ألمانيا في حداد... وميونيخ تودّع «القيصر» بيكنباور

دعوة لتكريم النجم الأسطوري أمام 75 ألف متفرج في ملعب «أليانز أرينا» الجمعة

بيكنباور كان وراء نجاح حملة ألمانيا لإستضافة مونديال 2006 (د ب ا)
بيكنباور كان وراء نجاح حملة ألمانيا لإستضافة مونديال 2006 (د ب ا)
TT

ألمانيا في حداد... وميونيخ تودّع «القيصر» بيكنباور

بيكنباور كان وراء نجاح حملة ألمانيا لإستضافة مونديال 2006 (د ب ا)
بيكنباور كان وراء نجاح حملة ألمانيا لإستضافة مونديال 2006 (د ب ا)

اتشحت كل المواقع الرسمية والرياضية في ألمانيا بالسواد حدادا على رحيل «القيصر» فرنز بيكنباور الذي وافته المنية مساء الأحد عن عمر ناهز 78 عاما، في وقت توافد فيه كثير من سكان ميونيخ إلى شارع «سابينر شتراسه»، حيث يقع مقر نادي بايرن، على الرغم من الظروف المناخية الصعبة والبرد القارس، لتحية أسطورة كرة القدم بالبلاد وملهم أجيال عدة.

وفي وقت أكد فيه الرئيس الألماني فرنك فالتر شتاينماير، أنه لم ينجح أي شخص في تشكيل كرة القدم الألمانية، مثل الأسطورة بيكنباور، نعى كل رموز اللعبة في البلاد والعالم النجم الكبير الذي خلد اسمه بإنجازات لا تحصى، فيما طالب نجوم بايرن ميونيخ بتكريم خاص لـ«القيصر» ينطلق من ملعب «أليانز أرينا».

ونعى شتاينماير بيكنباور قائلا: «خسرنا أشهر وأفضل ممثل للرياضة الألمانية حول العالم، لن ننساه».

وأضاف: «لقد صنع التاريخ الكروي كلاعب ومدرب للمنتخب الوطني، إنه نموذج استثنائي. من خلال أسلوبه في القيادة وفلسفته في اللعب، فرنز جعل المنتخب الوطني سفيرا استثنائيا لبلادنا حول العالم... سنشعر دائما بالامتنان له على ذلك». وختم بالقول: «القصة الخيالية لبلادنا في 2006 لا يمكن تخيلها من دونه».

وقال النجم كارل-هاينز رومينيغه زميل بيكنباور السابق والرئيس التنفيذي السابق لبايرن ميونيخ إنه يتعين على جماهير كرة القدم الألمانية أن تملأ مدرجات ملعب أليانز أرينا لتحية القيصر الذي توفي عن 78 عاما.

القيصر بيكنباور يحتفل بالفوز بكأس العالم عام 1974 (اب)

وأصبح بيكنباور، الذي كان أول نجم رياضي عالمي حقيقي في ألمانيا وقادها للقب كأس العالم كلاعب ومدرب في عامي 1974 و1990 على التوالي، جزءا من النسيج الاجتماعي للبلاد في مسيرة ناجحة للغاية داخل وخارج الملعب امتدت لأكثر من 50 عاما.

وخاض بيكنباور، الذي يعدّ أحد أفضل اللاعبين على مر العصور، 103 مباريات دولية وقاد ألمانيا الغربية للفوز بكأس العالم عام 1974 بعد عامين من التتويج باللقب الأوروبي. كما ترأس اللجنة المنظمة لكأس العالم 2006 التي أقيمت في ألمانيا.

وقال رومينيغه، الذي لعب إلى جانب بيكنباور في بايرن ميونيخ في سبعينات القرن الماضي: «عالم كرة القدم بأكمله وما خلفه حزين على صديقنا فرنز».

وكان رومينيغه قائدا لألمانيا الغربية تحت قيادة المدرب بيكنباور في كأس العالم 1986 عندما خسرت أمام الأرجنتين في النهائي. وقال: «كشكر له وإحياء للذكرى، يجب على بايرن أن ينظم حفلا لإحياء ذكراه في الملعب الذي لم يكن ليوجد من دونه».

كان بيكنباور جزءا من فريق بايرن ميونيخ العظيم الذي فاز بثلاث كؤوس أوروبية متتالية في الفترة من 1974 إلى 1976 من بين ألقاب أخرى. وأصبح مدربا للفريق ورئيسا للنادي بعد مسيرته لاعباً، ليجعل بطل ألمانيا من أكثر العلامات التجارية نجاحا وقيمة في كرة القدم الأوروبية.

وغادر البايرن، تحت رئاسة بيكنباور، الملعب الأولمبي القديم وانتقل إلى استاد أليانز أرينا عام 2006. ولا يُعد حفل الاستاد هو الاقتراح الوحيد لتذكر «القيصر»، وهو اللقب الذي اكتسبه بسبب أسلوب لعبه ورؤيته للمباريات.

واقترح زميله الفائز بكأس العالم 1974 بيرتي فوغتس تسمية كأس ألمانيا بكأس بيكنباور لضمان أن تظل ذكراه حية، وأوضح: «ربما يتعين على الاتحاد الألماني لكرة القدم أن يفكر على سبيل المثال في تسمية كأس ألمانيا باسم بيكنباور... من المهم ألا تنسى الأجيال القادمة في كرة القدم اسمه».

كما نعى أبرز نجوم الجيل التالي لبيكنباور مثل فيليب لام وباستيان شفاينشتايغر، الفائزين بكأس العالم 2014، القيصر الألماني، وكتب لام قائد منتخب ألمانيا في مونديال 2014 عبر حسابه على منصة التواصل الاجتماعي «إكس» (تويتر سابقا): «لقد كان أعظم شخصية في كرة القدم الألمانية على الإطلاق، بيكنباور كان سابقا عصره كلاعب».

من جانبه كتب شفاينشتايغر: «شكرا لك على كل شيء أيها القيصر، لن أنساك أبدا! ارقد بسلام يا فرنز».

واستعاد لام مدير بطولة أمم أوروبا يورو 2024 ذكريات وإنجازات بيكنباور عندما كان رئيسا للجنة المنظمة لمونديال 2006 الذي نظمته ألمانيا بالقول: «كأس العالم 2006 كانت قصة خيالية، علمت الأمة التي تنتقد نفسها أن تحب نفسها مرة أخرى، هذا النجاح الاجتماعي الكبير لم يكن ليتحقق لولا فرنز، وأنا ممتن له إلى الأبد لأنه سمح لي بأن أكون جزءا منه». ونعى السويسري جياني إنفانتينو، رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، بيكنباور قائلا: «أسطورة الكرة الألمانية والعالمية... القيصر كان شخصا رائعا حقا وصديق كرة القدم وبطلا وأسطورة حقيقية، لن ننساك أبدا عزيزي فرنز».

من جانبه قال السلوفيني ألكسندر سيفرين، رئيس الاتحاد الأوروبي (يويفا): «عالم كرة القدم ينعى خسارة القيصر، لقد أعاد تنوع أساليب لعبه وأدواره المتنقلة بين الدفاع وخط الوسط، والسيطرة على الكرة والرؤية الرائعة، تشكيل كرة القدم في عصره».

وأضاف: «إمكاناته القيادية ظهرت بقوة من خلال كونه قائدا للمنتخب الألماني وفريق بايرن ميونيخ خلال أكثر الفترات نجاحا، وواصل نجاحه في مسيرته التدريبية، إرث بيكنباور بوصفه واحدا من أعظم اللاعبين في تاريخ كرة القدم، أمر لا جدال فيه، وداعا للأسطورة».

وعلى المستوى الشعبي لم تثنِ الحرارة المتدنية (8 درجات تحت الصفر) سكان مدينة ميونيخ عن التوجه إلى مقر النادي البافاري لوضع باقات الزهور حيث حقق بيكنباور إنجازاته المدوية في عالم الكرة المستديرة، بتتويجه بلقب كأس الأندية الأوروبية البطلة (دوري أبطال أوروبا حاليا) ثلاثة أعوام توالياً (1974 و1975 و1976). واستذكر بوغدان بيكوتش، البالغ 45 عاماً وأحد مشجعي بايرن، إنجازات بيكنباور، من أمام مقر النادي البافاري، قائلاً: «في عام 1990، عندما أصبح بطلاً للعالم مدرباً، عندما كان يسير بمفرده، هذه الثواني، هذه الدقائق، هي ذكريات طفولتي مع الأسطورة. هذا ما أستطيع أن أتذكره من طفولتي».

وتابع: «من دونه، لن يكون هناك بايرن، من الصعب تخيّل بايرن من دونه، من الواضح أن بايرن سيستمر من دون بيكنباور، لكن الأمر سيكون مختلفاً بعض الشيء».

وُضعت باقة من الزهور وشمعة عند مدخل النادي الذي ارتقى به بيكنباور إلى مصاف فرق النخبة العالمية، في البداية لاعباً إلى جانب المهاجم «المدفعجي» غيرد مولر والحارس سيب ماير في حقبتي الستينات والسبعينات، ثم إدارياً إلى جانب أولي هونيس ورومينيغه في فترة التسعينات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

واتشحت منصة «إكس» (تويتر سابقا) والموقع الرسمي للنادي بالسواد حدادا على رحيل «القيصر»، في حين سيودّع، في لحظة عاطفية، 75 ألف متفرج أيقونة النادي عندما يستضيف بايرن على ملعبه «أليانز أرينا» نظيره هوفنهايم مساء الجمعة.

ولم يتم بعد تحديد موعد ومكان مراسم جنازة بيكنباور الذي «رقد بسلام» مساء الأحد محاطاً بعائلته في مدينة سالزبورغ النمساوية، حيث اختار العيش هناك بالقرب من منتجع كتسبويل للتزلج حيث الغولف المحلي.

وينظر البعض إلى «أليانز أرينا» كإرث من بيكنباور الذي كان يرأس حينها النادي واتخذ قرار تشييده وامتلاكه (لفترة مع ميونيخ 1860) بدلا من البقاء في الملعب الأولمبي الذي تم بناؤه لاستضافة الألعاب الأولمبية عام 1972.

وخصّصت الصحف الألمانية أمس صفحاتها الأولى لرحيل «القيصر»، فنشرت «بيلد» مجموعة من الصور تلخّص مسيرته: صورة رفعه كأس العالم بقميص ألمانيا الغربية عام 1974، وثانية له على العشب في الملعب الأولمبي في روما بعد التتويج العالمي مدرباً، وثالثة يحمل فيها الملصق الخاص بمونديال 2006 الذي استضافته ألمانيا بفضل جهوده.

من ناحيتها، فضّلت صحيفة «زود دويتشه تسايتونغ» تسليط الضوء على اللقب الأقل شهرة لبيكنباور وهو «لشت غشتالت» أي «الشخصية المضيئة»، بدلاً من «القيصر» الذي أطلق عليه خلال نهائي كأس ألمانيا عام 1969 ضد شالكه، ونال شهرة عالمية بعد صورة له التقطها في فيينا عام 1971 إلى جانب تمثال إمبراطور النمسا فرنسوا-جوزيف الأول.

خلف هذه الكلمة التي من الصعب ترجمتها، تكمن فكرة أن أعظم لاعب كرة قدم ألماني في التاريخ، وحتى أعظم رياضي ألماني، استحوذ على الضوء أينما كان ونقله مصدر إلهام للجميع، وتحديداً لكرة القدم الألمانية.


مقالات ذات صلة

المخيني حارس عمان: حلاوة كرة القدم في تقلباتها

رياضة عربية إبراهيم المخيني حارس مرمى منتخب عمان بعد التصدي للجزائية (خليجي26)

المخيني حارس عمان: حلاوة كرة القدم في تقلباتها

قال إبراهيم المخيني حارس مرمى منتخب عمان أن التحولات في مجريات المباراة هي "حلاوة كرة القدم" على حد وصفه، مشيراً إلى أنه يعتذر للجماهير على الخطأ الذي بدر منه

فهد العيسى (الكويت )
رياضة عالمية كريستيانو رونالدو إلى جوار تيبو كورتوا خلال حفل جوائز «غلوب سوكر» (الشرق الأوسط)

رونالدو وخيسوس… حضور طاغٍ في «غلوب سوكر»

جرى توزيع جوائز «غلوب سوكر 2024» بنسختها الـ15، في الحفل المُقام مساء الجمعة بمدينة دبي الإماراتية، بحضور عدد من أبرز نجوم كرة القدم العالميين.

«الشرق الأوسط» (دبي)
رياضة عالمية أنجي بوستيكوغلو مدرب توتنهام هوتسبير (رويترز)

بوستيكوغلو: سندعم صفوف توتنهام في يناير

قال أنجي بوستيكوغلو مدرب توتنهام هوتسبير الجمعة، إن النادي يجب أن يعزز صفوفه في فترة الانتقالات الشتوية للتعامل مع أزمة الإصابات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية إنزو ماريسكا مدرب تشيلسي (أ.ف.ب)

ماريسكا: يجب على لاعبي تشيلسي التعافي من خسارة فولهام

قال إنزو ماريسكا، مدرب تشيلسي، إن فريقه يجب أن يتعافى من هزيمته في جولة عيد الميلاد أمام فولهام.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية نوني مادويكي استبعد من مواجهة تشيلسي وفولهام (أ.ف.ب)

لماذا استبعد مادويكي من تشكيلة تشيلسي أمام فولهام؟

كشف مدرب تشيلسي إنزو ماريسكا أنه اتخذ «قراراً فنياً» باستبعاد نوني مادويكي وريناتو فيغا من تشكيلة يوم المباراة لمواجهة فولهام.

The Athletic (لندن)

نافاس في حديث الوداع: أكبر معاركي كانت أمام روبرتو كارلوس

الحالة الصحية أجبرت اللاعب المخضرم على إنهاء مسيرته (أ.ب)
الحالة الصحية أجبرت اللاعب المخضرم على إنهاء مسيرته (أ.ب)
TT

نافاس في حديث الوداع: أكبر معاركي كانت أمام روبرتو كارلوس

الحالة الصحية أجبرت اللاعب المخضرم على إنهاء مسيرته (أ.ب)
الحالة الصحية أجبرت اللاعب المخضرم على إنهاء مسيرته (أ.ب)

بعد الساعة التاسعة صباحاً بقليل في مونتيكوينتو بإشبيلية، وصل خيسوس نافاس إلى ملعب تدريبات نادي إشبيلية الذي يحمل اسمه تقديرا لمسيرته الاستثنائية مع الفريق، وصعد المنحدر الصغير في ضوء الشمس، وصالة الألعاب الرياضية على يساره وملعب التدريب على يمينه.

كان نافاس أول من وصل إلى ملعب التدريب، وهو الشيء الذي لن يحدث بعد ذلك بعدما أعلن النجم الإسباني المخضرم اعتزاله كرة القدم.

لم يكن المدرج الذي يحمل اسمه موجودا عندما ظهر نافاس لأول مرة بقميص إشبيلية قبل ربع قرن من الزمان. بل لم يكن معظم كل هذا موجوداً؛ ولم تكن الكؤوس التي حصدها الفريق على ملعب رامون سانشيز بيزخوان، على بُعد ثلاثة أميال إلى الشمال، موجودة أيضا. لقد تغير كل شيء، باستثناء نافاس، الذي يقول: «ما زلت نفس الشخص الذي جاء إلى هذا النادي في اليوم الأول له هنا».

في ذلك اليوم، كان نافاس فتى نحيفا وخجولا يبلغ من العمر 15 عاماً، قادما من لوس بالاسيوس، على بُعد 15 دقيقة إلى الجنوب. كان ذلك في عام 2000، وكان يأتي كل صباح تقريباً منذ ذلك الحين، باستثناء أربعة مواسم لعبها مع مانشستر سيتي واستمتع بها أكثر مما قد يتخيل كثيرون.

لاعبو إشبيلية يودعون قائدهم (رويترز)

لا يزال نافاس قصيراً ونحيفاً، حيث يصل طوله إلى 1.7 متر ووزنه إلى 67 كغم، ولا يزال هادئاً، وليس لديه أي رغبة في الأضواء، ولا يزال يتحلى بالتواضع الشديد رغم كل ما حققه خلال مسيرته الكروية الحافلة، ورغم أنه أعظم لاعب كرة قدم على الإطلاق هنا في نادي إشبيلية.

يُعد نافاس اللاعب الأكثر تتويجاً في المنتخب الإسباني، كما يعد اللاعب الأكثر أهمية في تاريخ نادي إشبيلية الممتد لـ 119 عاماً، ورمزا لنجاح أكاديمية النادي للناشئين.

لعب نافاس 393 مباراة مع إشبيلية، وهو رقم قياسي في تاريخ النادي، ورحل لأن النادي كان بحاجة لذلك، وعاد مجددا ولعب 311 مباراة أخرى.

ولعب نافاس مباراته الأخيرة يوم الأحد على ملعب «سانتياغو برنابيو»، والتي كانت المباراة رقم 982 في مسيرته الاحترافية، بعمر 39 عاماً.

وفي صباح يوم الاثنين، لم يعد نافاس إلى مونتيكوينتو. يقول النجم الإسباني وهو جالس في المنطقة المخصصة للاعبين، والتي لم تكن قد بُنيت في ذلك الوقت أيضاً: «الأمر صعب للغاية بالنسبة لي، ولا يمكنني أن أتخيل ذلك. لقد قضيت حياتي كلها في القيام بما أحبه أكثر من أي شيء آخر، لكن الآن سأتوقف عن اللعب، فالأمر متعلق بالحالة الصحية».

النجم الإسباني ودع جماهير ناديه بالدموع (أ.ف.ب)

لقد عانى نافاس على مدار أربع سنوات. إنه مصاب بالتهاب المفاصل في الفخذ، وهو ما يؤلمه عندما يلعب، وعندما يتدرب، بل وعندما يمشي، ويصل الأمر في بعض الأيام إلى أنه لا يقوى حتى على المشي. لقد استمر في صمت، ولعب لفترة أطول مما تخيله أي شخص، لكنه لم يعد يستطيع المقاومة. يقول عن ذلك: «لقد تحملت الألم لمدة أربع سنوات، وكان هذا الموسم أكثر صعوبة، لقد كان الأمر جنونيا. كانت الأشهر الستة الماضية صعبة للغاية. وكنت أجد صعوبة في المشي بعد المباريات. الأمر بالكامل يتعلق بعدم قدرة جسدي على التحمل أكثر من ذلك. وقد توقفت عن اللعب لأنني مضطر لذلك. لكنني سعيد حقا بكل ما حققته».

لقد حقق كل شيء، ويقول إن أفضل معاركه كانت مع الظهير الأيسر البرازيلي روبرتو كارلوس، مشيرا إلى أن اللاعب الذي استمتع باللعب معه أكثر من غيره، وأفضل صديق له، هو فريدريك كانوتيه، الذي اعتزل منذ 11 عاماً. وعندما طلبت منه أن يختار أبرز لحظة في مسيرته الكروية الحافلة، اختار هدفاً سجله شخص آخر: ففي الوقت الإضافي لمباراة الدور نصف النهائي لكأس الاتحاد الأوروبي أمام شالكه عام 2006، وبينما كانت المباراة في الدقيقة 100، وصلت تمريرته العرضية إلى أنطونيو بويرتا، الذي سجل هدف الفوز، ليغير تاريخ النادي ومستقبله. سقط بويرتا، الذي يرتدي نافاس رقم قميصه، على أرض ملعب بيزخوان في أغسطس (آب) 2007، وتوفي بعد ذلك بثلاثة أيام.

وعندما خاض نافاس أول مباراة له مع إشبيلية ضد إسبانيول بعد يومين من عيد ميلاده التاسع عشر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2003، لم يكن النادي قد فاز بأي لقب منذ 55 عاماً؛ لكنه قاد النادي للحصول على ثمانية ألقاب. وبحلول الوقت الذي رحل فيه إلى مانشستر سيتي في عام 2013، كان قد لعب بالفعل عدداً من المباريات أكثر من أي لاعب آخر في تاريخ النادي، وسجل في نهائي كأس الملك وحصل على كأس الاتحاد الأوروبي مرتين، وهي المسابقة التي بُنيت حولها هوية إشبيلية بالكامل.

مودريتش قائد الريال يحتضن نظيره في إشبيلية عقب المباراة التي جمعت الفريقين (رويترز)

عاد نافاس من مانشستر سيتي وهو يلعب بشكل مختلف في مركز الظهير، وفاز بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز وكأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة مرتين، حيث سجل في نهائي 2014 وفي ركلات الترجيح بعد ذلك بعامين. عاد نافاس إلى إشبيلية ولديه شغف كبير لمواصلة التألق، لذلك استمر في فعل ما كان يفعله دائماً؛ ورغم أنه لعب في مركز مختلف فإنه واصل تقديم نفس المستويات القوية. حصل على كأس الاتحاد الأوروبي مرتين أخريين، وصنع أهدافاً في المباراتين النهائيتين للدوري الأوروبي في 2020 و2023. لقد كان قائداً للفريق في النهائيين اللذين أقيما في كولونيا وبودابست، وعندما رفع الكأس للمرة الأخيرة كان ذلك بعد 17 عاماً من الفوز بها لأول مرة.

ومرت أربعة عشر عاماً بين أول بطولة وأخر بطولة له مع منتخب إسبانيا، فقد فاز ببطولة كأس الأمم الأوروبية في 2012 و2024، وكأس العالم في 2010، وقد بدأت أعظم لحظة في تاريخ كرة القدم الإسبانية من عند قدميه. إنها اللحظة التي يعترف بأنها يشاهدها كل يومين أو ثلاثة أيام، لكنه لم يستطع تخيلها حتى في ذلك الوقت. ويقول: «كل ما كنت أفكر فيه هو نقل الكرة إلى الطرف الآخر من الملعب بأسرع ما يمكن، فهذا هو ما طلبه المدير الفني».

كان نافاس قد غاب عن كأس العالم للشباب تحت 20 سنة في عام 2005، ولم يشارك في أول موسم تحضيري له مع إشبيلية، وتأخر ظهوره الدولي حتى نوفمبر (تشرين الثاني) 2009، عندما كافح من أجل شق طريقه وتوفرت له الظروف المناسبة للانضمام للمنتخب الإسباني. يقول نافاس: «حدثت تلك القفزة الكبيرة الأولى بشكل سريع جدا. وصلت إلى إشبيلية في سن الخامسة عشرة، وفي غضون عامين فقط كنت ألعب في الدوري الإسباني الممتاز. بالنسبة لطفل بسيط قادم من بلدة صغيرة، كان ذلك بمثابة تغيير جذري. كان كل شيء داخل الملعب يسير على ما يرام، لكننا بشر في نهاية المطاف. وقد استوعبت الأمور شيئاً فشيئاً، واستمتعت بكرة القدم، التي منحتني الحياة».

ورغم أن نافاس يتسم بالخجل، فإنه شخصية قوية للغاية، ويقول عن ذلك: «أنا قوي جدا من الناحيتين الذهنية والبدنية. لقد تحملت الكثير من الألم، لدرجة أنني لم أكن قادرا على المشي بعد المباريات. تجربتي مع مانشستر سيتي كانت رائعة. لم يكن الانتقال إلى هناك قرارا صعبا كما يبدو للبعض. كان إشبيلية يعاني من صعوبات مالية، وكانت لدي رغبة في خوض هذا التحدي حتى أثبت أنني شخص قوي. ما عانيته في ذلك الوقت وضعني في اختبار قوي، وكنت أريد أن أنضج وأتطور بكل الطرق الممكنة. كما ساعدتني هذه التجربة أيضا على التطور كثيرا من الناحية الإنسانية. الدوري الإنجليزي الممتاز استثنائي، ويتميز بالسرعة الفائقة، وكنت أريد تجربة ذلك. لكن نمط حياتي لم يتغير حقاً، فقد كنت أتدرب وأعود إلى المنزل. كان الأمر أصعب بالنسبة لزوجتي؛ فقد كان ابننا قد وُلد للتو وكانت تعود من حين لآخر. لكن كرة القدم هي التي كانت تستحوذ على كل تركيزي، وكان الأمر لا يصدق».

عاد نافاس من مانشستر سيتي في عام 2017 بعد أربعة مواسم والمشاركة في 183 مباراة، وكان عمره 32 عاماً، وكان من المفترض أنه يقترب من نهاية مسيرته الكروية. واعترف المدير الفني لمانشستر سيتي جوسيب غوارديولا لاحقاً بأنه ربما لم يكن ينبغي له أن يسمح برحيله في هذا الوقت المبكر، لكنه يتفهم هذا القرار. وبعد عودته إلى إشبيلية، فاز بكأس الاتحاد الأوروبي مرتين أخريين، وعاد إلى تشكيلة إسبانيا بعد خمس سنوات، وكان الرجل الوحيد من ذلك الجيل الذي لعب مع الجيل الجديد الحالي. يقول نافاس: «هذه هي الطريقة التي أعيش بها، فكل يوم أريد المزيد، ولا أكتفي بأي شيء أبداً».

أنشيلوتي مدرب الريال وفاسكيز في حديث ودي مع نافاس بعد مباراته الأخيرة (رويترز)

هذه هي الميزة الكبرى في شخصية نافاس: الإصرار والعزيمة. قد يكون هادئاً، لكنه منافس شرس للغاية. وقال قائد إسبانيا ألفارو موراتا في عام 2023: «كان نافاس يبلغ من العمر 38 عاماً (آنذاك) لكنه يتدرب مثل شاب يبلغ من العمر 18 عاماً». يقول نافاس: «عندما كنت في مانشستر سيتي، أمضيت أربع أو خمس سنوات دون أن يتم استدعائي لصفوف المنتخب الإسباني. وفي كل يوم جمعة يتم فيه الإعلان عن قائمة الفريق كنت أنتظر بشغف. لقد كان ذلك صعباً للغاية، لكنني تمسكت دائماً بهذا الأمل، وواصلت العمل بكل قوة، حتى عدت في نهاية المطاف».

وفي النهاية، فاز نافاس بميدالية أخرى. لقد شارك بدلا من داني كارفاخال ضد جورجيا، ولعب 85 دقيقة وكاحله متورم. ويقول: «أنا قوي للغاية في هذا الشأن، ولم أكن لأخرج من المباراة بعد تعرضي لمثل هذه الضربة. ما جعلنا نفوز بهذه البطولة هو أننا جميعا نتبادل الاهتمام». لقد واجه كيليان مبابي في مباراة الدور نصف النهائي وهو في سن الثامنة والثلاثين، لكنه لم يشعر بأي ضغط، ويقول عن ذلك: «حسناً، أنا ألعب منذ فترة طويلة وواجهت الكثير من اللاعبين الجيدين».

ثم في عشية المباراة النهائية، أعلن نافاس نهاية مسيرته مع منتخب بلاده. لم يكن هناك إعلان رسمي عن ذلك أو ضجة إعلامية، لكنه كشف عن الأمر فقط.

ومع ذلك، أعلن عن استمراره لستة أشهر أخرى مع إشبيلية، فلماذا؟ يرد نافاس قائلا: «أردت أن أكون هنا مع إشبيلية خلال هذه الفترة الانتقالية، لمساعدة اللاعبين الأصغر سناً. وإسعاد الناس هو أهم شيء». ويوم السبت الماضي، لعب نافاس مباراته الأخيرة على ملعب سانشيز بيزخوان. وقال لزملائه قبل المباراة: «لقد حانت اللحظة التي كنت أتمنى ألا تأتي أبداً». ومع انتهاء المباراة، جلس على مقاعد البدلاء إلى جانب مانو بوينو، خريج أكاديمية الناشئين البالغ من العمر 20 عاماً والذي لم يكن قد وُلد عندما شارك نافاس لأول مرة مع إشبيلية. احتضن نافاس الجميع، وانحنى وقبل العشب، وبكى بينما كان كل من في الملعب يقف احتراما وتقديرا لهذا النجم الاستثنائي صاحب المسيرة الكروية الحافلة.

* خدمة الغارديان