«أثينا 1896»... الدورة التي ولدت من رحم الأزمة الاقتصادية

انطلقت الألعاب الأولى وسط تطلّع إلى عودة الإنسان «الجميل الصالح» (الأولمبية الدولية)
انطلقت الألعاب الأولى وسط تطلّع إلى عودة الإنسان «الجميل الصالح» (الأولمبية الدولية)
TT

«أثينا 1896»... الدورة التي ولدت من رحم الأزمة الاقتصادية

انطلقت الألعاب الأولى وسط تطلّع إلى عودة الإنسان «الجميل الصالح» (الأولمبية الدولية)
انطلقت الألعاب الأولى وسط تطلّع إلى عودة الإنسان «الجميل الصالح» (الأولمبية الدولية)

لعب ازدهار الحالة الاقتصادية في العالم بشكل عام في نهاية القرن التاسع عشر، وانتشار الثقافة وتوسّع العلاقات الدولية بين المجتمعات، دوراً كبيراً في تطوّر الحركة الرياضية العالمية من خلال إقامة المباريات.

وكان لا بد إزاء هذا الواقع من وضع الأنظمة التي تدير الألعاب والمسابقات وترعى شؤونها، وإنشاء الملاعب الضخمة وما يلزمها.

وفي منتصف هذا القرن، كانت اليونان محط إعجاب عدد من علماء الآثار الذين زاروا أولمبيا وكشفوا عن بقايا الملاعب الرياضية القديمة، فقام رجل الأعمال اليوناني ايفانغيلوس زاباس بفكرة إحياء الألعاب الأولمبية.

وبدعم من حكومة بلاده، تمكّن زاباس من إقامة المباريات الأولمبية في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) 1859، وباءت بالفشل كما في الأعوام 1870 و1875 و1889، وذلك بسبب سوء التخطيط وعدم توافر التجهيزات المناسبة. لم يتمكّن المشاهدون من رؤية المتبارين بوضوح، والبعض منهم كان يثير خلافات كانت تصل إلى حلبة المباريات (الجري والوثب والرمي والجمباز...) أحياناً، فتعمّ الفوضى والمشكلات.

ثم أتى البارون بيار دو كوبرتان وغيّر هذا المفهوم، وهو أرستقراطي عمل سنوات عدّة على تحسين المستوى الرياضي في فرنسا، إضافة إلى اهتمامه الشديد بالرياضيين.

كان يشجّع على التعاون بين الدول عبر إقامة أحداث رياضية أو غير رياضية لأنها وسيلة يعمّ من خلالها السلام.

وبعد دراسة عميقة لآثار مدينة أولمبيا وكونه محبّاً للرياضة، اقترح كوبرتان إحياء المباريات من جديد.

استضاف البارون عام 1892 الاتحاد الفرنسي للنوادي الرياضية الذي أسّسه قبل خمسة أعوام. وفي خطابه اقترح مشروع الألعاب الأولمبية، فلقيت مبادرته مزيجاً من التردّد والاستخفاف.

فهل كان قصد كوبرتان أن يتنافس الفرنسيون مع الآسيويين والأفارقة؟ هل كان يقترح إعادة المباريات بين الإغريق كما كانوا يفعلون في الماضي وهم عراة؟

ورغم عدم تجاوب الأعضاء، رفض كوبرتان أن يستسلم. ونظّم مؤتمراً عالمياً في 23 يونيو (حزيران) 1894 تحدّث فيه عن الرياضة. كان المحور الأساس كيفية إحياء الألعاب الأولمبية من جديد، واختتمه بتشكيل لجنة أولمبية دولية حدّدت المكان المناسب لإقامة الألعاب الأولمبية الحديثة، أي في مدينة أثينا عام 1896، وجاء اختيارها تكريماً لليونان مهد الألعاب.

وشكّلت اللجنة التنفيذية من 14 عضواً يمثلون 12 بلداً هي فرنسا، إنجلترا، الأرجنتين، بلجيكا، المجر، اليونان، إيطاليا، نيوزيلندا، روسيا، الولايات المتحدة الأميركية، تشيكيا، السويد. ترأسّها اليوناني ديمتريوس فيكيلاس، وكان كوبرتان نائباً له.

وكُتب الميثاق الأولمبي من المثل الداعية إلى إزكاء روح الحرّية عند الفرد، وبالذات عند المشتركين في الألعاب، وإجراء مباريات تتّسم بالروح السمحة والصدر الرحب، ومحاولة تطوير الإنسان وتحسينه وارتقائه عقلياً وأخلاقيا وبدنياً.

وانطلقت الألعاب الأولى بمثابة تجسيد لحلم كوبرتان الذي كان يتطلّع إلى عودة الإنسان «الجميل الصالح»، إلا أن هذا الحدث غيّر لاحقاً تفكير الإنسان الغربي بنفسه.

وإذا كانت الألعاب انطلقت في العصر القديم كحدث ديني، فقد تحوّلت في العصر الحديث إلى تعبير علماني لجمال الجسد وصحّة الإنسان. وتطوّرت لتختصر لاحقاً أسس العصرنة التجارية والإعلامية والعلمية بعيداً من الأفكار الرومانسية للمبادئ القديمة للهواة، والتي شغلت «الباحث والمؤسّس» البارون دو كوبرتان وأبناء جيله طويلاً.

وفي المراحل الممهّدة للألعاب الحديثة الأولى، كان فيكيلاس يشعر أن حقبة تاريخية جديدة يعاد بناؤها، وستعود بالفائدة على بناء اليونان الحديث قد تمحي ما تناقلته وسائل الإعلام عن بلوغ البلاد حافة الإفلاس. لكن المشكلة المالية كانت بالمرصاد والألعاب غاية أساسية لاستعادة أمجاد التاريخ الغابر والحضارة العظيمة.

ورأى فيكيلاس المقيم في فرنسا أن الألعاب «ستبني شبكة علاقات جديدة بين باقي أوروبا وبيننا، وتصبح أثينا مكاناً للصداقة وبرهاناً أننا لا نزال حضاريين...».

صرّح فيكيلاس بما يدور في خاطره بعد لقائه الملك جورج وولي العهد لطلب الدعم والتشجيع، فعلّقت الصحف بأن «الفرصة أصبحت مؤاتية للتعبير الميداني».

وتناولت أهمية الدور «في إعادة التقليد التاريخي» ثم انهمرت الدراسات والمواضيع والتحقيقات «عن الأمجاد الأولمبية في العصور الغابرة» و«إمكانية التصدّي للأزمة الاقتصادية وتجاوزها... وها هو السباق اليوناني الأصيل ينطلق».

أدّت هذه الحملة المركّزة إلى اتساع الصدى في الدول الأوروبية الأخرى، وتعدى الحديث الفائدة الرياضية إلى فرصة الاستفادة من الألعاب لتأهيل الأماكن القديمة وتسليط الأضواء على النشاطات الفنية والثقافية الموازية، التي يجب أن ترافق المسابقات وإعادة تنظيم التصميم العمراني لأثينا، والفوائد الإضافية من النواحي السياحية والإنمائية والبيئية والاقتصادية كافة.

حُدّد الموعد من 6 إلى 15 أبريل (نيسان) 1896 لإقامة الألعاب الأولمبية الحديثة الأولى، وشارك فيها 285 رياضياً من 13 دولة هي: النمسا، أستراليا، بلغاريا، بريطانيا، المجر، ألمانيا، اليونان، الدنمارك، الولايات المتحدة، فرنسا، تشيلي، السويد، سويسرا.

وتضمّنت المنافسات مسابقات المصارعة، الدراجات، الجمباز، ألعاب القوى، السباحة، الرماية، التنس، رفع الأثقال، السلاح.

وافتتحت الألعاب الأربعاء في 5 أبريل (نيسان)، وأعلن الملك جورج، مرتدياً زي أميرال الأسطول الحربي، الافتتاح في ملعب باناثينايكون الذي بناه ليكورغو عام 350 ق.م. ورُمّم بفضل مليون دراخمة قدّمها الثري اليوناني وتاجر القطن يورغوس أفيروف المقيم في مصر. وكان دو كوبرتان يفكّر أن يرافق النزالات إلقاء مقاطع شعرية «في رؤية توحيدية لطاقات الإنسان...».

وحضر الافتتاح أكثر من 80 ألف متفرج، وهو رقم قياسي بقي صامداً حتى عقد الأربعينات من القرن العشرين... وكان أول الفائزين المتوجين الأميركي جيمس كونولي في الوثبة الثلاثية (13.71 م).

انقضت معظم أيام الدورة من دون حصول أي لاعب يوناني على ميدالية ذهبية في ألعاب القوى، فأعلن بعض اليونانيين المتحمّسين عن جوائز غريبة لأي مواطن يفوز بالسباق الوحيد الباقي وهو الماراثون أطول سباقات الجري (42.195 كلم) وكان أثمنها زواجه ابنة التاجر أفيروف مع «دوطة (مهر) حرزانة» مقدارها مليون دراخمة.

لكن الفائز سبيريدون لويس لم يستطع ذلك لأنه متزوّج وأب لولدين. وقد أغدقت عليه العطايا من كل حدب وصوب، بعضها على مدى الحياة ومنها: برميل نبيذ كل أسبوع وكسوة كاملة من خياط يوناني وحلاقة ذقن وقص شعر من حلاق، ورغيف خبز كبير كل يوم، وقرية في الريف وقطعان من الماشية ومنازل وحلي وجواهر. غير أن أكثر اللمسات الإنسانية كانت هدية الصبي الصغير ماسح الأحذية الذي تبرّع بتلميع حذاء البطل يومياً.

قُدّرت تكاليف الألعاب بـ600 ألف دراخمة وغالبية المتبارين دفعوا نفقات مشاركتهم. تضمّنت الرياضات التسع التي شملتها الألعاب 43 مسابقة واقتصرت على الألعاب الفردية.


مقالات ذات صلة

ماريسكا: سعيد بأداء تشيلسي رغم التعادل

رياضة عالمية إنزو ماريسكا مدرب تشيلسي (إ.ب.أ)

ماريسكا: سعيد بأداء تشيلسي رغم التعادل

أبدى إنزو ماريسكا مدرب تشيلسي سعادته بأداء فريقه رغم تعادله سلبياً مع مضيفه إيفرتون في الدوري الإنجليزي الممتاز.

«الشرق الأوسط» (ليفربول)
رياضة عالمية ماتيوس بيرو يحتفل بهدفه الثاني لبوخوم في مرمى هايدنهايم (أ.ب)

«البوندسليغا»: بوخوم يحقق فوزه الأول هذا الموسم

حقق بوخوم، متذيل الترتيب، فوزه الأول، هذا الموسم، في الدوري الألماني لكرة القدم بفوزه على ضيفه هايدنهايم 2-0، الأحد.

«الشرق الأوسط» (بوخوم)
رياضة عالمية مرسيليا هزم سانت إتيان برباعية وتأهل لثمن نهائي الكأس (أ.ف.ب)

«كأس فرنسا»: بالأربعات... مرسيليا وموناكو ورين إلى ثمن النهائي

قسا مرسيليا على مضيفه سانت إتيان المنقوص وفاز عليه 4-0 الأحد، وبلغ دور الـ16 من مسابقة كأس فرنسا لكرة القدم.

«الشرق الأوسط» (سانت إتيان)
رياضة عالمية كيليان مبابي وإبراهيم دياز يحتفلان برباعية مدريد في إشبيلية (أ.ف.ب)

«لاليغا»: ريال مدريد إلى الوصافة برباعية في إشبيلية

سجل كيليان مبابي هدفاً واحداً ولعب تمريرة حاسمة في فوز ريال مدريد 4-2 على إشبيلية، ليتقدم إلى المركز الثاني في دوري الدرجة الأولى الإسباني.

«الشرق الأوسط» (مدريد)
رياضة عالمية سيموني إنزاغي مدرب إنتر (أ.ف.ب)

إنزاغي: الشكوك تحوم حول مشاركة دي فري ودارميان ضد كومو

قال سيموني إنزاغي، مدرب إنتر، إنه غير متأكد من جاهزية المدافعَين ستيفان دي فري، وماتيو دارميان، للمشاركة في مباراة كومو.

«الشرق الأوسط» (ميلانو)

«البوندسليغا»: دورتموند يكسر سلسلة تعادلاته بثلاثية في فولفسبورغ

لاعبو بوروسيا دورتموند يحتفلون بأحد أهدافهم في مرمى فولفسبورغ بالدوري الألماني (د.ب.أ)
لاعبو بوروسيا دورتموند يحتفلون بأحد أهدافهم في مرمى فولفسبورغ بالدوري الألماني (د.ب.أ)
TT

«البوندسليغا»: دورتموند يكسر سلسلة تعادلاته بثلاثية في فولفسبورغ

لاعبو بوروسيا دورتموند يحتفلون بأحد أهدافهم في مرمى فولفسبورغ بالدوري الألماني (د.ب.أ)
لاعبو بوروسيا دورتموند يحتفلون بأحد أهدافهم في مرمى فولفسبورغ بالدوري الألماني (د.ب.أ)

عاد فريق بوروسيا دورتموند لسكة الانتصارات، بفوز خارج ملعبه على فولفسبورغ بنتيجة 3 - 1 في ختام منافسات الجولة الخامسة عشرة بالدوري الألماني لكرة القدم، اليوم (الأحد).

ووفقاً لوكالة الأنباء الألمانية، أنهى دورتموند الشوط الأول متقدماً بـ3 أهداف، سجّلها دونيل مالين وماكسيمليان بيير ويوليان براندت في الدقائق 25 و28 و30.

وفي الشوط الثاني، قلّص فولفسبورغ الفارق بهدف وحيد، سجّله دينيس فافرو في الدقيقة 58.

وحافظ دورتموند على تفوقه، رغم النقص العددي في صفوفه، بعد طرد لاعب الوسط باسكال غروس في الدقيقة 62.

بهذا الفوز، قفز دورتموند للمركز الخامس برصيد 25 نقطة، بعدما كسر سلسلة من 3 تعادلات متتالية في الجولات الماضية.

أما فولفسبورغ فقد تلقى خسارته الثانية على التوالي، والسادسة في الدوري هذا الموسم، ليتجمد رصيده عند 21 نقطة في المركز الحادي عشر.