خالف بوروسيا دورتموند الألماني كل التوقعات وأذهل أوروبا ببلوغ نهائي دوري الأبطال بعدما كرر فوزه 1 – صفر، ذهاباً وإياباً على باريس سان جيرمان في ختام مُرّ لمَسيرة النجم كيليان مبابي مع فريقه الفرنسي.
واعترف إيدن ترزيتش مدرب دورتموند، بأن فريقه كان خارج الترشيحات حين بدأ الموسم، لكنّ خطته أثبتت صحتها مع الوقت. في حين يرى الإسباني لويس إنريكي، مدرب سان جيرمان، أن كرة القدم أظهرت وجهها غير العادل في مباراتي نصف النهائي، وأن فريقه كان هو الأجدر بالتأهل للمباراة النهائية وفقاً للسيطرة والفرص المهدرة.
ودخل دورتموند الموسم بعد خسارته المريرة لقب الدوري الألماني في الجولة الأخيرة من الموسم السابق، وأكدت نتائجه المحلية أن الفريق لا يتمتع بالثبات ليكون منافساً جدياً على الألقاب، لكنَّ ترزيتش كان له رأي مختلف في أوروبا.
وتأهل دورتموند، الفائز بالبطولة في 1997 ووصيف البطل بايرن ميونيخ في 2013، عبر مجموعته التي ضمَّت سان جيرمان وميلان الإيطالي، الفائز باللقب 7 مرات، ونيوكاسل الإنجليزي، بخسارة واحدة فقط في 6 مباريات. وعلَّق ترزيتش: «هناك دائماً فريق لا يراه أحد ويصل إلى دور الثمانية أو قبل النهائي... أردنا أن نكون هذا الفريق البعيد عن رادار أي شخص، المشوار لا يصدق».
ولم يقدم الفريق كرة القدم الجميلة التي تجذب الانتباه، لكن بعد الخسارة في الجولة الأولى أمام سان جيرمان، خاض دورتموند 5 مباريات في دور المجموعات دون هزيمة وحقق انتصارات مهمة في نيوكاسل وميلانو ليتصدر مجموعته، وتابع ذلك بالتغلب على فرق كبيرة مثل أتلتيكو مدريد في دور الثمانية، مما يلخّص الرحلة المذهلة لدورتموند في طريقه للنهائي.
وقال ترزيتش: «الاعتقاد أن بإمكاننا التأهل للنهائي كان موجوداً منذ بداية مشوارنا بالبطولة، وتحدثنا عن هذا قبل مباراة الذهاب لدور الـ16 أمام أيندهوفن الهولندي... كانت الحيرة على وجوه الجميع عندما تحدثت عن أن الطريق إلى لندن قصيرة».
ولم تَفُتْ أحد المفارقة المتمثلة في أن دورتموند الفائز باللقب عام 1997 لم يصل إلى النهائي إلا بعد بيع النجمين البارزين النرويجي إيرلينغ هالاند (هداف مانشستر سيتي الحالي) والإنجليزي جود بيلينغهام (نجم ريال مريد الحالي) في المواسم الأخيرة.
وقال ترزيتش: «نضجنا مع كل مباراة. في مرحلة ما تغلبنا على ميلان، الذي تأهل للدور قبل النهائي العام الماضي، وكان لذلك أثره في تحول تفكيرك ورفع معنوياتك للذهاب لأبعد دور ممكن». ورغم أن دورتموند يحقق أعلى معدل حضور جماهيري في أوروبا في المباراة الواحدة، لا يزال يصنَّف خارج أندية القمة نظراً إلى اضطراره إلى بيع لاعبيه النجوم لزيادة مداخيله.
وبعد الفشل في التتويج بـ«بوندسليغا» الموسم الماضي، والبداية السيئة هذا الموسم، انتشرت الشائعات بأن ترزيتش، الذي لم يدرِّب في أي مكان آخر، بات مهدداً بالإقالة، لكن ما حققه في دوري أبطال أوروبا سيكون كافياً لتأمين منصبه لعام جديد على الأقل. ومنح تفوق دورتموند ألمانيا مكاناً خامساً في نسخة العام المقبل المجددة، مما يعني أن الفريق سيتأهل سواء فاز بالنهائي أم لا.
وقال إيمري تشان، قائد دورتموند: «في بداية مشوارنا وبعد الخسارة أمام سان جيرمان والتعادل على أرضنا أمام ميلان في دور المجموعات لم يعد أحد يؤمن بنا تقريباً. حصلنا على نقطة واحدة فقط بعد مباراتين لكننا ظللنا نؤمن بقدراتنا، وكان هذا هو الشيء الأكثر أهمية. الحفاظ على شباكنا نظيفة في مباراتين أمام سان جيرمان ليس بالأمر السهل».
وقال المدافع المخضرم ماتس هوملز، مسجِّل هدف فوز دورتموند في لقاء الإياب: «سنواجه خصماً قوياً للغاية، بغضّ النظر عمَّن يكون. منذ الجولة الثانية، ظللنا نعتقد أننا قادرون على الصمود في دوري أبطال أوروبا. لا يوجد أي سبب على الإطلاق لعدم الاعتقاد أننا قادرون أيضاً على الفوز بالنهائي».
في المقابل كانت الحسرة واضحة على كل عضو في سان جيرمان الذي أنفق مالكوه القطريون الملايين منذ شرائه في 2011 على أمل التتويج الأوروبي دون نجاح واكتفى باحتلال المركز الثاني في 2020 فقط.
وكان مبابي، الذي من المتوقع أن يغادر سان جيرمان هذا الصيف، يمنّي النفس بتوديع جماهير باريس بالتتويج باللقب الأوروبي، لكن مساعيه فشلت بعد ليلة كان فيها تائهاً وغير قادر على فك حصار دفاع دورتموند.
وقال مبابي المرشح للانتقال إلى ريال مدريد: «أتحمل كل اللوم، لقد حاولت مساعدة فريقي بأفضل ما أستطيع، لكنني لم أفعل ما يكفي، سدّدنا كثيراً لكن لم نكن ناجعين. لا أحب التحدّث كثيراً عن سوء الحظ. أنا الرجل الذي يجب أن يسجل الأهداف ويكون حاسماً أمام المرمى. عندما تكون الأمور جيدة، أحظى بكل الأضواء وعندما لا تكون كذلك عليك أن تتراجع إلى الظل. هذه هي الحياة وعلينا المضي قدماً، أنا والفريق».
وتابع قائد منتخب فرنسا وهداف مونديال 2022: «لدينا أهداف أخرى علينا تحقيقها هذا الموسم». وبعد إحرازه لقب الدوري الفرنسي، يختتم سان جيرمان موسمه في 25 مايو (أيار) بنهائي الكأس المحلية أمام ليون.
على عكس مبابي، يرى المدرب إنريكي أن سان جيرمان كان الأحق بالتأهل للنهائي وفقاً لسيطرته على مجريات الأمور في مباراتي نصف النهائي، وقال: «بكل صراحة، يكاد يكون من المستحيل أن تتاح لك أكثر من ثلاث فرص محقَّقة للتسجيل، وأن تصطدم الكرة بالقائمين والعارضة 4 مرات ولا تحرز أي هدف. اصطدمت الكرة بالقائمين والعارضة 6 مرات في المباراتين». وأضاف: «كرة القدم ليست رياضة عادلة، لا تحصل دائماً على ما تستحقه، ولا يفوز دائماً الفريق الأفضل».
وتابع المدرب الذي قاد برشلونة الإسباني إلى لقب 2015: «لا أعتقد أننا كنا الطرف الأضعف في هذه المواجهة. يجب أن نتقبّل ذلك، نهنئ الفريق الذي بلغ النهائي، نحزن ونتخطى خيبة الأمل. أنا فخور جداً بفريقي، وأنا المسؤول الأوّل عن الخسارة، لكني سعيد بسلوك كل اللاعبين. يجب أن ننهض وأن نعود أقوى في العام المقبل».
وسيتعين على سان جيرمان، الذي استغنى بالفعل عن البرازيلي نيمار والأرجنتيني ليونيل ميسي، بوصفه جزء من تكوين فريق شاب، أن ينافس الموسم المقبل من دون نجمه وهدافه الأبرز مبابي.
وتحسّر القطري ناصر الخليفي، رئيس سان جيرمان، على الفرص المهدَرة المرتدة من العارضة والقائم، وقال: «نشعر بخيبة أمل كبيرة إزاء النتيجة. كنا نستحق أفضل مما حصل هذا المساء، لقد أصبنا العارضة والقائم 4 مرات في هذه المباراة ومرّتين الأسبوع الماضي. الكرة لا ترغب في الدخول. لقد قدّمنا كل شيء: اللاعبين، المدرب، المشجعين... هذا صعب، اعتقدنا أنه بمقدورنا بلوغ النهائي. كنا نستحق التأهل. لكنّ دورتموند فاز ونبارك لهم. هذه كرة القدم ويجب تقبّلها. أحياناً لا تكون الأمور عادلة».
وقال البرازيلي ماركينيوس، قائد سان جيرمان: «افتقرنا للفاعلية مقارنةً بالمنافس الذي سجل هدفين وفاز في المباراتين. هناك كثير من الدروس المستفادة من هذه البطولة. علينا أن نتذكر أن هذا مشروع جديد مع مدرب جديد».