سانت لويس 1904: الألعاب في المدينة الكادحة... وآفاق القوّة العالمية الأولى

سقطت الدورة الأولمبية الثالثة التي أقيمت في مدينة سانت لويس الأميركية (الأولمبية الدولية)
سقطت الدورة الأولمبية الثالثة التي أقيمت في مدينة سانت لويس الأميركية (الأولمبية الدولية)
TT

سانت لويس 1904: الألعاب في المدينة الكادحة... وآفاق القوّة العالمية الأولى

سقطت الدورة الأولمبية الثالثة التي أقيمت في مدينة سانت لويس الأميركية (الأولمبية الدولية)
سقطت الدورة الأولمبية الثالثة التي أقيمت في مدينة سانت لويس الأميركية (الأولمبية الدولية)

سقطت الدورة الأولمبية الثالثة التي أقيمت في مدينة سانت لويس الأميركية عام 1904 في «بحر» المعرض الدولي، وقبل أن ينسى العالم التخبّط الذي رافق الدورة الثانية في باريس قبل 4 أعوام.

دورة رافقها أيضاً استعراض كبير في محاولة إنجاحها وتعزيز نصرها على شيكاغو بعد صراع طويل. فالألعاب كانت أساساً منوطةً بالمدينة الثانية، وتلك كانت رغبة رئيس اللجنة الأولمبية الدولية بيار دو كوبرتان، غير أن زيارته لرئيس الولايات المتحدة فرانكلين روزفلت عام 1889 كشفت له عن «الرغبة الداخلية الدفينة» بتجيير الألعاب إلى سانت لويس.

جاء المعرض احتفاء بمرور مائة عام على انفصال المدينة وجوارها عن الفرنسيين، وبعد نحو نصف قرن على الحرب الأهلية الداخلية بين الشمال والجنوب، ولمحت في المناسبة بوادر أن تصبح الولايات المتحدة القوّة العالمية الأولى.

وعلى غرار الدورة السابقة، كان الأميركيون المشاركون أكثر من نصف المتبارين وكانت لهم حصة الأسد.

وسانت لويس المدينة الغارقة في مفارقتها وملامح مجتمعها الكادح هي طيف نهر الميسيسيبي ورمز الرجل الأسود العجوز الذي أفنى سنوات عمره منهكاً يوضب بالات القطن لتشحن في البواخر التي تمخر العباب عند الفجر، وهي أيضاً أرض موسيقى البلوز وتينيسي وليامس وموسيقى الجاز وطقوسها.

لكن بسبب غلاء السفر إلى الولايات المتحدة من أوروبا، غاب رياضيون كثيرون، والمنافسات وملحقاتها التي أقيمت ما بين الأول من يوليو (تموز) و23 نوفمبر (تشرين الثاني) استقطبت 651 رياضياً فقط، بينهم 6 سيدات من 12 بلداً.

وكان اللافت أن 39 مشاركاً مثلوا بريطانيا والمجر وألمانيا واليونان والنمسا وسويسرا، فيما دافع الآخرون عن ألوان الولايات المتحدة.

وحاول المشرفون على الدورة إقامة مباريات خاصة بالرياضيين السود، لكن دو كوبرتان قاوم ورفض الخطوة بشدّة ونجح في إبعاد الفكرة العنصرية عن الألعاب الأولمبية.

غير أن البدعة التي عُدت «قوطبة» على مساعي دو كوبرتان تمثّلت بالألعاب «التاريخية التراثية» الموازية التي أقيمت في 13 و14 أغسطس (آب)، وضمّت عدداً من الفضوليين والأتراك والسود والهنود الأميركيين والروس والفلبينيين، أبرزهم «الأسود» جورج غولمان بواج بطل سباقي 200 و400م.

وعلق البارون مستاءً: «لم يتجاسر أحد على هذه الخطوة إلا في الولايات المتحدة، حيث كل شيء مباح، إنها أرض البدع».

رسمياً، شهدت دورة سانت لويس منافسات الملاكمة وكرة الماء والتجذيف والغولف والروكي والتنس ورفع الأثقال والمصارعة والجمباز وألعاب القوى والسباحة والغطس والرماية بالسهم والمبارزة وكرة القدم.

وتصدّرت الولايات المتحدة جدول الميداليات بـ76 ذهبية، تلتها ألمانيا وكوبا وكندا (4). ولم تحصل أستراليا والنرويج وجنوب أفريقيا على أي ميدالية.

وإذا كان الافتتاح تميز بحضور ملك إنجلترا إدوارد السابع والملكة ألكسندرا، فإن ملاعب المسابقات تميّزت بقياسات مختلفة كثيراً عن المعهودة حالياً، أو التي أدرجت في الدورات اللاحقة.

فقد نظّمت مسابقات ألعاب قوى على مضمار جامعة واشنطن، حيث الخط المستقيم فيه يقارب الـ200م. وأجريت سباقات السباحة في بحيرة اصطناعية.

ويُعدُّ الأميركي سامويل بيرغر أوّل الأبطال الأولمبيين للوزن الثقيل في الملاكمة، كما تميّز طالب من ميلووكي يدعى آرشي هان الذي سجّل في سباق 200م رقماً قياسياً عالمياً مقداره 21.6 ثانية صمد 28 عاماً، فضلاً عن فوزه في سباقي 60 و100م.

وحصد جيم لايت باري ذهبيات 800 و1500م و2500م موانع، وفاز هاري هيلمان في سباقات 200 و400 م حواجز، و400 م، ونال الآيرلندي توماس كيلي ذهبية المسابقات المركبة التي باتت تُعرف بالعشارية، وأقيمت عامذاك خلال يوم واحد.

ولفت الأنظار أبطال المبارزة الكوبيون والجمباز الألمان والإنجليز، «والترفيه والغرابة» اللذان رافقا سباق الماراثون الذي خاضه 31 عداءً.

ويسجل أستاذ التاريخ الأميركي يوجين ويبر تلك الحقبة، فيقول إن الألعاب كانت هامشية وسط المعرض وأخباره وأنشطته، «وفي الوقت ذاته شهدت الولايات المتحدة أصداء اهتمامات عدة منها حملة إعادة انتخاب الرئيس روزفلت، وأخبار الحرب الروسية اليابانية، والنزاع الأميركي الإسباني (...)، وجاء الماراثون ليعيد إلى الألعاب بعضاً من حقها في المتابعة».

ويعد ويبر أن البطل الحقيقي للسباق هو الكوبي فيليكس كارفارال «وهو ساعي بريد من هافانا، قرّر الحضور والمشاركة ولم يكن يملك فلساً واحداً، فقام بحملة تبرع لتوفير النقود اللازمة، لكنه وصل إلى نيو أورليانز معدماً بعدما أنفق ما جمعه على لعبة النرد، لذا عانى كثيراً لبلوغ سانت لويس».

لم يحضر كارفارال معه ثياباً رياضيةً، وعند خط الانطلاق نزع قميصه وقصّ بنطاله إلى مستوى الركبتين وانطلق مع باقي العدائين، لكن لم تكن تبدو عليه ملامح المنافسة الجدية إذ راح يتوقف ويحدث المتفرجين بلغة إسبانية لا يفهمونها، وقطف تفاحات خضراء من إحدى الحدائق وراح يقضمها، وهمّ بتناول خوختين من شجرة مجاورة.

لكن طبيباً صُودف وجوده في المكان نصحه بعدم أكلها لئلا يتعرض لتلبكات معوية، فلم يقتنع. وبعد قليل راح يعاني من تقلّصات عضلية أوجبت توقفه لبعض الوقت، ما عرّضه للتأخير ولم يبلغ بعدها خط النهاية إلا في المركز الرابع.

وكان الأميركي القادم من نيويورك فريد لورز متصدّراً بعد نحو 9 كيلومترات من الانطلاق، لكنه بدوره تعرّض لشد عضلي فاستقلّ سيارة من السيارات والعربات الكثيرة التي كانت على مسار السباق، وتجاوز بفضلها المتبارين جميعهم موجهاً إليهم تحية التشجيع، غير أن السيارة تعطلّت بدورها.

وأفاده قسط الراحة الطويل ليستعيد عافيته. وكان مضطراً للعودة إلى خط الانطلاق، حيث ترك أغراضه ولباسه بعيد الوصول، لذا قرّر استئناف الجري ولما بلغ خط النهاية في الاستاد ظنّ الجميع أنه الفائز الأول، وهو اندمج في المسرحية «الفكاهية» وتصرّف كأنه البطل الحقيقي.

وتوجّهت نحوه أليس كريمة الرئيس روزفلت لتلتقط صورة تذكارية معه، وحين همّت بمنحه كأس التتويج، يُحكى أن ضميره أنّبه ورفض ذلك كاشفاً الحقيقة، علماً أن مراجع أخرى تؤكّد أن هناك من وشى به مثبتاً أنه استقل سيارة من الكيلومتر الـ15 إلى مقربة من الملعب الأولمبي.

في هذه الأثناء، كان العداء الثاني يجتاز خط الوصول، أي البطل الحقيقي للماراثون، وهو الأميركي توماس هيكس، فأُعلن فائزاً رسمياً، علماً بأنه تناول حقنتين من «الستريكينن» المنشط و«الكونياك»، ولم تكن فحوص الكشف عن المنشطات معتمدة يومها.

أما لورز، فأوقف مدى الحياة، لكن عفواً شمله بعد ذلك وأحرز ماراثون بوسطن في العام التالي.


مقالات ذات صلة

كيف ضلت البرازيل طريقها ووصلت إلى الحضيض؟

رياضة عالمية المدرب البرازيلي دوريفال جونيور يتقدم مسيرة لاعبيه المهزومين (أ.ف.ب)

كيف ضلت البرازيل طريقها ووصلت إلى الحضيض؟

أداء البرازيل السيئ في «كوبا أميركا» يدق ناقوس الخطر ويحذر من غيابها عن مونديال 2026

رياضة عالمية لاعب الغولف الإسباني جون رام يسعى للفوز ببطولة بريطانيا (أ.ف.ب)

رام يتطلع لتعزيز النجاح الإسباني في الغولف

يتطلع لاعب الغولف الإسباني جون رام المصنف الأول على العالم سابقاً إلى تعزيز النجاح الرياضي لبلاده... عبر بطولة بريطانيا المفتوحة للغولف.

«الشرق الأوسط» (غلاسغو)
رياضة عالمية تباينت ردود الفعل حول استقالة غاريث ساوثغيت من تدريب منتخب إنجلترا لكرة القدم (أ.ب)

ستارمر: شكراً ساوثغيت… كنت مرشداً للمواهب الإنجليزية

تباينت ردود الفعل حول استقالة غاريث ساوثغيت من تدريب منتخب إنجلترا لكرة القدم، بعد الخسارة 1 - 2 أمام إسبانيا في نهائي بطولة أوروبا لكرة القدم 2024.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية المهاجم الغيني الدولي سيرهو غيراسي هداف شتوتغارت في طريقه لدورتموند (د.ب.أ)

الفحص الطبي يهدد صفقة غيراسي ودورتموند بالفشل

رجحت تقارير صحافية الثلاثاء أن يحسم فريق بوروسيا دورتموند صفقة ضم المهاجم الغيني الدولي سيرهو غيراسي هداف شتوتغارت بحلول يوم الخميس.

«الشرق الأوسط» (دورتموند)
رياضة عالمية غاريث ساوثغيت رحل عن تدريب إنجلترا وخليفته مجهول (إ.ب.أ)

خليفة ساوثغيت... إنجليزي مضمون أم مغامرة أجنبية؟

بدأ البحث عن مدرب إنجلترا المقبل، الثلاثاء، مع طرح كثير من الأسماء والتكهنات حول من قد يحل محل غاريث ساوثغيت.

«الشرق الأوسط» (لندن)

بايرن يقدم مدافعه الياباني إيتو... ويقترب من تاه وسيمونز

هيروكي إيتو (د.ب.أ)
هيروكي إيتو (د.ب.أ)
TT

بايرن يقدم مدافعه الياباني إيتو... ويقترب من تاه وسيمونز

هيروكي إيتو (د.ب.أ)
هيروكي إيتو (د.ب.أ)

قدم نادي بايرن ميونيخ البطل القياسي لدوري الدرجة الأولى الألماني لكرة القدم (بوندسليغا) الثلاثاء مدافعه الجديد الياباني هيروكي إيتو، القادم من صفوف شتوتغارت الألماني.

واستغل إيتو (25 عاما) الشرط الجزائي في عقده مع شتوتغارت ووقع عقدا حتى عام 2028 مع الفريق البافاري، الذي احتل المركز الثالث في الدوري الألماني في الموسم المنصرم بفارق مركز واحد فقط خلف شتوتغارت.

عانى بايرن في بعض الأحيان من اهتزاز دفاعه في الموسم المنقضي، حيث ارتكب دايوت أوباميكانو وكيم مين جاي كثيرا من الهفوات الساذجة، وكانت هناك تقارير تشير إلى احتمال رحيل الهولندي ماتييس دي ليخت بسبب راتبه المرتفع.

ولم يتم كشف النقاب رسميا عن قيمة صفقة التعاقد مع إيتو، لكن تقارير أوضحت أن شتوتغارت ربما حصل على ما يقرب من 30 مليون يورو (32 مليون دولار)

وقال كريستوف فرويند المدير الرياضي للنادي البافاري خلال مراسم التقديم: «لقد حقق تطورا مذهلا خلال السنوات الأخيرة، وأنا على قناعة بأنه لم يصل لذروته بعد».

من جانبه قال إيتو: «أنا لست شخصا يابانيا نموذجيا، لكني سأحاول القيام بواجبي بكثير من العمل الشاق، هذه هي العقلية النموذجية اليابانية».

وتعاقد بايرن أيضا مع لاعب الوسط جواو بالينيا من صفوف فولهام ومايكل أوليز جناح كريستال بالاس.

وتردد أن النادي البافاري يسعى لضم جوناثان تاه نجم باير ليفركوزن بطل البوندسليغا وتشابي سيمونز لاعب باريس سان جيرمان، في الوقت الذي يحيط الغموض بمستقبل لاعبي الفريق ليون غوريتسكا وسيرج غنابري وماتيس دي ليخت وجوشوا كيميتش.

وقال فرويند: «نريد تعزيز صفوف الفريق، الصفقات التي تمكنا من إبرامها حتى الآن هي ما كنا نحتاج إليه».

وأضاف: «سنرى ما ستجلبه الأسابيع المقبلة، كان من المهم بالنسبة لنا أن نقوم ببعض العمل مبكرا».

وأوضح: «لا يمكن استبعاد أي شيء، بما في ذلك من سيرحل من اللاعبين، لا يوجد تحديثات جديدة، لكن هناك الكثير من التكهنات».