الاستيلاء على سفن البحر الأحمر يهزّ التجارة العالمية

مخاوف بشأن التأثير في تدفق النفط والحبوب والسلع... وأقساط التأمين

سفينة الشحن «غالاكسي ليدر" التي استولى عليها الحوثيون قبالة شاطئ ميناء الصليف على البحر الأحمر في محافظة الحديدة باليمن (إ.ب.أ)
سفينة الشحن «غالاكسي ليدر" التي استولى عليها الحوثيون قبالة شاطئ ميناء الصليف على البحر الأحمر في محافظة الحديدة باليمن (إ.ب.أ)
TT

الاستيلاء على سفن البحر الأحمر يهزّ التجارة العالمية

سفينة الشحن «غالاكسي ليدر" التي استولى عليها الحوثيون قبالة شاطئ ميناء الصليف على البحر الأحمر في محافظة الحديدة باليمن (إ.ب.أ)
سفينة الشحن «غالاكسي ليدر" التي استولى عليها الحوثيون قبالة شاطئ ميناء الصليف على البحر الأحمر في محافظة الحديدة باليمن (إ.ب.أ)

صعّد الحوثيون في اليمن هجماتهم على السفن التي تمر عبر البحر الأحمر خلال الحرب بين إسرائيل و«حماس»، مما أثار مخاوف بشأن التأثير في تدفق النفط والحبوب والسلع الاستهلاكية عبر شريان تجاري عالمي رئيسي، وبشأن انعكاس هذه الأحداث على أقساط التأمين.

تقول «ستاندرد آند بورز» إن استيلاء الحوثيين على سفينة شحن حاملة سيارات قبالة سواحل اليمن في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أعاد أقساط الحرب للنفط والشحن، إذ إنه في صباح اليوم التالي للحدث، افتتحت العقود الآجلة لخام برنت على ارتفاع، فقد ارتفعت بنسبة 0.72 في المائة إلى 81.19 دولار للبرميل في بداية التداول.

وقالت فاندانا هاري، المؤسِّسة والرئيسة التنفيذية لشركة «فاندا إنسايتس» ومقرها سنغافورة: «لم يكن لدى النفط الخام أي علاوة مخاطر تقريباً بسبب الصراع بين إسرائيل و(حماس) لأكثر من أسبوعين. لكن من المرجح أن يعيد هذا الحادث التسبب في بعض علاوة الحرب».

ليس لدى الكثير من شركات نقل الغاز الطبيعي المسال التي تنقل البضائع الأميركية إلى شمال شرقي آسيا خيار سوى عبور قناة السويس، إذ أدى الجفاف التاريخي إلى تقييد عدد الفتحات المتاحة عبر قناة بنما. ويفكر المشترون الآخرون للغاز الطبيعي المسال الأميركي في فصل الشتاء في المسار حول رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا لتقليل المخاطر.

وأفاد مسؤول في شركة شحن الغاز الطبيعي «كوغاس» بأنه لا توجد مشكلة تُذكَر بالنسبة إلى ناقلات الغاز الطبيعي المسال «التي تستخدم قناة السويس في الوقت الحالي، على الرغم من الاستيلاء على ناقلة سيارات في البحر الأحمر، ومن غير المرجح أن يؤثر الوضع في نظرنا في طرق الشحن».

تستغرق شحنة الغاز الطبيعي المسال من ساحل الخليج الأميركي ما بين 12 و14 يوماً أخرى للوصول إلى شمال شرقي آسيا عبر قناة السويس أو رأس الرجاء الصالح مقابل قناة بنما بتكلفة تتراوح بين 160 ألف دولار و165 ألف دولار في اليوم، ويمكن أن تؤدي طرق الشحن الأطول هذه إلى زيادة تكلفة التوريد.

وقال مونرو أندرسون، رئيس العمليات في شركة «فيسيل بروتكت»، التي تقيّم مخاطر الحرب في البحر وتقدم المساعدة، إن جميع السفن في هذا الممر المائي تواجه «عدداً كبيراً من المخاطر المعقدة... التي تلعب دوراً مهماً في المعدلات الحالية للتأمين البحري».

ولفت إلى أن الهجوم ومحاولات الضرب هذا الأسبوع تُظهر التهديد المتنامي للسفن في البحر الأحمر، وتمثل «عائقاً كبيراً» أمام الشحن التجاري في المنطقة. وقال: «يمثل الحادث الأخير درجة أخرى من عدم الاستقرار الذي يواجه المشغلين التجاريين داخل البحر الأحمر والذي من المرجح أن يستمر في رؤية معدلات مرتفعة على المدى القصير إلى المتوسط».

ونقلت وكالة «أسوشييتد برس» عن ديفيد أوسلر، محرر التأمين في «لويدو ليست إنتليجنس»، التي تقدم تحليلات للصناعة البحرية العالمية، أن تكاليف التأمين تضاعفت بالنسبة إلى شركات الشحن التي تتحرك عبر البحر الأحمر، الأمر الذي يمكن أن يضيف مئات الآلاف من الدولارات إلى رحلة أغلى السفن.

وأضاف أنه بالنسبة إلى أصحاب السفن الإسرائيليين، فقد ارتفعت الأسعار أكثر -بنسبة 250 في المائة- وبعض شركات التأمين لن تغطيها على الإطلاق.

وقال إنه في حين أن شركات الشحن تطبق ما تسمى رسوم مخاطر الحرب التي تتراوح بين 50 و100 دولار لكل حاوية على العملاء الذين يجلبون كل شيء من الحبوب إلى النفط إلى الأشياء التي تشتريها من «أمازون»، فإن هذه رسوم منخفضة بما يكفي بحيث لا تؤدي إلى ارتفاع الأسعار بالنسبة للمستهلكين.

ويتوقع أوسلر أن تستمر تكاليف التأمين في الارتفاع، لكنه قال إن الوضع يجب أن يصبح أسوأ بكثير -مثل فقدان الكثير من السفن- لرفع الأسعار بشكل كبير وجعل بعض أصحاب السفن يعيدون التفكير في التحرك عبر المنطقة.

وقال: «في الوقت الحالي، يعد هذا مجرد إزعاج يمكن للنظام التعامل معه. لا أحد يحب أن يدفع مئات الآلاف من الدولارات أكثر، ولكن يمكنك التعايش مع ذلك إذا اضطررت لذلك».

هل يستطيع الحوثيون سد البحر الأحمر؟ يقول الخبراء إنه من غير المحتمل. ولا يملك الحوثيون سفناً حربية بحرية رسمية يمكنهم من خلالها فرض طوق، ويعتمدون على نيران مضايقة وهجوم واحد فقط بطائرات الهليكوبتر حتى الآن. وفي الوقت نفسه، تقوم السفن الحربية الأميركية والفرنسية وغيرها من سفن التحالف بدوريات في المنطقة، مما يُبقي الممر المائي مفتوحاً.

ومع ذلك، فإن الهجمات تثير قلق صناعة الشحن، و«لا يتم الاستخفاف بها»، كما قال ستاوبرت، من غرفة الشحن. لكن «ستظل ترى أن هناك قدراً هائلاً من التجارة يمر عبر البحر الأحمر لأنه خط إمداد بالغ الأهمية لأوروبا وآسيا». وأشار إلى أن منطقة نفوذ الحوثيين في الممر المائي لا تزال محدودة.

وقال: «لا أرى أن هناك احتمالاً أن يغلق الحوثيون وسائل النقل عبر البحر الأحمر. إن الأمر ببساطة ليس الطريقة التي تعمل بها صناعة الشحن. إنها ليست الطريقة التي نرد بها على تهديدات كهذه. سنبذل كل ما في وسعنا للتخفيف من أي تهديدات من هذا القبيل والحفاظ على تدفق التجارة».

وقال ستاوبرت إن ذلك ظهر في صراعات أخرى مثل الحرب في أوكرانيا، مع إغلاق بعض أجزاء من البحر الأسود. وهو لا يرى تهديداً للشحن بشكل عام أو إغلاق طرق البحر الأحمر، ولكن «إذا ظهر ذلك كاحتمال، فأعتقد أننا سنرى رد فعل أقوى بكثير من القوات البحرية في المنطقة».

يدرك المشاركون في السوق أن الشتاء قادم. ومن الممكن أن يؤدي الطلب الموسمي من قطاع التدفئة إلى تضخيم المنافسة السعرية بين أوروبا وآسيا لجذب شحنات إضافية من الولايات المتحدة. وفي نوفمبر، ارتفعت الأسعار في شمال غربي أوروبا بمقدار 7.8 سنت لكل مليون وحدة حرارية بريطانية أسبوعياً. ومع استمرار تصاعد التوترات الجيوسياسية وتنبؤات الطقس بدرجات حرارة أكثر برودة، فإن أسواق السلع العالمية تمر بفترة من التقلبات المحتملة. وسيحتاج المشاركون في السوق إلى مراقبة هذه التطورات وتعديل استراتيجياتهم وفقاً لذلك.


مقالات ذات صلة

بكين تستقبل وفد شركات أميركية كبرى... وتغازل أوروبا

مشاة في إحدى الطرقات بالحي المالي وسط العاصمة الصينية بكين (أ.ب)

بكين تستقبل وفد شركات أميركية كبرى... وتغازل أوروبا

قالت غرفة التجارة الأميركية في الصين إن مجموعة من المسؤولين التنفيذيين من الشركات الأجنبية والصينية التقت رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ، في بكين.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد أفق فرانكفورت مع الحي المالي (رويترز)

معنويات الأعمال في ألمانيا تتراجع... مؤشر «إيفو» يشير إلى ركود محتمل

تراجعت المعنويات الاقتصادية في ألمانيا أكثر من المتوقع في نوفمبر (تشرين الثاني)، مما يمثل مزيداً من الأخبار السلبية لبلد من المتوقع أن يكون الأسوأ أداءً.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الاقتصاد زوار إحدى الحدائق الوطنية في العاصمة اليابانية طوكيو يتابعون التحول الخريفي للأشجار (أ.ف.ب)

عائد السندات اليابانية العشرية يتراجع عقب اختيار بيسنت للخزانة الأميركية

تراجع عائد السندات الحكومية اليابانية لأجل 10 سنوات الاثنين مقتفياً أثر تراجعات عائد سندات الخزانة الأميركية

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الاقتصاد أعضاء المؤتمر الهندي للشباب يحتجون ضد غوتام أداني ويطالبون باعتقاله (رويترز)

المعارضة الهندية تعطّل البرلمان بسبب «أداني»

تم تعليق عمل البرلمان الهندي بعد أن قام نواب المعارضة بتعطيله للمطالبة بمناقشة مزاعم الرشوة ضد مجموعة «أداني»، فيما انخفضت أسعار سندات «أداني»

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
الاقتصاد شخص يمشي أمام بنك إنجلترا في لندن (رويترز)

نائبة محافظ «بنك إنجلترا»: خطر ارتفاع التضخم أكبر من انخفاضه

عبّرت نائبة محافظ بنك إنجلترا، كلير لومبارديللي، يوم الاثنين، عن قلقها بشأن احتمال ارتفاع التضخم إلى مستويات أعلى من التوقعات.

«الشرق الأوسط» (لندن)

14 مشروعاً تحقق جوائز الابتكار العالمية للمياه في السعودية

الأمير سعود بن مشعل نائب أمير منطقة مكة المكرمة خلال تكريمه الفائزين في الجائزة العالمية في جدة (إمارة منطقة مكة المكرمة)
الأمير سعود بن مشعل نائب أمير منطقة مكة المكرمة خلال تكريمه الفائزين في الجائزة العالمية في جدة (إمارة منطقة مكة المكرمة)
TT

14 مشروعاً تحقق جوائز الابتكار العالمية للمياه في السعودية

الأمير سعود بن مشعل نائب أمير منطقة مكة المكرمة خلال تكريمه الفائزين في الجائزة العالمية في جدة (إمارة منطقة مكة المكرمة)
الأمير سعود بن مشعل نائب أمير منطقة مكة المكرمة خلال تكريمه الفائزين في الجائزة العالمية في جدة (إمارة منطقة مكة المكرمة)

انطلقت أعمال النسخة الثالثة من «مؤتمر الابتكار في استدامة المياه»، الاثنين، بحضور الأمير سعود بن مشعل، نائب أمير منطقة مكة المكرمة، والمهندس عبد الرحمن الفضلي، وزير البيئة والمياه والزراعة، في المدينة الساحلية جدة (غرب السعودية)، بمشاركة أكثر من 480 خبيراً ومتحدثاً يمثلون نخبة من العلماء والمبتكرين يمثلون أكثر من 20 دولة في أنحاء العالم، حيث حقق 14 مبتكراً (فائزان في الجائزة الكبرى و12 فائزاً في جوائز الأثر) في 6 مسارات علمية جوائز النسخة الثانية من «جائزة الابتكار العالمية في تحلية المياه».

الأمير سعود بن مشعل وم. عبد الرحمن الفضلي وم. عبد الله العبد الكريم في صورة جماعية مع الفائزين بالجوائز (إمارة منطقة مكة المكرمة)

وحصد الجائزة الكُبرى لي نوانغ سيم من جامعة نانيانغ التكنولوجية بسنغافورة عن مشروعه «كشف قوة التناضح العكسي بالطرد»، وسو ميشام من شركة «NALA Membranes» الأميركية عن مشروعها «أغشية مركبة رقيقة من مادة البولي سلفون الجديدة لتحلية المياه وإعادة استخدام مياه الصرف».

وشهد المؤتمر الإعلان عن 11 براءة اختراع عالمية جديدة تعزز الحلول المبتكرة لمعالجة التحديات في القطاع وذلك في كلمة للمهندس عبد الله العبد الكريم، رئيس الهيئة السعودية للمياه، خلال حفل الافتتاح، أكد خلالها أن الحدث يعكس التزام السعودية بتعزيز الابتكار العلمي والبحثي ركيزةً لتحقيق استدامة الموارد المائية وتأكيد مكانتها مرجعاً عالمياً في تطوير حلول مبتكرة لإدارة المياه وتحقيق الأمن المائي المستدام.

م. عبد الله العبد الكريم خلال إلقاء كلمته في حفل افتتاح مؤتمر الابتكار في استدامة المياه (الشرق الأوسط)

وتأتي مبادرة الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، بإعلان تأسيس المنظمة العالمية للمياه لتحقيق الأمن المائي العالمي على رأس المبادرات التي تعزز أهداف الاستدامة وجودة الحياة والتعاون الدولي في هذا المجال، وفق العبد الكريم.

ودُشّن على هامش المؤتمر ولأول مرة، هاكاثون المياه «مياهثون»، الذي ينظمه مركز الابتكار السعودي لتقنيات المياه بالشراكة مع القطاعين الحكومي والخاص، ويهدف إلى تعزيز التنافسية الإبداعية عبر تطوير حلول عملية ومبتكرة للتحديات المائية.

وأعلن خلال الحفل عن الهوية الجديدة لجائزة الابتكار العالمية، لتكون انطلاقاً من الموسم المقبل باسم «الجائزة العالمية للابتكار في صناعة المياه»، بما يتماشى مع توسع أهداف الجائزة وتعزيز دورها في تطوير حلول مستدامة وإشراك العقول الشابة في الابتكار.

جانب من مشاركة الفرق في المرحلة الأخيرة من هاكاثون المياه «مياهثون» خلال انطلاقة أعمال المؤتمر (الشرق الأوسط)

من جهته، أوضح سلطان الراجحي، المدير التنفيذي للتواصل والتسويق في الهيئة السعودية للمياه، في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن تعديل اسم الجائزة العالمية للابتكار من «تحلية المياه» إلى «صناعة المياه» بنسختها القادمة لتكون أشمل وأوسع، مشيراً إلى أن هاكاثون المياه الذي سمي «مياهثون» تنافس خلاله 50 فريقاً مثّل الشباب السعودي أكثر من 60 في المائة من الفرق مقابل 40 في المائة لفرق من مختلف دول العالم.

وأكد أن تواجد الحضور الكبير من مختلف دول العالم في المؤتمر يؤكد المكانة الرائدة للسعودية بصفتها مركزاً رئيساً للابتكار والإبداع في صناعة المياه، التي بدأت من جدة بـ«الكندسة»، وأن الحدث سيشهد مناقشة الباحثين والمبتكرين عدداً من المجالات في القطاع، منها الإنتاج والنقل والتوزيع وإعادة الاستخدام، للخروج بتوصيات تساهم بشكل كبير في استدامة الموارد المالية وتعزيز الابتكار فيها.

من جانبه، قال فؤاد كميت، بإدارة المركز الابتكاري لتقنيات المياه، إن هاكاثون المياه «مياهثون»، يتيح للمبتكرين ورواد الأعمال في 5 مجالات رئيسة لتطوير حلول عملية ومبتكرة للتحديات المائية، لافتاً إلى تأهل 15 فريقاً إلى المرحلة النهائية بعد منافسة مع أكثر من 500 شخص شاركوا في المرحلة التمهيدية.

السعودية غدير البلوي عبّرت عن اعتزازها بالجائزة العالمية للابتكار في تحلية المياه (الشرق الأوسط)

وبيّن أن المرحلة الأخيرة تمتد طوال أيام المؤتمر الثلاثة، وستعكف الفرق المتأهلة على تحويل أفكارهم نماذج عمل أولية تؤسس لشركاتهم الناشئة.

الأميركية سو ميشام الفائزة بإحدى الجوائز الكبرى (الشرق الأوسط)

في المقابل، أفادت غدير البلوي، الأستاذ المساعد في قسم الكيمياء في جامعة تبوك وإحدى الفائزات بالجائزة العالمية، في حديثها لـ«الشرق الأوسط» بأن ابتكارها يتمثل في استخدام النانو «متيريل» في محطات معالجة المياه في السعودية.