطلة من أجل الاستمتاع؛ لأنها (العطل) دائماً ما تساعدني، ولولا ذلك لبدأت تماريني (مع ميلان) منذ الغد».

وشارك موراتا في جميع المباريات السبع التي فازت بها إسبانيا خلال مشوارها الرائع في كأس أوروبا، ست منها أساسياً، حيث توجت الأحد بلقبها الرابع القياسي بفوزها في النهائي على إنجلترا 2-1 على الملعب الأولمبي في برلين.

وسجل موراتا هدفاً واحداً في النهائيات القارية، وكان في المباراة الأولى لبلاده ضد كرواتيا (3-0)، رافعاً رصيده إلى ثلاثين هدفاً بقميص «لا روخا» في 80 مباراة حتى الآن.

ويعود موراتا إلى إيطاليا بقميص الغريم ميلان بعدما دافع عن ألوان يوفنتوس في مرحلتين (2014-2016 و2020-2022)، محرزاً مع «بيانكونيري» لقب الدوري مرتين والكأس المحلية ثلاث مرات.

وعلق موراتا على عودته إلى إيطاليا، مسقط رأس زوجته عارضة الأزياء أليس كامبيلو المولودة في البندقية والتي أنجبت له أربعة أطفال، قائلاً: «الحقيقة هي أن الإيطاليين عاملوني باحترام لا يصدق على الدوام. أتطلع بفارغ الصبر كي أذهب في عطلتي إلى إيطاليا، ومن ثم اللعب هناك مجدداً».

وأحرز موراتا خلال مسيرته الكأس الإنجليزية مع تشيلسي، إضافة إلى تتويجه بكل من الدوري والكأس الإسبانيين ودوري أبطال أوروبا مرتين بألوان ريال مدريد الذي نال معه أيضاً كأس العالم للأندية وكأس السوبر الأوروبية.

وسيبدأ ميلان الذي أنهى الموسم الماضي من الدوري الإيطالي في المركز الثاني بفارق 19 نقطة خلف جاره إنتر البطل، الموسم الجديد بزيارة تورينو في 17 أغسطس (آب) تحت إشراف مدربه الجديد البرتغالي باولو فونسيكا.