تباطؤ التضخم يربك خطط بنك اليابان لرفع الفائدة

عائد السندات لأجل 10 سنوات يتجاوز 1 % للمرة الأولى منذ 12 عاماً

رجل يسير أمام متجر في وسط العاصمة اليابانية طوكيو (إ.ب.أ)
رجل يسير أمام متجر في وسط العاصمة اليابانية طوكيو (إ.ب.أ)
TT

تباطؤ التضخم يربك خطط بنك اليابان لرفع الفائدة

رجل يسير أمام متجر في وسط العاصمة اليابانية طوكيو (إ.ب.أ)
رجل يسير أمام متجر في وسط العاصمة اليابانية طوكيو (إ.ب.أ)

تباطأ التضخم الأساسي في اليابان للشهر الثاني على التوالي في أبريل (نيسان)، ما يشير على الأرجح إلى أن بنك اليابان سيتحلى بالصبر في رفع أسعار الفائدة، حيث لا يزال الاستهلاك هشاً.

وفي حين أن التضخم يسير بشكل مريح فوق هدف البنك المركزي البالغ 2 في المائة، فإن صناع السياسة حريصون على أن يكون دافع الأسعار في اليابان يحمل طابع الطلب المحلي المستدام.

وأظهرت بيانات حكومية، يوم الجمعة، أن مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي على مستوى البلاد، الذي يستثني المواد الغذائية الطازجة، ارتفع بنسبة 2.2 في المائة على أساس سنوي، بعد ارتفاعه بنسبة 2.6 في المائة في مارس (آذار)، وهو ما تطابق مع متوسط توقعات السوق.

وارتفع المؤشر «الأساسي»، الذي يستثني تكاليف الأغذية الطازجة والطاقة ويراقبه بنك اليابان من كثب بوصفه مقياساً رئيسياً لاتجاهات التضخم الأوسع، بنسبة 2.4 في المائة بعد زيادة بنسبة 2.9 في المائة في مارس. ويمثل ذلك أبطأ نمو للمؤشر منذ سبتمبر (أيلول) 2022.

ويُنظر إلى بيانات التضخم على أنها أساسية لاتخاذ مزيد من القرارات بشأن رفع أسعار الفائدة من قبل بنك اليابان، الذي يرغب في دفع أسعار الفائدة للأعلى، ولكن بشكل تدريجي بعد إنهاء أسعار الفائدة السلبية في مارس، في تحول تاريخي بعيداً عن سياسته النقدية فائقة التيسير التي استمرت عقداً من الزمن.

وقال كويا مياماي، كبير الاقتصاديين في شركة «إس إم بي سي نيكو سيكيوريتيز»، إن «ضعف الاستهلاك جعل من الصعب رفع الأسعار في أبريل ومايو (أيار)»، موضحاً أن بنك اليابان سيحتاج إلى رؤية توقف التضخم الأساسي عن التباطؤ قبل رفع أسعار الفائدة، وأضاف: «أعتقد أن رفع سعر الفائدة في يونيو (حزيران) ويوليو (تموز) يبدو سابقاً لأوانه بعض الشيء».

وقال بنك اليابان إن دورة من تحقيق هدف السعر المستمر والمستقر بنسبة 2 في المائة والنمو القوي للأجور أمر بالغ الأهمية لتطبيع السياسة. وتنظر الأسواق من كثب الآن إلى الزيادات الكبيرة في الأجور المتفق عليها هذا الربيع، التي ستترجم إلى أسعار البيع وتؤثر على التضخم... وفي الوقت نفسه، تتكهن الأسواق بأن الضعف المستمر للين قد يجبر بنك اليابان على المضي قدماً في رفع سعر الفائدة التالي لتخفيف تأثيره على تكاليف المعيشة.

وارتفع العائد على سندات الحكومة اليابانية لأجل 10 سنوات يوم الجمعة بمقدار 0.5 نقطة أساس إلى 1.005 في المائة، وهو أعلى مستوى له منذ أبريل (نيسان) 2012، واستقر العائد على سندات الحكومة اليابانية لأجل عامين، وهو حساس للغاية لسياسة بنك اليابان، عند 0.335 في المائة. وارتفع العائد على السندات لأجل خمس سنوات بمقدار 0.5 نقطة أساس إلى 0.585 في المائة، كما ارتفع العائد على السندات لأجل 20 عاماً بمقدار 0.5 نقطة أساس إلى 1.855 في المائة، في حين استقر العائد على سندات الحكومة اليابانية لأجل 30 عاماً عند 2.160 في المائة.

وقال شينشيرو كادوتا، رئيس قسم العملات الأجنبية في اليابان واستراتيجية أسعار الفائدة في بنك باركليز للأوراق المالية في اليابان: «الضغط الصعودي على العائدات اليابانية يزداد قوة، مع ارتفاع العائدات في الخارج بين عشية وضحاها».

وارتفعت عوائد سندات الخزانة الأميركية بين عشية وضحاها بعد بيانات أظهرت قوة مستمرة في سوق العمل والنشاط التجاري، ما عزز التوقعات بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيأخذ وقته في خفض أسعار الفائدة هذا العام. بينما ارتفعت عوائد سندات الحكومة اليابانية هذا الشهر وسط تلميحات متشددة من مسؤولي بنك اليابان، بما في ذلك التخفيض المفاجئ في كمية السندات المعروضة مع 5 إلى 10 سنوات متبقية حتى تاريخ الاستحقاق عند شراء السندات المنتظمة الأسبوع الماضي.

وإلى جانب ذلك، يؤدي ضعف الين، رغم كونه أمراً جيداً للمصدرين، إلى ارتفاع أسعار الواردات. وهذا بدوره يهدد بتفاقم القوة الشرائية لدى الأسر ويؤثر على الاستهلاك. وانكمش الاقتصاد الياباني بنسبة 2 في المائة على أساس سنوي في الربع الأول بسبب ضعف الاستهلاك، في حين انخفضت الأجور الحقيقية المعدلة حسب التضخم لمدة عامين متتاليين حتى شهر مارس مع تجاوز ارتفاع تكاليف المعيشة للأجور الاسمية.

وقالت وكالة «موديز أناليتيكس»، في تقرير لها، إن النتيجة القوية في مفاوضات الأجور يجب أن تؤدي إلى نمو حقيقي في الأجور في النصف الثاني من هذا العام. ومع ذلك، حذّرت من أن الأجور المتفق عليها مع الشركات لم تترجم بعد إلى نمو الأجور على مستوى الاقتصاد، مشيرة إلى أن «هذا يعقد التوقعات بالنسبة لبنك اليابان؛ حيث يتطلع إلى رفع أسعار الفائدة».

وفي سوق الأسهم، انخفض المؤشر «نيكي»، يوم الجمعة، على أثر تراجع نظرائه في وول ستريت بعد بيانات اقتصادية أميركية قوية عززت الرهانات على أن التضخم قد يؤخر تحرك مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) لخفض أسعار الفائدة.

وانخفض «نيكي» 1.17 في المائة إلى 38646.11 نقطة عند الإغلاق، وكان قد هبط في وقت سابق بما يصل إلى 1.9 في المائة. ونزل المؤشر «توبكس» الأوسع نطاقاً 0.44 في المائة.

وقال كازو كاميتاني، خبير الأسهم في شركة نومورا للأوراق المالية: «يبدو بالتأكيد أن التحركات في أسعار الأسهم اليابانية على المدى القصير على الأقل معتمدة على مستويات عوائد السندات الأميركية». وأضاف أنه مع تحول المؤشر ليصعد بشكل طفيف مع إغلاق تعاملات يوم الجمعة «من المحتمل أن يستقر (نيكي) عند المستويات الحالية أو حتى يتجه لتحقيق مكاسب من الأسبوع المقبل».

وخسر المؤشر 0.36 في المائة على مدار الأسبوع، لكنه ربح أكثر من 15 في المائة هذا العام، ما يجعله ضمن الأسواق الأفضل أداء على مستوى العالم. وارتفع المؤشر إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 41087.75 نقطة يوم 22 مارس، قبل أن يتراجع في الشهر التالي إلى أدنى مستوى له عند 36733.06 نقطة.


مقالات ذات صلة

رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي متفائل بشأن الاقتصاد الألماني

الاقتصاد فنّيون بجانب خطوط الإنتاج في أحد مصانع ألمانيا (رويترز)

رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي متفائل بشأن الاقتصاد الألماني

أعرب رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي، بورغه برنده، عن ثقته بالتنمية الاقتصادية في ألمانيا على الرغم من الانكماش الاقتصادي الحالي.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الاقتصاد رئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر يتحدث خلال زيارة لمصنع في تشيستر (رويترز)

رئيس الوزراء البريطاني يُعرب عن ثقته بجذب استثمارات خاصة جديدة

قال رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، إنه واثق بجذب مزيد من الاستثمارات الخاصة إلى بريطانيا في الأسابيع والأشهر المقبلة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد عمال يرصُّون أجولة من السكر لشحنها في ميناء بولاية غوجارات الهندية (رويترز)

السكر يقود قفزة شاملة بأسعار الغذاء العالمي في سبتمبر

أظهرت بيانات أن مؤشر أسعار الغذاء العالمية قفز في سبتمبر (أيلول) مسجلاً أكبر زيادة له في 18 شهراً بدعم من ارتفاع أسعار السكر.

«الشرق الأوسط» (روما)
الاقتصاد ماسح أحذية يتعامل مع أحد الزبائن أمام محطة طوكيو المركزية بالعاصمة اليابانية (أ.ف.ب)

رئيس الوزراء الياباني يطلب رسمياً إعداد حزمة تحفيز

أصدر رئيس الوزراء الياباني الجديد تعليمات رسمية لوزرائه يوم الجمعة بإعداد حزمة اقتصادية جديدة لتخفيف الضربة التي تتعرض لها الأسر نتيجة ارتفاع تكاليف المعيشة

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الاقتصاد منظر عام لبنك إنجلترا في لندن (رويترز)

كبير اقتصاديي بنك إنجلترا يدعو إلى الحذر عند خفض الفائدة

أكد كبير الاقتصاديين في بنك إنجلترا، هيو بيل، ضرورة أن يتخذ المصرف المركزي البريطاني خطوات تدريجية عند خفض أسعار الفائدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

رغم تراجعه... اقتصاديون يرون التضخم في تركيا بات هيكلياً

أشخاص يتسوقون في سوق مفتوح في إسطنبول (رويترز)
أشخاص يتسوقون في سوق مفتوح في إسطنبول (رويترز)
TT

رغم تراجعه... اقتصاديون يرون التضخم في تركيا بات هيكلياً

أشخاص يتسوقون في سوق مفتوح في إسطنبول (رويترز)
أشخاص يتسوقون في سوق مفتوح في إسطنبول (رويترز)

رغم تباطئه في سبتمبر، ما زال التضخم في تركيا مرتفعاً بشكل كبير، في ظل إحجام الحكومة عن اتخاذ قرارات صعبة قادرة على لجم ارتفاع الأسعار، بحسب محللين.

وعانت تركيا على مدى العامين الماضيين تضخماً متسارعاً، بلغ ذروته عند معدل سنوي 85.5 في المائة في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، و75.45 في المائة في مايو (أيار) الماضي.

وأفادت بيانات رسمية، يوم الخميس، بانخفاض معدل التضخم إلى 49.38 في المائة في سبتمبر. إلا أن إحصاءات مجموعة «إي إن إيه جي» المؤلفة من اقتصاديين مستقلين، أشارت إلى أن معدل التضخم السنوي في الشهر ذاته يبلغ 88.6 في المائة.

وسبق لوزير المال التركي محمد شيمشك أن أكد في تصريحات سابقة أن حكومة الرئيس رجب طيب إردوغان تأمل في خفض التضخم إلى 17.6 في المائة نهاية عام 2025، وما دون 10 في المائة عام 2026.

وأشاد إردوغان حديثاً بالمسار التراجعي للتضخم، مشدداً على أن «الأوقات الصعبة باتت خلفنا». إلا أن خبراء اقتصاديين يرون أن ارتفاع أسعار الاستهلاك في تركيا بات «مزمناً»، وتزيده سوءاً بعض السياسات الحكومية. وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة مرمرة محمد شيمشان إن «الانخفاض الراهن يعود حصراً إلى تأثير القاعدة (التي يحتسب على أساسها التضخم). ارتفاع الأسعار شهرياً ما زال كبيراً، ويبلغ 2.97 في المائة في تركيا و3.9 في المائة في إسطنبول». وأضاف: «لا يمكن اعتبار ذلك قصة نجاح».

قيمة الليرة

وعلى عكس السياسة التقليدية برفع معدلات الفوائد لمكافحة التضخم، لطالما دافع إردوغان عن سياسة خفض الفوائد، مما تسبب بانخفاض متزايد في قيمة الليرة التركية، وساهم بدوره في ارتفاع التضخم.

لكن بعد إعادة انتخابه رئيساً في مايو 2023، أطلق إردوغان يد المصرف المركزي لرفع معدلات الفائدة الأساسية من 8.5 إلى 50 في المائة، بين يونيو (حزيران) 2023 ومارس (آذار) 2024. وأبقى المصرف معدلاته دون تغيير في سبتمبر للشهر السادس توالياً.

وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة قادر هاس إرينتش يلدان، إن «مكافحة التضخم تتمحور حول أولويات القطاع المالي. نتيجة لذلك، تجري الأمور بطريقة غير مباشرة وتولّد حالة من عدم اليقين».

وشدد أستاذ الاقتصاد في جامعة كارادينيز التقنية، يعقوب كوتشوكال، على أن رفع معدلات الفوائد لا يكفي لكبح التضخم ما لم يقترن بمعالجة العجز الضخم في الميزانية، مشيراً إلى أنه يبلغ مستوى قياسياً عند 129.6 مليار ليرة (3.79 مليار دولار).

وأوضح أن وزير المال شيمشك «يقول إن هذا يعود إلى الإنفاق المرتبط بإعادة إعمار المناطق التي تضررت جراء زلزال فبراير (شباط) 2023»، في إشارة إلى الكارثة التي راح ضحيتها أكثر من 53 ألف شخص. وتابع: «لكن الثقب الأسود الفعلي يعود إلى عقود الشراكة المكلفة بين القطاعين العام والخاص»، في إشارة إلى عقود لتطوير البنى التحتية يقول منتقدوها إنها غالباً ما تؤول إلى شركات على صلة وثيقة بحكومة إردوغان.

وتشمل هذه العقود كلفة بناء وإدارة مختلف البنى التحتية من الطرق السريعة والجسور إلى المستشفيات والمطارات، وغالباً ما تكون مصحوبة بضمانات سخية مثل تعويضات حكومية إذا كان معدل استخدامها دون المتوقع. وشدد كوتشوكال على أنه «يجب أن نشكك بهذه العقود التي تشكّل عبئاً على الميزانية؛ لأن هذه التعويضات مرتبطة بالدولار أو باليورو».

وغالباً ما تنعكس إجراءات مكافحة التضخم سلباً على الأسر ذات الدخل المنخفض، علماً بأن الحد الأدنى للأجور لم يتم رفعه منذ يناير (كانون الثاني)، وفق كوتشوكال الذي أكد أن «القوة الشرائية لهؤلاء متدنية أساساً».

وتابع: «بغرض خفض الطلب، على هذه الإجراءات أن تستهدف المجموعات ذات الدخل الأعلى، لكن بالكاد يوجد ما يؤثر عليها».

إجراءات التقشف

من جهته، رأى يلدان أن «إجراءات التقشف» التي شملت على سبيل المثال إلغاء خدمات التنظيف في المدارس الرسمية، تضر بالفئات الأكثر حرماناً، وتعزز عدم المساواة، مشيراً إلى أنه من المحبذ فرض «ضريبة على الثروة، والتعاملات المالية وإيرادات العقار». لكنه لفت إلى صعوبة تحقيق ذلك نظراً إلى أن الحزب الحاكم يعوّل على دعم «شركات موالية للحكومة» فازت بعقود البنى التحتية.

ووفق دراسة أعدتها جامعة كوش، تتوقع الأسر أن يبلغ التضخم السنوي نسبة 94 في المائة بحلول نهاية العام الحالي، أي أعلى بكثير من توقعات المصرف المركزي.

ورأى شيمشان أن «ارتفاع الأسعار الذي تعانيه الطبقات المتوسطة والدنيا محزن للغاية؛ لأنه يشمل منتجات أساسية وخدمات مثل الغذاء والسكن والتعليم، حيث يبقى التضخم بالغ الارتفاع».

وأشار مراقبون إلى أن عدم اليقين بشأن المستقبل يساهم أيضاً في ارتفاع الأسعار؛ لأن التجار يحاولون أن يأخذوا في الاعتبار التكاليف المستقبلية. وقال يلدان: «التضخم بات هيكلياً ومستمراً في تركيا. في غياب إصلاحات هيكلية، سنكون عالقين في حلقة مفرغة كما كنا عليه في التسعينات».