«باريس 1900»: المنافسات التي غابت في زحام «المعرض العالمي»

كانت تلك أولى إشارات المزج بين المصالح والطموحات والغاية من جعل الرياضة مرآة الشعوب تعكس تطوّرها ونهضتها (الأولمبية الدولية)
كانت تلك أولى إشارات المزج بين المصالح والطموحات والغاية من جعل الرياضة مرآة الشعوب تعكس تطوّرها ونهضتها (الأولمبية الدولية)
TT

«باريس 1900»: المنافسات التي غابت في زحام «المعرض العالمي»

كانت تلك أولى إشارات المزج بين المصالح والطموحات والغاية من جعل الرياضة مرآة الشعوب تعكس تطوّرها ونهضتها (الأولمبية الدولية)
كانت تلك أولى إشارات المزج بين المصالح والطموحات والغاية من جعل الرياضة مرآة الشعوب تعكس تطوّرها ونهضتها (الأولمبية الدولية)

أرادت فرنسا أن تظهر فخرها بما آلت إليه «إمبراطورية توسّعها» في العالم، لا سيما في أفريقيا، فرأت السلطات العليا أنه لا ضير ألبتة في أن تقام «الألعاب الأولمبية» الثانية؛ المقرّرة في باريس، في إطار «المعرض العالمي».

كانت تلك أولى إشارات المزج بين المصالح والطموحات والغاية من جعل الرياضة مرآة الشعوب تعكس تطوّرها ونهضتها.

وإذا كانت البادرة وقتذاك بريئة؛ مما غلّف الرياضة في السنوات التالية، لا سيما بعد الحرب العالمية الثانية، فإن الوعي الهادف إلى استغلال الفرص وانتهاز المناسبات متجذّر في التكوين الإنساني على مرّ العصور.

بعد النجاح الذي تميّزت به «الألعاب» الأولى، اعتقد كثيرون أن أثينا وأولمبيا ستكونان مركزاً دائماً للمنافسات المنبعثة من التاريخ العريق. لكن «اللجنة الأولمبية» وتكريماً لمؤسّس الألعاب الحديثة، البارون بيار دو كوبرتان، ارتأت أن تقام «الألعاب» التالية عام 1900 في فرنسا؛ وتحديداً في العاصمة باريس.

والبلدان الجديدة في عائلة المسابقات هي: بلجيكا وبوهيميا وهايتي وإسبانيا وإيطاليا وكندا وهولندا والنرويج، والهند أوّل بلد آسيوي في «الألعاب» التي شهدت مسابقات في الدراجات، والجمباز، والغولف، والتجديف، والفروسية، والكريكيت، والسلاح، وألعاب القوى، واليخوت، والسباحة، والرغبي، والرماية، وكرة المضرب، وكرة القدم.

وتبارت السيدات في كرة المضرب والغولف. ويسجّل التاريخ أن البطلة الأولمبية الأولى إنجليزية، وتدعى تشارلوت كوبر، وقد حصدت «ذهبية الفردي» في التنس والفضية في الزوجي المختلط مع رجينالد دورثي.

وفي حين حلّت فرنسا أولى في ترتيب الميداليات برصيد 26 ذهبية. لم تحصل اليونان وهايتي وإسبانيا على أي ميدالية.

حجب «المعرض متعدّد الأهداف»، الذي دشّن به الرئيس إميل لوبيه عهده، «الألعابَ»، لا سيما أن مناسبات جانبية كثيرة اخترقت الاهتمام، وفيها زيارة قيصر روسيا ألكسندر الثالث الذي حضر ليجسّد التحالف بين الدولتين ويدشن الجسر فوق نهر السين الذي حمل اسمه.

استقطبت عاصمة النور نحو 50 مليون زائر، مما سجّل نجاحاً منقطع النظير لـ«المعرض» في مقابل 3 آلاف تابعوا «الألعاب» التي «بخل» عليها حتى بلافتات إعلانية، فغابت في الزحام، حتى إن بعض المسابقات أقيمت في أماكن غير معهودة لها، ولا تدخل في أنظمتها وتجهيزاتها، وفيها بعض المصانع الخاصة بإنتاج السكاكين وأدوات المائدة التي استضافت مسابقات المبارزة.

واستُخدمت قوارب الإنقاذ والنجاة لسباقات التجديف. وأضيفت ألعاب ترفيهية موازية، مثل الصيد في نهر السين، و«التزحلق» على الجليد.

لم تشهد الدورة كلمات بروتوكولية أو حفل افتتاح، ووحدها ألعاب القوى حافظت على مثلها ومثالياتها من خلال إقامتها في نادي «راسينغ كلوب دو فرنس»، حيث تبارى نحو 600 رياضي.

دورة هُمّش خلالها ما نادى به دو كوبرتان وسعى لإحيائه، لكن لحظاتها حُفظت سينمائياً لأول مرة من خلال الاختراع الجديد.

ويصف المؤرخ لويز فان لي؛ أحد الذين عاصروا تلك «الألعاب» بأنها كانت «استثنائية وأشبه بـ(كرمس - مهرجان) وحفلات، بعض فقراتها حفل بالمنافسة والبعض الآخر بالترفيه والتسلية والأشياء الغريبة».

ونظراً إلى بدائية الأدوات المستخدمة والأماكن التي حضنت المنافسات، «والخلط» الذي كان قائماً بين «المعرض الدولي» والمباريات، بقيت نتائج كثيرة مسجلة غير دقيقة أو واضحة؛ إنْ من ناحية الأوقات، أو المسافات، وإنْ من ناحية الأشخاص الذين حققوها.

ومثلاً كانت ممارسة ألعاب القوى محصورة بالتلامذة في فرنسا، على خلاف ما كان متعارف عليه في الدول الاسكندينافية؛ السويد والنرويج وفنلندا، والولايات المتحدة، فلا عجب إن جاءت النتائج حينها كأنها لأبطال من فئة الفتيان ما عدا بعض الأرقام الأميركية.

ويسجّل أيضاً أن المقويات لم تكن معهودة ورائجة، وقد ضخّمت لاحقاً أجسام أبطال الرمي فتحسّنت الرميات... والأبعاد.

وحضر الأميركيون المميزون، وغالبيتهم من جامعتي هارفارد وييل، و«خطفوا» 17 من الميداليات الـ23، وأبرزهم «الرجل المطاطي» راي أيوري الذي كان مشلولاً حتى سن الـ12 عاماً، وحصد ذهب الوثب «العالي» و«الطويل» و«الثلاثي» من دون تحفز، مفتتحاً مسلسل انتصارات تابعه في دورة 1904 ودورة 1906 «غير الرسمية». وبلغ رصيده 10 ذهبيات.

ولم يكن ممارسو الرياضة وقتذاك كثيرين ليرتادوا الملاعب والساحات التي احتضنت المباريات، غير أن الفضول حمّس على الحضور والمتابعة.

وعلى الصعيد التقني، كانت مزاولة الألعاب على جانب بسيط من الهواية مع اجتهادات شخصية، فالعداؤون يتدرّبون على الأرصفة والطرقات العامة ويستحمون بعد التدريب بمياه الدلو، فلا عجب أولاً أن أوروبيين كثيرين، لا سيما الفرنسيين، تعرّضوا لمواقف محرجة خلال المسابقات، أو للانزلاق والوقوع بعيد الانطلاق في السباقات، بفعل أن أسلوب التحفز والاستعداد كان بدائياً، والأرضية غير ملائمة.

ومن عدّائي تلك الحقبة الذين «عملوا واجتهدوا على أنفسهم» الفرنسي غاستون راغولو الذي كان يهوى جري المسافات الطويلة، وعزم على التصدي للجري ضد الساعة، فواكبه الصحافي بول شان بصفة «ميقاتياً» يضبط وقته.

وبعد نحو نصف ساعة من إذن الانطلاق، أوقفه بطلقة مسدس. وأوضح له؛ حين استفسر راغولو عن السبب، أنه أوقف ساعة التوقيت من طريق الخطأ، وقال له: «لا بأس، تستطيع معاودة المحاولة لاحقاً»!

وإلى تواضع الإمكانات وعدم دقة الأدوات والتجهيزات، سجّلت ظاهرة اللباس غير الموحّد. وبسببه؛ أحدث العداء الأميركي ماكسيم لونغ، من جامعة كولومبيا، لغطاً بين الحضور الذين تابعوا سباق 400 متر؛ إذ كان يرتدي قميصاً مخطّطاً بالأبيض والسماوي؛ وهما لونا نادي «راسينغ كلوب دو فرنس»، فـ«هلّل الجمهور فرحاً قبل أن تظهر (الحقيقة)».

واختير ميدان رمي القرص في وسطه شجرة، مما أعاق مخطّط الأميركي «شيلدرن» الذي لم يقوَ على رمي الثقل أكثر من 36.04 متر لأنه أعسر، والشجرة من الجهة اليسرى. واستفاد المجري رودولف بور من هذه الثغرة الاستراتيجية ليحقق 38 متراً، ويفوز بالذهب.

وبرز الأميركي آلفن كراينزلاين وعُدّ نجم الدورة من خلال إحرازه المركز الأول في سباقي 60 متراً و110 أمتار «حواجز» و«الوثب الطويل».

أما ماير برنشتاين، من جامعة سيراكيوز، فتغلب على مواطنه جيمس كونولي أول حاصدي الذهبية في أثينا عام 1896 في الوثبة الثلاثية.

ومرّة جديدة، كانت لسباق الماراثون حصة، وبطله في باريس كان ابن المدينة والخبير في شوارعها وأزقتها ميشال ثياتو.

ويعود تفوّقه إلى معرفته الضليعة بأماكن المسار المحدّد للسباق؛ لأنه عمل في إيصال الخبز إلى المحال والمنازل قبل أن يعمل في الحديقة العامة، وبعض النصب والأشجار الباسقة الصامدة حتى الآن زرعتها يداه.

ويغمز البعض من قناة ويتهمونه باعتماد أقصر الطرق لبلوغ خط النهاية وحصد التتويج (2:59:45 س).

وغرقت السباحة في مياه السين الموحلة، وبعض سباقاتها جاء فريداً من نوعه، مثل 60 متراً تحت الماء، و200 متر حواجز، والمرور عبر البراميل.

اللجنة التي حضّرت لـ«الألعاب» ضمت نخبة من علية القوم برئاسة لاروش فوكو، إضافة إلى دو كوبرتان الذي يدرك أن فكرة الألعاب «لا تزال هجيناً، وعلينا مراعاة الأوضاع». ووجد في المنتقدين سبيلاً لفتح الأبواب وإزالة الصعوبات على أن ينقذ الضالعون في التربية والرياضة برامج التنظيم والإعداد، غير أن الاختلاف في وجهات النظر جعله يستقيل من «اتحاد الجمعيات الرياضية الفرنسية» قبل فترة قصيرة من موعد الألعاب.


مقالات ذات صلة

انهيار صفقة انتقال الإسباني مورينو للقادسية

رياضة سعودية فيكتور مورينو لاعب فياريال للشباب (فياريال)

انهيار صفقة انتقال الإسباني مورينو للقادسية

تعرضت صفقة انتقال اللاعب الإسباني الشاب فيكتور مورينو إلى القادسية السعودي للانهيار بعد الاختلاف بين النادي السعودي واللاعب حول مدة العقد وفقاً لمصادر خاصة.

نواف العقيّل (الرياض)
رياضة عربية خيسوس كاساس مدرب العراق (منتخب العراق)

فوضى في مؤتمر مدرب العراق... وكاساس: منتخب البحرين «يشبهنا»

أكد الإسباني خيسوس كاساس، مدرب العراق، أن فريقه سيلعب بطريقة مختلفة في المواجهة المرتقبة أمام البحرين ضمن الجولة الثانية للمجموعة الثانية كأس الخليج لكرة القدم.

علي القطان (الكويت)
رياضة عالمية إيفان يوريتش (أ.ف.ب)

يوريتش: ساوثامبتون سيلعب على طريقة «الموسيقى الصاخبة»

قال إيفان يوريتش، المدرب الجديد لفريق ساوثامبتون، إنه سيحاول تطبيق أسلوب لعب مرتفع الكثافة والقوة؛ لقيادة الفريق المتعثر في الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم.

«الشرق الأوسط» (ساوثامبتون)
رياضة عالمية نونو إسبيريتو سانتو (رويترز)

نونو سانتو يحذّر لاعبيه من «شهية» توتنهام التهديفية

حذّر مدرب نوتنغهام فوريست، البرتغالي نونو إسبيريتو سانتو، لاعبيه وطلب منهم الاستعداد لأي شيء عند استقبال توتنهام على ملعب سيتي غراوند، الخميس.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عربية دراغان تالاييتش مدرب البحرين (رويترز)

تالاييتش: جاهزون لكل الاحتمالات أمام العراق

قال دراغان تالاييتش مدرب البحرين إن فريقه جاهز تماماً لكل الاحتمالات في مواجهته المرتقبة أمام المنتخب العراقي غداً (الأربعاء) ضمن الجولة الثانية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)

تعيين الأوروغواياني بويت مدرباً لتشونبوك الكوري الجنوبي

غوستافو بويت (رويترز)
غوستافو بويت (رويترز)
TT

تعيين الأوروغواياني بويت مدرباً لتشونبوك الكوري الجنوبي

غوستافو بويت (رويترز)
غوستافو بويت (رويترز)

سيتولّى لاعب الوسط الدولي الأوروغواياني السابق غوستافو بويت مهمة تدريب فريق تشونبوك هيونداي موتورز الكوري الجنوبي، وفقاً لما أعلنه بطل «دوري أبطال آسيا» مرتين الثلاثاء.

وكان بويت أول أوروغواياني يُشرف على تدريب فريق في «البريميرليغ» من بوابة سندرلاند في عام 2013، علماً بأنه كان مدرباً لمنتخب اليونان حتى مارس (آذار) من العام الحالي.

وستقع على المدرب، البالغ من العمر 57 عاماً، مهمة إعادة إحياء تشونبوك الفائز بلقب الدوري الكوري تسع مرات قياسية، لكنه كان يعاني في الأعوام الأخيرة.

وتجنّب الفريق الهبوط إلى الدرجة الثانية عبر مباراة فاصلة في وقت سابق من هذا الشهر، بعدما حلّ عاشراً في ترتيب الدوري الذي يضم 12 فريقاً.

وتألق بويت، خلال مسيرته لاعباً مع تشيلسي وتوتنهام، وحصل على أول وظيفة له مدرباً حين أشرف على برايتون في الدرجة الثالثة الإنجليزية في عام 2009، كما درّب أندية في اليونان، وإسبانيا، والصين، وتشيلي، وفرنسا.

يُشار إلى أن الروماني دان بيتريسكو، زميل بويت السابق في تشيلسي، كان مدرباً لتشونبوك غير أنه ترك منصبه في أبريل (نيسان) من العام الحالي.