رئيس «أرامكو» يتوقع زيادة الطلب على النفط بمقدار 1.3 مليون برميل يومياً هذا العام

قال إنه من المبكر الحديث عن تأثير العقوبات الأميركية الجديدة على ناقلات النفط الروسية

الرئيس التنفيذي لـ«أرامكو» متحدثاً في «دافوس 2025» (الشرق الأوسط)
الرئيس التنفيذي لـ«أرامكو» متحدثاً في «دافوس 2025» (الشرق الأوسط)
TT

رئيس «أرامكو» يتوقع زيادة الطلب على النفط بمقدار 1.3 مليون برميل يومياً هذا العام

الرئيس التنفيذي لـ«أرامكو» متحدثاً في «دافوس 2025» (الشرق الأوسط)
الرئيس التنفيذي لـ«أرامكو» متحدثاً في «دافوس 2025» (الشرق الأوسط)

قال الرئيس التنفيذي لشركة «أرامكو السعودية» أمين الناصر، يوم الثلاثاء، إنه يرى سوق النفط في حالة صحية، ويتوقع زيادة الإنتاج بمقدار 1.3 مليون برميل يومياً هذا العام.

كان الناصر يتحدث لـ«رويترز» على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، حول تأثير قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن الطاقة، التي قد تزيد إنتاج الهيدروكربون.

وقال الناصر إن الطلب على النفط هذا العام سيقترب من 106 ملايين برميل يومياً بعد أن بلغ في المتوسط ​​نحو 104.6 مليون برميل يومياً في عام 2024. وأضاف: «ما زلنا نعتقد أن السوق صحية... في العام الماضي بلغ متوسطنا نحو 104.6 مليون برميل (يومياً)، هذا العام نتوقع طلباً إضافياً بنحو 1.3 مليون برميل... لذا هناك نمو في السوق».

وفي شأن العقوبات الأميركية الجديدة التي فُرضت على قطاع الطاقة في روسيا، قال الناصر: «سننتظر ونرى كيف ستترجم العقوبات على روسيا إلى تضييق في السوق. لا نزال في مرحلة مبكرة».

وفي رده على ما إذا كانت الصين والهند تسعيان لزيادة كميات النفط، قال: «إن الوضع لا يزال في مرحلة مبكرة... إذا نظرت إلى البراميل المتأثرة، فأنت تتحدث عن أكثر من مليوني برميل. سننتظر ونرى كيف سيترجم ذلك إلى ضيق في السوق، فهو لا يزال في المرحلة المبكرة».

وعندما سُئل عمّا إذا كانت الصين والهند طلبتا كميات إضافية من النفط من السعودية على خلفية العقوبات، قال الناصر إن «أرامكو» ملتزمة بالمستويات التي تسمح لها وزارة الطاقة في المملكة بضخها.

وأضاف: «إن المملكة ووزارة الطاقة تبحثان دائماً عن موازنة السوق. يأخذون ذلك في الاعتبار عندما يعطوننا هدفاً بشأن الكمية التي يجب أن نضعها في السوق».

وأشار الناصر إلى أن «أرامكو» تعمل مع «ميد أوشن»، وهي شركة للغاز الطبيعي المسال استحوذت فيها على حصة 51 في المائة، و«تتطلع إلى توسيع موقفنا عالمياً في الغاز الطبيعي المسال».

فوائد الذكاء الاصطناعي

إلى ذلك، أكد الناصر خلال مشاركته في إحدى جلسات المنتدى، أنه من الضروري بناء بنية تحتية متكاملة على مدار سنوات طويلة، للاستفادة الكاملة من فوائد الذكاء الاصطناعي. وأوضح أن هذه البنية لا تقتصر فقط على الألياف الضوئية والقدرات الحوسبية والنماذج اللغوية الكبيرة؛ بل تشمل أيضاً تطوير المهارات والكفاءات البشرية التي تمتلك الفهم العميق لهذه التقنيات.

وأشار إلى أن واحدة من كبرى الفرص التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، تتمثل في تقليل التآكل الذي يؤثر على مختلف الصناعات. وأوضح أنه يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات المتقدمة ومعرفة أماكن التآكل، مما يسهم في تقليل التكلفة الإجمالية التي تقدر بـ3 تريليونات دولار. ويعد هذا التحليل جزءاً من جهود «أرامكو» المستمرة لتبني حلول تكنولوجية مبتكرة لتحسين العمليات الصناعية.

وأشار إلى واحدة من كبرى الفرص التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، والتي تتمثل في تقليل التآكل الذي يؤثر على مختلف الصناعات.

وأوضح أنه يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات المتقدمة، ومعرفة أماكن التآكل، مما يسهم في تقليل التكلفة الإجمالية التي تقدَّر بـ3 تريليونات دولار. ويعد هذا التحليل جزءاً من جهود «أرامكو» المستمرة لتبني حلول تكنولوجية مبتكرة لتحسين العمليات الصناعية.

وبيَّن أن «أرامكو» تستثمر بكثافة في الطاقة المتجددة، قائلاً: «نحتاج إلى إدارة الشبكة بشكل جيد، وحالياً نستخدم طرقاً آلية لذلك، ومع الذكاء الاصطناعي سنتمكن من إدارة عبء الطاقة وخفض التكاليف».

كما أضاف الناصر أن «أرامكو» تعتمد على النماذج اللغوية الكبيرة (الميتا برين) التي تستخدم أكثر من 7 مليارات نقطة بيانات، وأيضاً تعمل على تطوير نموذج لغوي يحتوي على تريليون نقطة بيانات. وأوضح أنه يتم تدريب الموظفين بشكل دوري على هذه النماذج، لضمان قدرتهم على استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل فعال في مختلف مجالات العمل داخل الشركة.

وفي سياق التحول الرقمي، أوضح الناصر أن «أرامكو» أسَّست في عام 2023 شركة «أرامكو الرقمية» التي تعمل بشكل مستقل عن الشركة الأم. وتهدف إلى تعزيز التقنيات الرقمية؛ حيث تعتمد أسلوب عمل يتطلب تدريباً خاصاً وتطويراً مستمراً للموظفين. وأضاف أن هذه الخطوة مهمة لتحقيق التحول الرقمي ودفع عجلة الابتكار في مختلف المجالات.

وفي الختام، أكد الناصر ضرورة ضمان العدالة التكنولوجية على مستوى العالم، لضمان وصول الجميع إلى التقنيات الحديثة. وأشار إلى أن الفجوة التقنية بين الدول تتسع بشكل مستمر إذا لم يتم توفير الفرص التكنولوجية للجميع، وهو ما قد يؤدي إلى «الفقر التقني»، وزيادة فجوة الثروة على المدى البعيد. وأضاف أن الأمن السيبراني يشكل تحدياً رئيسياً في هذا السياق؛ حيث يجب ضمان بيئة آمنة وموثوقة للحفاظ على البيانات، وحماية البنية التحتية الحيوية من المخاطر المستقبلية.


مقالات ذات صلة

السندات البريطانية في 2026... رهان العائد الهادئ في سوق مضطربة

الاقتصاد عملات معدنية من الجنيه الإسترليني (رويترز)

السندات البريطانية في 2026... رهان العائد الهادئ في سوق مضطربة

تشير بوصلة الاستثمار العالمي نحو المملكة المتحدة في عام 2026 حيث يُجمع كبار محللي بنوك الاستثمار على أن السندات البريطانية ستكون «الحصان الأسود» بالأسواق.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد رئيس اتحاد «كيدانرين» للعمال يستقبل رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي لدى زيارتها لمؤتمر الاتحاد في العاصمة طوكيو (أ.ف.ب)

اليابان تسعى إلى المواءمة بين الانضباط المالي وتشديد السياسة النقدية

تسعى الحكومة اليابانية إلى طمأنة الأسواق بشأن قدرتها على ضبط أوضاع المالية العامة بالتوازي مع تحول تدريجي في السياسة النقدية

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الاقتصاد سيدة تستعد لالتقاط صورة تذكارية مع زينة العام الجديد في أحد الشوارع التجارية بالعاصمة الصينية بكين (أ.ف.ب)

المؤشرات الصينية ترتفع مع عطلة الأعياد

واصلت أسهم البر الرئيسي الصيني مكاسبها يوم الخميس، حيث سجل مؤشر شنغهاي الرئيسي جلسة رابحة للجلسة السابعة على التوالي.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد العاصمة السعودية الرياض (واس)

كيف تواجه أسواق الخليج الديون المتعثرة دون صدمات؟

في وقتٍ تحافظ فيه اقتصادات الخليج على مستويات مرتفعة من السيولة يبرز ملف الديون المتعثرة وإعادة الهيكلة بوصفه أحد المؤشرات الدقيقة على متانة النظام المالي.

زينب علي (الرياض)
الاقتصاد ميناء الملك عبد العزيز بالدمام (واس)

ارتفاع الصادرات غير النفطية السعودية 32.3 % في أكتوبر

سجّلت الصادرات غير النفطية في السعودية (شاملة إعادة التصدير) ارتفاعاً بنسبة 32.3 في المائة خلال شهر أكتوبر 2025 مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2024.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

تقدم قوي في أداء التجارة الخارجية بارتفاع الصادرات السعودية غير النفطية

ميناء الملك عبد الله في السعودية (الشرق الأوسط)
ميناء الملك عبد الله في السعودية (الشرق الأوسط)
TT

تقدم قوي في أداء التجارة الخارجية بارتفاع الصادرات السعودية غير النفطية

ميناء الملك عبد الله في السعودية (الشرق الأوسط)
ميناء الملك عبد الله في السعودية (الشرق الأوسط)

أظهرت بيانات حديثة تقدماً قوياً في أداء التجارة الخارجية للسعودية، بما يعكس نجاح سياسات تنويع الاقتصاد وتعزيز الصادرات غير النفطية التي شهدت ارتفاعاً (شاملة إعادة التصدير) خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بنسبة 32.3 في المائة، على أساس سنوي.

وتكشف البيانات الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء، الخميس، عن زيادة الصادرات الوطنية غير النفطية بنسبة 2.4 في المائة، والصادرات السلعية الإجمالية بنسبة 11.8 في المائة، ما أسهم في زيادة الفائض في الميزان التجاري 47.4 في المائة على أساس سنوي.

وارتفعت قيمة السلع المعاد تصديرها إلى ما نسبته 130.7 في المائة في أكتوبر، وذلك نتيجة لزيادة «معدات النقل وأجزائها» 387.5 في المائة (تُمثل 37.4 في المائة من إجمالي إعادة التصدير).

الميزان التجاري

البيانات أفصحت عن زيادة الصادرات السلعية في أكتوبر بنسبة 11.8 في المائة، مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي. كما ارتفعت الصادرات النفطية 4 في المائة التي انخفضت من مجموع الصادرات الكلي 72.5 في المائة خلال هذا الشهر من 2024، إلى 67.4 في المائة في أكتوبر الماضي.

وعلى صعيد الواردات، فقد ارتفعت في أكتوبر 2025 بنسبة 4.3 في المائة، وعند النظر للميزان التجاري السلعي، فقد زاد الفائض 47.4 في المائة مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي.

ويرى مختصون لـ«الشرق الأوسط»، أن هذا الأداء المتسارع في حجم الصادرات والواردات، يعكس نجاح تنويع القاعدة التصديرية للمملكة، وتعزيز متانة الاقتصاد الوطني، وترسيخ موقع السعودية لاعباً مؤثراً في التجارة العالمية.

تنويع الاقتصاد

وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز، الدكتور سالم باعجاجة إنه يلاحظ في بيانات الهيئة العامة للإحصاء قفزة كبيرة في الصادرات غير النفطية بنحو 32.3 في المائة خلال أكتوبر، بدعم قوي من إعادة التصدير التي تقود هذا النمو.

وتابع أن ارتفاع الصادرات غير النفطية في أكتوبر يعكس قوة الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل، وخطوات المملكة الثابتة نحو مستقبل مزدهر يقوده العمل والتخطيط المحكم.

ووفق الدكتور سالم باعجاجة، فهذه القفزة في الصادرات غير النفطية يُعد تحولاً هيكلياً في الاقتصاد، ويؤكد نجاح سياسة المملكة في تنويع الاقتصاد، وعدم الاعتماد على الأنشطة النفطية.

الخدمات اللوجيستية

بدوره، أكّد المختص في الشأن الاقتصادي، أحمد الجبير، لـ«الشرق الأوسط»، أهمية التسهيلات المقدمة إلى القطاع الخاص المحلي لزيادة انتشار المنتجات الوطنية في الأسواق الخارجية، بما يُحقق المصالح المشتركة في ارتفاع نمو أرباح الشركات والمؤسسات، بما يتوافق أيضاً مع سياسة المملكة في تنويع مصادر الدخل ونمو إسهام القطاع غير النفطي في الاقتصاد الوطني.

وتطرّق الجبير إلى التحول الشامل في الخدمات اللوجيستية بالسعودية وتطورات مناطق الشحن، سواءً الجوية، والبحرية، وكذلك البرية؛ حيث استطاعت هذه الممكنات ضخ مزيد من المنتجات المصدرة إلى الأسواق العالمية.

المعدات الكهربائية

وفي تفاصيل بيانات الهيئة العامة للإحصاء، فقد تصدّرت الآلات والأجهزة والمعدات الكهربائية وأجزاؤها قائمة الصادرات غير النفطية، مستحوذة على 23.6 في المائة من إجمالي الصادرات غير النفطية، تلتها منتجات الصناعات الكيميائية بنسبة 19.4 في المائة.

وعلى صعيد الواردات، جاءت الآلات والأجهزة والمعدات الكهربائية وأجزاؤها في المرتبة الأولى بنسبة 30.2 في المائة من إجمالي الواردات، مسجلة ارتفاعاً بنسبة 26.3 في المائة مقارنةً بأكتوبر 2024، تلتها معدات النقل وأجزاؤها التي شكّلت 12.1 في المائة من إجمالي الواردات، مع انخفاضها بنسبة 22.9 في المائة على أساس سنوي.

وحافظت الصين على موقعها بصفتها الشريك التجاري الأول للمملكة في الصادرات والواردات، إذ شكّلت 14.1 في المائة من إجمالي الصادرات، و24.8 في المائة من إجمالي الواردات، فيما استحوذ أهم 10 شركاء تجاريين للمملكة على 70.4 في المائة من إجمالي الصادرات، و67.7 في المائة من إجمالي الواردات.

وعلى مستوى المنافذ الجمركية، جاء ميناء الملك عبد العزيز بالدمام في الصدارة، مستحوذاً على 25.7 في المائة من إجمالي الواردات.


مصرف سوريا المركزي يحدد بداية يناير المقبل لإطلاق العملة الجديدة

مقر مصرف سوريا المركزي في دمشق (إكس)
مقر مصرف سوريا المركزي في دمشق (إكس)
TT

مصرف سوريا المركزي يحدد بداية يناير المقبل لإطلاق العملة الجديدة

مقر مصرف سوريا المركزي في دمشق (إكس)
مقر مصرف سوريا المركزي في دمشق (إكس)

حدد حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر الحصرية، الأول من يناير (كانون الثاني) 2026 موعداً لإطلاق العملة السورية الجديدة وبدء عملية استبدال العملة القديمة، مؤكداً أن العملية ستكون «سلسة ومنظمة»، وأن آليتها ستُشرح «بكل وضوح وشفافية».

وقال الحصرية، في بيان صدر اليوم، إن صدور المرسوم رقم 293 لعام 2025 الخاص بـ«ولادة العملة السورية الجديدة»، يمثل «محطة وطنية مفصلية» تعكس بداية مرحلة اقتصادية ونقدية جديدة.

وأضاف أن المرسوم منح المصرف الصلاحيات اللازمة لتحديد مهل التبديل ومراكزه «بما يضمن حسن التنفيذ وسلاسة الإجراءات»، مشيراً إلى أن التعليمات التنفيذية الناظمة ستصدر بقرار من حاكم المصرف، مع التركيز على خدمة المواطنين وتسهيل الإجراءات عليهم في مختلف المناطق.

وأكد الحصرية، حسب ما نقلته وكالة أنباء سوريا (سانا)، أن تفاصيل عملية التبديل ستُعلن بشكل واضح وشفاف خلال مؤتمر صحافي مخصص، بما يعزز الثقة ويكرّس الشراكة مع المواطنين، لافتاً إلى استمرار مصرف سوريا المركزي في العمل خلال أيام 25 و26 و27 ديسمبر (كانون الأول) لمتابعة التحضيرات اللازمة لإطلاق العملية.

عبد القادر الحصرية حاكم مصرف سوريا المركزي (سانا)

ووصف حاكم مصرف سوريا المركزي العملة السورية الجديدة بأنها «رمز للسيادة المالية بعد التحرير»، وعنوان لمرحلة جديدة تُبنى بتعاون الجميع وبإدارة المصرف المركزي، لتكون إنجازاً وطنياً يضاف إلى ما تحقق بعد التحرير، وخطوة «راسخة» نحو الاستقرار والنهوض الاقتصادي.

وأضاف أن الخطوة تمثل «لحظة مفصلية» في التاريخ المالي والاقتصادي للبلاد، للتعبير عن الوحدة والحضارة والتمسك بالسيادة المالية التي تجسدها العملة الجديدة.

وكان مصرف سوريا المركزي قد أوضح في 18 من شهر ديسمبر الحالي أنه سيعلن تفاصيل العملة الجديدة «في الوقت المناسب»، وحال اكتمال التجهيزات والترتيبات المطلوبة، مؤكداً أن جميع التعاملات المصرفية تسير مثل المعتاد دون أي تأثير على الخدمات المقدمة للمواطنين والمستثمرين.

وفي وقت سابق ذكر حاكم المصرف المركزي أن قرار تغير العملة درس بعناية ويجري العمل على توفير المتطلبات الفنية واللوجيستية، وضبط القاعدة النقدية لتجنب الآثار التضخمية.

وأوضح أن «لتبديل العملة رسائل مهمة، فعلى المستوى السياسي يعد تعبيراً عن استعادة السيادة، وعلى المستوى النقدي يسهم في تنظيم أفضل للوحدة النقدية، أما اقتصادياً فيشكل إشارة استقرار وجذب للاستثمار، فيما تنعكس آثاره اجتماعياً من خلال تخفيف عبء الأصفار عن الأسعار وتسهيل التعاملات».


السندات البريطانية في 2026... رهان العائد الهادئ في سوق مضطربة

عملات معدنية من الجنيه الإسترليني (رويترز)
عملات معدنية من الجنيه الإسترليني (رويترز)
TT

السندات البريطانية في 2026... رهان العائد الهادئ في سوق مضطربة

عملات معدنية من الجنيه الإسترليني (رويترز)
عملات معدنية من الجنيه الإسترليني (رويترز)

تشير بوصلة الاستثمار العالمي نحو المملكة المتحدة في عام 2026، حيث يُجمع كبار محللي بنوك الاستثمار على أن السندات البريطانية (Gilts) ستكون «الحصان الأسود» في الأسواق المالية. فبعد سنوات من التشدد النقدي، يترقب المستثمرون تراجعاً تدريجياً في تكاليف الاقتراض، مدفوعاً بآمال خفض أسعار الفائدة من قبل بنك إنجلترا.

المسار المتوقع لعوائد السندات السيادية

شهدت السندات البريطانية لأجل عشر سنوات تحولات حادة، حيث قفزت عوائدها مطلع عام 2025 إلى ذروة ستة عشر عاماً، ملامسةً مستوى 4.9 في المائة. جاء هذا الارتفاع مدفوعاً بتضافر عاملين: أولهما تنامي الهواجس بشأن وصول إصدارات الدين العام إلى مستويات قياسية، وثانيهما موجة التصحيح العنيفة (Sell-off) التي اجتاحت أسواق السندات العالمية آنذاك.

ومع ذلك، تشير التوقعات الاستشرافية إلى انعطافة في هذا المسار، حيث يُنتظر أن تتراجع العوائد لتستقر عند 4.32 في المائة بحلول نهاية عام 2026. ورغم أن وتيرة هذا التراجع تبدو «متحفظة» بالنظر إلى المستوى الحالي البالغ 4.49 في المائة، فإنها تحمل في طياتها دلالة استثمارية مهمة؛ فهي تضع السندات البريطانية في موقع الأفضلية من حيث الأداء النسبي مقابل سندات الخزانة الأميركية.

ففي الوقت الذي يتوقع فيه خبراء «وول ستريت» أن تراوح تكاليف الاقتراض الأميركية مكانها عند حدود 4.18 في المائة لأجل عشر سنوات، فإن الانخفاض المرتقب في العوائد البريطانية يمنحها هامشاً أوسع لتحقيق مكاسب رأسمالية، مما يعزز جاذبيتها في محافظ الاستثمار الدولية خلال المرحلة المقبلة.

وقال لوكا باوليني، كبير الاستراتيجيين في شركة «بيكتيه» لإدارة الأصول: «نتوقع أن تحقق السندات البريطانية أفضل عائد بين أسواق السندات الكبرى العام المقبل»، مشيراً إلى مزيج من خفض أسعار الفائدة من بنك إنجلترا، وتباطؤ النمو الاقتصادي، و«أوضاع مالية عامة أفضل مقارنة بغيرها».

ويأتي ذلك في وقت يتوقع فيه المحللون على نطاق واسع أن يبدأ بنك إنجلترا بخفض الفائدة تدريجياً طوال عام 2026، مع استمرار تراجع التضخم باتجاه الهدف البالغ 2 في المائة.

وإذا تحققت هذه التخفيضات، فقد تميل عوائد السندات البريطانية إلى الانخفاض، ما يوفر مكاسب رأسمالية محدودة إلى جانب تحسن العوائد الداخلية، مقارنة بفترة العوائد المتدنية للغاية التي سبقت جائحة «كوفيد - 19».

لكنّ صانعي السياسات حذروا من أن ضغوط التضخم، ولا سيما في قطاع الخدمات والأجور، لا تزال تشكل خطراً، وأن أي عودة لهذه الضغوط قد تحدّ من هامش خفض الفائدة وتُبقي العوائد مرتفعة لفترة أطول.

يمر المشاة أمام بنك إنجلترا في لندن (رويترز)

بين جاذبية العوائد وتفوق الأسهم

على الرغم من الأداء الإيجابي المتين الذي سجلته سوق السندات إجمالاً خلال عام 2025، حيث حقق مؤشر بلومبرغ الأميركي المجمع للسندات عائداً قارب 7 في المائة حتى أواخر شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، فإن هذه النتائج ظلت توصف بالمتواضعة عند وضعها في كفة المقارنة مع المكاسب المزدوجة التي حصدتها مؤشرات الأسهم الرئيسية، والتي تفوقت بوضوح في جذب شهية المخاطرة.

وفي سياق تحليل هذه الديناميكيات، أشار جيمس أذي، مدير الصناديق في شركة «مارلبورو» لإدارة الاستثمارات، إلى أن السندات البريطانية استعادت أخيراً قدرتها على توليد دخل مجدٍ للمستثمرين، مستدركاً أن فرضية العودة إلى مستويات العوائد المتدنية التي سادت حقبة ما قبل الجائحة تظل احتمالية مستبعدة إلى حد كبير.

واستطرد موضحاً أن مسار خفض أسعار الفائدة لن يؤدي بالضرورة إلى هبوط حاد في العوائد، وذلك نظراً لتقاطع ضغوط التضخم مع مخاطر ازدياد معروض الدين العام، الأمر الذي يعني استقرار العوائد عند مستويات قاعدية تفوق بكثير تلك التي اعتاد عليها المستثمرون إبان العقد الثاني من القرن الحالي.

من جهتها، قالت روث غريغوري، نائبة كبير الاقتصاديين البريطانيين في «كابيتال إيكونوميكس»: «بنك إنجلترا سيخفض الفائدة، لكنه سيفعل ذلك بحذر. وهذا يعني وجود بعض الضغوط النزولية على عوائد السندات البريطانية، ولكن من دون إعادة تسعير حادة».

وتتوقع «غولدمان ساكس» للأبحاث أن يقوم بنك إنجلترا بخفض أسعار الفائدة ثلاث مرات خلال النصف الأول من العام المقبل، ليصل سعر الفائدة الأساسي إلى 3 في المائة بحلول صيف 2026.

وفي محاولة لاستعادة ثقة الأسواق وتقليص علاوة المخاطر السياسية على تكاليف الاقتراض البريطانية، رفعت وزيرة المالية رايتشل ريفز، في موازنة نوفمبر، هامش الأمان الحكومي ضمن قواعد الاقتراض من 9.9 مليار جنيه إسترليني إلى 21.7 مليار جنيه.

وقد شهدت السندات البريطانية ارتفاعاً قبل الموازنة، على خلفية توقعات بهذا التحول الإيجابي للمستثمرين، وارتفعت أسعارها يوم إعلان الموازنة، مدعومة أيضاً بإعلان الحكومة نيتها تقليص مبيعات الديون طويلة الأجل على وجه الخصوص.

وتُعد مورغان ستانلي من أكثر المؤسسات تفاؤلاً بشأن السندات البريطانية في العام المقبل، مستندة إلى خفض أسعار الفائدة من بنك إنجلترا وتحسن ديناميكيات العرض والطلب - مع توقع بلوغ إصدارات السندات ذروتها في السنة المالية الحالية - حيث تستهدف عائداً عند 3.9 في المائة على السندات لأجل عشر سنوات بنهاية 2026.

في المقابل، يبدو «جيه بي مورغان» أكثر تشاؤماً، إذ يرى أن مخاطر حدوث تحدٍّ لقيادة حزب «العمال» بعد الانتخابات الإقليمية في مايو (أيار) المقبل قد تدفع تكاليف الاقتراض طويلة الأجل إلى الارتفاع، مع مطالبة المستثمرين بعلاوة مقابل حالة عدم اليقين. ويتوقع «جيه بي مورغان» أن يبلغ عائد السندات لأجل عشر سنوات نحو 4.75 في المائة بنهاية 2026.

آفاق الولايات المتحدة

تتسم التوقعات المستقبلية لسندات الخزانة الأميركية بقدر أكبر من التوازن والتعقيد خلال العام المقبل. فعلى الرغم من السياسة التيسيرية التي انتهجها الاحتياطي الفيدرالي، التي أفضت إلى تقليص سعر الفائدة الأساسي بنحو مائتي نقطة أساس على مدار الثمانية عشر شهراً الماضية، فإن عوائد الأوراق المالية ذات الآجال المتوسطة والطويلة أبدت مقاومة واضحة، وظلت مستقرة عند مستويات مرتفعة نسبياً.

وبناءً عليه، يتوقع المحللون أن تكون العوائد الأميركية أكثر صموداً مقارنة بنظيرتها البريطانية، مع احتمال استمرار التباعد بين السوقين. وستظل بيانات التضخم والسياسة المالية من العوامل الحاسمة في تحديد أداء سندات الخزانة.

وقالت بريا ميسرا، مديرة المحافظ في «جيه بي مورغان» لإدارة الأصول: «تواجه الولايات المتحدة مزيجاً فريداً من النمو القوي والإصدارات الضخمة جداً من الديون». وأضافت: «هذا يجعل من غير المرجح حدوث تراجع حاد في عوائد سندات الخزانة طويلة الأجل، حتى لو خفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة».

أوراق نقدية للجنيه الإسترليني والدولار الأميركي في هذه الصورة التوضيحية (رويترز)

سندات الشركات

شهد هذا العام عدداً من صفقات السندات الضخمة بشكل استثنائي من قبل شركات عالمية كبرى، ما يعكس توجه شركات التكنولوجيا والاتصالات على وجه الخصوص إلى أسواق الدين لتمويل استراتيجيات كثيفة رأس المال.

وكانت أبرز صفقة في العام من نصيب شركة «ميتا»، التي جمعت نحو 30 مليار دولار من خلال إصدار سندات متعددة الشرائح، في واحدة من أكبر صفقات السندات الفردية التي تنفذها شركة تكنولوجية على الإطلاق، وقد قوبلت بطلب قوي من المستثمرين.

وقد عكس ذلك ثقة السوق في قوة الميزانية العمومية لـ«ميتا»، وقدرتها على دعم الإنفاق الواسع على الذكاء الاصطناعي، ومراكز البيانات والبنية التحتية المرتبطة بها.

وتبعتها شركة «أوراكل» بإصدار سندات بنحو 18 مليار دولار، وُصف على نطاق واسع بأنه ثاني أكبر إصدار لسندات الشركات الأميركية في عام 2025، ما أتاح لها دعم توسعها في الحوسبة السحابية والخدمات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي.

وفي الوقت نفسه، أنهت شركة «ألفابت» المالكة لـ«غوغل»، إصدار سندات متعددة الشرائح مقومة باليورو بقيمة تقارب 6 إلى 7 مليارات يورو، ما عزز دور السوق الأوروبية بصفتها مصدر تمويل لشركات التكنولوجيا الأميركية.

وعكس إصدار «ألفابت» كلاً من شهية المستثمرين القوية للديون عالية الجودة، ورغبة الشركات المُصدِرة في تنويع مصادر التمويل بعيداً عن أسواق الدولار الأميركي.

كما برز قطاع الاتصالات بقوة، إذ نفذت شركة «فيرايزون» عدة صفقات سندات كبيرة خلال عام 2025، من بينها إصدارات هجينة في أسواق اليورو والجنيه الإسترليني.

وبالنظر إلى عام 2026، من المرجح أن تستمر سوق سندات الشركات في التأثر بالقوة نفسها التي دفعت الإصدارات الضخمة هذا العام.

ومن المتوقع أن تظل شركات التكنولوجيا والاتصالات من أبرز المقترضين، مع استمرار الإنفاق على الذكاء الاصطناعي، والطاقة الاستيعابية السحابية، ومراكز البيانات، والبنية التحتية للشبكات.

المخاطر

تمثل عودة التذبذبات في أسعار الفائدة التحدي الأكثر جوهرية الذي يواجه أسواق السندات خلال عام 2026؛ فبالرغم من المسار النزولي المفترض للفائدة الرسمية، فإن أي تحول مباغت في التوقعات التضخمية أو تبدل في النبرة التوجيهية للبنوك المركزية كفيل بإرباك جداول الإصدارات الزمنية.

وفي العرف الاستثماري، يبدي حائزو السندات مرونة أكبر تجاه العوائد المرتفعة مقارنة بحالة الضبابية وعدم اليقين؛ إذ إن أي عملية إعادة تسعير حادة وشيكة قد تفضي سريعاً إلى اتساع هوامش العوائد وانكماش ملحوظ في نشاط السوق الأولية. وعلاوة على ذلك، يبرز الاقتراض السيادي المكثف على أنه عامل ضغط إضافي، حيث إن وتيرة الإصدارات الحكومية المتصاعدة، لا سيما في الاقتصادين الأميركي والأوروبي، قد تسهم في رفع تكلفة التمويل الإجمالية على المصدرين كافة. ولا تزال الصدمات الجيوسياسية قائمة بوصفها متغيراً حرجاً قادراً على تقويض مستويات الثقة، وإضعاف شهية المخاطرة لدى المؤسسات الاستثمارية الكبرى.