بكين تسعى لتعزيز التعاون مع واشنطن رغم التحوّل في العلاقات التجارية

أكدت أنها لا تقف ضد النظام الدولي القائم

مجموعة من قطارات «الرصاصة» فائقة السرعة في محطة بمدينة نانجينغ شرق الصين (أ.ف.ب)
مجموعة من قطارات «الرصاصة» فائقة السرعة في محطة بمدينة نانجينغ شرق الصين (أ.ف.ب)
TT

بكين تسعى لتعزيز التعاون مع واشنطن رغم التحوّل في العلاقات التجارية

مجموعة من قطارات «الرصاصة» فائقة السرعة في محطة بمدينة نانجينغ شرق الصين (أ.ف.ب)
مجموعة من قطارات «الرصاصة» فائقة السرعة في محطة بمدينة نانجينغ شرق الصين (أ.ف.ب)

أكد مسؤول صيني رفيع أن بكين لا تسعى لإعادة تشكيل النظام العالمي وتتطلع لتعزيز التعاون مع الولايات المتحدة، في تحوّل جديد عن خطابات بكين المتشددة السابقة.

وقال ليو جيانتشاو، رئيس القسم الدولي في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، خلال مناسبة لإحياء مرور 45 عاما على قيام العلاقات بين بكين وواشنطن، نقلا عن الرئيس شي جينبينغ، إن الصين «لن تخوض حربا باردة ولا ساخنة مع أي طرف». وأضاف أمام مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك أن «الناس في آسيا يتعاملون بطريقتهم الخاصة مع بعضهم بعضا، والتي تثمّن السلام قبل كل شيء والسعي لحلول سلمية للنزاعات كافة».

وتابع ليو: «لا تسعى الصين لتغيير النظام الدولي القائم. نحن من بناة النظام العالمي الحالي واستفدنا منه»، وقال أيضا إنه «مع دخول العالم في فترة اضطرابات وتحوّلات، تعتمد شعوب جميع البلدان على الصين والولايات المتحدة في تولي زمام المبادرة لحل مزيد من القضايا العالمية»، مشيراً إلى التعاون الذي شهدته قمة «كوب 28» للمناخ في دبي أواخر العام الماضي.

وتأتي زيارة ليو في أعقاب قمة عقدت في نوفمبر (تشرين الثاني) بين شي والرئيس الأميركي جو بايدن، والتي وافقت الصين خلالها على التعامل مع مخاوف أميركية رئيسية.

وتعد إدارة بايدن أن بكين تمثّل أكبر تحد لهيمنة الولايات المتحدة، رغم أنها اتبعت نهجا أكثر اعتدالا مقارنة بما كانت عليه الحال في عهد دونالد ترمب الذي جعل معارضة الصين من أبرز القضايا التي يركّز عليها.

*فك الارتباط

ورغم لهجة ليو التصالحية، تشير المعطيات التجارية الصادرة مؤخرا إلى احتمال فك الارتباط بين اقتصادي الولايات المتحدة والصين، أكبر شريك تجاري لواشنطن منذ عقد، مع تراجع حصتها في السوق وحلول المكسيك مكانها.

ويتكرر الحديث مرة تلو أخرى عن «فك الارتباط» أو «الحد من المخاطر» فيما يتعلّق بالصين، سواء داخل إدارة الرئيس جو بايدن أو لدى خصومه الجمهوريين بقيادة دونالد ترمب، في عام يشهد انتخابات رئاسية يرجّح أن يشكّل ملف الصين أحد أبرز محاور النقاش المرتبطة بالسياسة الخارجية خلالها.

لكن الواقع ليس بالضرورة بهذه البساطة، وفق ما يؤكد محللون، مشيرين إلى تنامي تعقيد سلاسل الإمداد التي تزيد من صعوبة الحد من التدفق التجاري بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم.

ولا شك ظاهريا في وجود تباعد بين اقتصادي الولايات المتحدة والصين حاليا. من حيث القيمة المطلقة، لم تتراجع الواردات الصينية بشكل كبير لكن التراجع يعد كبيرا عندما يتعلّق الأمر بالحصة السوقية.

وأوضحت خبيرة الاقتصاد المتخصصة بالتجارة الدولية في جامعة كاليفورنيا كارولاين فرويند أن حصة الصين من الواردات الأميركية تراجعت من 22 في المائة عام 2017، إلى 16 في المائة حاليا. وقالت لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «إنه تراجع كبير جدا في حصة الصين في الواردات الأميركية... يعيدها إلى المستوى الذي كانت عليه الصين عام 2007، قبل الأزمة المالية العالمية».

وأكدت فرويند أن «فك الارتباط يتم بلا شك»، مضيفة أن الأمر غير مرتبط بالضرورة بتراجع الواردات من الصين، بل هو نتيجة توسع التجارة بشكل متسارع مع شركاء آخرين على غرار المكسيك.

وتظهر البيانات التجارية التي نشرتها وزارة التجارة الأميركية ازديادا لافتا في الواردات المكسيكية، خصوصا بفضل الاتفاقية الأميركية المكسيكية الكندية.

لكن المكسيك ليست الرابح الوحيد، إذ إن دولا آسيوية، وخصوصا فيتنام، تستفيد بشكل كبير من إعادة رسم مشهد التجارة عبر المحيط الهادي.

ويقول سفير المكسيك السابق لدى واشنطن أرتورو ساروخان لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نعم، انتزعت المكسيك جزءا، لكن الجزء الأكبر من نقل الإنتاج بعيدا من الصين بات في تايوان وكوريا الجنوبية والهند وفيتنام».

ويعود السبب الرئيسي في هذا الانتقال، وفق محلل «دراغومان غلوبال» هنري ستوري، إلى أن هذه البلدان تستفيد من قربها جغرافيا من الصين وهي قادرة تاليا على جذب استثمارات صينية.

وشهدت فيتنام خصوصا ازديادا في صادراتها إلى الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، إذ ارتفعت من 21 مليار دولار في 2012 إلى 136 مليار دولار في 2022 لتصبح أحد أهم شركائها التجاريين، رغم أن معظم العمليات هناك تقتصر على التجميع النهائي.

وزارت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين الدولة الواقعة في جنوب شرقي آسيا الصيف الماضي، حيث شددت على أهمية فيتنام في سلاسل الإمداد الأميركية بمعزل من الصين، ما يسلّط الضوء على التحوّل الكبير في العلاقات التجارية الأميركية.

وبينما استخدمت صورة ليلين على دراجة «سكوتر» كهربائية تم تجميعها في فيتنام رمزا للزيارة، كشفت وسائل الإعلام الأميركية لاحقا أنه تبيّن أن معظم قطعها منتجة في الصين. ويصعب تعقّب مصدر المنتجات التي تدخل إلى الولايات المتحدة وإن كانت ملصقات «صُنع في» الشهيرة تدل على الدولة التي تمّت فيها مرحلة التجميع في معظم الأحيان. وبالتالي، يسهل على الشركات الصينية الالتفاف على القيود التجارية.

وأوضح ستوري أنه «على الرغم من أن الصين تخسر حصة في السوق، أعتقد أن الصادرات ما زالت إجمالا قوية جدا». وأضاف «منذ فرض دونالد ترمب الرسوم الجمركية في 2018، باتت المناطق ذات الصادرات الأكثر نموا هي المقاطعات الواقعة في وسط وغرب الصين».

بدورها، أشارت فرويند إلى أن «حصة القيمة المضافة من الواردات الأميركية من الصين تراجعت أقل من الواردات المباشرة... لذا، نحصل على واردات غير مباشرة من الصين عبر مناطق بينها المكسيك وفيتنام».

ويبدو انعكاس ذلك جليا في المكسيك حيث تزداد الاستثمارات الصينية التي كانت حتى الآن منخفضة للغاية، في شكل كبير، ما يثير قلق واشنطن.

وقال السفير السابق ساروخان إن «المكسيك معزولة إذا ما قورنت بباقي أميركا اللاتينية نظرا إلى أن البصمة الصينية في المكسيك بعيدة بأشواط عما هي عليه في بلدان أميركا الجنوبية التي تصدّر السلع الأساسية». وأضاف أنه على الرغم من أنها ليست دولة مصدّرة للسلع الأساسية، إلا أنه كانت هناك «زيادة في الاستثمارات الصينية في المكسيك».

وتراقب واشنطن من كثب تطور هذه العلاقة. وخلال زيارة لمكسيكو مطلع ديسمبر (كانون الأول)، اتفقت جانيت يلين مع وزيرة الاقتصاد راكيل بوينروسترو سانشيز على تأسيس مجموعة عمل أميركية مكسيكية لتقييم الاستثمارات الصينية في البلاد، وخصوصا في قطاعات تعدها الولايات المتحدة رئيسية.


مقالات ذات صلة

لبنان مهدد بالانتقال إلى القائمة «الرمادية» لغسل الأموال في الخريف

المشرق العربي صندوق النقد الدولي بدأ منذ هذا العام بحجب التوقعات والبيانات المالية الخاصة بلبنان (رويترز)

لبنان مهدد بالانتقال إلى القائمة «الرمادية» لغسل الأموال في الخريف

عزّزت ظاهرة حجب البيانات المالية الخاصة بلبنان من قبل المؤسسات المالية العالمية ووكالات التصنيف الائتماني الدولية منسوب الريبة من سياسة عدم الاكتراث الحكومية.

علي زين الدين (بيروت)
شمال افريقيا عزيز أخنوش رئيس الحكومة المغربية (الشرق الأوسط)

قرضان للمغرب لـ«تحسين الحوكمة الاقتصادية»

قال البنك الأفريقي للتنمية، الجمعة، إنه قدّم للمغرب قرضين بقيمة 120 مليون يورو (130 مليون دولار) لكل منهما؛ بهدف تمويل منطقة صناعية.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
الاقتصاد جانب من اجتماع وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي ألب أرسلان بيرقدار مع رئيس شركة «روساتوم» الروسية المنفذة لمشروع محطة الطاقة النووية «أككويوو» في جنوب تركيا بإسطنبول الأسبوع الماضي (من حساب الوزير التركي على «إكس»)

«المركزي» التركي: لا خفض للفائدة قبل تراجع الاتجاه الأساسي للتضخم

استبعد مصرف تركيا المركزي البدء في دورة لخفض سعر الفائدة البالغ حالياً 50 في المائة قبل حدوث انخفاض كبير ودائم في الاتجاه الأساسي للتضخم الشهري

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الاقتصاد صيدلية في أحد شوارع منطقة مانهاتن بولاية نيويورك الأميركية (أ.ف.ب)

ارتفاع معتدل لأسعار السلع الأميركية في يونيو

ارتفعت أسعار السلع في الولايات المتحدة بشكل معتدل في يونيو الماضي

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد بريطانيون يحتسون القهوة على ضفة نهر التيمز بالعاصمة لندن (رويترز)

بريطانيا تتأهب للكشف عن «فجوة هائلة» في المالية العامة

تستعد وزيرة المال البريطانية الجديدة رايتشل ريفز للكشف عن فجوة هائلة في المالية العامة تبلغ 20 مليار جنيه إسترليني خلال كلمة أمام البرلمان يوم الاثنين.

«الشرق الأوسط» (لندن)

قطاع التعدين السعودي يوفر فرصاً استثمارية للشركات البرازيلية

وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي بندر الخريف خلال لقائه الرئيس التنفيذي لشركة «فالي» التعدينية إدواردو بارتولوميو في البرازيل (واس)
وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي بندر الخريف خلال لقائه الرئيس التنفيذي لشركة «فالي» التعدينية إدواردو بارتولوميو في البرازيل (واس)
TT

قطاع التعدين السعودي يوفر فرصاً استثمارية للشركات البرازيلية

وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي بندر الخريف خلال لقائه الرئيس التنفيذي لشركة «فالي» التعدينية إدواردو بارتولوميو في البرازيل (واس)
وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي بندر الخريف خلال لقائه الرئيس التنفيذي لشركة «فالي» التعدينية إدواردو بارتولوميو في البرازيل (واس)

بحث وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي بندر الخريف مع الرئيس التنفيذي لشركة «فالي» التعدينية إدواردو بارتولوميو في البرازيل، السبت، الفرص الاستثمارية الواعدة التي يوفرها قطاع التعدين السعودي أمام الشركات البرازيلية، والخطط التوسعية للمستثمرين البرازيليين في المملكة.

وكانت السعودية قد استحوذت، مؤخراً، على حصة 10 في المائة في شركة «فالي» للمعادن الأساسية، من خلال شركة «منارة للمعادن»، وهي مشروع مشترك بين «صندوق الاستثمارات العامة» وشركة «معادن».

كما بحث اللقاء أهمية استخدام التقنيات الحديثة في المشاريع التعدينية، بما يؤدي إلى كفاءة الإنتاج ويعزز الاستدامة البيئية، وصولاً إلى الحياد الكربوني في العقود المقبلة.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة «فالي»، خلال الاجتماع، إنه جرى تقديم دعم كبير للشركة عند استثمارها في المملكة، حيث تم تسهيل ممارستها للأعمال، خصوصاً عند إنشائها مشروع تكوير الحديد بمنطقة رأس الخير (شرق المملكة).

وتمتلك البرازيل ثروة تعدينية هائلة، وخبرة واسعة في التنقيب عن المعادن واستغلالها، ما يجعلها شريكاً مهماً للمملكة في قطاع التعدين، خصوصاً أن البلدين تربطهما علاقات ثنائية راسخة تمتد لأكثر من 50 عاماً، ترتكز في الجانب الاقتصادي على تعاونٍ مهمٍ في قطاعي الطاقة والمعادن.

وتعمل المملكة على تطوير قطاع التعدين، واستكشاف واستغلال ثروات معدنية دفينة في أراضيها، تقارب قيمتها 9.4 تريليون ريال؛ وذلك لتعظيم استفادة الاقتصاد الوطني من التعدين، وليكون ركيزة ثالثة في الصناعة، وترى السعودية أن تعزيز التعاون الدولي وبناء الشراكات، ضرورة ملحة لتطوير القطاع ومواجهة تحديات سلسلة توريد المعادن.

ولجذب المستثمرين لقطاع التعدين اتخذت المملكة إجراءات لتحسين البيئة الاستثمارية، منها تعديل نظام الاستثمار التعديني، وإطلاق ممكنات وحوافز في قطاع التعدين بما في ذلك التمويل المشترك بنسبة 75 في المائة للنفقات الرأسمالية، وإعفاء من الرسوم الضريبية لمدة 5 سنوات، وملكية أجنبية مباشرة بنسبة 100 في المائة. وفي أبريل (نيسان) 2024 أعلنت وزارة الصناعة والثروة المعدنية عن برنامج تمكين الاستكشاف، وخصصت 182 مليون دولار لتقليل مخاطر الاستثمارات في الاستكشاف.

ولمساعدة المستثمرين على اتخاذ قراراتهم الاستثمارية بوضوح والتزاماً بمعايير الشفافية في بيئة الاستثمار التعدينية؛ تتيح المملكة جميع البيانات الجيولوجية التي يتم تحديثها بشكل مستمر بناءً على نتائج برنامج المسح الجيولوجي العام، لتضاف للمعلومات الجيولوجية التي يمتد عمرها لأكثر من 80 عاماً، وتتاح جميع البيانات على منصة رقمية.

وأعلنت السعودية، مؤخراً، عن تأسيس البرنامج الوطني للمعادن، الذي سيكون أداة قوية وداعمة لتعزيز جودة وكفاءة سلاسل الإمداد من المعادن، وضمان استمرارية توريدها للصناعات المحلية والمشاريع الكبرى؛ حيث تستهدف المملكة استثمار 120 مليار ريال في صناعات المعادن الأساسية والاستراتيجية.