أولمبياد برلين 1936: جيسي أوينز يقهر الدعاية للعقيدة والحزب

لفت مؤرخون إلى أن برلين عام 1936 كانت آخر مكان قد يستضيف الألعاب الأولمبية (الأولمبية الدولية)
لفت مؤرخون إلى أن برلين عام 1936 كانت آخر مكان قد يستضيف الألعاب الأولمبية (الأولمبية الدولية)
TT

أولمبياد برلين 1936: جيسي أوينز يقهر الدعاية للعقيدة والحزب

لفت مؤرخون إلى أن برلين عام 1936 كانت آخر مكان قد يستضيف الألعاب الأولمبية (الأولمبية الدولية)
لفت مؤرخون إلى أن برلين عام 1936 كانت آخر مكان قد يستضيف الألعاب الأولمبية (الأولمبية الدولية)

لفت عدد كبير من المؤرخين إلى أن برلين في عام 1936 كانت آخر مكان يمكن أن يستضيف الألعاب الأولمبية؛ نظراً لموجة العنصرية التي كانت سائدة في ألمانيا، وهي طبعاً عكس المُثل الأولمبية ومبادئها السامية.

أقرّت اللجنة الأولمبية الدولية منح برلين تنظيم ألعاب الأولمبياد الـ11 عام 1932، لكن الحزب النازي بقيادة أدولف هتلر تسلّم مقاليد حكم ألمانيا العام التالي واتخذ من إقامة الألعاب عنصر دعاية مهماً ودعماً وإلهاباً لحماسة الشعب وتقوية روح الاعتزاز بالعنصر الآري لدى أفراده.

هذا الأمر جعل الألعاب تفقد للمرة الأولى غايتها المُثلى وتحيد عن هدفها الحقيقي الذي أراده باعثها البارون الفرنسي بيار دو كوبرتان. وللمصادفة، فإن دو كوبرتان توفي في العام التالي لاختتام الأولمبياد الـ11، ودُفِن قلبه في أولمبيا (اليونان).

ويذكر أن دولاً عدة سعت إلى نقل الألعاب إلى مدينة برشلونة الإسبانية، التي زاحمت برلين عند الترشّح. غير أن الحكم الفاشي الذي ساد إسبانيا وقتذاك عمل على أن تبقى المنافسات في برلين.

وتصدّرت «القوة الألمانية» ترتيب الميداليات بـ33 ذهبية، أمام الولايات المتحدة (24) والمجر (10)، لكن نجم الدورة التي حظيت بحضور مكثف (نحو ثلاثة ملايين شخص) لم يكن ألمانياً، إنما جيسّي أوينز (23 عاماً) القادم من ألاباما في الجنوب الأميركي والذي انتزع أربع ذهبيات في سباقات 100 م، 200 م، التتابع 4 مرّات 100 م والوثب الطويل.

ومنح الربّاعون المصريون بلادهم الميداليات من المعادن المختلفة؛ إذ فاز خضر التوني بذهبية وزن المتوسط، ومحمد مصباح بذهبية وزن الخفيف، وصالح سليمان بفضية وزن الريشة، وإبراهيم شمس ببرونزيته وإبراهيم واصف ببرونزية خفيف الثقيل.

وعكست الدورة في بعض فقراتها الصورة الإيجابية لـ«العنفوان الألماني»؛ إذ إنه رغم إصابته بكسر في ترقوته خلال سقوطه عن صهوة فرسه أثناء القفز على الحواجز في المسابقة الكاملة للفرق؛ اضطر الملازم كونراد فون فانغينهايم إلى المشاركة لأن انسحابه سيقصي منتخب بلاده.

شارك فانغينهايم في المسابقة، لكن فرسه تعرّضت للسقوط في أحد الحواجز، وهو «تدحرج» من فوقها. ونهض معتقداً أنها ماتت، لكنها وقفت بدورها. وتابع الفارس والفرس المسابقة من دون أن يرتكبا أي أخطاء في باقي الحواجز. توّجت ألمانيا بطلة أولمبية، وصفق مائة ألف متفرج بحرارة للملازم الشجاع.

رفعت ألمانيا سقف التحدّي عالياً، فشيّدت في أشهر معدودة ملعباً عملاقاً يتّسع لمائة وعشرة آلاف متفرج، ولا يزال صامداً حتى الآن وشاهداً على عصر الهندسة والتصاميم النازية.. وخُصّصت للرياضيين قرية أولمبية مترامية الأطراف وسط غابة ومناظر خلابة، واعتُمد حوض سباحة أولمبي تحيط به مدرجات تتسع لـ20 ألف متفرج.

أما التطوّر التلفزيوني والنقل المباشر فبدأ من خلال الموجات الهرتزية المبثوثة عبر الكابلات، وكانت أيضاً بداية اعتماد الكاميرات السائرة على سكّة خاصة إلى جانب مضمار الجري.

في 2 أغسطس (آب) 1936 استعرض هتلر في الاستاد 4 آلاف رياضي ممدودي الأيدي في تحية «أولمبية غير مألوفة» وبعضهم تصرّف على طريقته وبينهم الأميركيون الذين ساروا أمام المقصورة الرئيسية وقبعاتهم ملصقة بصدورهم.

وفاقت الهستيريا الجماهيرية كل حد، وكان لها رد فعل معاكس على الأبطال الألمان المطالبين بالفوز ولا شيء غيره؛ ما ولّد ضغطاً كبيراً على كاهلهم، فكانت الصيحات ترتفع من كل صوب توجّه وتحفّز.

ولعلّ الألمان عموماً وهتلر وأركانه خصوصاً ارتاحوا لنتائج منافسات القوّة التي أظهرت أن الشعب يسير إلى الأمام. ففي رمي الكرة الحديد رمى الشرطي هانس وولكي الثقل مسافة 16.20 م معزّزاً الرقم الأولمبي ورُقّي إلى رتبة ملازم... وحطّم مواطنه كارل هاين الرقم الأولمبي لرمي المطرقة مسجلاً 56.49 م، وحلّ مواطنه أرفين بلاسك ثانياً (55.04 م). ونال ذهب رمي الرمح غيرهارد شتوك (71.84 م)، وكان حل ثالثاً في الكرة الحديد.

للمرّة الأولى في الألعاب ارتفع حاجز الوثب العالي إلى مترين، وقد اجتازه الأميركيان الأسود كورنيليوس جونسون والبيريتون. وعاد جونسون وتجاوز 2.03 م وهو رقم أولمبي جديد صمد 16 عاماً. وبات أوّل اسود يقطف الذهب في برلين تحت أنظار هتلر.

كما شهد سباق 800 م، صراعاً بين عدّائين أسودين، هما الكندي فيليب ادواردز والأميركي جون ورودورف الذي فاز مسجلاً 1:52.09 دقيقة.

هذه المؤشرات كانت «تمهيداً» لسطوع نجم جيسّي أوينز، فقبل عام واحد حطّم أو عادل ستة أرقام عالمية، وسبقته شهرته إلى برلين كونه «ملك سباقات السرعة والوثب الطويل».

في نصف نهائي سباق 100 م خطف أوينز البريق والاهتمام كليهما؛ إذ سجل 10.2 ثانية، لكن الزمن القياسي العالمي الجديد لم يُعتمد بسبب تجاوزه سرعة الريح المعدل.

انتقل أوينز إلى الدور النهائي ليواجه العدّاء الألماني بورش ماير الفائز في نصف النهائي الثاني ومحط أنظار مواطنيه، لكن فتى ألاباما عادل الرقم العالمي 10.3، وحلّ مواطنه رالف متكالف (أسود أيضاً) ثانياً (10.4 ث).

ثم فاز أوينز في سباق 200 م (20.7 ث). وفي التتابع 4 مرات 100 م، أعطى أوينز العصا لزميله الرابع متكالف الذي هبّ كالريح إلى خط النهاية، والحصيلة رقم قياسي عالمي جديد من صنع أميركي (39.8 ث).

كظم هتلر غيظه لعل وعسى يتمكن لوتس لونغ من النيل من أوينز في الوثب الطويل، لكن أوينز استجمع قواه ليقول كلمته في مسك الختام ووثب 8.60 م.

رقم عالمي صمد 24 عاماً وغادر هتلر الاستاد على الفور، في حين كانت ترتفع على السواري أعلام الولايات المتحدة وألمانيا واليابان التي حلّ مواطنها ناوتو تاجيما ثالثاً... أعلام دول أركان في حرب بدأ الإحماء لها.

وكان الاستاد الأولمبي في برلين محطة ذكريات لأوينز بعد أربعة عقود من انتصاره المدوي، وهو اعتبر أن سباق المائة متر كان «ساعة الحقيقة التي دقت. هذا النهار انتظرته تسع سنوات، تسع سنوات من التدريب المضني والسباقات التي لا تحصى».

وحضرت في بال أوينز خاطرة رواها مبتسماً: «طلبت لجنتنا الأولمبية أن أُكرّم بالجلوس في المقصورة في استاد برلين فرفض النازيون طلبها، وأنا كنت سعيداً جداً بالرد السلبي صدقوني...».

«نجحت» الألعاب وتلقى الفوهرر الشكر من رئيس اللجنة الأولمبية الدولية الكونت باييه لاتور، وطلب من الرياضيين الاستعداد للألعاب الأولمبياد الـ12 بعد أربعة أعوام في طوكيو... لكن شعلة الحرب وأعلامه تقدّمت كل ما عداها من جديد وحرقت المُثل والأهداف النبيلة... ومثلما أُلغيت ألعاب طوكيو 1940، حذفت ألعاب لندن 1944... فلا وقت إلا للقتل والدمار.


مقالات ذات صلة

حملات تسويقية ضخمة للاعبات قبل ألعاب باريس

رياضة عالمية خبراء قالوا إن تعلق وهوس المشجعين بكايتلين هو أحد أسباب الاهتمام المتزايد بالرياضات النسائية (أ.ب)

حملات تسويقية ضخمة للاعبات قبل ألعاب باريس

يستعين مُعلِنون عالميون بالمزيد من الرياضيات لإطلاق حملات تسويقية، قبل دورة الألعاب الأولمبية بباريس 2024، بهدف الاستفادة من الانتشار الموسّع للرياضات النسائية.

«الشرق الأوسط» (باريس)
رياضة عالمية تياغو ألكانتارا وهانزي فليك مدرب برشلونة (نادي برشلونة)

تياغو ألكانتارا ينضم إلى الجهاز الفني لبرشلونة

أعلن نادي برشلونة الإسباني لكرة القدم، الأربعاء، أن نجم خط الوسط السابق تياغو ألكانتارا سيكون ضمن عناصر الجهاز الفني للمدرب هانزي فليك في الفريق الكتالوني.

«الشرق الأوسط» (برلين )
رياضة سعودية آلان سانت ماكسيمان (رويترز)

رسمياً... إعارة نجم الأهلي ماكسيمان إلى فنربخشة التركي

أعلن النادي الأهلي السعودي موافقته على إعارة الفرنسي آلان سانت ماكسيمان لاعب الفريق الأول إلى فنربخشة التركي لمدة موسم رياضي واحد.

علي العمري (جدة)
رياضة عالمية كأس بيلي جين كينغ (رويترز)

نقل نهائيات كأس بيلي جين كينغ للتنس إلى ملقة

قال الاتحاد الدولي للتنس اليوم الأربعاء إن نهائيات كأس بيلي جين كينغ المقررة في نوفمبر (تشرين الثاني) تم نقلها من إشبيلية إلى ملقة.

«الشرق الأوسط» (إشبيلية )
رياضة عالمية كاسبر رود (أ.ف.ب)

«دورة باشتاد»: خروج مبكر لرود

خرج النرويجي كاسبر رود المصنف تاسعا عالميا من الدور الثاني لدورة باشتاد السويدية الدولية في كرة المضرب بخسارته أمام البرازيلي ثياغو مونتيرو 3-6 و3-6 الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (باريس)

حملات تسويقية ضخمة للاعبات قبل ألعاب باريس

خبراء قالوا إن تعلق وهوس المشجعين بكايتلين هو أحد أسباب الاهتمام المتزايد بالرياضات النسائية (أ.ب)
خبراء قالوا إن تعلق وهوس المشجعين بكايتلين هو أحد أسباب الاهتمام المتزايد بالرياضات النسائية (أ.ب)
TT

حملات تسويقية ضخمة للاعبات قبل ألعاب باريس

خبراء قالوا إن تعلق وهوس المشجعين بكايتلين هو أحد أسباب الاهتمام المتزايد بالرياضات النسائية (أ.ب)
خبراء قالوا إن تعلق وهوس المشجعين بكايتلين هو أحد أسباب الاهتمام المتزايد بالرياضات النسائية (أ.ب)

يستعين مُعلِنون على مستوى العالم بالمزيد من الرياضيات لإطلاق حملات تسويقية قبل دورة الألعاب الأولمبية بباريس 2024، في خطوة تهدف إلى الاستفادة من الانتشار الموسّع مؤخراً للرياضات النسائية في الولايات المتحدة وأوروبا؛ للوصول إلى جماهير جديدة.

وفي حين أن الألعاب الأولمبية كانت تعتبر منذ فترة طويلة قمة الهرم في الرياضات النسائية، فإن الاهتمام المتزايد الذي يسبق الأولمبياد دفع المزيد من العلامات التجارية إلى إظهار الرياضيات في الإعلانات التجارية، وصياغة رسائل موجّهة للنساء، وزيادة الإنفاق الإعلاني على الرياضات النسائية، حسبما قال خبراء في الإعلان.

كايتلين كلارك (أ.ف.ب)

وقالت جيني ستورمز، كبيرة مسؤولي التسويق للترفيه والرياضة في «إن بي سي يونفرسال»، التي تبثّ منافسات الألعاب الأولمبية في الولايات المتحدة: «ما نشهده مؤخراً هو مجموعة مذهلة من النساء اللاتي يستعرضن مهاراتهن، ويحطّمن الأرقام القياسية، بطرق تولّد الكثير من الاهتمام».

وقال آدم شفارتز، مدير الإعلام الرياضي في شركة «هورايزون ميديا» للإعلان، إنه يُقدر أن هناك الآن ضِعف عدد الحملات التسويقية للعلامات التجارية التي تضم رياضيات، مقارنةً بالسنوات السابقة.

وأضاف: «المُعلِنون يتساءلون دائماً: ماذا يمكننا أن نفعل لنُشرك أنفسنا في مسابقات الرياضة النسائية».

وقالت وكالة «غروب إم»، إحدى أكبر وكالات شراء الإعلانات في العالم، لـ«رويترز»، إنها تعمل الآن مع «إن بي سي يونفرسال» لإنشاء حزم إعلانية جديدة، تسمح لبعض العملاء لديها بالظهور بشكل خاص، خلال المسابقات الخاصة بالسيدات في ألعاب باريس، بعدما نما طلب المُعلِنين على الرياضات النسائية.

وقال خبراء في الإعلانات إن تعلّق وهوس المشجعين بشدة بكايتلين كلارك، لاعبة كرة السلة الأميركية، التي يعود الفضل في نجاحها إلى تحقيق معدلات مشاهدة أعلى لبطولة الجامعات للسيدات مقارنةً بمنافسات الرجال للمرة الأولى، هو أحد أسباب الاهتمام المتزايد بالرياضات النسائية.

وفي حين لم يتم اختيار كلارك للانضمام إلى فريق كرة السلة الأولمبي، فإنها وغيرها من الرياضيات تهيمن على الإعلانات المتعلقة بالرياضة قبل ألعاب باريس.

سيمون بايلز (أ.ف.ب)

وتلعب حالياً سيمون بايلز، لاعبة الجمباز الأكثر تتويجاً على الإطلاق، دور البطولة في العديد من الحملات الإعلانية، وفقاً لبيانات من شركة «آي سبوت» الخاصة بقياس بيانات الإعلانات التلفزيونية.

وتظهر كاتي ليديكي السبّاحة الأولمبية، الحائزة على 7 ميداليات ذهبية، في حملات دعائية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وإعلانات تلفزيونية أيضاً للعديد من العلامات التجارية الخاصة بمشروبات الطاقة والملابس الرياضية.

كيري والش غنينغز (رويترز)

وقالت كيري والش غنينغز، الحائزة على الميدالية الذهبية الأولمبية 3 مرات في الكرة الطائرة الشاطئية، إن استمرار المشاهدة والدعم للرياضات النسائية بعد الألعاب الأولمبية سيكون أمراً أساسياً للحفاظ على الزخم.

وأضافت: «إذا قالت العلامات التجارية إنها تدعم الرياضيات، لكنها لم تتخذ أي إجراء لدعمهن، فإن هذا لا معنى له... آمل أن تستمر العلامات التجارية في الظهور ومنحنا هذه الفرصة».

وتنطلق ألعاب باريس في 26 يوليو (تموز) الجاري.