الإصابات تلاحق نيوكاسل قبل مواجهة إيفرتون الجريح

توتنهام يصطدم بجاره وستهام في ديربي لندني ساخن بالدوري الإنجليزي

أنتوني غوردون (يمين) وهدف فوز نيوكاسل على مانشستر يونايتد (ب.أ)
أنتوني غوردون (يمين) وهدف فوز نيوكاسل على مانشستر يونايتد (ب.أ)
TT

الإصابات تلاحق نيوكاسل قبل مواجهة إيفرتون الجريح

أنتوني غوردون (يمين) وهدف فوز نيوكاسل على مانشستر يونايتد (ب.أ)
أنتوني غوردون (يمين) وهدف فوز نيوكاسل على مانشستر يونايتد (ب.أ)

تختتم المرحلة الخامسة عشرة من الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم (الخميس) بمباراتين من العيار الثقيل، حيث يحل نيوكاسل يونايتد ضيفاً على إيفرتون، المعاقب بحسم 10 نقاط من رصيده بسبب خرقه القواعد المالية، في ملعب جوديسون بارك، ويصطدم توتنهام بجاره وضيفه وستهام يونايتد في ديربي لندني. ويريد نيوكاسل يونايتد ومدربه إيدي هاو البقاء قريباً من دائرة الكبار بعد فوزين متتاليين قفزا بالفريق للمركز السادس برصيد 26 نقطة، بينما يقاتل إيفرتون للهروب من دوامة الهبوط، حيث يقبع في المركز الثامن عشر برصيد 7 نقاط فقط، متفوقاً بفارق الأهداف عن بيرنلي.

كذلك يبحث توتنهام عن استعادة نغمة الانتصارات بعد ثلاث هزائم متتالية وتعادل مثير مع مانشستر سيتي 3 / 3 في الجولة الماضية، مما أسقطه من القمة إلى المركز الخامس برصيد 27 نقطة. أما وستهام، صاحب المركز التاسع برصيد 21 نقطة، يسعى لتحقيق الفوز للتقدم خطوة في جدول الترتيب.

وتأتي مواجهة إيفرتون في الوقت الذي قال فيه إيدي هاو مدرب نيوكاسل يونايتد (الأربعاء) إن الحارس نيك بوب غادر الملعب بسبب إصابة في الكتف في وقت متأخر من المباراة التي فاز فيها الفريق 1-صفر على مانشستر يونايتد يوم السبت الماضي، وقد يغيب عن الملاعب لمدة أربعة أشهر تقريباً. وبدأ بوب (31 عاماً) كل مباراة في الدوري الإنجليزي الممتاز ودوري أبطال أوروبا مع نيوكاسل هذا الموسم لكن هذه الإصابة ستبعده عن المنافسات لفترة.

وقال هاو للصحافيين: «قام بالفعل باستشارة اثنين من الأطباء البارزين في هذه الإصابات ولا يزال ينتظر القرار النهائي بشأن العلاج. ربما يخضع لجراحة. سيغيب لمدة أربعة أشهر تقريباً لكن هذا شيء توقعناه مباشرة بعد المباراة». ورفض هاو تقارير إعلامية ربطت بين النادي واحتمال ضم الحارس الإسباني ديفيد دي خيا، الذي أصبح حراً منذ انتهاء عقده مع مانشستر يونايتد في يوليو (تموز) الماضي. وقال هاو: «طالعت الكثير من عناوين وسائل الإعلام المتعلقة بحراس المرمى واللاعبين الآخرين. ولم نقم بأي استفسارات. إذا أردنا التعاقد مع لاعبين جدد الآن فسنقوم بذلك في كل مركز آخر. إنها فرصة للحراس الآخرين لتعزيز مكانهم».

إيفرتون يحقق فوزاً ثميناً على نوتنغهام فورست بهدف دون رد (رويترز)

وحال غياب بوب سيحصل مارتن دوبرافكا على فرصته. وحل الحارس السلوفاكي محل بوب في الدقائق الأخيرة من المباراة أمام مانشستر يونايتد، وكان ظهوره الآخر الوحيد هذا الموسم ضد المنافس نفسه في كأس الرابطة. وقال هاو: «لطالما أشدت به. مارتن حارس من طراز رفيع. إنه حارس رائع يجيد التحرك واستخدام قدميه أيضاً، لذلك لم أتردد في ضمه إلى الفريق».

وتابع هاو: «من الطبيعي أن تتأثر معنوياته، خاصة وأن المباريات الكبيرة تنتظر نيوكاسل في الدوري الممتاز ودوري أبطال أوروبا». وأضاف المدرّب: «من الواضح أنه يفكر في كأس أوروبا أيضاً، وكان مصمّماً على محاولة الوجود هناك». وينضمّ الدولي الإنجليزي الذي لم يتم اختياره للمباريات الدولية الأخيرة، إلى قائمة طويلة من الغائبين عن نيوكاسل بسبب الإصابة مثل كالوم ويلسون، الهولندي سفين بوتمان، شون لونغستاف، دان بورن أو حتى الإيطالي ساندرو تونالي الموقوف بسبب المراهنة غير القانونية.

وعلى عكس التوقعات، لم يقم نيوكاسل بإنفاق ثروته الحديثة بإسراف في فترة الانتقالات، على غرار أفضل فرق الدوري الإنجليزي، وإنما اعتمد على عناصر شابة أثبتت وجودها بالفعل. فبالإضافة إلى الدفع بالظهيرين الشابين لويس هول وتينو ليفرامينتو في الأسابيع الأخيرة فقط بسبب إصابات اللاعبين الآخرين، كان هناك لويس مايلي، الذي شارك بشكل أساسي أمام مانشستر يونايتد، في اللقاء الذي انتهى بفوز نيوكاسل 1-0، في اللقاء الذي يعدُّ المشاركة الأساسية الثانية على التوالي للنجم الشاب في مواجهة كبرى. في مباراة مانشستر يونايتد قدم صاحب الـ17 عاماً أداءً قوياً للغاية، كما أظهر خطورة أمام مرمى يونايتد في أكثر من محاولة. وكان مايلي أفضل لاعبي نيوكاسل في مباراة باريس سان جيرمان الماضية بدوري أبطال أوروبا.

في المواجهة الأولى أمام أحد الأندية العريقة، كان نيوكاسل متقدماً على باريس سان جيرمان في معقله بملعب «حديقة الأمراء» بهدف دون رد حتى الدقيقة 97 من عمر اللقاء، وكان على وشك تحقيق أعظم انتصار له خارج ملعبه في دوري أبطال أوروبا، لكن حكم اللقاء حرمه من ذلك بعد احتساب ركلة جزاء في الوقت القاتل، سمحت للنادي الباريسي بتسجيل هدف التعادل والحصول على نقطة ثمينة، وهو السيناريو الذي كان صعباً للغاية على نيوكاسل ولاعبيه، بكل تأكيد. دخل نيوكاسل هذه المباراة هو يعاني من الكثير من الغيابات بداعي الإصابة، للدرجة التي جعلته يضع ثلاثة لاعبين شباب على مقاعد البدلاء، لكنه ورغم ذلك تفوق بشكل ساحق على أغنى نادٍ في العالم، الذي يضم أعظم مهاجم في العالم حالياً، وهو الفرنسي كيليان مبابي.

إن هذه المباراة تستحق أن يتم تذكرها بما هو أفضل من قرار التحكيم المروع باحتساب ركلة جزاء غريبة في الوقت القاتل من المباراة ليسددها مبابي ويحرز هدف التعادل لفريقه. لقد شهدت هذه الليلة أداءً قوياً للغاية من نيوكاسل، بقيادة المدير الفني المميز إيدي هاو، وكان نداً قوياً ومنافساً عنيداً لأحد عمالقة القارة، كما شهدت هذه الليلة مشاركة لاعب يبلغ من العمر 17 عاماً من مقاطعة دورهام في البطولة الأقوى والأهم في كرة القدم على مستوى الأندية.

لويس مايلي صاحب الـ17 عاماً يتألق مع نيوكاسل في غياب المصابين (إ.ب.أ)

إنه مايلي، الذي يلعب كرة القدم بمنتهى السهولة واليسر وكأنه طفل صغير يتلاعب بها في حديقته. إنه يرغب دائماً في أن يستحوذ على الكرة، ويشعر بالقلق والتوتر عندما تكون الكرة في مكان آخر بعيداً عنه. إنه لا يتوقف عن الحركة أبداً، فتراه يتحرك أربع خطوات في هذا الاتجاه، وثلاث خطوات في الاتجاه الآخر، ويقفز ويتحرك سريعاً وينتظر بفارغ الصبر أن تصل الكرة إليه. لقد لاحظ أولئك الذين شاهدوه وهو يلعب مع فريق النادي تحت 21 عاماً في الموسم الماضي أنه غالباً ما يبدو غير متناغم مع باقي زملائه في الفريق، لسبب بسيط وهو أنه كان أفضل بكثير منهم، وهو ما يعني أنه يتحرك ويركض في مساحات لن يجدوها أبداً، ويفكر بطريقة أسرع منهم بكثير، ويتوقع الخطر قبل أن يأتي ويتعامل معه بناء على ذلك.

وفي مباراة باريس سان جيرمان، ورغم الدور الدفاعي الكبير الذي قام به مايلي، فقد قدم لمحات أيضاً عن موهبته الكبيرة في النواحي الهجومية. وجاء الهدف الذي أحرزه نيوكاسل من لعبة جماعية رائعة: 41 ثانية و10 تمريرات لم يتمكن لاعبو باريس سان جيرمان من لمس الكرة خلالها، في حين لمس الكرة في هذه الهجمة كل لاعبي نيوكاسل، باستثناء فابيان شار. لقد قام كل لاعب من لاعبي نيوكاسل بدوره كما ينبغي تماماً: برونو غيماريش نجح بمهارته في التغلب على المواقف الصعبة، وميغيل ألميرون يتحرك بشكل رائع، وتينو ليفرامينتو يتقدم بجرأة داخل منطقة الجزاء.

لقد أظهر مايلي للجميع أنه يتحلى بذكاء غريزي شديد، سواء في النواحي الهجومية أو الدفاعية: لاعب يتوقع ببساطة أين ستكون الكرة في ثلاث ثوان، تماماً كما كان يفعل جود بيلينغهام في العمر نفسه. فهل يلعب مايلي كلاعب خط وسط مدافع، أم لاعب خط وسط مهاجم، أم صانع ألعاب؟ لا أحد يعرف حقاً حتى الآن! لكن الشيء المؤكد هو أنه سينضم لقائمة المنتخب الإنجليزي الأول في غضون ثلاث سنوات. وتكمن المفارقة بالطبع في أن مايلي ربما لم يكن سيلعب على الإطلاق لو لم يتعرض عدد كبير من لاعبي نيوكاسل للإصابة.



باريس توقد شعلتها الأولمبية بمشاهد تاريخية وعروض أسطورية

جسر نهر السين تلون بأدخنة العالم الفرنسي (أ.ب)
جسر نهر السين تلون بأدخنة العالم الفرنسي (أ.ب)
TT

باريس توقد شعلتها الأولمبية بمشاهد تاريخية وعروض أسطورية

جسر نهر السين تلون بأدخنة العالم الفرنسي (أ.ب)
جسر نهر السين تلون بأدخنة العالم الفرنسي (أ.ب)

أوقدت باريس شعلتها الأولمبية، وسط افتتاح مذهل دُشّن بمقطع فيديو للكوميدي من أصول مغربية جمال دبوز، ولاعب كرة القدم السابق زين الدين زيدان «من أصول جزائرية» في استاد «دو فرانس»، قبل العرض غير المسبوق على نهر السين، بمشاركة 6 آلاف و800 رياضي، أمام معالم تاريخية في العاصمة الفرنسية.

وللمرة الأولى يُقام حفل الافتتاح خارج الملعب الرئيسي، يشاهده 320 ألف متفرج من مدرجات بُنيت خصوصاً للحفل على ضفاف النهر، ونحو 200 ألف من على شرفات المباني المجاورة.

وعَبَر أول قارب يقلّ البعثة اليونانية جسر «أوسترليتز» في باريس، ليُطلق موكب الوفود على نهر السين، في بداية حفل افتتاح الألعاب الأولمبية، الجمعة، في باريس.

بعثة اللاجئين تشارك للمرة الثالثة في الألعاب الأولمبية (رويترز)

وانفتح جدار من المياه المتدفقة تحت الجسر؛ ما أتاح مرور قارب البعثة اليونانية، كما تقضي التقاليد بوصف اليونان مهد الحركة الأولمبية الحديثة، وهو الأول من بين 85 قارباً يجب أن تنقل 6 آلاف و800 رياضي إلى تروكاديرو.

وحملت نجمة التايكوندو دنيا أبو طالب علم البعثة السعودية، التي ظهرت على متن قرب، وارتدى أفرادها الزي التاريخي (البشت والشماغ والعقال)، في حين ارتدت الرياضيات زياً نسائياً تراثياً (جلابية وطرحة على الرأس)، ورفرف جميعهم بالأعلام السعودية.

ومرت الساعات والدقائق ببطء شديد، بعد ظهر الجمعة بانتظار انطلاق الحفل الافتتاحي للأولمبياد الـ33 للعصر الحديث في باريس، التي تحوّلت إلى قلعة حصينة يصعب على المواطن العادي التنقل داخلها ما لم يكن حاصلاً على «الخاتم السحري»، الذي يُطلب منه عند كل مفترق طرق أو عند أي جسر على نهر السين.

الرئيس الفرنسي ماكرون يصافح باخ رئيس الأولمبية الدولية قبل انطلاق الحفل (رويترز)

الحكومة الفرنسية بدت قلقة وهي تضع نصب عينيها توفير الأمن المطلق للملوك ورؤساء الدول والحكومات والوزراء ورؤساء المنظمات الدولية والإقليمية، الذين أمّوا باريس؛ للمشاركة في أضخم حدث أولمبي تشهده العاصمة الفرنسية، الذي تريده الأجمل والأكثر إثارة في تاريخ الأولمبياد. كوكبة ضخمة تزيد على 120 مسؤولاً كبيراً كانوا على موعد مع «عاصمة النور» التي عبّأت أجهزتها الأمنية بشكل مطلق، إذ يصل إلى 90 ألف رجل أمن عام وخاص وأفراد من الجيش، بل استعانت بعناصر أجنبية من 60 دولة؛ لتوفير أفضل تغطية أمنية، ولسد المنافذ كافّة التي يمكن أن تؤثر في المسار الصحيح للاحتفال.

أولمبياد باريس: الاستثناء

سمعة فرنسا كانت في الميزان. ولأن باريس عرفت في السنوات والأشهر الأخيرة حراكاً اجتماعياً أو أحداثاً أمنية لها علاقة بالإرهاب، ولأن أولمبيادها يجري في ظل توترات جيوسياسية وحربين مشتعلتين، الأولى في أوكرانيا منذ فبراير (شباط) 2022، والثانية في غزة منذ عشرة أشهر، فإن المخاوف كانت أن تنعكس هذه الحالة على الحفل الافتتاحي، ولكن أيضاً على الفعاليات الرياضية التي ستُجرى في العاصمة وفي عديد من المدن الأخرى. ومنذ ما قبل حصوله، برز غياب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي لم يُدع إلى الاحتفال «عقاباً» له على حربه على أوكرانيا.

الفنانة ليدي غاغا خلال فقرتها الغنائية (رويترز)

كذلك تقلّصت البعثة الرياضية الروسية إلى 15 فرداً مُنعوا من حمل علم بلادهم، وسُمح لهم بالمشاركة بصفتهم الفردية، في حين كانت البعثة الروسية في المناسبات السابقة من الأكبر (أكثر من 300 رياضي). وكما غاب بوتين، غاب أيضاً الرئيس الصيني شي جينبينغ، ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، والرئيس البرازيلي إيناسيو لولا دا سيلفا... كذلك، فإن حرب غزة كانت حاضرة من خلال الدعوة إلى منع مشاركة الوفد الإسرائيلي في الحفل الافتتاحي، بل في الفعاليات الرياضية.

ولأن اللجنة الأولمبية المسؤولة عن الدعوات رفضت الاستجابة إلى هذا الطلب، فقد اتُّهمت بـ«ازدواجية المعايير».

وخلال مباراة كرة القدم، التي تواجه خلالها الفريقان المالي والإسرائيلي، في ملعب «بارك دي برانس» في باريس، رُفعت الأعلام الفلسطينية وسُمعت أهازيج فلسطينية وصفير وتنديد بالفريق الإسرائيلي. ومن بين البعثات الرياضية كافّة، فإن البعثة الإسرائيلية تحظى بأكبر حماية بوليسية، إن في موضع سكنها أو خلال تنقلاتها ومشاركاتها الرياضية. وسارع رئيسا الجمهورية والحكومة ووزير الداخلية إلى الترحيب بالمشاركة الإسرائيلية وإلى التنديد بدعوة المقاطعة، في حين سارعت الهيئات القريبة من إسرائيل إلى التذكير بما حصل للفريق الرياضي الإسرائيلي خلال ألعاب ميونيخ في عام 1974.

البعثة السعودية لدى مرورها أمام المتفرجين وضيوف الحفل (أ.ف.ب)

المفاجأة الأولى

أرادت باريس، من خلال أولمبيادها، أن تدهش العالم... هذا ما دأب مسؤولوها على ترداده يوماً بعد يوم. ولذا، رُصد للأولمبياد ما يقارب سبعة مليارات يورو للإنشاءات الأولمبية ولتجميل العاصمة.

ولم يكن اختيار مجرى نهر السين، الذي يقسّم باريس إلى قسمين «شمال وجنوب» للحفل الافتتاحي إلا لغرض إبراز الانقطاع عما عرفته الأولمبيادات السابقة، خصوصاً من أجل إبراز الإرث التاريخي العمراني والحضاري والمعماري للعاصمة التي نشأت على ضفتي النهر. ذلك أن التطواف في نهر السين لـ94 مركباً، التي حملت جانباً كبيراً من أفراد 204 بعثات أولمبية (ما يقارب 8 آلاف و500 شخص)، لمسافة نهرية تزيد على ستة كلم؛ دفع إلى الواجهة أبرز المحطات الباريسية، التي يتعيّن على كل زائر للمدينة أن يعرفها؛ أكان ذلك «كاتدرائية نوتردام»، ومبنى «بلدية باريس»، وصولاً إلى جزيرتي «سان لويس»، و«لا سيتيه»، و«جسر الفنون» (لو بون دي زار أو جسر العشاق)، ومتحف «اللوفر»، وقصر «التويليري»، وامتداداً إلى مبنى «الجمعية الوطنية»، وقصر «كي دورسيه» (وزارة الخارجية)، فضلاً عن «متحف أورسي» وبرج إيفل. وانتهى المسار تحت أقدام ساحة تروكاديرو الشهيرة وحديقتها المطلة مباشرة على نهر السين؛ إذ كانت الوفود الرسمية التي تقدمها الرئيس إيمانويل ماكرون.

ويمكن اعتبار المشاهدين الـ320 ألفاً الذين توفّرت لهم الفرصة لمشاهدة التطواف مباشرة من مقاعدهم على ضفتي نهر السين من المحظوظين. بيد أنهم لم يكونوا وحدهم مَن تمتع بهذه المشاهد؛ إذ إن الاحتفالية نُقلت مباشرة على شاشات التلفزة في العالم كله، إذ قُدّر أن هناك ما بين مليار ومليار ونصف المليار مشاهد تابعوا التطواف في نهر السين، وما رافقه من أنشطة وفعاليات فنية وموسيقية ولوحات راقصة، قدّمها ما لا يقل عن 3 آلاف فنان وراقص وموسيقي، وبمشاركة أسماء عالمية دُعيت خصوصاً إلى هذه المناسبة.

ماكرون: كل شيء جاهز

قبل الموعد الحاسم، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في مقطع مصور نشره على موقع «إكس» للتواصل الاجتماعي: «كل شيء جاهز»، مشيراً بشكل خاص إلى الإجراءات الاستثنائية التي عمدت الأجهزة المعنية إلى اتخاذها. وأكد وزير الداخلية «المستقيل» جيرالد دارمانان، من جانبه، أن الاستعدادات قد تمت، وأنه لا يوجد أي «تهديد محدد» لحفل الافتتاح أو المنافسات.

وفي هذا السياق، لجأت السلطات، في إطار عملية أمنية واسعة النطاق، إلى الصلاحيات التي أقرها قانون مكافحة الإرهاب، ووضعت 155 شخصاً قيد إجراءات المراقبة الصارمة التي تحد من تحركاتهم كثيراً.

كذلك عمدت إلى تجميع الأشخاص الذين يفترشون الشوارع والساحات وأخرجتهم من العاصمة إلى مراكز خارجها، في حين فرضت داخل باريس، خصوصاً في المناطق القريبة من مجرى السين والساحات الرئيسية، مثل: «التروكاديرو» و«الكونكورد» و«الأنفاليد»؛ تدابير استثنائية، إن للمشاة خصوصاً السيارات. ولكن على الرغم من ذلك، جاءت مفاجأة من العيار الثقيل لتذكّر المسؤولين أن سد الثغرات كافّة ليس بالعمل السهل.

وقد برز ذلك مع الأعمال التخريبية، التي ضربت صبيحة يوم الجمعة شبكة القطارات السريعة من خلال إشعال مجموعة حرائق استهدفت صناديق الإشارة التي تتحكم بسير القطارات.

وسارع المسؤولون الرسميون وممثلو الأحزاب السياسية بمختلف مشاربها إلى التنديد بالعمل التخريبي، وعمدت النيابة العامة إلى فتح تحقيق قضائي لاستجلاء ظروف ما حدث. ووصف رئيس الوزراء الفرنسي غابرييل أتال الهجمات بأنها «أعمال تخريب منسّقة».

وغرّد عبر منصة «إكس»، قائلاً إن آثار الهجوم على شبكة السكك الحديدية في يوم افتتاح دورة الألعاب الأولمبية ضخمة وحادة. وأضاف: «تمّت تعبئة أجهزة المخابرات ووكالات إنفاذ القانون، للعثور على الجناة في هذه الأعمال الإجرامية ومعاقبتهم». وقال دارمانان إن الأعمال التخريبية «ليست لها نتائج مباشرة على الحفل الافتتاحي ولا على الفعاليات الرياضية»، مشيراً، في المقابل، إلى أن هناك أكثر من 50 ألف رجل أمن، بالإضافة إلى العسكريين الذين يسهرون على سلامة الافتتاح.

وقال ديفيد لابارتيان، رئيس اللجنة الأولمبية الفرنسية، إن الرياضيين المشاركين في الفعاليات وصلوا جميعهم إلى مواقعهم. وحتى عصر الجمعة، رفض أي مسؤول فرنسي توجيه أصابع الاتهام إلى أي جهة، والدعوة إلى انتظار نتائج التحقيق الذي بدأته الأجهزة الأمنية. بيد أن مصادر أخرى أشارت إلى احتمال ضلوع مجموعات يسارية متشددة أو أخرى بيئوية متطرفة في الأعمال التخريبية التي أضرّت بما لا يقل عن 800 ألف مسافر، بينهم الأكثرية الساحقة التي كانت تتحضّر للذهاب إلى المنتجعات في إطار العطلة الصيفية. واعترف المسؤولون عن الشبكة بعجزهم عن حماية 30 ألف كلم من الخطوط الحديدية.

قناصة فوق الأسطح... وغطاسون في مياه السين

منذ ما بعد الظهر، كانت شبكة الأمان قد انتشرت تماماً في منطقة التطواف النهري. والصعوبة الأولى، وفق المصادر الأمنية، كانت تكمن في تأمين الحماية لمسافة 12 كلم على ضفتي نهر السين، إن من خلال تفتيش المنازل والأقبية والأبنية القائمة على جانبي النهر، أو التعرّف إلى هويات الأشخاص الذين يسكنون في شققها. فضلاً عن ذلك، كان على الأجهزة أن تنشر قناصتها على أسطح البنايات لتدارك أي عملية إطلاق نار على الوفود الرسمية، كما حصل في إطلاق النار على الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، في مناسبة مهرجان انتخابي. واستبقت الأجهزة الأمنية بداية التطواف النهري بعملية تفتيش واسعة ودقيقة، أسهمت فيها الكلاب البوليسية للمراكب التي شاركت في الافتتاح، والتي حملت أفراد البعثات الرياضية. بيد أن الهم الأكبر الآخر تمثّل في توفير الحماية الجوية للافتتاح. ولذا، مُنع تحليق أي طائرة في دائرة قطرها 150 كلم حول العاصمة؛ ما شلّ حركة الطيران في مطاري باريس الرئيسيين: «رواسي شارل ديغول» في شمال العاصمة، و«أورلي» جنوبها.

ووُضع الطيران الحربي في حالة تأهب لإسقاط أي طائرة أو مروحية تنتهك الإجراءات المشار إليها.

إلا أن للقلق مصدراً آخر هو المسيرات. لذا، فقد تم إيجاد مركز تنسيق لمواجهتها في قاعدة «فيلاكوبليه» الجوية الواقعة جنوب العاصمة ومهمته القضاء، بكل الوسائل المتاحة، على أي تهديد يمكن أن تشكّله أي مسيرة أكانت مثلاً حاملة لعلم من الأعلام أو أن تكون مفخخة. وعُلم أن مجموعة كبيرة من القناصة الذين تقوم مهمتهم على إسقاط هذه المسيّرات سيتم نشرهم إلى جانب وسائل الدفاع الجوي التقليدية.

التطلّع إلى السماء

ليس سراً أن باريس تسعى دوماً، في كل ما تفعله، إلى أن تكون متميزة. ولأنها انتظرت مائة عام لتنظم الأولمبياد الصيفي، فإنها أرادت الحدث انعكاساً لتميّزها وفرادتها. من هنا، أهمية الاستثنائية التي أُفردت للجوانب الجمالية والفنية، الأمر الذي برز في اللوحات الاستعراضية، بداية مع المراكب التي مخرت نهر السين، وما رافقها من أنشطة فنية، وأخيراً في الحفل الغنائي والألعاب النارية التي اختتم بها الحفل الافتتاحي. كما استمتع المشاهدون بلوحات فنية أداها فنانون من على أسطح عدة أبنية تطل على مجرى السين أو على نوافذ بعض الشقق. بيد أن العديد من هذه الأنشطة كانت رهن حالة الطقس المتأرجحة بين الماطرة والغائمة. ووفق تخطيط مصممي الاحتفال، فإن الغرض من بدء الاحتفال في الساعة السابعة والنصف بتوقيت باريس (أي قبل غياب الشمس)، وانتهائه قبل منتصف الليل، كان الجمع بين الليل والنهار في حركة انسيابية وانسجامية ذات أبعاد فنية كثيرة.