تواصل الصادرات غير النفطية في السعودية نموها بوتيرة مستدامة لتصل في الرُّبع الثالث من هذا العام إلى أعلى مستوياتها منذ الرُّبع الثاني من 2022. إذ بلغت 80 مليار ريال (21 مليار دولار) شاملةً إعادة التصدير في نهاية الرُّبع الثالث، وهو ما يمثل زيادة نسبتها 16.8 في المائة عن الفترة نفسها من العام الماضي.
ويعدّ تعزيز القطاع الخاص غير النفطي أحد الأهداف الرئيسة لـ«رؤية 2030»، حيث تعمل المملكة على تنويع اقتصادها، وتقليل الاعتماد على عائدات النفط الخام.
وكانت وكالة التصنيفات الائتمانية «موديز» رفعت تصنيفها للسعودية عند «إيه إيه 3» من «إيه 1» مع نظرة مستقبلية «مستقرة»، وربطت ذلك بتقدم المملكة المستمر في التنويع الاقتصادي والنمو المتصاعد لقطاعها غير النفطي. وتوقَّعت أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للقطاع الخاص بالسعودية بنسبة تتراوح بين 4 و5 في المائة في السنوات المقبلة.
وبحسب بيانات التجارة الدولية السعودية الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء عن الرُّبع الثالث من العام الحالي، فقد شهدت الصادرات غير النفطية ارتفاعاً بنسبة 16.8 في المائة إلى 80 مليار ريال، في حين ازدادت الصادرات الوطنية غير النفطية باستثناء إعادة التصدير بنسبة 7.6 في المائة لتسجل 57 مليار ريال (15.1 مليار دولار).
وارتفعت قيمة السلع المعاد تصديرها إلى ما نسبته 48.4 في الفترة نفسها لتُسجِّل 23 مليار ريال (6.1 مليار دولار)، في حين انخفضت الصادرات السلعية في الرُّبع الثالث من العام الحالي 7.7 في المائة لتصل إلى 276 مليار ريال (73.5 مليار دولار) عن الفترة ذاتها من 2023، وذلك نتيجةً لانخفاض الصادرات النفطية بنسبة 14.9 في المائة.
المنتجات الكيميائية
وانخفضت نسبة الصادرات النفطية من مجموع الصادرات الكلي من 77.3 في المائة خلال الرُّبع الثالث عام 2023، إلى 71.3 في المائة في الفصل الثالث من العام الحالي.
وكانت منتجات الصناعات الكيميائية من أهم سلع الصادرات غير النفطية، حيث شكَّلت 25.5 في المائة من الإجمالي، وارتفعت عن الرُّبع الثالث من العام الماضي بنسبة 5.3 في المائة. تليها اللدائن والمطاط ومصنوعاتهما لتمثل 24.9 في المائة، بارتفاع نسبته 8.9 في المائة عن الفصل الثالث من 2023.
وتعدّ الصين الوجهة الرئيسة لصادرات المملكة، التي شكَّلت ما نسبته 15.2 في المائة من إجمالي الصادرات في الرُّبع الثالث من 2024، تليها اليابان بنسبة 9.3 في المائة، ثم كوريا الجنوبية بنسبة 9.2 في المائة، وكانت كل من الهند، والإمارات، وأميركا، وبولندا، ومصر، والبحرين، وتايوان، من بين أهم 10 دول تم التصدير إليها، وبلغ مجموع الصادرات السعودية إلى تلك البلدان الـ10 ما نسبته 66.4 في المائة من الإجمالي.
إعادة التصدير
وقال مختصون لـ«الشرق الأوسط»، إن نمو الصادرات غير النفطية يعزِّز قدرات الاقتصاد الوطني، وإن ذلك يعكس جدوى تنويع الاقتصاد السعودي، وعدم الاعتماد على النفط مصدراً وحيداً للدخل، وفقاً لـ«رؤية 2030».
وأشار عضو مجلس الشورى فضل البوعينين، إلى أهمية النظر لحجم الصادرات السعودية غير النفطية خلال الرُّبع الثالث من عام 2024 من جانبين رئيسين، أولهما ما تحقق من نمو فيها بنسبة 16.8 في المائة، وهي قفزة مهمة تعزز قدرة الاقتصاد السعودي على مواصلة تعزيز الصادرات غير النفطية التي تركز عليها برامج «رؤية 2030» ومستهدفات التنوع الاقتصادي. والثاني مرتبط بقيمة السلع المعاد تصديرها، التي نمت بنسبة 48.4 في المائة، وهو ما عدّه البوعينين نمواً كبيراً يعكس قدرة المملكة على لعب دور محوري في المنطقة في إعادة التصدير التي يمكن أن تسهم في تحفيز الصادرات، وتعزيز مكانة المملكة مركزاً لوجيستياً عالمياً.
وأوضح أن ارتفاع قيمة الصادرات بالمقارنة مع الرُّبع الثاني من العام الحالي بمقدار بلغ 37.2 مليار ريال (9.92 مليار دولار)، وبنسبة 15.6 في المائة، يعني استدامة النمو في الصادرات وبوتيرة متصاعدة، و«هذا أمر مهم دون شك».
المناطق الاقتصادية الحرة
ويعتقد عضو مجلس الشورى أن مواني المملكة على البحر الأحمر والخليج العربي قادرة على لعب دور محوري في إعادة التصدير، مدعومة بالمناطق الاقتصادية الحرة وما تمتلكه المملكة من بنى تحتية ومنظومة نقل ودعم لوجيستي.
وأضاف: «تحسُّن الطلب العالمي، خصوصاً في قطاع البتروكيميائيات، الذي استأثر بالنسبة الكبرى من الصادرات، أسهم في تحقيق هذا النمو. غير أن الأوضاع الاقتصادية العالمية قد تواجه بعض التحديات ما ينعكس سلباً على الطلب العالمي، وهذا قد يفتح الباب أمام أهمية تنويع الصادرات التي باتت في طريقها الصحيح».
وشدَّد على أن انعكاس نمو الصادرات كبير على الاقتصاد، في جوانب مختلفة، منها تنويع مصادر الاقتصاد، ونمو الإنتاج المحلي، وتحقيق جانب مهم من مستهدفات الرؤية، و«هو أمر يحتاج إلى توسع في الإنتاج في القطاعات غير النفطية، وزيادة الصادرات، وتحقيق الاستدامة، وتعزيز النمو الكلي للاقتصاد».
تطوير الخدمات اللوجيستية
من جهته، ربط المستشار وأستاذ القانون التجاري الدولي، الدكتور أسامة العبيدي لـ«الشرق الأوسط»، تسجيل الصادرات غير النفطية ارتفاعاً كبيراً في الرُّبع الثالث من هذا العام مقارنةً مع الفترة ذاتها من 2023، بارتفاع صادرات منتجات صناعات البتروكيميائيات، وبشكل خاص اللدائن والمطاط ومصنوعاتهما.
وشرح أن هذا الارتفاع يعكس جدوى تنويع الاقتصاد السعودي، وعدم الاعتماد على النفط مصدراً وحيداً للدخل، وفقاً لـ«رؤية 2030»، ونجاح الاستثمارات الضخمة التي تم ضخها من قبل الدولة لتطوير المواني والخدمات اللوجيستية، مثل ميناء الملك عبد العزيز بالدمام، وميناء جدة الإسلامي، وكذلك تطوير مطارات المملكة المحلية والإقليمية والدولية، إلى جانب تشجيع الصناعة المحلية وبشكل خاص الكيميائيات، والمواد الغذائية، والأدوية، وغيرها من الصناعات التي أصبح عليها طلب في الأسواق الخارجية.