ضغوط الديون تتراجع... بوادر انفراجة في أزمة التصنيف الائتماني للدول الناشئة

يمر السكان بجوار الملصقات الخاصة بمرشحي الانتخابات المعلقة في الشارع استعداداً للانتخابات العامة بدكا ببنغلاديش (رويترز)
يمر السكان بجوار الملصقات الخاصة بمرشحي الانتخابات المعلقة في الشارع استعداداً للانتخابات العامة بدكا ببنغلاديش (رويترز)
TT

ضغوط الديون تتراجع... بوادر انفراجة في أزمة التصنيف الائتماني للدول الناشئة

يمر السكان بجوار الملصقات الخاصة بمرشحي الانتخابات المعلقة في الشارع استعداداً للانتخابات العامة بدكا ببنغلاديش (رويترز)
يمر السكان بجوار الملصقات الخاصة بمرشحي الانتخابات المعلقة في الشارع استعداداً للانتخابات العامة بدكا ببنغلاديش (رويترز)

من البرازيل ونيجيريا وتركيا إلى بعض الأسواق الناشئة الأكثر خطورة، مثل مصر وزامبيا، تزداد الأدلة على أن التدهور الذي دام عقداً من الزمن في تصنيفات الائتمان السيادي قد بدأ ينعكس أخيراً.

ويراقب الاقتصاديون التصنيفات لأنها تؤثر على تكاليف اقتراض أي بلد، ويسلط كثيرون منهم الضوء الآن على تحول يبدو غير متناسب مع التحذيرات المعتادة بشأن ضغوط الديون المتزايدة، وفق «رويترز».

ووفقاً لـ«بنك أوف أميركا»، فإن ما يقرب من ثلاثة أرباع جميع تحركات تصنيفات الائتمان السيادية من قبل وكالات «ستاندرد آند بورز»، و«موديز»، و«فيتش» هذا العام كانت إيجابية، مقارنة بنسبة 100 في المائة تقريباً التي سجلت في الاتجاه الآخر في العام الأول لوباء «كوفيد - 19».

ومع ارتفاع أسعار الفائدة العالمية، يتوقع المزيد من الأخبار الجيدة أيضاً.

وفي الوقت الحالي، تمتلك وكالة «موديز» نظرة مستقبلية إيجابية لـ15 اقتصاداً نامياً - وهو مصطلح وكالات التصنيف للإشارة إلى ترقب رفع التصنيف - وهو رقم من أعلى الأرقام التي سجلتها على الإطلاق. ولدى وكالة «ستاندرد آند بورز» 17 دولة، بينما لدى «فيتش» 7 نظرات مستقبلية إيجابية أكثر من سلبية، وهي أفضل نسبة لها منذ انتعاش التصنيفات بعد الأزمة المالية العالمية في عام 2011.

وقال رئيس قسم أبحاث الأسواق السيادية العالمية لدى «فيتش»، إيد باركر، إن التحول يرجع إلى مجموعة من العوامل.

وبالنسبة لبعض الدول، كان ذلك انتعاشاً عاماً من جائحة «كوفيد»، و/ أو ارتفاعات أسعار الطاقة الناجمة عن حرب أوكرانيا. وأضاف أن آخرين يشهدون تحسينات خاصة بكل بلد في صنع السياسات، في حين أن مجموعة أساسية من الدول «الناشئة» ذات التصنيف غير المرغوب فيه تستفيد الآن من القدرة المفاجئة على الوصول إلى أسواق الديون مرة أخرى.

ويصف رئيس قسم الديون بالأسواق الناشئة في «أفيفا إنفستورز»، آرون غريهان، موجة الترقية الحالية بأنها «تحول حاسم» تزامن أيضاً مع انخفاض حاد في العلاوات التي يتعين على الأسواق الناشئة في كل مكان تقريباً دفعها للاقتراض.

وقال غريهان: «منذ عام 2020، كان أكثر من 60 في المائة من جميع إجراءات التصنيف سلبية. وفي عام 2024، كان 70 في المائة منها إيجابياً»، مضيفاً أن نماذج التسجيل الداخلية لشركة «أفيفا» كانت مماثلة.

*عقد من التخفيضات

رغم ذلك، فإن الواقع المحرج هو أن موجة الترقيات الحالية لن تعوض عن السنوات العشر إلى الخمس عشرة الماضية. لقد خسرت تركيا وجنوب أفريقيا والبرازيل وروسيا جميعاً تصنيفات استثمارية مرغوبة خلال تلك الفترة، في حين أن طوفان الديون في كل مكان تقريباً باستثناء الخليج جعل متوسط التصنيف الائتماني للأسواق الناشئة أقل بدرجة واحدة على الأقل مما كان عليه في السابق.

وعلى الرغم من أن بعض الدول تقول إن الاقتصادات المتقدمة التي لا يزال دينها يرتفع يتم التعامل معها بشكل أكثر تساهلاً من قبل شركات التصنيف، فإن أوضاع الأسواق الناشئة المالية ليست على ما يرام الآن.

ويشير المحلل السيادي و«مراقب السندات» في شركة «إم آند جي إنفسنمنتز»، إلدار فاخيتوف إلى توقعات صندوق النقد الدولي الأخيرة بأن متوسط العجز المالي في الأسواق الناشئة سيصل إلى 5.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام.

وقبل عام واحد فقط، كان الافتراض هو أن التوسع المالي للأسواق الناشئة في عام 2023 كان إجراءً لمرة واحدة سيتم عكسه بالكامل هذا العام. والآن من المتوقع أن يظل العجز المالي للأسواق الناشئة أعلى من 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي حتى نهاية فترة توقعات صندوق النقد الدولي في عام 2029.

إذن لماذا كل هذه الترقيات في التصنيفات الائتمانية؟

قال فاخيتوف: «بالنسبة لبعض الدول، فإن الأمر يتعلق بنقطة البداية»، موضحاً أنه على الرغم من اتساع العجز الحكومي، فإنه قد انخفض على الأقل عن مستويات ذروة جائحة «كوفيد - 19».

وهناك عدد قليل من الحكومات، مثل زامبيا، تحصل على دفعة طبيعية من الخروج من إعادة هيكلة الديون في حين يقوم عدد من الأماكن بإجراء تحسينات واضحة على سياساتها.

ومن المتوقع أن تشهد كل من تركيا، التي حصلت بالفعل على ترقيتين لمواجهة مشكلة التضخم بشكل مباشر، ومصر التي يبدو أنها تخلصت من مخاوف التخلف عن السداد، ترقيات متعددة الدرجات الآن، وفقاً لتسعير السوق.

وقال فاخيتوف إن «وكالات التصنيف تميل إلى أن تكون بطيئة، لذلك غالباً ما يستغرق الأمر منهم الكثير من الوقت لمنح الترقيات».

*مدفوعات القسائم

لم تتوقف عمليات خفض التصنيف تماماً. فقد أصدرت كل من وكالتي «موديز» و«فيتش» تحذيرات بشأن الصين على مدى الأشهر الستة الماضية، وأدت حرب إسرائيل إلى أولى عمليات تخفيض تصنيف لها على الإطلاق، وتم تجريد بنما من إحدى درجاتها الاستثمارية.

وبعد ثلاث سنوات من الإنفاق الكبير بسبب «كوفيد - 19»، لا بد من دفع الفواتير أيضاً. وتتوقع شركة «جي بي مورغان» أن يصل استهلاك ديون العملات الصعبة ومدفوعات قسائم الديون في الأسواق الناشئة إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 134 مليار دولار هذا العام.

وهذا يمثل ارتفاعاً قدره 32 مليار دولار عن العام الماضي، لذلك ليس من المستغرب إذن أن صانعي السياسات في الأسواق الناشئة يتوقون إلى بذل كل ما في وسعهم لرفع تصنيفاتهم وخفض تكاليف الاقتراض.

وشرحت وزيرة المالية الإندونيسية، سري مولياني إندراواتي، في لندن هذا الشهر كيف شككت في تقييم وكالات التصنيف عندما أبلغتهم خلال جائحة «كوفيد - 19» بأن إندونيسيا ستخفض عجزها إلى أقل من 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في غضون 3 سنوات.

وأضافت: «انتهى الأمر بأننا نجحنا في تعزيز الوضع المالي في عامين فقط. لذلك، أنا دائماً أقول لموظفي وكالات التصنيف، لقد نجحت في التحدي، لذا ينبغي عليكم ترقية تصنيف بلدي!».



«بنك اليابان» يفتح الباب أمام «مفاجأة مزدوجة»

علم اليابان يرفرف أمام مبنى «البنك المركزي» بالعاصمة طوكيو (رويترز)
علم اليابان يرفرف أمام مبنى «البنك المركزي» بالعاصمة طوكيو (رويترز)
TT

«بنك اليابان» يفتح الباب أمام «مفاجأة مزدوجة»

علم اليابان يرفرف أمام مبنى «البنك المركزي» بالعاصمة طوكيو (رويترز)
علم اليابان يرفرف أمام مبنى «البنك المركزي» بالعاصمة طوكيو (رويترز)

أرسل «بنك اليابان» إشارات تلمح إلى أن خطته لتشديد السياسة النقدية في يوليو (تموز) المقبل قد تكون أكبر مما تعتقد الأسواق، وربما يصاحبها حتى رفع أسعار الفائدة، في الوقت الذي يواصل فيه «البنك» تراجعه المطرد عن التحفيز النقدي الضخم.

وتسلط التلميحات المتشددة؛ التي صدرت على مدى الأسبوع الماضي، الضوء على الضغوط التي يواجهها «البنك المركزي» في أعقاب تراجع الين المتجدد، وهو مما قد يدفع بالتضخم إلى ما يزيد كثيراً على هدفه البالغ اثنين في المائة من خلال رفع تكاليف الواردات.

وقالت 3 مصادر مطلعة على تفكير «البنك» إنه على الرغم من صدمة السوق أو التباطؤ الاقتصادي الشديد، فإن رفع أسعار الفائدة سيكون مطروحاً على الطاولة في كل اجتماع للسياسة؛ بما في ذلك اجتماع يوليو المقبل. وقال أحد المصادر: «نظراً إلى ما يحدث مع التضخم، فمن الواضح أن أسعار الفائدة منخفضة للغاية». وقال مصدر آخر: «الكثير يتوقف على البيانات المقبلة، لكن رفع أسعار الفائدة في يوليو أمر محتمل». وهو الرأي الذي عبر عنه مصدر ثالث.

وحافظ «بنك اليابان» على أسعار الفائدة مستقرة حول الصفر هذا الشهر. ولكن المجلس ناقش الحاجة إلى رفع أسعار الفائدة في الوقت المناسب، وقد أشار أحد الأعضاء إلى فرصة فعل ذلك لمنع ضغوط التكلفة من دفع التضخم إلى الارتفاع بشكل مفرط، كما أظهر ملخص الاجتماع يوم الاثنين. وقد قُرئ ذلك إلى حد كبير بوصفه علامة على أن «البنك» يستعد للتحرك في الأمد القريب. وقال محافظ البنك، كازو أويدا، للصحافيين بعد الاجتماع، إنه لا يمكن استبعاد رفع أسعار الفائدة الشهر المقبل. وقد يكون لرفع أسعار الفائدة في اجتماع 30 و31 يوليو المقبل تأثير كبير على الأسواق، حيث يعتزم «بنك اليابان» أيضاً الإعلان عن خطة مفصلة حول كيفية تقليص مشترياته الضخمة من السندات وتقليص حجم ميزانيته العمومية البالغة 5 تريليونات دولار.

وقال أويدا إن «بنك اليابان» قد ينفذ خفضاً «كبيراً» في مشترياته من السندات، مما يشير إلى أن نطاق التخفيض قد يكون كبيراً لضمان تخلص الأسواق من قيود التحكم في منحى العائد، وهي السياسة التي جرى التخلي عنها في مارس (آذار) الماضي.

وكما هي الحال مع البنوك المركزية الأخرى، فإن تركيز «بنك اليابان» سيكون على صياغة خطة تتجنب التسبب في ارتفاعات غير مرغوب فيها في عائدات السندات. ولكن المخاوف بشأن ضعف الين تتطلب أيضاً أن تكون الخطة طموحاً بما يكفي لتجنب توقعات السوق المخيبة للآمال وإحداث انخفاضات حادة في العملة. وقالت المصادر إن المقايضة تعني أن «بنك اليابان» من المرجح أن يعلن عن خطة لتقليص المشتريات الشهرية بوتيرة ثابتة ومحددة، مع ترك بعض المرونة لضبط السرعة وفق الحاجة.

وبينما لا يوجد إجماع داخل «البنك» على التفاصيل، فإن إحدى الأفكار التي يجري تبادلها هي تصميم مماثل لتصميم «بنك الاحتياطي الفيدرالي» الأميركي الذي يقلص الشراء ميكانيكياً، وإن كان بمرونة أكبر. ويمكن لـ«بنك اليابان» فعل ذلك من خلال الإشارة إلى نطاق ضيق، بدلاً من رقم محدد، حيث سيقلص شراء السندات. وقال المصدرون إنه يمكنه أيضاً إدراج «بند الهروب» الذي يتعهد بإبطاء أو إيقاف التخفيض مؤقتاً إذا أصبحت الأسواق متقلبة للغاية. وقالوا إن «البنك» سوف «يخفض» التخفيضات عبر استحقاقات السندات المختلفة بطريقة لا تسبب تشوهات في منحى العائد. وقال إيزورو كاتو، كبير خبراء الاقتصاد في «توتان ريسيرش» والمراقب المخضرم لـ«بنك اليابان»، إن «البنك المركزي» يجب أن يوازن بين الحاجة إلى استقرار سعر الصرف والحاجة إلى استقرار سوق السندات. ولهذا السبب قد يسعى إلى تعميق التخفيضات في مشترياته من السندات كل ربع سنة. وقال كاتو: «إذا استمر الين في الضعف؛ فإن (بنك اليابان) قد يلجأ إلى خفض برنامجه لشرائه السندات ورفع أسعار الفائدة في يوليو المقبل. وقد لا يكون مجرد خفض برنامجه لشرائه كافياً لمنع الين من الهبوط أكثر».