أزمة ديون اليورو: هل أوروبا مستعدة لجولة أخرى؟

«المركزي» قلق من صدمات خارجية وسط هدوء أسواق السندات

تظهر كمية من الأوراق النقدية باليورو في هذا الرسم التوجيهي (رويترز)
تظهر كمية من الأوراق النقدية باليورو في هذا الرسم التوجيهي (رويترز)
TT

أزمة ديون اليورو: هل أوروبا مستعدة لجولة أخرى؟

تظهر كمية من الأوراق النقدية باليورو في هذا الرسم التوجيهي (رويترز)
تظهر كمية من الأوراق النقدية باليورو في هذا الرسم التوجيهي (رويترز)

بينما تبدو أسواق سندات حكومات منطقة اليورو هادئة بسبب احتمال خفض أسعار الفائدة في وقت مبكر من الشهر المقبل، لا يزال «المركزي الأوروبي» يشعر بالقلق بشأن صدمات خارجية.

بعد أكثر من عقد من سياسات «المركزي الأوروبي» النقدية غير العادية وتدخلاته المباشرة في سوق السندات، يبدو أن أزمة ديون حكومات اليورو المؤلمة التي عصفت بالمنطقة في الفترة 2010 - 2012 والتي هددت بتفكيك كتلة العملة، أصبحت بالنسبة إلى الكثيرين مجرد كابوس سيئ، وفق «رويترز».

وبصرف النظر عن إعادة هيكلة ديون اليونان المؤلمة، ربما كان حل قضية كيفية تدخَّل «المركزي الأوروبي» المتعدد الجنسيات لتخفيف اضطرابات الديون الداخلية بنفس أهمية المخاوف المتعلقة باستدامة الديون القومية.

وحتى خلال جائحة عام 2020 والأزمة الأوكرانية المرتبطة بالطاقة والدفاع التي أدت إلى تفاقم التضخم وارتفاع أسعار الفائدة، ظلت أقساط ديون حكومة اليورو فوق خط الأساس في ألمانيا هادئة نسبياً.

وبما أن واحدة من كبرى حملات رفع أسعار الفائدة من «المركزي الأوروبي» في تاريخ اليورو الممتد 25 عاماً تتجه الآن إلى الاتجاه المعاكس، فإن علاوات المخاطر هذه تظهر الآن في الغالب دون تغيير على الرغم من مغازلة المنطقة للركود وتخفيض أكثر من تريليوني يورو (2.17 تريليون دولار) في الميزانية العمومية المتضخمة للمصرف المركزي خلال 18 شهراً فقط.

وقد لعب التماسك السياسي والاقتصادي الأكبر لمنطقة اليورو -جزئياً بسبب التهديدات الجيوسياسية من الشرق– والثقة في براعة «المركزي الأوروبي» دوراً رئيسياً. وكذلك الحال بالنسبة للإدارة المالية المقيدة نسبياً -على الأقل عند مقارنتها بالإنفاق المالي الأميركي الهائل في السنوات الأخيرة.

ولكن في استعراضه نصف السنوي لتقرير الاستقرار المالي الذي صدر يوم الخميس، أعرب «المركزي الأوروبي» عن قلقه بشأن عدم كفاية تخفيض الديون، ومخاطر المستثمرين المفرطة، والتهديد الذي تشكله أي صدمات جيوسياسية أخرى على الوضع بأكمله.

وقال «المركزي الأوروبي»: «إن عدم وجود خطط للترسيخ المالي، إلى جانب مستويات الديون المرتفعة، يجعل الموازنات الوطنية عُرضة لتفاقم التوترات الجيوسياسية إذا استدعى ذلك زيادات في الإنفاق على الدفاع على سبيل المثال».

وأشار إلى أن ارتفاع فواتير الدفاع قد يجعل من الصعب استيعاب الاستثمارات الإضافية في مجالات مثل تغير المناخ والتكنولوجيا الرقمية، مما يؤدي إلى إضعاف إمكانات نمو منطقة اليورو بشكل أكبر ويُعرِّض أكوام الديون لمخاطر أعلى مما كانت عليه قبل الجائحة.

وقال التقرير: «الرياح المعاكسة الهيكلية لإمكانات النمو، الناتجة عن ضعف الإنتاجية على سبيل المثال، تثير مخاوف بشأن استدامة الديون على المدى الطويل، مما يجعل المالية العامة أكثر عُرضة للصدمات المعاكسة ويرفع المخاطر على آفاق الاستقرار المالي».

وفي حين أن المهمة الموكلة إلى تقارير الاستقرار المالي من هذا النوع هي تحديد سيناريوهات «أسوأ الحالات»، فقد استمر «المركزي الأوروبي» في القلق بشأن الكيفية التي قد تؤدي بها تصورات المستثمرين المنخفضة للمخاطر إلى إخفاء نقاط الضعف الأساسية والإفراط في المخاطرة.

وقال: «بسبب ارتفاع تكاليف الفائدة ومستويات الديون المرتفعة، قد يشهد بعض دول منطقة اليورو توسعاً كبيراً في الفروق إذا لم تتمكن من تعزيز مواقفها المالية. وقد يُثبت ذلك صعوبة، بالنظر إلى توقعات النمو الاقتصادي الضعيفة».

* محاكاة ضغوط السوق

سيخفف تخفيض أسعار الفائدة اعتباراً من الشهر المقبل الضغط على كل ذلك بالطبع، على الرغم من وجود جدل محتدم بين خبراء الاقتصاد في القطاع الخاص حول ما إذا كان «المركزي الأوروبي» نفسه قد بالغ في رد فعله على ارتفاع التضخم العالمي من خلال تشديد مفرط أدى إلى استنزاف الإنفاق الاستثماري نفسه وأضر بإمكانات النمو.

على أي حال، فإن استحضار أفكار حول «استدامة الدين» في حالة صدمات سياسية خارجية يثير ذكريات غير مريحة، وبالنسبة إلى البعض فإنه يثير أعمال التخطيط غير المكتملة من أزمة اليورو الوجودية قبل أكثر من عقد من الزمن.

وفي كتاب صدر مؤخراً بعنوان «يوروشوك» الذي يروي عملية إعادة هيكلة ديون اليونان المطولة والفوضوية في بعض الأحيان عام 2012 والتي كان أحد المفاوضين الرئيسيين في القطاع الخاص فيها، يشرح الخبير المالي المخضرم تشارلز دالارا النقص المثير للقلق في الاستعداد بين دول اليورو بشأن كيفية حل المأزق.

ويتذكر أنه لم تكن هناك في ذلك الوقت خطة مسبقة حول كيفية تنفيذ عمليات الإنقاذ السيادية أو المكان الذي يمكن أن يوجد فيه صندوق النقد الدولي، وكان هناك عدم رغبة في وقت مبكر حتى في التفكير فيما أصبحت أكبر عملية إعادة هيكلة للديون السيادية في التاريخ.

وفي حين تمّت معالجة كثير من الأمور في هذه الأثناء، وعادت اليونان منذ ذلك الحين بشكل مريح إلى أسواق السندات -حيث يتم تداول ديونها الآن بهامش مخاطر أقل من إيطاليا- يخشى دالارا من أنه لا يزال هناك إطار مؤسسي غير كافٍ للتعامل مع تكرار في حالة حدوث صدمة مستقبلية -مهما كان ذلك غير محتمل.

وقال دالارا لـ«رويترز» إن «آليات الاستقرار في أوروبا لا تزال غير كافية للتعامل مع أزمة ديون كبيرة في بلد أكبر بكثير مثل إيطاليا أو فرنسا». وأضاف أن صندوق النقد الدولي أيضاً كان متردداً في معالجة مسألة كيفية المشاركة في برنامج التكيف مع دولة تشكل جزءاً من اتحاد نقدي مثل منطقة اليورو».

ويعتقد دالارا، وهو الرئيس السابق لفترة طويلة لمجموعة الضغط المصرفية التي تتخذ من واشنطن مقراً لها معهد التمويل الدولي، أن أي برنامج تعديل كان ينبغي أن يكون على مستوى اليورو مع تجميع الالتزامات المتعلقة بالصناديق اللازمة لدعم الدول التي تعاني ضائقة مالية -وهذا لم يحدث أبداً.

* ماذا يجب أن يتم؟

وقال دالارا إنه بينما يسود الهدوء، فإن أزمة ديون سيادية أخرى يجب أن تكون «مناورة حرب» من المؤسسات الإقليمية متعددة الأطراف وأن تشمل المشاركين في السوق. ومن ثم سيقوم ذلك بتقييم «ظرف» التمويل الذي يمكن توفيره للتعامل معه ومن أين؟ ومَن سيوجه أي برنامج من هذا القبيل؟ وما إذا كان يجب على الدولة المدينة أن يكون لها مقعد عادل على الطاولة.

وقال: «هل ندخل فترة من الضعف المطرد حول التفاوتات المالية؟ أعتقد أن الإجابة هي أننا كذلك على الأرجح».

وأضاف: «إننا ندخل مرحلة ستصبح فيها إعادة توازن الحسابات المالية مشكلة كبرى مع تراجع التيسير الكمي، ومنح أسعار الفائدة الآن للحكومات فرصة أفضل لبناء بعض التوحيد لحساباتها المالية».


مقالات ذات صلة

المعارضة الهندية تعطّل البرلمان بسبب «أداني»

الاقتصاد أعضاء المؤتمر الهندي للشباب يحتجون ضد غوتام أداني ويطالبون باعتقاله (رويترز)

المعارضة الهندية تعطّل البرلمان بسبب «أداني»

تم تعليق عمل البرلمان الهندي بعد أن قام نواب المعارضة بتعطيله للمطالبة بمناقشة مزاعم الرشوة ضد مجموعة «أداني»، فيما انخفضت أسعار سندات «أداني»

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
الاقتصاد سكوت بيسنت يتحدث خلال فعالية انتخابية في آشيفيل بولاية نورث كارولينا (رويترز)

تعيين بيسنت وزيراً للخزانة الأميركية يحرك الأسواق العالمية

رحبت سوق السندات بتعيين سكوت بيسنت وزيراً للخزانة الأميركية يوم الاثنين، وسط توقعات بأن يقوم بفرض قيود على الدين الأميركي، مما دفع العوائد إلى التراجع.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
الاقتصاد شاشات تعرض مؤشر أسعار الأسهم الكوري المركب «كوسبي» وسعر الصرف الأجنبي في غرفة تداول العملات الأجنبية في سيول (رويترز)

اختيار بيسنت لمنصب وزير الخزانة يرفع أسعار السندات في الأسواق الآسيوية

ارتفعت سندات الخزانة الأميركية في الجلسة الآسيوية يوم الاثنين مع ترحيب المستثمرين في السندات باختيار سكوت بيسنت وزيراً للخزانة الأميركية.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
الاقتصاد أشخاص يعبرون الطريق في شينجوكو، طوكيو (رويترز)

اليابان تخطط لإنفاق 90 مليار دولار في حزمة تحفيزية جديدة

تفكر اليابان في إنفاق 13.9 تريليون ين (89.7 مليار دولار) من حسابها العام لتمويل حزمة تحفيزية جديدة تهدف إلى التخفيف من تأثير ارتفاع الأسعار على الأسر.

«الشرق الأوسط» (طوكيو )
الاقتصاد أوراق نقدية بقيمة 20 يورو (رويترز)

عائدات منطقة اليورو ترتفع مع تراجع المخاوف الجيوسياسية

ارتفعت عائدات السندات بمنطقة اليورو الأربعاء عاكسة بعض التحركات التي شهدتها في اليوم السابق عندما لجأ المستثمرون لأمان السندات بسبب مخاوف تصعيد الصراع بأوكرانيا

«الشرق الأوسط» (لندن)

نائبة محافظ «بنك إنجلترا»: خطر ارتفاع التضخم أكبر من انخفاضه

شخص يمشي أمام بنك إنجلترا في لندن (رويترز)
شخص يمشي أمام بنك إنجلترا في لندن (رويترز)
TT

نائبة محافظ «بنك إنجلترا»: خطر ارتفاع التضخم أكبر من انخفاضه

شخص يمشي أمام بنك إنجلترا في لندن (رويترز)
شخص يمشي أمام بنك إنجلترا في لندن (رويترز)

عبّرت نائبة محافظ بنك إنجلترا، كلير لومبارديللي، يوم الاثنين، عن قلقها بشأن احتمال ارتفاع التضخم إلى مستويات أعلى من التوقعات، مشيرة إلى أن هذا الخطر أكبر من احتمال انخفاضه. جاء ذلك في إطار دفاعها عن استراتيجية الخفض التدريجي لأسعار الفائدة.

وفي أول خطاب لها منذ انضمامها إلى بنك إنجلترا، في يوليو (تموز) الماضي، قالت لومبارديللي، خلال مؤتمر نظّمته كلية كينغز للأعمال: «أرى أن احتمالات المخاطر السلبية والإيجابية للتضخم متوازنة إلى حد كبير، لكن في الوقت الحالي، فإنني أكثر قلقاً بشأن العواقب المحتملة إذا تحقق السيناريو المرتفع؛ لأن ذلك قد يتطلب استجابة نقدية أكثر تكلفة».

وأوضحت لومبارديللي أن السيناريو الذي يشهد استقرار نمو الأجور عند نحو 3.5 في المائة إلى 4 في المائة، واستقرار التضخم عند 3 في المائة، بدلاً من هدف بنك إنجلترا البالغ 2 في المائة، سيكون من الصعب معالجته إذا أصبح هذا التوجه «الواقع الجديد» الذي يتوقعه كل من الشركات والمستهلكين.

ويعتقد بعض الاقتصاديين أن معدل التضخم بالمملكة المتحدة قد يرتفع إلى 3 في المائة مع بداية عام 2025.

وفي الأسبوع الماضي، أشار نائب آخر لمحافظ بنك إنجلترا، ديف رامسدين، إلى أن التضخم في بريطانيا قد ينخفض عن التوقعات الأخيرة للبنك، مما قد يتطلب تسريع خفض أسعار الفائدة.

وأضافت لومبارديللي أن التقارير الأولية لمؤشر مديري المشتريات، التي جرى نشرها الأسبوع الماضي، أظهرت تباطؤاً في الاقتصاد البريطاني، لكنها أكدت أنها لا تأخذ إشارة قوية من صدور بيانات مفردة.

وقالت: «نظراً للتأخيرات التي تتسم بها السياسات النقدية، من المهم ألا نتخذ خطوات متأخرة في حال تحرك الاقتصاد في هذا الاتجاه».

يُذكر أن بنك إنجلترا خفَّض أسعار الفائدة مرتين منذ أغسطس (آب) الماضي، ليصل بها إلى 4.75 في المائة بعد أن كانت قد بلغت أعلى مستوى لها في 16 عاماً عند 5.25 في المائة. وكان هذا الخفض أقل مقارنة بتلك التي قام بها كل من البنك المركزي الأوروبي والاحتياطي الفيدرالي الأميركي، وذلك بسبب المخاوف المتعلقة بالضغوط التضخمية في سوق العمل البريطانية.