جيروم باول «حكَم» رئيسي في المنافسة بين بايدن وترمب

8 أشهر انتخابية ساخنة للعودة إلى البيت الأبيض

يحرص باول على ترداد الكلام عن استقلالية الاحتياطي الفيدرالي وعدم تدخله في السياسة (أ.ب)
يحرص باول على ترداد الكلام عن استقلالية الاحتياطي الفيدرالي وعدم تدخله في السياسة (أ.ب)
TT

جيروم باول «حكَم» رئيسي في المنافسة بين بايدن وترمب

يحرص باول على ترداد الكلام عن استقلالية الاحتياطي الفيدرالي وعدم تدخله في السياسة (أ.ب)
يحرص باول على ترداد الكلام عن استقلالية الاحتياطي الفيدرالي وعدم تدخله في السياسة (أ.ب)

حُسم الموضوع... فالولايات المتحدة تستعد لمباراة الانتخابات الرئاسية بين الرئيس الديمقراطي الحالي جو بايدن ونظيره السابق الجمهوري دونالد ترمب، بعدما ختم المرشحان ترشيحات حزبيهما. وهو ما أعاد إلى الواجهة مشهد عام 2020، ولكن مع انعكاس الأدوار: بايدن، الرئيس الحالي الذي ينافس على فترة ولاية ثانية كان حُرم منها ترمب، الذي عاد ولكن بوصفه منافساً.

يختلف المرشحان في كل شيء تقريباً، والأهم في مقاربة كل منهما للملفات الاقتصادية التي دخلت في صلب المعركة الانتخابية، خصوصاً في طريقة تعامل كل منهما مع رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول الذي كان ترشيحه للمرة الأولى لمجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي في عام 2011 من قبل الرئيس السابق باراك أوباما، ثم عيّنه ترمب في عام 2017 لرئاسة الاحتياطي الفيدرالي خلال فترة ولايته الأولى التي تمتد لأربع سنوات (خلف جانيت يلين التي باتت وزيرة للخزانة).

وفي عام 2021، أعاد بايدن ترشيح باول، حيث فرض هذا المسار على رئيس الاحتياطي الفيدرالي التعامل مع محورين «لدودين» كان عليه أن يقود إدارتيهما خلال أوقات اقتصادية مضطربة.

هناك تباين مفضوح في تعامل الرئيسين الحالي والسابق مع باول؛ فبايدن يُظهِر التزامه (ولو علناً) بعدم التدخل في السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي، حتى إنه أظهر دعمه له في أصعب أوقات ارتفاعات معدلات التضخم ولقدرة الاحتياطي الفيدرالي على خفض الأسعار. وقال مرة في إحدى المناسبات: «خطتي لمعالجة التضخم تبدأ باقتراح بسيط: احترام (بنك الاحتياطي الفيدرالي)، واحترام استقلاليته، وهو ما فعلته، وسأواصل القيام به».

بايدن المستفيد الأوحد من خفض أسعار الفائدة وهو ما يرغب به الناخبون لخفض تكاليف الاقتراض عليهم (أ.ب)

في حين كان نهج ترمب، ولا يزال، ممارسة الضغط على باول، وهو لم يُخفِ أبداً امتعاضه الشديد من سياسته. وبالعودة إلى عام 2018، اشتكى ترمب من باول، حين توجه إليه علناً قائلاً إن الاحتياطي الفيدرالي يرفع أسعار الفائدة بوتيرة سريعة للغاية ويضر سوق الأسهم. ولاحقاً، هدّد علناً بإقالة باول بسبب عدم خفض أسعار الفائدة ومساعدة الولايات المتحدة على منافسة الصين، فقال في إحدى المقابلات إن المشكلة الوحيدة التي تواجه الاقتصاد الأميركي هي مصرف الاحتياطي الفيدرالي، وشبّهه بلاعب غولف غير ماهر. حتى إنه قارن باول بالرئيس الصيني شي جينبينغ، طارحاً على مُحاوره سؤالاً: «مَن هو عدونا الأكبر، جاي باول أم الرئيس شي؟».

حتى ذلك الوقت، لم يفكر أي رئيس علناً في إقالة رئيس الاحتياطي الفيدرالي بسبب إدارته لسياسة نقدية اختلف معها. وموقف ترمب هذا أثار جدلاً واسعاً لأسباب عدة، ليس أقلها أنَّ الباحثين الدستوريين لم يكونوا متأكدين مما إذا كان الرئيس يتمتع بالسلطة القانونية للقيام بذلك.

ترمب يواصل شن هجوم لاذع على باول ويتهمه بممارسة العمل السياسي (رويترز)

القصف مستمر

لم تُطوَ صفحة الانتقادات مع خروج ترمب من البيت الأبيض، بل فُتحت مجدداً في حملة ترمب المتجددة إلى البيت الأبيض. فالرئيس السابق ذو اللسان السليط المعروف، لا يتوانى عن مواصلة ضغوطه على باول. لقد قال أخيراً في مقابلة تلفزيونية إنه سيسعى، في حال انتُخِب رئيساً للولايات المتحدة هذا العام، إلى تغيير باول الذي تنتهي ولايته في بداية عام 2026، متهماً إياه بـ«ممارسة العمل السياسي»، وأنه قد يعمد إلى خفض أسعار الفائدة لمساعدة الحزب الديمقراطي على الاحتفاظ بمقعد البيت الأبيض.

وذكرت صحيفة «وول ستريت» أن ترمب كان يفكر في اسم خليفة محتمل لباول، وأنه تم اقتراح 3 مرشحين محتملين عليه في أوائل مارس (آذار) خلال اجتماع في منزله بمارالاغو في فلوريدا، وهم: آرثر لافر الاقتصادي الليبرالي المعروف بأنه منن أشد المدافعين عن خفض الضرائب، وكيفن وارش، وهو عضو سابق في مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي وكان مستشاراً للرئيس جورج دبليو بوش في الفترة من 2002 إلى 2006، وكيفن هاسيت الذي كان رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين للبيت الأبيض في ولاية ترمب، لكنه ترك منصبه دون معرفة الأسباب.

باول لا يتناول أشخاصاً

من جانبه، نادراً ما أشار باول إلى الرئيس السابق بالاسم، أو تناول الضغوط السياسية بشكل صريح. ومع ذلك، فقد أدلى بتصريحات عديدة حول أهمية استقلالية المصرف المركزي. قال في يناير (كانون الثاني) 2019، بعد فترة وجيزة من إعلان ترمب أنه يفكر في إقالته: «لن نأخذ الاعتبارات السياسية في الاعتبار أبداً أو نناقشها كجزء من عملنا. نحن بشر. نحن نرتكب أخطاء. لكننا لن نرتكب أخطاء تتعلق بالشخصية أو النزاهة»، وفق ما ذكرت مجلة «ذي فورتشن». ويحاول باول اليوم أن يبقى بعيداً عن السياسة، وألا يُنظر إليه على أنه حصان في السباق الآتي في نوفمبر (تشرين الثاني)؛ إذ ردد أخيراً أن استقلالية المصرف المركزي عن النفوذ السياسي تُعد أمراً أساسياً لقدرة الاحتياطي الفيدرالي على مكافحة التضخم الذي سجَّل في يونيو (حزيران) من العام الماضي أعلى مستوياته في أكثر من 40 عاماً عند 9.1 في المائة.

وفي جلسة استماع يوم الأربعاء الماضي، أشار النائب باتريك ماكهنري، الجمهوري من ولاية كارولينا الشمالية الذي يرأس لجنة الخدمات المالية بمجلس النواب، إلى أن بعض الناس كانوا يتوقعون أن الاحتياطي الفيدرالي سوف يخفض أسعار الفائدة عدة مرات هذا العام، بينما توقع آخرون أنه لن يفعل شيئاً. ولدى سؤاله باول عن رأيه في ذلك، اكتفى بالإجابة: «أقول إن الأمر سيعتمد حقاً على الاقتصاد».

البيت الأبيض (رويترز)

معلوم أن استقلالية أي مصرف مركزي تشكل إحدى ركائز سياسة الاقتصاد الكلي الصحية. وفي الولايات المتحدة، يعمل الاحتياطي الفيدرالي بموجب تفويض يمنحه استقلالية عن الكونغرس والبيت الأبيض في معركتيه للسيطرة على التضخم والبطالة. وتعني هذه الاستقلالية أن السياسة النقدية والقرارات ذات الصلة يتم اتخاذها بشكل مستقل ولا تخضع لموافقة الحكومة الفيدرالية. ومع ذلك، يعيّن الرئيس حكام الاحتياطي الفيدرالي - ما يمنحه بعض النفوذ في توجه المصرف المركزي - ويجب أن يحظوا بموافقة الكونغرس.

يوم الأربعاء الماضي، ترك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة دون تغيير. لم يكن هذا مفاجئاً، حيث أشارت أحدث أرقام التضخم (3.2 في المائة في فبراير/ شباط، بعد 3.1 في المائة في يناير/ كانون الثاني) إلى أن استئناف ارتفاع الأسعار لن يكون مستبعداً.

إلا أن المشكلة هنا أنه إذا استغرق رفع أسعار الفائدة وقتاً طويلاً، فإن المصرف المركزي يخاطر بالانجرار إلى عالم السياسة الحزبية، قبل 8 أشهر من الانتخابات الرئاسية. مع العلم بأن هناك العديد من المفارقات المزدوجة الواضحة؛ أولها أن ترمب كان يؤيد دائماً أسعار الفائدة المنخفضة وشكاواه المتكررة ضد باول شاهد على ذلك، لكن مع التحضير للانتخابات الرئاسية الراهنة، بات الآن يتهم الاحتياطي الفيدرالي بمحاولة خفض أسعار الفائدة لمساعدة بايدن.

أما المفارقة الثانية، فهي أنه كلما تأخر باول في خفض أسعار الفائدة، قلّ التأثير الاقتصادي الحقيقي لقراره من الآن وحتى الانتخابات، ولكن سيتم النظر إلى هذه الخطوة سياسياً واستغلالها بشكل أكبر من قبل ترمب.

والحق يقال إن باول قد يجد صعوبة أكبر اليوم في تبديد الشكوك حول أنه يسعى لمساعدة الرئيس الحالي للبقاء في البيت الأبيض إذا خفّض الفائدة، حيث إن المشهد الاقتصادي ملائم لمصلحة بايدن (سوق وظائف حافظت على وقتها ونمو جيد بينما يعود التضخم إلى الانخفاض رغم أنه لم يصل بعد إلى هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2 في المائة).

وهناك احتمالات واسعة النطاق بأن الدوامة السياسية المعتادة للانتخابات ومعركة الاحتياطي الفيدرالي المستمرة ضد التضخم قد تتصادمان في الخريف؛ فمن المتوقع أن تبدأ الجولة الأولى من تخفيضات أسعار الفائدة في شهر يونيو (حزيران)، ومع الحديث عن 3 تخفيضات مرتقبة في أسعار الفائدة متوقعة لهذا العام، يبدو أن تخفيضات لاحقة ستأتي في الخريف، في خضم موسم الانتخابات.

وقالت كاثي بوستيانسيك، كبيرة الاقتصاديين في «نايشين وايد» لشبكة «سي إن إن» إنه «من المفترض أن يكون مصرف الاحتياطي الفيدرالي مؤسسة غير سياسية، وهو كذلك إلى حد كبير، لكنه موجود في واشنطن، لذا فهو ليس محصناً ضد ما يحصل بالنسبة إلى الانتخابات أو الشعور بالضغط إلى حد ما». وأضافت: «لكن مصرف الاحتياطي الفيدرالي لديه كل الغطاء الذي يحتاج إليه لخفض أسعار الفائدة في ذلك الوقت تقريباً إذا كان من الواضح أن البيانات الاقتصادية هي التي تقود هذا القرار».

في الختام، سيكون الاقتصاد والتوقعات المرتبطة به وقرارات الاحتياطي الفيدرالي من العوامل الحيوية في تحديد ما يفعله الناخبون الراغبون في خفض تكاليف الإقراض عليهم، عندما يتوجهون إلى صناديق الاقتراع في الخريف. ولا شك أنه اقتصاد كان لباول دور كبير في تشكيله. ولهذا السبب، فهو حقاً في وسط العاصفة، حتى لو رفض هذه الفكرة.


مقالات ذات صلة

سيناتور أميركي «قلق للغاية» حيال حقوق الإنسان في عهد ترمب

الولايات المتحدة​ السيناتور الديمقراطي بن كاردين (رويترز)

سيناتور أميركي «قلق للغاية» حيال حقوق الإنسان في عهد ترمب

قال السيناتور الديمقراطي بن كاردين، إنه يشعر بالقلق حيال تراجع الاهتمام بملف حقوق الإنسان في الولايات المتحدة، خلال الفترة الثانية للرئيس المنتخب دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن وحفيده بو بايدن خلال مغادرة البيت الأبيض والتوجه للمروحية الرئاسية (إ.ب.أ)

غزة وأوكرانيا على رأس أولويات بايدن قبل تركه البيت الأبيض

أمام الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، جو بايدن، قائمة طويلة من التحركات على الجبهتين الخارجية والداخلية، مع تبقي شهر واحد فقط قبل تركه رئاسة الولايات المتحدة.

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

منع المدعية ويليس من مقاضاة ترمب في قضية التدخل بنتائج الانتخابات في جورجيا

قضت محكمة استئناف في جورجيا، الخميس، بمنع المدعية العامة لمقاطعة فولتون، فاني ويليس، من مقاضاة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب والعديد من حلفائه.

«الشرق الأوسط» (أتلانتا)
المشرق العربي تصاعد الدخان عقب انفجار في قطاع غزة كما شوهد من جنوب إسرائيل (أ.ب)

بلينكن «متفائل» بإمكان التوصل لهدنة في غزة قبل انتهاء ولاية بايدن

أعلن وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أنّه ما زال «متفائلًا» بإمكان التوصّل خلال ولاية الرئيس جو بايدن إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل و«حماس».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الولايات المتحدة​ مؤيدون للرئيس المنتخب دونالد ترمب خلال الانتخابات الأخيرة (أرشيفية - أ.ف.ب)

ترمب يقاضي صحيفة وشركة لاستطلاعات الرأي توقعتا فوز هاريس في الانتخابات

رفع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب دعوى قضائية ضد صحيفة في ولاية أيوا وشركة استطلاعات رأي كانت وراء نشر توقع غير صحيح بفوز منافسته الديمقراطية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

«مجلس الأعمال السعودي - اليمني» يتطلع للمساهمة في إعادة الإعمار والتنمية المشتركة

«مجلس الأعمال السعودي - اليمني» يعقد اجتماعه في مكة المكرمة بحضور 300 رجل أعمال (الشرق الأوسط)
«مجلس الأعمال السعودي - اليمني» يعقد اجتماعه في مكة المكرمة بحضور 300 رجل أعمال (الشرق الأوسط)
TT

«مجلس الأعمال السعودي - اليمني» يتطلع للمساهمة في إعادة الإعمار والتنمية المشتركة

«مجلس الأعمال السعودي - اليمني» يعقد اجتماعه في مكة المكرمة بحضور 300 رجل أعمال (الشرق الأوسط)
«مجلس الأعمال السعودي - اليمني» يعقد اجتماعه في مكة المكرمة بحضور 300 رجل أعمال (الشرق الأوسط)

في إطار السعي لتحقيق التكامل الاقتصادي والتنمية المستدامة، يقود «مجلس الأعمال السعودي - اليمني» مبادرة «رؤية سعودية وتنمية يمنية 2030» التي تهدف إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية بين السعودية واليمن عبر تطوير المنافذ الحدودية، وإنشاء مناطق اقتصادية ومدن غذائية ذكية، مما يساهم في تسهيل حركة السلع والأفراد وزيادة حجم التبادل التجاري.

وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن حجم التبادل التجاري بين السعودية واليمن بلغ في عام 2023 نحو 6.3 مليار ريال (1.6 مليار دولار)، وقد استحوذت الصادرات السعودية على الحصة الكبرى. ورغم ذلك، فإن الواردات اليمنية لا تزال أقل من الإمكانات المتاحة، خصوصاًَ في قطاعات الزراعة، والثروة السمكية، والتعدين.

مشروعات لتعزيز التكامل

تتمثل أبرز مشروعات هذه المبادرة، التي يتبناها المجلس برئاسة الدكتور عبد الله بن محفوظ، في «إنشاء مناطق اقتصادية مشتركة، وتطوير البنية التحتية والخدمات اللوجيستية، وتعزيز الاستثمار في قطاعَي الزراعة والطاقة المتجددة. كما تشمل إنشاء محاجر متطورة لفحص المواشي والفواكه والخضراوات، مما يسهم في تحسين جودة السلع وزيادة صادرات اليمن الزراعية والحيوانية إلى السعودية. وتسعى هذه الجهود إلى تعزيز الأمن الغذائي للسعودية وتحقيق نمو اقتصادي لليمن».

وضمن الخطط المستقبلية لتعزيز الشراكة الاقتصادية، سينظَّم معرض سنوي بعنوان: «إعادة إعمار وتنمية اليمن»، في الرياض خلال الربع الأول من عام 2025. يهدف هذا المعرض إلى جذب المستثمرين من مختلف القطاعات وتعزيز الشراكات الثنائية بين الشركات السعودية ونظيرتها اليمنية.

رئيس «مجلس الأعمال السعودي - اليمني» عبد الله مرعي بن محفوظ

الاستثمارات اليمنية

وقال لـ«الشرق الأوسط» رئيس «مجلس الأعمال السعودي - اليمني»، الدكتور عبد الله بن محفوظ، إن «الاستثمارات اليمنية في السعودية شهدت نمواً ملحوظاً، فقد بلغت قيمتها نحو 18 مليار ريال (4.8 مليار دولار) حتى نهاية عام 2023، لتحتل المرتبة الثالثة عشرة عالمياً من حيث حجم الاستثمارات. تتركز هذه الاستثمارات في تجارة الجملة والتجزئة، خصوصاً المواد الغذائية والملابس والأدوات المنزلية، إضافة إلى قطاعات: المقاولات، والتصنيع، والخدمات اللوجيستية».

وأوضح بن محفوظ أن «هذا التوسع الاستثماري يعود إلى الدعم الذي توفره الحكومة السعودية للمستثمرين اليمنيين، عبر تسهيل إجراءات التراخيص، وتقديم الحوافز الاستثمارية، وضمان بيئة استثمارية مستقرة. ساهمت هذه العوامل في استقطاب رؤوس الأموال اليمنية إلى السعودية، مع تعزيز استفادة المستثمرين من الفرص الاقتصادية المتاحة».

تحديات الاستثمارات اليمنية

رغم التقدم الملحوظ، فإن الاستثمارات اليمنية تواجه تحديات كبيرة؛ أبرزها، وفق بن محفوظ، «عدم استقرار العملة المحلية اليمنية، والقيود المصرفية التي تعوق تحويل الأموال، وضعف البنية التحتية في اليمن، بالإضافة إلى النزاعات المسلحة التي تزيد من مخاطر الاستثمار، فيما يعاني النظام القضائي اليمني أيضاً من ضعف كفاءة تحصيل المستحقات التجارية، مما يؤثر سلباً على بيئة الأعمال».

ووصف بن محفوظ العلاقة الاقتصادية بين البلدين بأنها متميزة واستراتيجية، مشيراً إلى أن السعودية تعدّ الشريك الأكبر والداعم الرئيسي لليمن. وتُظهر الإحصاءات أن تحويلات المغتربين اليمنيين بالسعودية تمثل 62 في المائة من إجمالي تحويلاتهم عالمياً، مما يعكس الترابط الاقتصادي والاجتماعي الكبير بين البلدين. وتسهم الحدود المشتركة والمنافذ البرية في تعزيز التكامل الاقتصادي، بينما تدعم برامج مثل «البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن»، و«مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية»، مشروعات التنمية والبنية التحتية في اليمن.

مشروعات الزراعة والطاقة

تركز خطط «المجلس» المستقبلية على مشروعات واعدة تشمل استصلاح الأراضي الزراعية في اليمن، وإنشاء مراكز تعبئة للمحاصيل الزراعية وللثروة السمكية، إضافة إلى تطوير مشروعات المواشي، وأكد بن محفوظ أن اليمن يعدّ من أهم الأسواق الرئيسية للسعودية في توفير المنتجات الزراعية والحيوانية التي تتمتع بمزايا نسبية على مثيلاتها من سلع الدول الأخرى. ووفق بيانات إحصائية اقتصادية حديثة في 2022، فإن الإنتاج الحيواني يحتل المرتبة الثانية بعد الإنتاج الزراعي من حيث مساهمته في إجمالي الناتج المحلي لليمن بنسبة تزيد على 20 في المائة.

وتشير الإحصاءات اليمنية إلى أن أعداد الأبقار تصل إلى 7 ملايين رأس، والأغنام والماعز إلى 9 ملايين رأس لكل منهما، بالإضافة إلى 450 ألف رأس من الإبل. وتسهم هذه الموارد في تعزيز الناتج المحلي الإجمالي لليمن وتوفير الأمن الغذائي للسعودية، مع خلق فرص عمل وتقليل معدلات البطالة في اليمن.

ويرى رئيس «مجلس الأعمال السعودي - اليمني» أن تأسيس محاجر مخصصة للمواشي مع مرافق للحجر الصحي والفحوصات البيطرية في الجانب اليمني في المنافذ الحدودية المشتركة وتحت إشراف وزارة الزراعة السعودية، وبإشراف وتشغيل الجانب اليمني، مع تأسيس مناطق تخزين وفحص للفواكه والخضراوات، مزودة بأحدث تقنيات الكشف عن الآفات... سيكون ذا قيمة مضافة كبيرة لكلا البلدين، فمن جهة اليمن، سيعزز من زيادة دخل الفرد، وأيضاً سيساهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي لليمن، وتخفيض نسبة البطالة العالية في اليمن. ومن جهة أخرى، ستساهم زيادة الصادرات اليمنية بقطاعات الثروة الحيوانية، والسمكية، والزراعية، إلى السعودية في تحقيق أهداف السعودية في توفير الأمن الغذائي وتقليل استيرادها المنتجات الحيوانية والزراعية والسمكية من كثير من دول العالم.

ووفق بن محفوظ، يسعى «المجلس» أيضاً إلى تحسين القطاع المصرفي عبر التعاون مع البنوك اليمنية لتطوير الأنظمة التقنية والمالية، بما يعزز الشفافية ويسهل عمليات الدفع الإلكتروني. كما تركز الجهود على تنظيم قطاع الصرافة لتسهيل حركة التجارة والاستثمار بين البلدين.

في ظل هذه الجهود الطموحة، تشكل «رؤية سعودية وتنمية يمنية 2030» خريطة طريق لتحويل العلاقة الاقتصادية بين السعودية واليمن إلى شراكة استراتيجية حقيقية، تعزز الاستقرار والتنمية في اليمن، وتحقق أهداف «رؤية 2030» السعودية في بناء شراكات إقليمية قوية ومستدامة.