كوت ديفوار ونيجيريا تتطلعان لاعتلاء عرش القارة السمراء

منتخب «الأفيال» يطمح لإكمال عودته المذهلة... و«النسور الخضراء» لإثبات عراقته

لاعبو كوت ديفوار والفوز على الكونغو الديمقراطية والتأهل بأعجوبة إلى نهائي العرس الأفريقي (أ.ف.ب)
لاعبو كوت ديفوار والفوز على الكونغو الديمقراطية والتأهل بأعجوبة إلى نهائي العرس الأفريقي (أ.ف.ب)
TT

كوت ديفوار ونيجيريا تتطلعان لاعتلاء عرش القارة السمراء

لاعبو كوت ديفوار والفوز على الكونغو الديمقراطية والتأهل بأعجوبة إلى نهائي العرس الأفريقي (أ.ف.ب)
لاعبو كوت ديفوار والفوز على الكونغو الديمقراطية والتأهل بأعجوبة إلى نهائي العرس الأفريقي (أ.ف.ب)

بعد مرور 24 يوماً فقط على لقائهما بمرحلة المجموعات في المسابقة، يتجدد الموعد بين منتخبي كوت ديفوار ونيجيريا (الأحد)، في مواجهة أكثر أهمية، حينما يلتقيان في المباراة النهائية لبطولة كأس الأمم الأفريقية لكرة القدم 2023. وسبق أن التقى المنتخبان على ملعب (الحسن واتارا) في مدينة أبيدجان، الذي يستضيف لقاء (الأحد) أيضاً، بالجولة الثانية في المجموعة الأولى من مرحلة المجموعات بالنسخة الحالية للمسابقة المقامة حالياً في كوت ديفوار، حيث انتصر المنتخب النيجيري 1 - صفر على نظيره الإيفواري. وستكون هذه هي المباراة النهائية التاسعة في تاريخ أمم أفريقيا، التي انطلقت نسختها الأولى عام 1957، التي يلتقي فيها منتخبان تواجها من قبل في دور المجموعات.

وعقب اجتيازهما العديد من العراقيل خلال مشوارهما في النسخة الحالية للبطولة، يتطلع المنتخبان العريقان لاعتلاء عرش كرة القدم في القارة السمراء حتى إشعار آخر. وبينما يحلم منتخب نيجيريا بالحصول على لقبه الرابع في كأس الأمم الأفريقية، بعد نسخ 1980 و1994 و2013، يتطلع منتخب كوت ديفوار للتتويج بالبطولة للمرة الثالثة بعد نسختي 1992 و2015. ورغم اللقاءات العديدة التي جرت بين كوت ديفوار ونيجيريا في أمم أفريقيا، فإن هذه هي المرة الأولى التي يلتقي خلالها المنتخبان في المباراة النهائية للبطولة.

وينتظر محبو الساحرة المستديرة في القارة الأفريقية الكثير من الإثارة والندية في اللقاء، لا سيما وأن المنتخبين يحتلان المركزين الثاني والثالث بقائمة أكثر المنتخبات قيمة تسويقية في البطولة، وفقاً لموقع «ترانسفير ماركت»، المتخصص في القيم التسويقية للاعبي كرة القدم في العالم، حيث تبلغ القيمة التسويقية لمنتخب كوت ديفوار 333.58 مليون يورو، بينما تصل قيمة منتخب نيجيريا 332 مليون يورو. ويحمل هذا اللقاء الرقم 8 في مباريات المنتخبين في كأس الأمم الأفريقية، حيث تمتلك نيجيريا الأفضلية في المواجهات السبع الماضية التي جرت بينهما بالبطولة، بعدما حققت 4 انتصارات، مقابل فوزين لكوت ديفوار، وفرض التعادل نفسه على لقاء وحيد.

وخلال تلك المواجهات السابقة، التقى المنتخبان 3 مرات في الأدوار الإقصائية بأمم أفريقيا، حيث كانت الأولى في قبل نهائي نسخة عام 1994 بتونس، وحسمها منتخب نيجيريا لمصلحته بركلات الترجيح عقب تعادلهما 2 - 2 في الوقت الإضافي، ليشق منتخب «النسور الخضراء المحلقة» طريقه نحو التتويج بلقبه الثاني آنذاك. وثأر منتخب كوت ديفوار من تلك الخسارة، عقب فوزه 1 - صفر على نظيره النيجيري في الدور ذاته بنسخة المسابقة عام 2006 في مصر، لكنه فشل في اقتناص اللقب بخسارته في النهائي أمام منتخب «الفراعنة». أما اللقاء الثالث بينهما في مرحلة خروج المغلوب بالمسابقة، فكان بدور الثمانية لنسخة عام 2013 في جنوب أفريقيا، حيث انتصر المنتخب النيجيري 2-1، ليستكمل مسيرته في البطولة التي توج بها للمرة الأخيرة.

وعانى منتخب كوت ديفوار من كثير من العثرات خلال مشواره نحو المباراة النهائية، حيث استهل مسيرته في المسابقة الحالية بالفوز 2 - صفر على منتخب غينيا بيساو في المباراة الافتتاحية، قبل أن يخسر صفر - 1 أمام

منتخب نيجيريا. وفي الجولة الثالثة (الأخيرة) من دور المجموعات، تلقى منتخب كوت ديفوار خسارة مروعة صفر - 4 أمام غينيا الاستوائية، ليصبح على أعتاب الوداع المبكر من الدور الأول للمسابقة، مكرراً ما جرى له عندما استضاف المسابقة عام 1984 على ملاعبه، وذلك بعد حلوله في المركز الثالث بالمجموعة الأولى برصيد 3 نقاط، وبفارق أهداف 3-.

ومع نهاية دور المجموعة، وخروج منتخب كوت ديفوار (عملياً) من البطولة، قرر الاتحاد الإيفواري لكرة القدم إقالة المدرب الفرنسي جان لويس جاسكيه، وتم إسناد المهمة مؤقتاً لمساعده المحلي إيمرس فايي الذي قاد الفريق لبلوغ المباراة النهائية. وعلى عكس التوقعات، لعبت نتائج المجموعات الأخرى بالدور الأول لمصلحة منتخب كوت ديفوار، الذي تأهل بما يشبه المعجزة لدور الـ16 بعد وجوده في المركز الأخير بقائمة أفضل 4 منتخبات حاصلة على المركز الثالث في المجموعات الست، ليضرب موعداً مع منتخب السنغال (حامل اللقب).

ورغم تأخر منتخب كوت ديفوار في النتيجة مبكراً في لقائه ضد نظيره السنغالي بدور الـ16، تمكن من العودة للمباراة بعدما سجل هدف التعادل قبل نهاية الوقت الأصلي بأربع دقائق، قبل أن يطيح بمنتخب «أسود التيرانغا» من المسابقة عقب فوزه 5-4 بركلات الترجيح، بعد انتهاء الوقتين الأصلي والإضافي بالتعادل 1-1.

وتواصلت دراما منتخب كوت ديفوار في مباراته ضد مالي بدور الثمانية، حيث تأخر بهدف قبل 20 دقيقة على نهاية الوقت الأصلي، غير أنه أدرك التعادل في الدقيقة 90، ثم انتزع ورقة الترشح للمربع الذهبي بتسجيله الهدف الثاني في الدقيقة الأخيرة من الوقت بدل الضائع للشوط الرابع. وعاد منتخب كوت ديفوار للظهور في النهائي القاري للمرة الأولى منذ 9 سنوات، بعدما تغلب 1 - صفر على منتخب الكونغو الديمقراطية بالدور قبل النهائي.

ويمتلك المنتخب الإيفواري، الذي يحتل المركز الـ49 عالمياً والثامن أفريقياً في التصنيف الأخير للمنتخبات الصادر عن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، مجموعة من النجوم في مختلف الخطوط. ويأتي سيباستيان هالير، نجم بوروسيا دورتموند الألماني، صاحب هدف الفوز على الكونغو الديمقراطية، على رأس النجوم الإيفواريين، بالإضافة إلى فرانك كيسي وجان فيليب كراسو وسيكو فوفانا وسيمون أدينغرا.

أما المنتخب النيجيري، فرغم العراقة التي يتمتع بها فإن نتائج الفريق السابقة قبل البطولة مباشرة، والخلافات التي دبت بين اتحاد الكرة المحلي والبرتغالي جوزيه بيسيرو، مدرب الفريق، لم تعكس قدرته على المضي قدماً في المسابقة. وفشل منتخب نيجيريا في تحقيق أي انتصار خلال أول جولتين بالتصفيات الأفريقية المؤهلة لبطولة كأس العالم 2026، رغم تواضع مستوى منافسيه، حيث تعادل بصعوبة بالغة 1 - 1 مع ضيفه منتخب ليسوتو ومضيفه منتخب زيمبابوي ضمن منافسات المجموعة الثالثة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

لاعبو نيجيريا وفرحة تخطي جنوب أفريقيا والتأهل لنهائي الأمم الأفريقية (أ.ب)

وأثارت البداية المتعثرة في تصفيات المونديال، خشية الجماهير النيجيرية من خروج الفريق المبكر من أمم أفريقيا، لكن النسور الخضراء استعادت بريقها من جديد، بعدما حلقت بعيداً نحو المباراة النهائية. ويطمع منتخب نيجيريا، الذي يوجد حالياً في المركز الـ42 عالمياً والسادس أفريقياً، في مواصلة تفوقه على كوت ديفوار في اللقاءات الرسمية للمباراة الثالثة على التوالي. كما يتطلع منتخب النسور الخضراء لمعادلة عدد ألقاب المنتخب الغاني، والوجود معه في المركز الثالث بقائمة أكثر المنتخبات فوزاً بالبطولة. ويرى المنتخب النيجيري أن التتويج بلقب أمم أفريقيا، سيكون خير تعويض لجماهير الفريق التي شعرت بخيبة أمل كبيرة عقب إخفاقه في التأهل لنهائيات كأس العالم الأخيرة في قطر 2022، على يد المنتخب الغاني في المرحلة النهائية للتصفيات الأفريقية.

وتعثر منتخب نيجيريا في بداية مسيرته بالنسخة الحالية لأمم أفريقيا، عقب تعادله 1 - 1 مع منتخب غينيا الاستوائية، قبل أن يستعيد اتزانه سريعاً ويفوز على كوت ديفوار، ثم اختتم لقاءاته بالدور الأول بالفوز 1 - صفر على غينيا بيساو، لينهي مشواره في المجموعة الأولى وهو في المركز الثاني برصيد 7 نقاط. وخاض المنتخب النيجيري مواجهة من العيار الثقيل ضد نظيره الكاميروني في دور الـ16، ليحسم المواجهة لمصلحته بفوزه 2 - صفر على منتخب (الأسود غير المروضة)، قبل أن ينهي مغامرة المنتخب الأنغولي في المسابقة، بعدما تغلب عليه 1 - صفر.

وواجه منتخب نيجيريا مقاومة عنيفة من نظيره الجنوب أفريقي في الدور قبل النهائي، بعدما انتصر عليه 4 - 2 بركلات الترجيح، عقب انتهاء الوقتين الأصلي والإضافي بالتعادل 1 - 1، ليشارك في النهائي الثامن بتاريخه في أمم أفريقيا والأول منذ 11 عاماً. وتضع الجماهير النيجيرية آمالاً كبيرة على فيكتور أوسيمين، نجم نابولي الإيطالي، المتوج بجائزة أفضل لاعب أفريقي في العام الماضي، المقدمة من الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (كاف). وساهم أوسيمين، صاحب القيمة التسويقية الأعلى بين نجوم البطولة (110 ملايين يورو) بأربعة أهداف من إجمالي 7 أهداف أحرزها منتخب نيجيريا خلال مشواره بالبطولة، حيث سجل هدفاً وحيداً وقام بصناعة 3 أهداف. كما يبرز أيضاً اسم أديمولا لوكمان، نجم أتلانتا الإيطالي، الذي ساهم أيضاً بأربعة أهداف، عقب تسجيله 3 أهداف وصناعته هدفاً آخر طوال مشوار الفريق بأمم أفريقيا 2023.



باريس توقد شعلتها الأولمبية بمشاهد تاريخية وعروض أسطورية

جسر نهر السين تلون بأدخنة العالم الفرنسي (أ.ب)
جسر نهر السين تلون بأدخنة العالم الفرنسي (أ.ب)
TT

باريس توقد شعلتها الأولمبية بمشاهد تاريخية وعروض أسطورية

جسر نهر السين تلون بأدخنة العالم الفرنسي (أ.ب)
جسر نهر السين تلون بأدخنة العالم الفرنسي (أ.ب)

أوقدت باريس شعلتها الأولمبية، وسط افتتاح مذهل دُشّن بمقطع فيديو للكوميدي من أصول مغربية جمال دبوز، ولاعب كرة القدم السابق زين الدين زيدان «من أصول جزائرية» في استاد «دو فرانس»، قبل العرض غير المسبوق على نهر السين، بمشاركة 6 آلاف و800 رياضي، أمام معالم تاريخية في العاصمة الفرنسية.

وللمرة الأولى يُقام حفل الافتتاح خارج الملعب الرئيسي، يشاهده 320 ألف متفرج من مدرجات بُنيت خصوصاً للحفل على ضفاف النهر، ونحو 200 ألف من على شرفات المباني المجاورة.

وعَبَر أول قارب يقلّ البعثة اليونانية جسر «أوسترليتز» في باريس، ليُطلق موكب الوفود على نهر السين، في بداية حفل افتتاح الألعاب الأولمبية، الجمعة، في باريس.

بعثة اللاجئين تشارك للمرة الثالثة في الألعاب الأولمبية (رويترز)

وانفتح جدار من المياه المتدفقة تحت الجسر؛ ما أتاح مرور قارب البعثة اليونانية، كما تقضي التقاليد بوصف اليونان مهد الحركة الأولمبية الحديثة، وهو الأول من بين 85 قارباً يجب أن تنقل 6 آلاف و800 رياضي إلى تروكاديرو.

وحملت نجمة التايكوندو دنيا أبو طالب علم البعثة السعودية، التي ظهرت على متن قرب، وارتدى أفرادها الزي التاريخي (البشت والشماغ والعقال)، في حين ارتدت الرياضيات زياً نسائياً تراثياً (جلابية وطرحة على الرأس)، ورفرف جميعهم بالأعلام السعودية.

ومرت الساعات والدقائق ببطء شديد، بعد ظهر الجمعة بانتظار انطلاق الحفل الافتتاحي للأولمبياد الـ33 للعصر الحديث في باريس، التي تحوّلت إلى قلعة حصينة يصعب على المواطن العادي التنقل داخلها ما لم يكن حاصلاً على «الخاتم السحري»، الذي يُطلب منه عند كل مفترق طرق أو عند أي جسر على نهر السين.

الرئيس الفرنسي ماكرون يصافح باخ رئيس الأولمبية الدولية قبل انطلاق الحفل (رويترز)

الحكومة الفرنسية بدت قلقة وهي تضع نصب عينيها توفير الأمن المطلق للملوك ورؤساء الدول والحكومات والوزراء ورؤساء المنظمات الدولية والإقليمية، الذين أمّوا باريس؛ للمشاركة في أضخم حدث أولمبي تشهده العاصمة الفرنسية، الذي تريده الأجمل والأكثر إثارة في تاريخ الأولمبياد. كوكبة ضخمة تزيد على 120 مسؤولاً كبيراً كانوا على موعد مع «عاصمة النور» التي عبّأت أجهزتها الأمنية بشكل مطلق، إذ يصل إلى 90 ألف رجل أمن عام وخاص وأفراد من الجيش، بل استعانت بعناصر أجنبية من 60 دولة؛ لتوفير أفضل تغطية أمنية، ولسد المنافذ كافّة التي يمكن أن تؤثر في المسار الصحيح للاحتفال.

أولمبياد باريس: الاستثناء

سمعة فرنسا كانت في الميزان. ولأن باريس عرفت في السنوات والأشهر الأخيرة حراكاً اجتماعياً أو أحداثاً أمنية لها علاقة بالإرهاب، ولأن أولمبيادها يجري في ظل توترات جيوسياسية وحربين مشتعلتين، الأولى في أوكرانيا منذ فبراير (شباط) 2022، والثانية في غزة منذ عشرة أشهر، فإن المخاوف كانت أن تنعكس هذه الحالة على الحفل الافتتاحي، ولكن أيضاً على الفعاليات الرياضية التي ستُجرى في العاصمة وفي عديد من المدن الأخرى. ومنذ ما قبل حصوله، برز غياب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي لم يُدع إلى الاحتفال «عقاباً» له على حربه على أوكرانيا.

الفنانة ليدي غاغا خلال فقرتها الغنائية (رويترز)

كذلك تقلّصت البعثة الرياضية الروسية إلى 15 فرداً مُنعوا من حمل علم بلادهم، وسُمح لهم بالمشاركة بصفتهم الفردية، في حين كانت البعثة الروسية في المناسبات السابقة من الأكبر (أكثر من 300 رياضي). وكما غاب بوتين، غاب أيضاً الرئيس الصيني شي جينبينغ، ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، والرئيس البرازيلي إيناسيو لولا دا سيلفا... كذلك، فإن حرب غزة كانت حاضرة من خلال الدعوة إلى منع مشاركة الوفد الإسرائيلي في الحفل الافتتاحي، بل في الفعاليات الرياضية.

ولأن اللجنة الأولمبية المسؤولة عن الدعوات رفضت الاستجابة إلى هذا الطلب، فقد اتُّهمت بـ«ازدواجية المعايير».

وخلال مباراة كرة القدم، التي تواجه خلالها الفريقان المالي والإسرائيلي، في ملعب «بارك دي برانس» في باريس، رُفعت الأعلام الفلسطينية وسُمعت أهازيج فلسطينية وصفير وتنديد بالفريق الإسرائيلي. ومن بين البعثات الرياضية كافّة، فإن البعثة الإسرائيلية تحظى بأكبر حماية بوليسية، إن في موضع سكنها أو خلال تنقلاتها ومشاركاتها الرياضية. وسارع رئيسا الجمهورية والحكومة ووزير الداخلية إلى الترحيب بالمشاركة الإسرائيلية وإلى التنديد بدعوة المقاطعة، في حين سارعت الهيئات القريبة من إسرائيل إلى التذكير بما حصل للفريق الرياضي الإسرائيلي خلال ألعاب ميونيخ في عام 1974.

البعثة السعودية لدى مرورها أمام المتفرجين وضيوف الحفل (أ.ف.ب)

المفاجأة الأولى

أرادت باريس، من خلال أولمبيادها، أن تدهش العالم... هذا ما دأب مسؤولوها على ترداده يوماً بعد يوم. ولذا، رُصد للأولمبياد ما يقارب سبعة مليارات يورو للإنشاءات الأولمبية ولتجميل العاصمة.

ولم يكن اختيار مجرى نهر السين، الذي يقسّم باريس إلى قسمين «شمال وجنوب» للحفل الافتتاحي إلا لغرض إبراز الانقطاع عما عرفته الأولمبيادات السابقة، خصوصاً من أجل إبراز الإرث التاريخي العمراني والحضاري والمعماري للعاصمة التي نشأت على ضفتي النهر. ذلك أن التطواف في نهر السين لـ94 مركباً، التي حملت جانباً كبيراً من أفراد 204 بعثات أولمبية (ما يقارب 8 آلاف و500 شخص)، لمسافة نهرية تزيد على ستة كلم؛ دفع إلى الواجهة أبرز المحطات الباريسية، التي يتعيّن على كل زائر للمدينة أن يعرفها؛ أكان ذلك «كاتدرائية نوتردام»، ومبنى «بلدية باريس»، وصولاً إلى جزيرتي «سان لويس»، و«لا سيتيه»، و«جسر الفنون» (لو بون دي زار أو جسر العشاق)، ومتحف «اللوفر»، وقصر «التويليري»، وامتداداً إلى مبنى «الجمعية الوطنية»، وقصر «كي دورسيه» (وزارة الخارجية)، فضلاً عن «متحف أورسي» وبرج إيفل. وانتهى المسار تحت أقدام ساحة تروكاديرو الشهيرة وحديقتها المطلة مباشرة على نهر السين؛ إذ كانت الوفود الرسمية التي تقدمها الرئيس إيمانويل ماكرون.

ويمكن اعتبار المشاهدين الـ320 ألفاً الذين توفّرت لهم الفرصة لمشاهدة التطواف مباشرة من مقاعدهم على ضفتي نهر السين من المحظوظين. بيد أنهم لم يكونوا وحدهم مَن تمتع بهذه المشاهد؛ إذ إن الاحتفالية نُقلت مباشرة على شاشات التلفزة في العالم كله، إذ قُدّر أن هناك ما بين مليار ومليار ونصف المليار مشاهد تابعوا التطواف في نهر السين، وما رافقه من أنشطة وفعاليات فنية وموسيقية ولوحات راقصة، قدّمها ما لا يقل عن 3 آلاف فنان وراقص وموسيقي، وبمشاركة أسماء عالمية دُعيت خصوصاً إلى هذه المناسبة.

ماكرون: كل شيء جاهز

قبل الموعد الحاسم، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في مقطع مصور نشره على موقع «إكس» للتواصل الاجتماعي: «كل شيء جاهز»، مشيراً بشكل خاص إلى الإجراءات الاستثنائية التي عمدت الأجهزة المعنية إلى اتخاذها. وأكد وزير الداخلية «المستقيل» جيرالد دارمانان، من جانبه، أن الاستعدادات قد تمت، وأنه لا يوجد أي «تهديد محدد» لحفل الافتتاح أو المنافسات.

وفي هذا السياق، لجأت السلطات، في إطار عملية أمنية واسعة النطاق، إلى الصلاحيات التي أقرها قانون مكافحة الإرهاب، ووضعت 155 شخصاً قيد إجراءات المراقبة الصارمة التي تحد من تحركاتهم كثيراً.

كذلك عمدت إلى تجميع الأشخاص الذين يفترشون الشوارع والساحات وأخرجتهم من العاصمة إلى مراكز خارجها، في حين فرضت داخل باريس، خصوصاً في المناطق القريبة من مجرى السين والساحات الرئيسية، مثل: «التروكاديرو» و«الكونكورد» و«الأنفاليد»؛ تدابير استثنائية، إن للمشاة خصوصاً السيارات. ولكن على الرغم من ذلك، جاءت مفاجأة من العيار الثقيل لتذكّر المسؤولين أن سد الثغرات كافّة ليس بالعمل السهل.

وقد برز ذلك مع الأعمال التخريبية، التي ضربت صبيحة يوم الجمعة شبكة القطارات السريعة من خلال إشعال مجموعة حرائق استهدفت صناديق الإشارة التي تتحكم بسير القطارات.

وسارع المسؤولون الرسميون وممثلو الأحزاب السياسية بمختلف مشاربها إلى التنديد بالعمل التخريبي، وعمدت النيابة العامة إلى فتح تحقيق قضائي لاستجلاء ظروف ما حدث. ووصف رئيس الوزراء الفرنسي غابرييل أتال الهجمات بأنها «أعمال تخريب منسّقة».

وغرّد عبر منصة «إكس»، قائلاً إن آثار الهجوم على شبكة السكك الحديدية في يوم افتتاح دورة الألعاب الأولمبية ضخمة وحادة. وأضاف: «تمّت تعبئة أجهزة المخابرات ووكالات إنفاذ القانون، للعثور على الجناة في هذه الأعمال الإجرامية ومعاقبتهم». وقال دارمانان إن الأعمال التخريبية «ليست لها نتائج مباشرة على الحفل الافتتاحي ولا على الفعاليات الرياضية»، مشيراً، في المقابل، إلى أن هناك أكثر من 50 ألف رجل أمن، بالإضافة إلى العسكريين الذين يسهرون على سلامة الافتتاح.

وقال ديفيد لابارتيان، رئيس اللجنة الأولمبية الفرنسية، إن الرياضيين المشاركين في الفعاليات وصلوا جميعهم إلى مواقعهم. وحتى عصر الجمعة، رفض أي مسؤول فرنسي توجيه أصابع الاتهام إلى أي جهة، والدعوة إلى انتظار نتائج التحقيق الذي بدأته الأجهزة الأمنية. بيد أن مصادر أخرى أشارت إلى احتمال ضلوع مجموعات يسارية متشددة أو أخرى بيئوية متطرفة في الأعمال التخريبية التي أضرّت بما لا يقل عن 800 ألف مسافر، بينهم الأكثرية الساحقة التي كانت تتحضّر للذهاب إلى المنتجعات في إطار العطلة الصيفية. واعترف المسؤولون عن الشبكة بعجزهم عن حماية 30 ألف كلم من الخطوط الحديدية.

قناصة فوق الأسطح... وغطاسون في مياه السين

منذ ما بعد الظهر، كانت شبكة الأمان قد انتشرت تماماً في منطقة التطواف النهري. والصعوبة الأولى، وفق المصادر الأمنية، كانت تكمن في تأمين الحماية لمسافة 12 كلم على ضفتي نهر السين، إن من خلال تفتيش المنازل والأقبية والأبنية القائمة على جانبي النهر، أو التعرّف إلى هويات الأشخاص الذين يسكنون في شققها. فضلاً عن ذلك، كان على الأجهزة أن تنشر قناصتها على أسطح البنايات لتدارك أي عملية إطلاق نار على الوفود الرسمية، كما حصل في إطلاق النار على الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، في مناسبة مهرجان انتخابي. واستبقت الأجهزة الأمنية بداية التطواف النهري بعملية تفتيش واسعة ودقيقة، أسهمت فيها الكلاب البوليسية للمراكب التي شاركت في الافتتاح، والتي حملت أفراد البعثات الرياضية. بيد أن الهم الأكبر الآخر تمثّل في توفير الحماية الجوية للافتتاح. ولذا، مُنع تحليق أي طائرة في دائرة قطرها 150 كلم حول العاصمة؛ ما شلّ حركة الطيران في مطاري باريس الرئيسيين: «رواسي شارل ديغول» في شمال العاصمة، و«أورلي» جنوبها.

ووُضع الطيران الحربي في حالة تأهب لإسقاط أي طائرة أو مروحية تنتهك الإجراءات المشار إليها.

إلا أن للقلق مصدراً آخر هو المسيرات. لذا، فقد تم إيجاد مركز تنسيق لمواجهتها في قاعدة «فيلاكوبليه» الجوية الواقعة جنوب العاصمة ومهمته القضاء، بكل الوسائل المتاحة، على أي تهديد يمكن أن تشكّله أي مسيرة أكانت مثلاً حاملة لعلم من الأعلام أو أن تكون مفخخة. وعُلم أن مجموعة كبيرة من القناصة الذين تقوم مهمتهم على إسقاط هذه المسيّرات سيتم نشرهم إلى جانب وسائل الدفاع الجوي التقليدية.

التطلّع إلى السماء

ليس سراً أن باريس تسعى دوماً، في كل ما تفعله، إلى أن تكون متميزة. ولأنها انتظرت مائة عام لتنظم الأولمبياد الصيفي، فإنها أرادت الحدث انعكاساً لتميّزها وفرادتها. من هنا، أهمية الاستثنائية التي أُفردت للجوانب الجمالية والفنية، الأمر الذي برز في اللوحات الاستعراضية، بداية مع المراكب التي مخرت نهر السين، وما رافقها من أنشطة فنية، وأخيراً في الحفل الغنائي والألعاب النارية التي اختتم بها الحفل الافتتاحي. كما استمتع المشاهدون بلوحات فنية أداها فنانون من على أسطح عدة أبنية تطل على مجرى السين أو على نوافذ بعض الشقق. بيد أن العديد من هذه الأنشطة كانت رهن حالة الطقس المتأرجحة بين الماطرة والغائمة. ووفق تخطيط مصممي الاحتفال، فإن الغرض من بدء الاحتفال في الساعة السابعة والنصف بتوقيت باريس (أي قبل غياب الشمس)، وانتهائه قبل منتصف الليل، كان الجمع بين الليل والنهار في حركة انسيابية وانسجامية ذات أبعاد فنية كثيرة.