أثار التصعيدُ في الشرق الأوسط ارتفاعات بأسواق النفط، إثر شن طهران ضربة على إسرائيل، يوم الثلاثاء، أعقبها تهديد من تل أبيب باستهداف منشآت نفطية إيرانية، وسط تنامي المخاوف من أن يؤدي الصراع إلى تعطل تدفقات النفط.
وكانت إيران أطلقت عشرات الصواريخ الباليستية، الثلاثاء، على إسرائيل، في هجوم وصفته الأخيرة بأنه «الأكبر والأعنف» ضدها. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن إيران ارتكبت خطأً كبيراً وإنها ستدفع ثمنه. وهددت إيرانُ برد ساحق إذا ردت إسرائيل. ونقل موقع «أكسيوس» الإخباري الأميركي، يوم الأربعاء، عن مسؤولين إسرائيليين، أن خيارات إسرائيل تشمل استهداف منشآت إنتاج النفط الإيرانية، من بين مواقع استراتيجية أخرى.
وتسبب هذا التصعيد في ارتفاع حاد بأسعار النفط الخام، حيث ارتفعت العقود الآجلة لـ«خام برنت» بنسبة تصل إلى 5 في المائة بعيد الهجوم، لتصل إلى 75.45 دولار للبرميل، وجرى تداولها عند 74.74 دولار للبرميل بحلول الساعة الـ17:25 بتوقيت غرينيتش. واستمرت العقود الآجلة لـ«خام برنت» في الارتفاع لتبلغ يوم الخميس 75.31 دولار للبرميل بحلول الساعة الـ10:50 بتوقيت غرينيتش، بارتفاع بلغ 1.41 دولار، أو 1.91 في المائة، وفق «رويترز». كما ارتفعت العقود الآجلة لـ«خام غرب تكساس الوسيط» الأميركي 1.45 دولار، أو 2.07 في المائة، إلى 71.55 دولار.
وكانت أسعار النفط انخفضت في سبتمبر (أيلول) الماضي إلى أقل من 70 دولاراً للبرميل لأول مرة منذ أواخر 2021، قبل أن تشهد سلسلة صعود منذ ذلك الحين.
وإيران عضو في منظمة «أوبك» بإنتاج يبلغ نحو 3.277 مليون برميل يومياً؛ وفق إحصاءات منظمة «أوبك» لشهر أغسطس (آب) الماضي، وهو ما يمثل نحو 3 في المائة من الإنتاج العالمي. ووفقاً لتقرير «أوبك» الشهري، فإن ما أنتجته إيران يمثل زيادة بمقدار نحو 725 ألف برميل يومياً على العامين الماضيين.
ويوم الأربعاء، أعلنت «أوبك بلس»، بعد اجتماع «لجنة المراقبة الوزارية المشتركة»، أنها ستواصل تقييم أوضاع السوق، وأكدت على الأهمية البالغة لتحقيق الالتزام الكامل والتعويض عن زيادة الإنتاج. كما أكّدت أنها ستواصل مراقبة الالتزام بتعديلات الإنتاج، التي جرى الاتفاق عليها في الاجتماع الوزاري السابع والثلاثين للدول الأعضاء في منظمة «أوبك» والدول المشاركة من خارجها.
وتنتج الولايات المتحدة 13 في المائة من النفط الخام العالمي، ونحو 20 في المائة من النفط السائل العالمي، مقارنة بحصة إنتاج النفط الخام العالمية لـ«أوبك» البالغة 25 في المائة، ونحو 40 في المائة لـ«أوبك بلس». ويبلغ إجمالي التخفيضات من قبل منتجي الأخيرة حالياً 5.86 مليون برميل يومياً.
وذكرت «بلومبرغ»، نقلاً عن تقديرات أولية من «كليرفيو إينرجي بارتنرز»، أن أسعار النفط قد ترتفع بواقع 7 دولارات للبرميل إذا فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها عقوبات اقتصادية على إيران، أو 13 دولاراً إذا ضربت إسرائيل البنية التحتية للطاقة الإيرانية. وقالت الشركة إن تعطيل التدفقات عبر مضيق هرمز قد يكون له التأثير الأكبر، مما يدفع بالخام إلى الارتفاع بما بين 13 و28 دولاراً.
وقد واجهت صادرات النفط الإيرانية عقبات كبيرة بسبب العقوبات الدولية، خصوصاً من جانب الولايات المتحدة والدول الأوروبية، لكنها ارتفعت هذا العام لتقترب من أعلى مستوياتها في سنوات عدة عند 1.7 مليون برميل يومياً على الرغم من العقوبات. وتشتري المصافي الصينية منها معظم إمداداتها.
وقال كبير مستشاري وزير البترول السعودي سابقاً، الدكتور محمد الصبان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إنه «في حال تنفيذ إسرائيل تهديداتها بضرب المنشآت النفطية الإيرانية، فمن المؤكد أن الأسعار سترتفع بشكل كبير؛ لأن إنتاج طهران يعدّ جزءاً من العرض العالمي، بغض النظر عن العقوبات المفروضة على طهران».
ورأى الصبان أن «تل أبيب تعلم جيداً تبعات هذه الخطوة، ولن تقدم عليها؛ لأنها ستنعكس سلباً بالدرجة الأولى على حليفتها أميركا من حيث ارتفاع الأسعار في ظل ما تشهده واشنطن حالياً من أحداث تتعلق بالانتخابات الرئاسية».
وأضاف: «إذا ضربت إسرائيل تلك المنشآت في إيران، فستزيد أسعار النفط بشكل كبير، وعقب ذلك قد تشتد الضربات المتبادلة بين الطرفين، ويؤدي ذلك إلى مزيد من الاضطرابات في الأسواق العالمية بطريقة غير مسبوقة».
وقال محللو النفط في «إس آند بي غلوبال كوموديتي إنسايتس»، في مذكرة، إن «الهجوم الصاروخي الذي شنته إيران على إسرائيل من شأنه أن يصعد الصراع القائم بين إسرائيل و(حزب الله) وإسرائيل و(حماس)»، ونبهوا إلى أنه «من المرجح أن يعرّض ذلك بعضاً من البنية التحتية النفطية الإسرائيلية، على الأقل، للخطر، بما يتضمن تعطيل نحو 287 ألف برميل يومياً من طاقة التكرير الإسرائيلية».
مضيق هرمز
من جهتها، نبّهت خبيرة الطاقة في «إس آر إم جي ثينك (SRMG Think)»، جيسيكا عبيد، إلى أنه في حال ردت إسرائيل بهجوم على منشآت النفط الإيرانية، فإن السوق ستتفاعل بارتفاع آخر في الأسعار، و«هو ما قد يكون أمراً كبيراً؛ اعتماداً على حجم الهجوم»، وفق ما صرحت به لـ«الشرق الأوسط».
وأضافت عبيد: «لكن التهديد الأكبر من خفض الإنتاج أو الصادرات من إيران، هو التعطيل المحتمل لتدفقات النفط عبر مضيق هرمز، وهو نقطة اختناق نفطية مهمة».
ويقع مضيق هرمز بين إيران وسلطنة عمان، وهو ممر مائي ضيق، ولكنه مهم استراتيجياً؛ إذ يربط منتجي النفط الخام في الشرق الأوسط بالأسواق الرئيسية في جميع أنحاء العالم. ووفقاً لـ«إدارة معلومات الطاقة» الأميركية، فإن ما بين 20 و30 في المائة من نفط العالم يمر عبر هذا الممر المائي، مما يجعله نقطة الاختناق النفطية الأعلى أهمية على مستوى العالم. وأي تهديد بتعطيل تدفق النفط عبر مضيق هرمز يمكن أن يخلف آثاراً عميقة على أسعار النفط العالمية والاقتصاد العالمي.
وحذرت «كليرفيو إينرجي بارتنرز» بأن أي خلل في تدفقات مضيق هرمز قد يرفع أسعار النفط إلى أكثر من 100 دولار للبرميل.
وقال محللو «سيتي غروب»، في مذكرة للعملاء، إن «أي إغلاق لمضيق هرمز سيمثل نقطة تحول لسوق النفط العالمية والاقتصاد العالمي. في مثل هذا السيناريو، ستكون أسواق النفط العالمية في مياه مجهولة، ومن المرجح أن تشهد أسعار النفط ارتفاعاً حاداً وكبيراً يتجاوز بكثير مستوياتها القياسية السابقة».
وأشارت عبيد إلى أنه «في حين أن (أوبك) يمكن أن تتدخل لزيادة الإنتاج، فإن مثل هذا الحدث يمكن أن يكون له تأثير كبير على أسواق النفط، وسنشهد ارتفاعاً في أسعار النفط... وهو أمر لا تريد الإدارة الأميركية حدوثه قبل الانتخابات الرئاسية». فمن شأن ارتفاع أسعار النفط رفع تكاليف الوقود. وقد يضر الارتفاع المرتبط بأسعار البنزين بنائبة الرئيس الأميركي، كامالا هاريس، في حملتها للفوز بالانتخابات الرئاسية في 5 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل أمام المرشح الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترمب.
كذلك؛ في حال ارتفعت أسعار النفط فسوف يضطر الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الإفراج عن مخزونات الطوارئ من الاحتياطي الاستراتيجي للنفط. وكان بايدن سحب بقوة من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي بعد غزو روسيا أوكرانيا.
لذا؛ يرجح محللون أن تحاول الولايات المتحدة دفع إسرائيل إلى استجابة أكثر تواضعاً، راغبةً تجنبَ تصعيد كبير في التوترات.