عندما كتب بيرسي بيش شيلي قصيدته الشهيرة «الملكة ماب»، كان يحث القُراء على أن يعيشوا اللحظة الحالية، ولا يفكروا فيما حدث أو ما كان يمكن أن يحدث، فقال: «لا تخف من المستقبل، ولا تبك على الماضي». لكن هذا البيت الشهير يلخص أيضاً المسيرة القصيرة للغاية للاعب خط وسط منتخب فرنسا ونادي باريس سان جيرمان، وارن زاير إيمري.
فمع تأهل فرنسا بالفعل لنهائيات كأس الأمم الأوروبية 2024، وفي ظل غياب ثنائي ريال مدريد، أوريليان تشواميني وإدواردو كامافينغا، بسبب الإصابة، استدعى المدير الفني لمنتخب فرنسا، ديدييه ديشامب، اللاعب البالغ من العمر 17 عاماً لخوض آخر مباراتين في التصفيات، ضد جبل طارق واليونان. لقد كان صعود زاير إيمري في عالم كرة القدم سريعا بشكل ملحوظ، حيث لعب أول مباراة مع الفريق الأول لباريس سان جيرمان في أغسطس (آب) 2022، ليصبح أصغر لاعب في تاريخ النادي على الإطلاق بعمر 16 عاماً و151 يوماً. ولعب مؤخرا أول مباراة له مع منتخب فرنسا تحت 21 عاماً، بل وتم اختياره قائدا للفريق من قبل المدير الفني تييري هنري.
وعندما خاض زاير إيمري مباراته الدولية الأولى ضد جبل طارق يوم السبت الماضي، أصبح أصغر لاعب يشارك مع منتخب فرنسا الأول - ويسجل هدفاً - منذ عام 1914. وكانت هذه المباراة بمثابة تجربة حلوة ومرة في نفس الوقت بالنسبة للاعب المراهق، حيث سجل هدفاً رائعاً بعد مرور 16 دقيقة، بعد تسلم الكرة بشكل رائع وتبادلها مع كينغسلي كومان، لكنه تعرض لإصابة في الكاحل ستبعده عن الملاعب لما تبقى من عام 2023.
لقد كان الظهور الأول لزاير إيمري في المباراة التي انتهت بفوز فرنسا بـ 14 هدفا دون رد، قصيراً - وضد منافس ضعيف - لكنه أظهر أن لديه القدرات والإمكانات التي تؤهله ليكون أفضل من باقي الخيارات المتاحة أمام ديشامب في مركز محور الارتكاز. لقد كوفئ لويس إنريكي، المدير الفني الجديد لباريس سان جيرمان، على إظهار ثقته في هذا اللاعب الشاب، الذي يُعد أفضل لاعب في النادي الباريسي في الموسم الحالي بعد كيليان مبابي. وقال المدير الفني لباريس سان جيرمان: «من السهل تدريب لاعب مثله، فأفضل صفة فيه هي تواضعه».
قام لويس إنريكي بتصعيد زاير إيمري للفريق الأول هذا الموسم، ودفع به في التشكيلة الأساسية في جميع مباريات باريس سان جيرمان تقريباً، لكن إيمري لم يكن الوحيد الذي أُعجب بموهبة وشخصية هذا اللاعب الشاب. فعلى الرغم من أنه من المعروف عن كريستوف غالتييه أنه لا يثق كثيرا في اللاعبين الشباب، فإنه قال عن زاير إيمري الموسم الماضي: «إذا كان اللاعب البالغ من العمر 16 عاماً ونصفاً أكثر قدرة على اللعب من الآخرين، فسوف يلعب».
وعندما منح غالتييه زاير إيمري فرصة خوض أول مباراة مع الفريق الأول لباريس سان جيرمان، فقد فعل ذلك بسبب غياب عدد كبير من اللاعبين بسبب الإصابات والإيقافات، بالإضافة إلى تراجع مستوى بعض لاعبي خط الوسط الآخرين. لكن كما هو الحال مع ديشامب، فقد رأى غالتييه دليلاً قوياً وثابتاً على أن زاير إيمري قادر على لعب دور مهم مع الفريق. تألق زاير إيمري مع ناديه خلال العام الماضي - بما في ذلك حصوله على لقب أفضل لاعب في المباراة التي فاز فيها باريس سان جيرمان على ميلان في دوري أبطال أوروبا - لذلك كان هناك الكثير من الترقب والتوقعات قبل مباراة جبل طارق في نهاية الأسبوع.
وبالفعل، كان أداؤه في تلك الأمسية يرقى إلى مستوى التوقعات، حيث أظهر استعداداً كبيراً لتحمل المخاطر في التدخلات والتقدم للأمام عندما يكون فريقه مستحوذا على الكرة. وبناءً على هذا، فهو يتمتع بالنضج الذي يمكنه من اللعب في خط وسط منتخب بحجم وقيمة المنتخب الفرنسي. لقد كان ديشامب متردداً في منح اللاعبين ظهورهم الأول مع منتخب فرنسا في سن مبكرة جداً. واضطر كل من مبابي وكينغسلي كومان وعثمان ديمبيلي إلى الانتظار لفترة أطول، وبينما يتألقون في أدوار هجومية أكثر حرية، فإن مهام واختصاصات ومسؤوليات زاير إيمري في قلب خط الوسط مختلفة تماماً.
من المؤكد أن المباراة أمام جبل طارق قد حُسمت مبكرا بعد هدف من نيران صديقة وحصول لاعب على بطاقة حمراء في أول 20 دقيقة، لكن كان من الواضح للجميع أن زاير إيمري يتمتع بنضج كبير ويمتلك القدرة على التعامل مع الكرة بشكل مثير للإعجاب. في الحقيقة، يمتلك زاير إيمري القدرات والإمكانات التي تؤهله لأن يكون محور خط وسط هذا الفريق، وهو المركز الذي يواجه فيه ديشامب صعوبات كبيرة بعد اعتزال بليز ماتويدي، وإيقاف بول بوغبا، وتراجع مستوى نغولو كانتي. هناك خيارات أخرى أمام المدير الفني، مثل كامافينغا وتشواميني، لكن لا يستطيع أي منها أن يقوم بنفس الدور المتقن الذي يقوم به زاير إيمري، نظرا لأنه قادر على استعادة الكرة وإعادة توزيعها، وهو الأمر الذي يمنح مهاجمي فرنسا مزيداً من الحرية في الأمام، والأهم من ذلك أنه يضمن مشاركة أنطوان غريزمان بشكل أكبر في الهجوم.
لقد لعب غريزمان بشكل جيد في خط الوسط في مونديال قطر، لكنه يكون أكثر فعالية عندما يشارك بشكل أكبر في الهجوم، حيث يمكنه التأثير على سير المباراة بشكل مباشر والقيام بأدوار لا يستطيع مبابي وديمبيلي القيام بها. وإذا استمر زاير إيمري في التحسن والتطور، فسيكون لدى فرنسا خط وسط أكثر توازناً. فإذا لعب زاير إيمري إلى جانب رابيو أو يوسف فوفانا ضد المنافسين الأقل قوة، أو إلى جانب تشواميني صاحب القدرات الدفاعية الأكبر أمام المنتخبات الأقوى، فإن فرنسا ستكون فريقاً أكثر اكتمالاً. لقد قاد ديشامب فرنسا للوصول إلى المباراة النهائية في ثلاث من آخر أربع بطولات كبرى، ومن الواضح أن استدعاءه زاير إيمري قبل سبعة أشهر من انطلاق بطولة كأس الأمم الأوروبية يعني أنه يعمل على إعداد هذا اللاعب الشاب الرائع ليكون عنصرا أساسيا في صفوف الديوك الفرنسية في ألمانيا.
* خدمة «الغارديان»