مخاوف قطاع الصلب الصيني تتخطى «رسوم بايدن»

الطلب المحلي أكثر أهمية للصناعة

سوق لبيع الصلب بالجملة في شينيانغ شمال شرقي الصين (أ.ف.ب)
سوق لبيع الصلب بالجملة في شينيانغ شمال شرقي الصين (أ.ف.ب)
TT

مخاوف قطاع الصلب الصيني تتخطى «رسوم بايدن»

سوق لبيع الصلب بالجملة في شينيانغ شمال شرقي الصين (أ.ف.ب)
سوق لبيع الصلب بالجملة في شينيانغ شمال شرقي الصين (أ.ف.ب)

توجِّه مساعي الرئيس الأميركي جو بايدن، لزيادة الرسوم الجمركية على واردات الصلب الصينية ثلاث مرات، ضربةً رمزية في الغالب إلى صناعةٍ تواجه مخاوف أكبر بشأن تعثر الطلب المحلي وتهديدات برد فعل أقوى ضد الصادرات الصينية المتصاعدة.

ومن المتوقع أن يتقلص استهلاك الصلب في ثاني أكبر اقتصاد في العالم مرة أخرى هذا العام، حيث لم تصل أزمة العقارات الطويلة إلى القاع بعد، خصوصاً مع تباطؤ نمو الطلب على البنية التحتية بعد أن أمرت 12 منطقة مثقلة بالديون بوقف بعض المشاريع.

ويتوقع المعهد الصيني لتخطيط وأبحاث الصناعة المعدنية المدعوم من الدولة انخفاضاً بنسبة 1.7 في المائة في الطلب على الصلب في الصين هذا العام، بعد انخفاض بنسبة 3.3 في المائة في عام 2023.

وفي حين ارتفعت صادرات الصين من الصلب العام الماضي بأكثر من الثلث إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2016 عند 90.26 مليون طن متري، أي نحو 9 في المائة من إجمالي إنتاجها من الصلب الخام، ذهب 598 ألف طن فقط من الشحنات إلى الولايات المتحدة. ويمثل ذلك انخفاضاً بنسبة 8.2 في المائة عن الكميات التي جرى شحنها إلى الولايات المتحدة في العام السابق، وأقل من 1 في المائة من إجمالي صادرات الصلب الصينية بقيمة 85 مليار دولار في عام 2023.

والصين، أكبر مُنتج ومصدِّر للصلب في العالم، هي مجرد سابع أكبر مُصدِّر للصلب إلى الولايات المتحدة، مما يخفِّف من وطأة اقتراح بايدن برفع الرسوم الجمركية التي فرضها سلفه دونالد ترمب إلى 25 في المائة على بعض منتجات الصلب والألمنيوم.

وقال محلل لدى شركة لتجارة الصلب في الصين، رفض الكشف عن هويته، إنه لا يعتقد أنه سيكون هناك أي تأثير كبير، لأن الوجهات الرئيسية لصادرات الصلب الصينية هي اليابان وكوريا الجنوبية ودول الشرق الأوسط.

وبفضل انخفاض الأسعار المحلية، يسير صانعو الصلب والتجار الصينيون على الطريق الصحيحة لمطابقة صادرات العام الماضي أو تجاوزها، مع رفع مزوِّد المعلومات المحلي «لانغ ستيل» توقعاته إلى أكثر من 100 مليون طن لعام 2024 بعد أن فاقت شحنات مارس (آذار) التوقعات.

كما تثير منتجات الصلب الرخيصة في الصين شكاوى من خارج الولايات المتحدة. وفي أواخر العام الماضي، فرضت الهند رسوم مكافحة الإغراق على بعض واردات الصلب الصينية، بينما أعلنت المكسيك تعريفة تصل إلى 80 في المائة تقريباً. وأطلقت تايلاند تحقيقاً في واردات الصلب المدرفلة الصينية، ويحث صانعو الصلب البرازيليون حكومتهم على فرض تعريفة بنسبة 25 في المائة على الواردات.

وحدد تقرير صادر عن وكالة أبحاث صينية مدعومة من الدولة ما مجموعه 112 بياناً من الدول فيما يتعلق بتحركات مكافحة الإغراق ومكافحة الدعم على منتجات الصلب الصينية في عام 2023، بزيادة قدرها نحو 20 بياناً عن عام 2022.

وقال ديفيد كاشوت، مدير الأبحاث في شركة «وود ماكنزي» الاستشارية: «نتوقع مزيداً من الاحتكاكات التجارية هذا العام».

ومن غير المرجح أن يعوّض الدعم الأخير الذي قدمته بكين لهذا القطاع، وهو خطة لدعم تحديث المعدات في القطاعين الصناعي والزراعي وتسريع استبدال المستهلكين للسيارات والأجهزة المنزلية، انخفاض استهلاك الصلب من قطاع العقارات بشكل كامل.

وتتوقع مجموعة «سي آر يو» الاستشارية أنه سيجري إنشاء ما بين 8 و9 ملايين طن إضافية من الطلب على الصلب على مدى السنوات الأربع المقبلة بفضل هذه السياسة. وبالمقارنة، يتوقع معهد المعادن الحكومي أن ينخفض الطلب على البناء بمقدار 20 مليون طن، أو 4 في المائة، هذا العام.

وقال بعض المحللين إنهم يتوقعون أن ينمو استهلاك الصلب المعتمِد على البنية التحتية هذا العام بنسبة 1 إلى 2 في المائة فقط، مقارنةً بالتوقعات السابقة التي تتراوح بين 7 و8 في المائة، بعد أن دفعت مطالبة بكين عشرات الحكومات الإقليمية بتأجيل أو وقف بعض مشاريع البنية التحتية الممولة من الدولة، المناطق لتحذو حذوها.

وفي السنوات الأخيرة، فرضت بكين حدوداً قصوى على إنتاج الصلب لتقليل العرض والحد من انبعاثات الكربون، ويقول مراقبو الصناعة والمطّلعون على بواطن الأمور إن هناك حاجة إلى مزيد من التخفيضات في الإنتاج للحد من الطاقة الفائضة.

وقال لوه تيغون، نائب رئيس جمعية الحديد والصلب الصينية المدعومة من الدولة، في حدث صناعي هذا الأسبوع في جنوب الصين: «تواجه صناعة الصلب تناقضاً واضحاً -بين قدرة العرض القوية والطلب المتضائل». وقال لوه، حسب حساب «وي تشات» الخاص بالمجموعة: «المفتاح لمعالجة هذه المشكلة هو أن يأخذ كبار المنتجين زمام المبادرة في كبح وتيرة الإنتاج على أساس الطلب».

وفي مارس الماضي، ارتفعت صادرات الصلب الصينية إلى 9.89 مليون طن، وهو أعلى مستوى خلال شهر منذ يوليو (تموز) 2016، ليصل إجمالي الربع الأول إلى 25.8 مليون طن حتى مع انكماش إجمالي الصادرات في ثاني أكبر اقتصاد في العالم بشكل حاد.

وأظهرت بيانات من الجمارك وشركة «مايستيل» الاستشارية أن قيمة صادرات الصين من الصلب في الربع الأول بلغت 20.3 مليار دولار، وبلغ متوسطها 789 دولاراً للطن، وهو أعلى بكثير من الأسعار المحلية التي يبلغ متوسطها 4145 يواناً (572.30 دولار).

ومن المتوقع أيضاً أن يؤدي ضعف اليوان لفترة أطول مقابل الدولار، والذي يرجع جزئياً إلى تأخر تخفيضات سعر الفائدة من بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، إلى تسهيل صادرات الصلب.

لكنَّ الصادرات معرَّضة لعدم اليقين الناجم ليس فقط عن الاحتكاكات التجارية ولكن أيضاً عن ازدياد العرض في الخارج واحتمال فرض بكين حدوداً على الإنتاج.

ومن المؤكد أن الطلب العالمي على الصلب من المتوقَّع أن يرتفع بنسبة 1.7 في المائة ليصل إلى 1.793 مليار طن هذا العام، حسبما ذكرت رابطة الصلب العالمية.

وقال كيفن باي، المحلل في مجموعة «سي آي يو» ومقرها بكين: «على الرغم من أن بعض الدول تبني قدراتها الخاصة لتلبية الزيادة في الطلب المحلي، فإن هذا لا يمكن أن يلبّي الطلب بالسرعة الكافية، مما يعني أنه لا يزال هناك مجال للصلب من الصين».


مقالات ذات صلة

إيطاليا وأميركا تنتقدان الضرائب «التمييزية» على التكنولوجيا

الاقتصاد رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني والرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض، 17 أبريل (نيسان) 2025 (أ.ف.ب)

إيطاليا وأميركا تنتقدان الضرائب «التمييزية» على التكنولوجيا

أصدرت إيطاليا والولايات المتحدة بياناً مشتركاً ينتقد الضرائب «التمييزية» على الخدمات الرقمية في إشارة محتملة إلى أن روما تبتعد عن ضرائب تثير انزعاج واشنطن.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد موظف بنك يعد عملات من فئة 100 دولار (رويترز)

تعثر الضرائب على الشركات العملاقة وكبار الأثرياء في ظل ترمب

يعتبر التعاون الدولي في مواجهة التجنّب الضريبي من ضحايا هجوم الرئيس الأميركي دونالد ترمب على التعدّدية.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الاقتصاد مجسم لناقلة غاز طبيعي مسال وخلفها العلم الأميركي (رويترز)

الصين توقف واردات الغاز المسال من أميركا

أعلنت شركات طاقة صينية وقف استيراد الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة، في ظل تصاعد التوترات التجارية والسياسية بين البلدين.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد سيدة تحمل أكياس مشتريات خارج أحد المتاجر في العاصمة الصينية بكين (أ.ف.ب)

الصين تُصدر خطةً لتوسيع انفتاح قطاع الخدمات

أصدرت الصين، يوم الجمعة، خطةً لزيادة انفتاح قطاع الخدمات في البلاد، مقترحةً رفع القيود المفروضة على نسبة الأسهم الأجنبية لخدمات متجر التطبيقات.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد السيارات تمر بجانب البنك المركزي التايواني في تايبيه (أرشيفية - رويترز)

المركزي التايواني: الثقة في السندات الأميركية «قوية للغاية»

أكد البنك المركزي التايواني، يوم الجمعة، أن الثقة في السندات الأميركية «قوية للغاية»، مستبعداً أي احتمال لتخلفها عن السداد.

«الشرق الأوسط» (تايبيه )

إيطاليا وأميركا تنتقدان الضرائب «التمييزية» على التكنولوجيا

رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني والرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض، 17 أبريل (نيسان) 2025 (أ.ف.ب)
رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني والرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض، 17 أبريل (نيسان) 2025 (أ.ف.ب)
TT

إيطاليا وأميركا تنتقدان الضرائب «التمييزية» على التكنولوجيا

رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني والرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض، 17 أبريل (نيسان) 2025 (أ.ف.ب)
رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني والرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض، 17 أبريل (نيسان) 2025 (أ.ف.ب)

أصدرت إيطاليا والولايات المتحدة بياناً مشتركاً ينتقد الضرائب «التمييزية» على الخدمات الرقمية، يوم الجمعة، في إشارة محتملة إلى أن روما تبتعد عن ضرائب تثير انزعاج واشنطن.

جاء البيان في الوقت الذي عقدت فيه رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني اجتماعات متتالية مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونائبه جيه دي فانس، ونالت ترحيباً حاراً من الرئيس يتناقض مع معاملته الفاترة للقادة الأوروبيين الآخرين.

كانت الرسوم الأوروبية التي تستهدف عمالقة التكنولوجيا الأميركيين مثل «غوغل» التابعة لشركة «ألفابت»، و«فيسبوك» و«أبل» و«أمازون» مصدر إزعاج طويل الأمد للإدارات الأميركية، بما في ذلك إدارة ترمب، وفقاً لوكالة «رويترز».

وتطبق إيطاليا ضريبة تبلغ ثلاثة في المائة على الإيرادات من معاملات الإنترنت للشركات الرقمية التي لا تقل مبيعاتها عن 750 مليون يورو (نحو 853 مليون دولار).

وقالت روما وواشنطن، في أعقاب زيارة ميلوني للبيت الأبيض، أمس الخميس: «اتفقنا على أن وجود بيئة غير تمييزية فيما يتعلق بضرائب الخدمات الرقمية ضروري لجلب استثمارات من شركات التكنولوجيا المتطورة».

وجاء في البيان أن ترمب سيزور روما في المستقبل القريب، لكنه لم يوضح ما إذا كانت إيطاليا قد التزمت بإلغاء الضريبة.

كما رحب البيان المشترك بالاستثمارات الأميركية في الذكاء الاصطناعي والخدمات السحابية في إيطاليا لدعمها لكي تصبح مركزاً إقليمياً رئيسياً للبيانات في منطقة البحر المتوسط وشمال أفريقيا.