نهاية رسمية لسيطرة روسيا على غاز أوروبا

اتفاقية النقل عبر أوكرانيا تنتهي اليوم… وسلوفاكيا والتشيك والنمسا أكبر المتضررين

أنبوب غاز بمقياس في محطة سوغا التابعة لشركة «غازبروم» الروسية (رويترز)
أنبوب غاز بمقياس في محطة سوغا التابعة لشركة «غازبروم» الروسية (رويترز)
TT

نهاية رسمية لسيطرة روسيا على غاز أوروبا

أنبوب غاز بمقياس في محطة سوغا التابعة لشركة «غازبروم» الروسية (رويترز)
أنبوب غاز بمقياس في محطة سوغا التابعة لشركة «غازبروم» الروسية (رويترز)

من المقرر أن تتوقف إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا في الأول من يناير (كانون الثاني) 2025، بعد انتهاء أجل اتفاقية العبور الحالية التي امتدت لخمس سنوات بين موسكو وكييف، ما يمثل خسارة شبه كاملة لموسكو التي كانت مهيمنة ذات يوم على سوق الغاز الأوروبية.

وخلال تلك الفترة أعادت الدول الأوروبية هيكلة قطاع الطاقة لديها، واستبدلت بالغاز الروسي الغازين الأميركي والقطري، وأكدت المفوضية الأوروبية، الثلاثاء، أن الاتحاد الأوروبي مستعد لانتهاء عبور الغاز الروسي عبر أوكرانيا، وذلك ردا على الانتقادات المستمرة من رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو.

وقالت متحدثة باسم المفوضية إن البنية التحتية للغاز في أوروبا مرنة بما يكفي لتزويد وسط وشرق أوروبا بالغاز من مصادر غير روسية عبر مسارات بديلة.

وأضافت: «إن تأثير وقف العبور عبر أوكرانيا على أمن الإمدادات في الاتحاد الأوروبي محدود».

وستوقف أوكرانيا، التي دخلت في حرب مع روسيا منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، عبور الغاز الروسي عبر أراضيها مع بداية العام الجديد. وكانت كييف قد أعلنت منذ فترة طويلة أنها لن تمدده. ويمثل وقف العبور مشكلة خاصة لسلوفاكيا.

ويتدفق نحو نصف الغاز الروسي إلى أوروبا عبر الطريق الأوكراني، أما الباقي فيجري توريده عبر خط أنابيب «ترك ستريم» الذي يمر من قاع البحر الأسود.

وتشهد إمدادات الغاز الطبيعي المُسال الروسي فائق التبريد المنقول بحراً، ارتفاعاً، وتستحوذ أوروبا على نحو نصف هذه الصادرات.

ولا توجد لدى الاتحاد الأوروبي خطط وشيكة لوقف شراء الغاز الطبيعي المُسال من روسيا، لكن التكتل قال إنه سيحاول الاستغناء عن الغاز الروسي بحلول 2027، بفضل ارتفاع الصادرات من النرويج والولايات المتحدة وقطر.

وفي رسالة إلى المفوضية الأوروبية في بروكسل يوم الأحد، كتب فيكو أن «القبول الضمني لقرار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الأحادي بوقف عبور الغاز الروسي هو قرار خاطئ وغير عقلاني، وسيؤدي إلى زيادة التوترات واتخاذ تدابير متبادلة».

وبحسب رأيه، فإن انقطاع عبور الغاز سيضر بالاتحاد الأوروبي أكثر من روسيا. ويوم الجمعة، هدد فيكو أوكرانيا بأن بلاده قد توقف إمدادات الكهرباء ردا على ذلك.

من جهته، وصف زيلينسكي تهديد فيكو بأنه «أمر من الكرملين». وكان فيكو قد زار الأسبوع الماضي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، وتعرض لانتقادات شديدة من الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا بسبب تلك الزيارة.

ووفقا للمفوضية، فقد تم العمل بالتنسيق مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على مدى أكثر من عام لإعداد سيناريو دون مرور الغاز الروسي عبر أوكرانيا وضمان إمدادات بديلة للدول الأعضاء المتأثرة.

وتم تعزيز البنية التحتية للغاز في أوروبا بقدرات استيراد كبيرة من الغاز الطبيعي المسال. كما أن إجراءات كفاءة الطاقة والتوسع في استخدام الطاقات المتجددة قد ساهمت أيضا في تعزيز أمن إمدادات الغاز في السنوات الأخيرة.

روسيا تبدأ تقليل الكميات

وقالت شركة «غازبروم» الروسية، إنها ستضخ كميات أقل من الغاز إلى أوروبا عبر أوكرانيا الثلاثاء، وهو آخر يوم قبل انتهاء أجل اتفاقية أبقت على تدفق الغاز طوال الحرب المستمرة منذ ما يقرب من ثلاث سنوات.

وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 26 ديسمبر (كانون الأول) إنه لا يوجد وقت كاف هذا العام لتوقيع اتفاقية جديدة لعبور الغاز عبر أوكرانيا.

وجهزت باقي الدول التي لا تزال تشتري الغاز الروسي، مثل سلوفاكيا وجمهورية التشيك والنمسا، إمدادات بديلة ولا يتوقع محللون تأثيرا يذكر على السوق جراء توقف تدفق الغاز الروسي.

وسجلت شركة «غازبروم»، المملوكة للدولة، نتيجة لذلك، خسارة قدرها 7 مليارات دولار في عام 2023 وحده، وهي أول خسارة سنوية لها منذ عام 1999.

وبالنسبة لأوروبا، أدى تراجع إمدادات الغاز الروسي الرخيص إلى تباطؤ الاقتصاد بشكل كبير وارتفاع التضخم وتفاقم أزمة تكلفة المعيشة.

ورغم أن أوروبا سارعت لتوفير مصادر طاقة بديلة، فإن فقدان الغاز الروسي يزيد المخاوف من تراجع قدرتها التنافسية في العالم على المدى الطويل، ولا سيما تلك المتعلقة بمستقبل ألمانيا الصناعي.

وشحنت روسيا نحو 15 مليار متر مكعب من الغاز عبر أوكرانيا في عام 2023، بما يمثل 8 في المائة فقط من تدفقات الغاز الروسي إلى أوروبا عبر طرق مختلفة في عامي 2018 و2019.

وقالت «غازبروم» إنها سترسل 37.2 مليون متر مكعب من الغاز يوم الثلاثاء، آخر يوم في 2024، مقارنة مع 42.4 مليون متر مكعب يوم الاثنين.


مقالات ذات صلة

«أدنوك» تنهي تمويلاً هيكلياً بـ11 مليار دولار لمشروع غاز في أبوظبي

الاقتصاد مشروع حقل «غشا» (الشرق الأوسط)

«أدنوك» تنهي تمويلاً هيكلياً بـ11 مليار دولار لمشروع غاز في أبوظبي

أعلنت شركة بترول أبوظبي الوطنية «أدنوك» إتمام صفقة تمويل هيكلي بقيمة تصل إلى 40.4 مليار درهم (11 مليار دولار).

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
الاقتصاد مشروع «سخالين 2» للغاز المسال (إكس)

أميركا تسمح بمبيعات النفط من مشروع «سخالين 2» الروسي حتى 18 يونيو

سمحت وزارة الخزانة الأميركية بمبيعات النفط من مشروع «سخالين 2» الروسي حتى 18 يونيو، في خطوة ستسمح باستمرار إنتاج الغاز الطبيعي المسال من المشروع.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد منصة غاز في حقل «ظهر» المصري (وزارة البترول المصرية)

بريطانيا تستثني حقل غاز «ظُهر» في مصر من العقوبات المفروضة على روسيا

أضافت بريطانيا حقل «ظُهر» للغاز في مصر، الذي تملك فيه شركة النفط الروسية العملاقة «روسنفت» حصة 30 في المائة، لقائمة المشروعات المعفاة من عقوباتها على روسيا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد أكبر مقر في أوروبا لتخزين الغاز بمدينة ريدين الألمانية (رويترز)

البرلمان الأوروبي يوافق على التخلص التدريجي من واردات الغاز الروسي بنهاية 2027

وافق البرلمان الأوروبي، الأربعاء، على خطة الاتحاد الأوروبي للتخلص التدريجي من واردات الغاز الروسي بحلول أواخر عام 2027.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
الاقتصاد وزراء الطاقة الأعضاء في منظمة «أوابك» (أوابك)

سوريا تتوقع أن يصل إنتاجها من الغاز إلى 15 مليون متر مكعب بنهاية 2026

قال وزير الطاقة السوري، إن سوريا تتوقع ارتفاع إنتاجها من الغاز الطبيعي إلى 15 مليون متر مكعب بحلول نهاية عام 2026، مقارنة بنحو 7 ملايين متر مكعب حالياً.

«الشرق الأوسط» (الكويت)

هاسيت... المرشح المحتمل لرئاسة «الفيدرالي»: ترمب مُحقّ بشأن التضخم

كيفن هاسيت يتحدث إلى وسائل الإعلام خارج البيت الأبيض في واشنطن - 16 ديسمبر 2025 (رويترز)
كيفن هاسيت يتحدث إلى وسائل الإعلام خارج البيت الأبيض في واشنطن - 16 ديسمبر 2025 (رويترز)
TT

هاسيت... المرشح المحتمل لرئاسة «الفيدرالي»: ترمب مُحقّ بشأن التضخم

كيفن هاسيت يتحدث إلى وسائل الإعلام خارج البيت الأبيض في واشنطن - 16 ديسمبر 2025 (رويترز)
كيفن هاسيت يتحدث إلى وسائل الإعلام خارج البيت الأبيض في واشنطن - 16 ديسمبر 2025 (رويترز)

قال كيفن هاسيت، المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض وأحد المرشحين المحتملين لرئاسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي، في مقابلة مع قناة «فوكس بيزنس» يوم الجمعة، إن الرئيس الأميركي دونالد ترمب مُحقّ في قوله إن التضخم منخفض، وذلك رغم تعارض البيانات الرسمية والرأي العام، فضلاً عن آراء غالبية الاقتصاديين، مع هذا التقييم.

وأوضح هاسيت أن الأسلوب الشائع في قياس التضخم على أساس سنوي لا يعكس الصورة الحقيقية بدقة، مشيراً إلى أن تقييم ضغوط الأسعار عبر متوسط متحرك لثلاثة أشهر يُعدّ أكثر دقة. وبحسب هذا المقياس، فإن التضخم لا يتجاوز هدف «الاحتياطي الفيدرالي» البالغ 2 في المائة؛ بل يقع في الواقع دون هذا المستوى، مضيفاً: «هذه هي الطريقة نفسها التي ينظر بها الرئيس إلى التضخم»، وفق «رويترز».

وكانت الحكومة الأميركية قد أفادت يوم الخميس، بأن مؤشر أسعار المستهلكين، وهو مقياس رئيسي للتضخم، ارتفع في نوفمبر (تشرين الثاني) بنسبة 2.7 في المائة على أساس سنوي، مقارنة بـ3 في المائة في سبتمبر (أيلول)، علماً بأن صدور التقرير تأخر بسبب الإغلاق الحكومي.

ورغم هذا التراجع، لا يزال التضخم أعلى من هدف «الاحتياطي الفيدرالي»، في وقت يُبدي فيه كثير من مسؤولي البنك المركزي قلقهم من استمرار ضغوط الأسعار عند مستويات مرتفعة. ويعارض بعضهم خفض أسعار الفائدة في ظل هذه الظروف، لا سيما مع المخاوف المتزايدة من أن تؤدي الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب، إلى تغذية موجة جديدة من ارتفاع الأسعار.

في المقابل، يواصل ترمب الضغط بقوة باتجاه خفض أسعار الفائدة، رغم أن مثل هذه الخطوة قد تسهم في تفاقم الضغوط التضخمية. ويواجه الرئيس، الذي تراجعت شعبيته بشكل ملحوظ في استطلاعات الرأي المتعلقة بإدارته للملف الاقتصادي، انتقادات تتهمه بالتقليل من أهمية التضخم، إذ قال يوم الأربعاء: «أنا أعمل على خفض الأسعار المرتفعة، وبسرعة كبيرة».

وأشار هاسيت إلى أنه عند احتساب التضخم على أساس متوسط 3 أشهر، يبلغ المعدل الحالي نحو 1.6 في المائة فقط. كما انتقد تحليل التضخم الذي قدمه رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، جون ويليامز، الذي قال في مقابلة مع قناة «سي إن بي سي»، إن مشكلات فنية في تجميع بيانات مؤشر أسعار المستهلك ربما جعلت التضخم يبدو أقل مما هو عليه في الواقع.

ويُعدّ هاسيت من أبرز الأسماء المطروحة لخلافة رئيس «الاحتياطي الفيدرالي» جيروم باول، عند انتهاء ولايته في مايو (أيار) المقبل.

وكان ويليامز قد صرّح، عقب خفض «الاحتياطي الفيدرالي» سعر الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية الأسبوع الماضي، إلى نطاق يتراوح بين 3.5 في المائة و3.75 في المائة، بأنه لا يشعر بـ«حاجة ملحّة» لاتخاذ مزيد من الإجراءات في السياسة النقدية حالياً، معتبراً أن التخفيضات السابقة أسهمت إلى حد كبير في تحسين الأوضاع.

وردّ هاسيت على ذلك قائلاً: «جون شخص جاد، وهو يدرك وجود مشكلات فنية في البيانات نتيجة بعض الجوانب التي لم تُستكمل عملية مسحها بسبب اضطرابات الإغلاق». وأضاف: «لكن عندما يطلب من فريقه مراجعة البيانات وتحديد هوامش الخطأ، سيدرك أن ما نراه هو في الواقع خبر إيجابي... وهذا يعني أن لدى (الاحتياطي الفيدرالي) مجالاً واسعاً لمواصلة خفض أسعار الفائدة».


الأسواق الناشئة تسجل عوائد قوية في 2025 وتستعد لمواصلة الصعود

موظفون يعملون في بورصة المكسيك (رويترز)
موظفون يعملون في بورصة المكسيك (رويترز)
TT

الأسواق الناشئة تسجل عوائد قوية في 2025 وتستعد لمواصلة الصعود

موظفون يعملون في بورصة المكسيك (رويترز)
موظفون يعملون في بورصة المكسيك (رويترز)

تحدّت الأسواق الناشئة الرسوم الجمركية والحروب التجارية واضطرابات الاقتصاد العالمي، محققةً عوائد مزدوجة الرقم في 2025، ما عزّز آمال المستثمرين بتكرار الأداء القوي في العام المقبل.

فبعد سنوات من الخيارات المالية الصعبة، وسياسات نقدية دقيقة اتخذها صانعو القرار في البنوك المركزية، باتت دول كانت تُعدّ عالية المخاطر تبدو اليوم أكثر متانة في مواجهة الغيوم السياسية والاقتصادية في الولايات المتحدة وأوروبا، وتزايد التشرذم الجيوسياسي، وفق «رويترز».

وقالت المديرة التنفيذية في «مانولايف لإدارة الاستثمارات»، إلينا ثيودوراكوبولو: «هناك رياح مواتية كثيرة انتقلت من هذا العام إلى العام المقبل، لا سيما في ظل الأداء اللافت والمميز»، مشيرةً إلى «مزيج من السياسات السليمة والحظ الجيد».

تحرّر الأسواق الناشئة

أعاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض مناخاً من عدم اليقين، يدفع عادةً المستثمرين إلى الملاذات الآمنة مثل السندات الأميركية أو الدولار. غير أن السياسات الجمركية المتقلبة وهجمات ترمب على «الاحتياطي الفيدرالي» قلبت المعادلة، لتجعل الأسواق الناشئة تبدو أكثر استقراراً نسبياً.

وبينما لا تزال تداعيات السياسات الأميركية تتصدّر قائمة المخاطر المحتملة على موجة الصعود المتوقعة في 2026، استغل بعض المستثمرين التراجعات التي أحدثتها إعلانات «يوم التحرير» الجمركية في أبريل (نيسان)، لزيادة انكشافهم على أصول الأسواق الناشئة.

وقال مدير المحافظ في «جانوس هندرسون»، توماس هوغارد: «نرى توجهاً متزايداً لتنويع الاستثمارات بعيداً عن الولايات المتحدة أو السعي إلى تنويع عالمي أوسع». وأضاف أن ديون الأسواق الناشئة كانت دون الملكية لفترة طويلة بعد سنوات من تدفقات الخروج.

وشهدت دول عدة تحولات جذرية؛ إذ تحولت تركيا إلى سياسات اقتصادية تقليدية منتصف 2023، وألغت نيجيريا الدعم وخفّضت قيمة النايرا، وواصلت مصر إصلاحات مدعومة من صندوق النقد الدولي، فيما اجتازت غانا وزامبيا وسريلانكا فترات تعثّر تلتها تحسينات في التصنيفات الائتمانية.

وساعد هذا الصعود في عكس سنوات من نزوح رؤوس الأموال، مؤكداً -حسب المستثمرين- أن الخيارات الصعبة التي اتخذتها الحكومات تُؤتي ثمارها، وتمهّد لقوة إضافية في 2026.

وقالت جوليا بيليغريني، من «أليانز غلوبال إنفستورز»: «باتت هذه الاقتصادات قادرة على امتصاص الصدمات الكبرى؛ إذ تقف على أسس أقوى».

كما أشار محللون إلى عام آخر من صافي الترقيات الائتمانية بوصفه دليلاً إضافياً على استمرار المتانة. وقال استراتيجي «مورغان ستانلي»، جيمس لورد: «الأساسيات تتحسن في هذه الفئة من الأصول، خصوصاً من منظور الجدارة الائتمانية السيادية»، لافتاً إلى «زخم متنامٍ في الترقيات عاماً بعد عام».

ملاذات جديدة؟

في وقت تعرّض فيه «الاحتياطي الفيدرالي» لانتقادات، أظهرت البنوك المركزية في الأسواق الناشئة استقلالية ومصداقية في صنع السياسات، حسب المستثمرين.

وقال رئيس ديون الأسواق الناشئة في «إم أند جي»، شارل دو كينسوناس: «مصداقية السياسة النقدية في الأسواق الناشئة ربما بلغت أعلى مستوياتها على الإطلاق». وأضاف: «خفّضت الفائدة، بل سبقت (الفيدرالي)، لكنها لم تُفرط في الخفض، مما ساعد العملات على الصمود».

وأسهم الانضباط النقدي في تفوق عملات الأسواق الناشئة، بالتزامن مع تراجع الدولار، ما غذّى الإقبال على ديون العملات المحلية التي حقّقت عوائد بنحو 18 في المائة هذا العام، مع توقعات بإمكان تكرار عوائد مزدوجة الرقم في 2026.

وحتى عدم اليقين الانتخابي -من المجر إلى البرازيل وكولومبيا- الذي كان يُقلق المستثمرين عادة، بات لدى البعض مصدر فرص. وقالت جوليا بيليغريني: «التغييرات السياسية المحدودة التي قد تلي الانتخابات يمكن أن تخلق تحركات سوقية تولّد فرصاً استثمارية».

أميركا تبقى الخطر الأكبر على آفاق الأسواق الناشئة

ويبقى الخطر الأكبر مرتبطاً بالولايات المتحدة، فدخولها في ركود قد يطلق موجة سحب رؤوس أموال تضر بالأسواق الناشئة. كما أن رفع «الفيدرالي» الفائدة قد يعزّز الدولار ويضغط على عملات هذه الأسواق. ويزيد الغموض مع احتمال تعيين رئيس جديد لـ«الفيدرالي» في 2026.

لكن حتى هذه المخاطر لم تعد بالحدة السابقة ذاتها. وقال دو كينسوناس: «من الناحية الأساسية، أصبحت الأسواق الناشئة أقل حساسية بكثير للاقتصاد الأميركي مما كانت عليه».

ومع ذلك، يثير التفاؤل المفرط بعض التحفظ، فقد أظهر استطلاع «إتش إس بي سي» لمعنويات الأسواق الناشئة، الصادر في ديسمبر (كانون الأول)، اختفاء النظرة السلبية بالكامل وتسجيل صافي معنويات قياسي هو الأعلى في تاريخ الاستطلاع.

وقال رئيس استراتيجية الدخل الثابت للأسواق الناشئة في «بنك أوف أميركا»، ديفيد هاونر: «لم أصادف عميلاً واحداً متشائماً رغم حديثي مع أكثر من 100 عميل خلال الأسابيع الأخيرة». وأضاف محذراً: «عندما يتفق الجميع على اتجاه السوق، يعلّمنا التاريخ ضرورة توخي الحذر».


صناع السياسة في «المركزي الأوروبي» يدعون لـ«توجيه حذر» للسياسة النقدية

مبنى البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت (رويترز)
مبنى البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت (رويترز)
TT

صناع السياسة في «المركزي الأوروبي» يدعون لـ«توجيه حذر» للسياسة النقدية

مبنى البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت (رويترز)
مبنى البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت (رويترز)

حذَّر صناع السياسة في البنك المركزي الأوروبي، يوم الجمعة، من المخاطر الكبيرة التي تحيط بتوقعاتهم الاقتصادية الأخيرة، داعين إلى توخي الحذر في إدارة السياسة النقدية، وعدم استبعاد خيار خفض أسعار الفائدة مجدداً في الوقت الراهن.

وأبقى البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة ثابتة، يوم الخميس، ورفع بعض توقعاته للنمو والتضخم، وهي خطوة عدّها المستثمرون إشارةً إلى عدم وجود تخفيضات وشيكة لتكاليف الاقتراض، وفق «رويترز».

ورغم أن الأسواق استبعدت أي خفض محتمل لأسعار الفائدة، وتتوقَّع رفعها في 2027، فإن عددًا من صناع السياسات، بمَن فيهم فرانسوا فيليروي دي غالهو من فرنسا، وأولاف سليغبن من هولندا، ومارتن كوخر من النمسا، وخوسيه لويس إسكريفا من إسبانيا، وأولي رين من فنلندا، حذَّروا من التسرع في استخلاص النتائج.

وقال كوخر للصحافيين في فيينا: «لسنا في وضع مريح فيما يتعلق بالوضع الاقتصادي العام، لأن حالة عدم اليقين لا تزال مرتفعة. وهذا يعني وجود احتمال لخفض إضافي إذا لزم الأمر، واحتمال لرفع الفائدة إذا اقتضت الظروف ذلك». ووافقه إسكريفا، مؤكداً أن الخطوة التالية قد تكون في أي من الاتجاهين.

وأفادت مصادر مطلعة بأن صناع السياسات كانوا عموماً مرتاحين لتوقعات السوق باستقرار أسعار الفائدة خلال العام المقبل، لكنهم حرصوا على عدم إرسال أي إشارات تستبعد إمكانية التيسير النقدي الإضافي.

وأشار معظم الخبراء إلى أن مخاطر النمو والتضخم متوازنة، رغم أنها كبيرة ومعرَّضة لتقلبات مفاجئة نتيجة التطورات الجيوسياسية. وقال سليغبن: «أعتقد أن مخاطر النمو والتضخم متوازنة إلى حد كبير، رغم أنها كبيرة. ما زلنا في وضع جيد، فالتضخم في أوروبا يقترب من 2 في المائة، ويمكن القول إنه أشبه بجنة بالنسبة لمحافظي البنوك المركزية، لكن في الوقت نفسه ندرك أن المخاطر لا تزال كبيرة».

وفي حديثه لصحيفة «لو فيغارو»، تبنى فيليروي وجهة نظر أكثر تساهلاً، داعياً إلى «أقصى قدر من المرونة»، مؤكداً: «هناك مخاطر في كلا الاتجاهين بالنسبة للتضخم، خصوصاً على الجانب السلبي، لذلك سنكون على قدر عالٍ من المرونة في كل اجتماع من اجتماعاتنا المقبلة».

وقد رفع البنك المركزي الأوروبي، يوم الخميس، توقعاته للتضخم لعام 2026؛ نتيجة تسارع نمو الأجور والخدمات، لكنه لا يزال يتوقع أن يكون نمو الأسعار الإجمالي أقل من الهدف خلال العامين المقبلين.

وأوضح البنك أن انخفاض التضخم الحالي يعود في معظمه إلى تأثيرات استثنائية في قطاع الطاقة، بينما يظل نمو الأسعار الأساسي أعلى من الهدف، ما يستدعي توخي الحذر. ومع استمرار انخفاض أسعار الطاقة منذ تاريخ انتهاء التوقعات، هناك خطر من أن تبدأ توقعات الأسعار بالانخفاض تدريجياً مع انخفاض قراءات التضخم الشهرية، مما يطيل أمد ضعف نمو الأسعار.

وقال رين: «على الرغم من المفاجآت الإيجابية الأخيرة في النمو، فإن الوضع الجيوسياسي والحرب التجارية المستمرة قد يؤديان إلى مفاجآت سلبية لمنطقة اليورو. وتجعل هذه التطورات توقعات التضخم أكثر غموضاً من المعتاد بسبب المواجهات الجيوسياسية والنزاعات التجارية العالمية».