أولمبياد باريس 1924: العالم يكتشف طرزان... ويعجب بنورمي

كُرّمت باريس مجدّداً فمُنحت عام 1924 شرف تنظيم دورة الألعاب الأولمبية (الأولمبية الدولية)
كُرّمت باريس مجدّداً فمُنحت عام 1924 شرف تنظيم دورة الألعاب الأولمبية (الأولمبية الدولية)
TT

أولمبياد باريس 1924: العالم يكتشف طرزان... ويعجب بنورمي

كُرّمت باريس مجدّداً فمُنحت عام 1924 شرف تنظيم دورة الألعاب الأولمبية (الأولمبية الدولية)
كُرّمت باريس مجدّداً فمُنحت عام 1924 شرف تنظيم دورة الألعاب الأولمبية (الأولمبية الدولية)

كُرّمت باريس مجدّداً فمُنحت عام 1924 شرف تنظيم دورة الألعاب الأولمبية الثامنة، بعد 24 عاماً من «الأولى»، و30 عاماً من تأسيس اللجنة الأولمبية الدولية، وتزامنت مع مرحلة التغيرات الثقافية والفنية والعروض المسرحية والمناظرات والندوات التي راجت كثيراً في المقاهي والمسارح.

حُرمت ألمانيا من المشاركة كما حصل قبل 4 أعوام، وبدءاً من هذه الدورة، منحت اللجنة المنظمة نقاطاً للفائزين الستة الأوائل في الأدوار النهائية، فأعطت الحاصل على المركز الأول 7 نقاط، وصولاً إلى نقطة واحدة لصاحب المركز السادس، واعتمدت للمرّة الأولى قرية أولمبية مجمّعة للرياضيين.

وفي الترتيب النهائي لجدول الميداليات، حلّت الولايات المتحدة أولى برصيد 45 ذهبية، وفنلندا (14) ثم فرنسا (13).

وبوصفها رمياً للألعاب، تحوّلت بقعة معزولة في منطقة كولومب إلى واحة نابضة بالحياة.

وإذا كان «تدشين» الألعاب حَشَد جمعاً كبيراً من مشاهير العالم، فتقاطرت سيارات رولز رويس لنقلهم، ومنهم شاه إيران، وإمبراطور إثيوبيا هايلي سيلاسي، وأمير رومانيا، واحتلوا أماكنهم في منصة الشرف بجانب رئيس فرنسا غاستون دوميرغ، جيّشت المنافسات شريحة الفنانين والأدباء والشعراء، واحتدمت «المعارك الأدبية» في تمجيد الأبطال سعياً إلى الظفر في المباريات الأدبية الموازية.

استوحى الفنانون أعمالاً عدة من برج إيفل المشرف على كولومب، وقسَم الرياضيين الذي أدّاه أحد أبرز الوجوه المحلية، جيو أندريه، الذي سبق له المشاركة في دورتي لندن 1908 وأستوكهولم 1912، والمبارزات والنزالات ومسابقات المضمار والميدان.

كانت المرحلة عصر أدباء، منذ بول كلوديل وبول فاليري وأندريه جيد، والفرق الموسيقية الجوالة، والأغاني التي تدغدغ القلب والرأس، وأشهرها أغنية موريس شوفالييه، الداعية إلى الحب والانشراح: «لننسَ الهموم... الأحزان عابرة، وكل شيء يتدبر».

كثرٌ هم الذين خطفوا الأضواء، في مقدّمتهم العداء الفنلندي بافو نورمي، نظراً لإحرازه 5 ذهبيات في جري المسافات المتوسّطة والطويلة، وعداء المسافات القصيرة الأميركي هارولد أبراهامز، والسباح الأميركي جوني فايسمولر الذي لعب دور طرزان على الشاشة.

وينبغي التوقّف عند ظاهرة الفنلندي بافو نورمي، بطل سباق 1500 متر و5000 متر. كان يظهر عليه دائماً الحرص على التركيز والحضور الذهني والبدني، فظنّ البعض أنه يفضّل الانزواء وعدم الاختلاط. وعرف عنه قيامه بتدريبات مرحلية تصاعدية لضمان اللياقة والقدرة على التحمل؛ لذا سُمّي بـ«رجل الحسابات»، والإيقاع والخطوات المدروسة الواسعة، وانتظام ذلك مع التنفّس وتآلفه.

كان نورمي (27 عاماً) اكتشاف ألعاب «أنتورب 1920»، قد حطّم الرقم القياسي الأولمبي في سباقي 1500 م (3:06.53 دقائق) و5 آلاف (14:31.2 دقيقة). وجاء انتصاره في السباق الثاني بعد 20 دقيقة فقط من إنهائه الأول، مكلّلاً بالغار، وهذه ظاهرة نادرة بحد ذاتها.

وشارك نورمي أيضاً في سباق الضاحية (10 آلاف متر) الذي بلغ فيه عدد المتبارين 36 عداءً من فرنسا والولايات المتحدة والسويد وفنلندا، لكن 23 انسحبوا، وكتبت الصحف في اليوم التالي معلقة أنه «سباق خطر، كان درب جلجلة في ظل حرارة وصلت إلى 40 درجة مئوية، وكان يجب إلغاؤه. الاتحاد الفرنسي لألعاب القوى أخطأ من دون شك». وكان الغريب أن نورمي أنهاه بفارق كبير عن الآخرين، نضراً ومنعشاً!

أما أبراهامز الذي فشل في محاولته الأولى في «أنتورب»، فقد عادل في باريس الرقم الأولمبي للمائة متر (10.6 ثوان) مرتين في التصفيات، وفي السباق النهائي. وتميّز القس البريطاني إريك ليدل، بارتدائه السروال الطويل إلى ما دون الركبتين، وتمتعه بطاقة تفوق قوّة لاعبي الركبي، وهو أصبح مرسلاً مبشّراً في الصين.

كما برز هارولد أوسبورن في الوثب العالي، وعرف أسلوبه بـ«الدوران الكاليفورني» بعدما اجتاز ارتفاع 1.98 م، فضلاً عن ذلك غنم الميدالية الذهبية في المسابقة العشارية، وبات أول مَن يحقق هذه الثنائية الفريدة.

وأُجري سباق التجذيف في مياه السين، وعاد اللقب للمرة الثالثة إلى الأميركي جون كيلي، لكنه لم يصل يوماً إلى شهرة ابنته غريس التي أصبحت أميرة موناكو.

وأطلق على السباح جوني فايسمولر لقب «الوجه المضيء»، فهو مَن أحرز بسهولة بالغة ذهبيات السباحة لمسافات 100 م حرة، وفيه سجل رقماً قياسياً كاسراً حاجز الدقيقة (59 ثانية)، و 400 م حرّة والتتابع، ولو سُمح له بخوض سباقات أخرى لفاز بها، كما أوضح شخصياً.

والمعمرون الذين تابعوا منافسات حوض توريل عامذاك يصفون تلك الأيام بـ«التاريخية»، كان أسلوبه جديداً، ومثيراً، يعوم ونصف جسده في الماء.

هذا الشاب أسمر البشرة (مواليد 1904) من أصل نمساوي كان حتى سن الثامنة يخاف من المياه، ويخشى الاستحمام في مغطس المنزل. وصادف أن شاهده مدرب في شيكاغو، ولفتت نظره قامته الممشوقة، ويداه وقدماه الكبيرة، فساعده ليحصد لاحقاً 57 لقباً أميركياً و62 رقماً عالمياً.

فايسمولر طرزان الشاشتين الفضية والذهبية، انطلق في السينما عام 1930، وتلقفته هوليوود لأنه كان يعرف العوم جيداً. اشتهر بصرخته المدوية في أفلامه أكثر من حواراته مع طرزان الصغير (جوني شيفيلد). وهو أحسن هذه الصنعة، وتألق في هذه الميزة.

ومن مشاهير دورة باريس 1924، فرسان كرة المضرب الأربعة أبطال كأس ديفيس لاحقاً؛ هنري كوشيه، وجان بوروترا، وجاك برونيون، ورينيه لاكوست الذين سعوا لأن يتوجوا أبطالاً أولمبيين.

وفي عام 1920، شارك كوشيه للمرة الأولى في دورة خارج مدينة ليون، حين تبارى في أيكس لي بين، وتابع أخبار الألعاب الأولمبية في «أنتورب»، وتمنى أن يتوج مثل سوزان لنغلن وجوزيف غيمو، يومها كانت النظرة إلى الأولمبيين بأنهم «سوبر أبطال».

وفي دورة باريس، بلغ كوشيه نهائي فردي المضرب؛ إذ خسر أمام البريطاني فنسنت ريتشارد، ما جعل الازدحام كبيراً على باب الملعب «ولو لم يتعرف عليّ أحدهم بعد انتظار استغرق 20 دقيقة لبقيت خارجاً».

وفي الزوجي حلّ كوشيه وبرونيون في المركز الثاني، وصمّما على بذل الجهد والتعويض في دورة أمستردام 1928، لكن كرة المضرب حذفت من البرنامج.

وإذا كان الانتصار الذي طال تحقق عبر كأس ديفيس، وهي بالطبع رمز كبير، فإن النظرة تختلف إلى الميدالية الأولمبية، وسبق أن شارك برونيون في دورة «أنتورب» التي شهدت تألق ديكوجيس ولنغلن في الزوجي. ويتذكّر أن الأميركيين احتجوا يومها على خوضها المباريات بحجة أنها محترفة «وأنا شخصياً استفدت من متابعة أدائها، كانت تقنياتها عالية جداً، لاعبة لا تقهر، قوية وحاضرة للتصدّي والهجوم من مختلف الزوايا والخطوط».

أما لاكوست، فخاض وبوروترا نهائي «ويمبلدون»، وبات الأخير أول فرنسي يحرز اللقب هناك، وتوجّها للمشاركة في دورة باريس الأولمبية مرهقين، لكن صداقة كبيرة ربطتهما مع زميليهما دامت أكثر من 60 عاماً.

ومن أحاديث الذكريات مع بوروترا نقتطف أسفه على حذف كرة المضرب من الجدول الأولمبي «بسبب التباسات الهواية والاحتراف، أعتقد أنهم كانوا على خطأ، وعدّ البعض أن كأس ديفيس تكفي؛ لأنها قريبة من روح الألعاب، ولم يدركوا أن للألعاب الأولمبية نكهة خاصة، ولا يجوز أن تطغى عليها الدورات الدولية الكبيرة، لأنها توسّع القاعدة، وتجعلها أكثر شعبية وديمقراطية».


مقالات ذات صلة

إيراولا: من المبكر جدا الاحتفال بترتيب بورنموث

رياضة عالمية أندوني إيراولا مدرب بورنموث (رويترز)

إيراولا: من المبكر جدا الاحتفال بترتيب بورنموث

أعرب أندوني إيراولا مدرب بورنموث عن سعادته بفوز فريقه 3-صفر على مانشستر يونايتد الأحد، والذي جعله يتقدم إلى المركز الخامس.

«الشرق الأوسط» (مانشستر)
رياضة عالمية أرني سلوت مدرب ليفربول (أ.ف.ب)

سلوت: الهدف السادس جاء من العدم!

أشاد أرني سلوت مدرب ليفربول بأداء فريقه الهجومي القوي أمام توتنهام هوتسبير.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية فرحة لاعبي أتالانتا بالفوز العصيب على إمبولي (أ.ب)

«الدوري الإيطالي»: أتلانتا يبتعد بالصدارة بفوز مثير على إمبولي

سجل شارل دي كاتيلير هدفاً في كل شوط من بينهما هدف قرب النهاية ليقود أتلانتا للفوز 3 - 2 على ضيفه إمبولي ليستعيد فريقه صدارة دوري الدرجة الأولى الإيطالي.

«الشرق الأوسط» (بيرغامو)
رياضة عالمية محمد صلاح نجم ليفربول (رويترز)

صلاح ينتقد دفاع ليفربول رغم الفوز على توتنهام

تحفظ محمد صلاح نجم ليفربول على الأداء الدفاعي لفريقه رغم الفوز الكبير على توتنهام هوتسبير بنتيجة 6 - 3.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية إنزو ماريسكا مدرب تشيلسي (إ.ب.أ)

ماريسكا: سعيد بأداء تشيلسي رغم التعادل

أبدى إنزو ماريسكا مدرب تشيلسي سعادته بأداء فريقه رغم تعادله سلبياً مع مضيفه إيفرتون في الدوري الإنجليزي الممتاز.

«الشرق الأوسط» (ليفربول)

إيراولا: من المبكر جدا الاحتفال بترتيب بورنموث

أندوني إيراولا مدرب بورنموث (رويترز)
أندوني إيراولا مدرب بورنموث (رويترز)
TT

إيراولا: من المبكر جدا الاحتفال بترتيب بورنموث

أندوني إيراولا مدرب بورنموث (رويترز)
أندوني إيراولا مدرب بورنموث (رويترز)

أعرب أندوني إيراولا مدرب بورنموث عن سعادته بفوز فريقه 3-صفر على مانشستر يونايتد الأحد، والذي جعله يتقدم إلى المركز الخامس، لكنه قال إنه من السابق لأوانه الشعور بالسعادة الغامرة بشأن موقف الفريق في الدوري الإنجليزي الممتاز.

وسجل دين هويسن برأسه اثر ركلة ركنية في الشوط الأول قبل أن يضيف جاستن كلويفرت، من ركلة جزاء، وأنطوان سيمينيو هدفين آخرين في غضون دقيقتين في وقت مبكر من الشوط الثاني ليحقق بورنموث فوزه الثاني على التوالي بنتيجة 3-صفر في أولد ترافورد.

وبعد احتلالهم المركز 12 في الدوري الإنجليزي الممتاز الموسم الماضي، أصبح فريق بورنموث على بعد ثلاث نقاط من المراكز الأربعة الأولى في موسمه الثالث على التوالي بعد العودة إلى الدوري الممتاز.

وقال إيراولا: "كل شيء متقارب للغاية. كنا نلعب ضد يونايتد، ولو تغلبوا علينا لكانوا قد تقدموا علينا. إنها مسألة وقت، ففي الأسبوع المقبل قد نكون خلفهم (في الترتيب). هذا الفوز لن يختفي من الذاكرة، لكنه لن يكون كافيا لأي شيء. يتعين علينا إضافة الكثير من النقاط. لذا، سنخوض المباريات أسبوعا تلو الآخر، ومباراة بعد أخرى. لا أعتقد أنه من المنطقي الآن أن ننظر كثيرا إلى ترتيب الفرق. أقدر حصد 28 نقطة. أعتقد أن عدد النقاط التي حصلنا عليها جيد. وفي عيد الميلاد، يكون هذا العدد جيدا".

ولم يخسر بورنموث في آخر خمس مباريات بالدوري، وحقيقة أن فوزه 3-صفر كان معادلا لنتيجة الموسم الماضي على ملعب يونايتد المسمى "مسرح الأحلام" جعلت جماهير الفريق الزائر تنشد "هذا يحدث مرة أخرى" في الدقائق الأخيرة من المباراة.