هل تنفجر قنبلة السندات أم تُسرع ركود الاقتصاد العالمي؟

مستويات غير مسبوقة للعوائد منذ الأزمة المالية في 2007

متداولون بالدور الأرضي لبورصة نيويورك في «وول ستريت» خلال إحدى جلسات التداول (رويترز)
متداولون بالدور الأرضي لبورصة نيويورك في «وول ستريت» خلال إحدى جلسات التداول (رويترز)
TT

هل تنفجر قنبلة السندات أم تُسرع ركود الاقتصاد العالمي؟

متداولون بالدور الأرضي لبورصة نيويورك في «وول ستريت» خلال إحدى جلسات التداول (رويترز)
متداولون بالدور الأرضي لبورصة نيويورك في «وول ستريت» خلال إحدى جلسات التداول (رويترز)

تعد السندات الحكومية العالمية أداة اقتصادية واستثمارية بالغة الأهمية والدلالة. فهي أصل موثوق ومضمون العائد للاستثمار، لكنّ ارتفاع العوائد فوق مستوى المتوسط يسحب السيولة من الأسواق ويضرّ بالأصول عالية المخاطرة خصوصاً الأسهم والسلع. كما يضيف أعباء على المالية العامة للدولة المصدِّرة للسندات، والملزَمة بسداد العوائد العالية للمستثمرين.

وتعد السندات الحكومية إحدى أدوات الدين الحكومي سريعة المدخلات للبلد المصدّر لها، وتنقسم وفقاً لآجالها إلى عدة فئات، أبرزها لمدة عام أو اثنين أو 5 أو 10 أو 20 أو 30 عاماً. وتعد السندات الحكومية الأميركية السندات القياسية دولياً، وعلى أساسها يتم تقييم أغلب السندات الأخرى. كما تعد السندات لأجل عامين و10 سنوات مقياساً مهماً لما يُعرف بمنحنى العائد، والذي يكون في أغلب الأحوال الطبيعية أكثر كلما طالت مدة السند، لكنّ هذا المنحنى قد يشهد انقلاباً في حالة الاضطرابات الشديدة أو الغموض الاقتصادي.

ونتيجة الرفع المتوالي والحاد لسعر الفائدة حول العالم، خصوصاً من الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي)، قفزت عوائد السندات الأميركية لمستويات فائقة لم تبلغها منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2007، وتلتها بالطبع نظيراتها في أوروبا واليابان، في محاولة للحفاظ على تنافسيتها.

وتزداد عوائد السندات في حالة تكثيف الدول مساعيها من أجل الحصول على تمويلات، أو في حالة البيع المكثف من المتداولين، في محاولة من مصدّري السندات لدعمها.

وخلال الأيام الأخيرة، أدت عمليات بيع متواصلة في أسواق السندات الحكومية العالمية إلى ارتفاع عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 30 عاماً إلى 5 في المائة للمرة الأولى منذ 2007، وارتفاع تكاليف الاقتراض الألماني لأجل 10 سنوات إلى 3 في المائة، يوم الأربعاء، وهي تحركات قد تُسرع من التباطؤ الاقتصادي العالمي.

ويتعمق الارتباك مع الشعور المتزايد بأن أسعار الفائدة في الاقتصادات الكبرى ستبقى مرتفعة لفترة أطول في محاولة مضنية لاحتواء التضخم، وهو ما تغذّيه دائماً البيانات الاقتصادية الأميركية القوية التي تشجع «الاحتياطي الفيدرالي» على المضيّ قدماً في مساره المتشدد... ومع استمرار العوائد في الارتفاع، تزداد المضاربات بين المتداولين والمستثمرين في محاولة للحصول على عائد استثماري مضمون، وسط أوضاع أكثر هشاشة في باقي مناحي الاستثمار.

وأجرى بنك اليابان المركزي عملية شراء طارئة للسندات، الأربعاء، عارضاً شراء المزيد من السندات مقارنةً بالعملية السابقة غير المجدولة، لكنه فشل في منع عائدات السندات الحكومية اليابانية من الارتفاع إلى مستويات جديدة، هي الأعلى في عقد.

وارتفع العائد القياسي لسندات الحكومة اليابانية لأجل 10 سنوات إلى 1.805 في المائة للمرة الأولى منذ أغسطس (آب) 2013، بعد أن عرض بنك اليابان شراء سندات إضافية بقيمة 675 مليار ين (4.52 مليار دولار) بآجال استحقاق تتراوح بين 5 و10 سنوات.

وقال كازوهيكو سانو، الخبير الاستراتيجي في شركة «توكاي طوكيو للأوراق المالية»: «عرض بنك اليابان شراء سندات لأجل عشر سنوات أكثر بكثير مما توقعته السوق، لكنَّ التأثير كان محدوداً للغاية».

وقفز العائد على السندات لأجل 20 عاماً بمقدار 6 نقاط أساس إلى 1.58 في المائة، وهو مستوى لم تشهده الأسواق منذ ديسمبر (كانون الأول) 2013، في حين ارتفع العائد على سندات الـ5 سنوات إلى 0.34 في المائة، وهو أعلى مستوى له منذ عقد من الزمن.

وفي سوق سندات الخزانة الأميركية -التي تعد حجر الأساس للنظام المالي العالمي- ارتفعت عائدات السندات لأجل 10 سنوات بنحو 30 نقطة أساس إلى 4.8 في المائة هذا الأسبوع وحده، وارتفعت بنحو 100 نقطة أساس هذا العام، بعد أن قفزت أكثر من 200 نقطة أساس في عام 2022.

ولامست عوائد السندات الأميركية لأجل ثلاثين عاماً يوم الأربعاء، المستوى النفسي المهم عند 5 في المائة للمرة الأولى منذ الأزمة المالية العالمية. كما وصل العائد على السندات الألمانية لأجل 10 سنوات إلى 3 في المائة، وهو حدث معتبَر في سوق كانت فيه العوائد سلبية حتى أوائل عام 2022.

ومع انتشار هذا الاضطراب، ارتفعت عائدات السندات الأسترالية والكندية لأجل 10 سنوات بما يزيد على 50 نقطة أساس لكل منهما حتى الآن هذا الأسبوع، ووصلت عائدات السندات الحكومية البريطانية لأجل 30 عاماً إلى أعلى مستوى لها منذ 25 عاماً فوق 5 في المائة (الأربعاء).

وقال جان فون غيريش، كبير استراتيجيي الأسواق في «نورديا»: «إذا استمر الارتفاع السريع، فسوف يؤثر ذلك في الرغبة في المخاطرة بشكل أكثر وضوحاً، وسنشهد انخفاضات أكبر في أسواق الأسهم، وارتفاعاً أكبر في فروق الأسعار، وهذا من شأنه أن يوقف الحركة في الأسواق»، حسب «رويترز».

وتؤثر تكاليف الاقتراض الحكومي على كل شيء، بدءاً من معدلات الرهن العقاري لأصحاب المنازل إلى أسعار الفائدة على القروض للشركات، حيث أثارت سرعة ارتفاع عوائد السندات إنذاراً عبر أسواق الأسهم، بينما دفعت الدولار الذي يعد ملاذاً آمناً إلى الارتفاع -مما تسبب بدوره في معاناة العملات الأخرى مثل الين الياباني.

ولا يزال استراتيجيو السندات يتوقعون انخفاض العائدات، وارتفاع أسعارها، مع ضعف الاقتصاد العالمي... لكنهم أضافوا أن الزخم الحالي يُلقي بثقله على الأسواق، وأدى حالياً إلى موجات بيعية فائقة من أجل الحصول على المكاسب.

وقال خوان فالينزويلا، مدير محفظة الدخل الثابت في شركة «أرتميس لإدارة الأصول»: «في الوقت الحالي هناك زخم كبير وراء عمليات البيع؛ لأن التمركز في السوق كان خاطئاً... لقد اقتنع الكثير من الناس بفكرة أنه نظراً لأن بنك الاحتياطي الفيدرالي كان يصل إلى ذروة رفع أسعار الفائدة، فقد حان الوقت لشراء السندات الحكومية، مما يعني أن غالبية السوق كانت تجري خلف السندات طويلة الأمد».

وتضع عمليات البيع الأخيرة أسواق السندات العالمية في طريقها للسنة الثالثة على التوالي من الخسائر. وفي علامة على ارتفاع تقلبات السندات مرة أخرى، وصل مؤشر «موف» الذي تتم مراقبته عن كثب إلى أعلى مستوى له منذ أربعة أشهر.

وقال بادرايك غارفي، الرئيس الإقليمي للأبحاث في الأميركتين في «آي إن جي»، في إشارة إلى عوائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات: «إذا لم ننتبه، فإننا قد نصل بسرعة كبيرة إلى مستوى 5 في المائة».

وقال المحللون إن ارتفاع العائدات الحقيقية المعدلة حسب التضخم، كان عبئاً صعباً بشكل خاص بالنسبة إلى المقترضين من الشركات... ويمثل الارتفاع الجديد في تكاليف الاقتراض أيضاً صداعاً للبنوك المركزية، حيث إنها تزن الحاجة إلى إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة لاحتواء التضخم مقابل التوقعات الاقتصادية المتدهورة.

وقال ريتشارد ماكغواير، رئيس استراتيجية أسعار الفائدة في «رابوبنك»، الذي يتوقع حدوث ركود: «على المدى الطويل، هذه الخطوة في حد ذاتها لديها القدرة على زرع بذور إسقاطها... ومن المفارقة أن بيع السندات لا يؤدي إلا إلى تعزيز ثقتنا بأنه سيؤدي إلى تشديد لا مفر منه للأوضاع المالية؛ مما سيؤثر على الطلب في المستقبل».


مقالات ذات صلة

اليابان تخطط لإنفاق 90 مليار دولار في حزمة تحفيزية جديدة

الاقتصاد أشخاص يعبرون الطريق في شينجوكو، طوكيو (رويترز)

اليابان تخطط لإنفاق 90 مليار دولار في حزمة تحفيزية جديدة

تفكر اليابان في إنفاق 13.9 تريليون ين (89.7 مليار دولار) من حسابها العام لتمويل حزمة تحفيزية جديدة تهدف إلى التخفيف من تأثير ارتفاع الأسعار على الأسر.

«الشرق الأوسط» (طوكيو )
الاقتصاد أوراق نقدية بقيمة 20 يورو (رويترز)

عائدات منطقة اليورو ترتفع مع تراجع المخاوف الجيوسياسية

ارتفعت عائدات السندات بمنطقة اليورو الأربعاء عاكسة بعض التحركات التي شهدتها في اليوم السابق عندما لجأ المستثمرون لأمان السندات بسبب مخاوف تصعيد الصراع بأوكرانيا

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد رجل يشاهد شاشة إلكترونية تعرض أسعار الأسهم خارج أحد البنوك في طوكيو (رويترز)

الأسهم الآسيوية ترتفع والدولار يتراجع مع ترقب تعيينات ترمب

ارتفعت الأسهم الآسيوية يوم الثلاثاء، بينما تراجعت عوائد السندات الأميركية والدولار عن أعلى مستوياتهما في عدة أشهر.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الاقتصاد أشخاص يمرون أمام بورصة نيويورك (أ.ب)

«وول ستريت» تستقر بعد مكاسب ما بعد الانتخابات

شهدت الأسهم الأميركية تحركات بطيئة، الاثنين، حيث تواصل «وول ستريت» الاستقرار بعد أن تلاشت معظم المكاسب التي حققتها عقب فوز دونالد ترمب في الانتخابات.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
امرأة تحمل أوراقاً نقدية من اليورو (رويترز)

التوقعات الاقتصادية تضغط على تكاليف الاقتراض في منطقة اليورو

تباينت تكاليف الاقتراض في منطقة اليورو، يوم الاثنين، حيث استقرت عوائد سندات الخزانة الأميركية بالقرب من أعلى مستوياتها الأخيرة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

انكماش إنتاج الشركات البريطانية لأول مرة منذ عام 2023

منظر جوي لناطحة سحاب «شارد» في لندن مع الحي المالي «كناري وارف» (رويترز)
منظر جوي لناطحة سحاب «شارد» في لندن مع الحي المالي «كناري وارف» (رويترز)
TT

انكماش إنتاج الشركات البريطانية لأول مرة منذ عام 2023

منظر جوي لناطحة سحاب «شارد» في لندن مع الحي المالي «كناري وارف» (رويترز)
منظر جوي لناطحة سحاب «شارد» في لندن مع الحي المالي «كناري وارف» (رويترز)

انكمش إنتاج الشركات البريطانية لأول مرة منذ أكثر من عام، كما أثرت الزيادات الضريبية في أول موازنة للحكومة الجديدة على خطط التوظيف والاستثمار، وفقاً لمسح حديث، ما يُشكل نكسةً جديدة لجهود رئيس الوزراء كير ستارمر في تعزيز النمو الاقتصادي.

وانخفض مؤشر مديري المشتريات الأولي لشركة «ستاندرد آند بورز غلوبال»، الذي نُشر يوم الجمعة، إلى 49.9 نقطة في نوفمبر (تشرين الثاني)، وهو مستوى أقل من مستوى عدم التغيير البالغ 50 نقطة للمرة الأولى في 13 شهراً، من 51.8 نقطة في أكتوبر (تشرين الأول)، وفق «رويترز».

وقال كبير الاقتصاديين في «ستاندرد آند بورز غلوبال»، كريس ويليامسون: «إن أول مسح بعد الموازنة لصحة الاقتصاد يعطي قراءة متشائمة». وأضاف: «قام أصحاب العمل بتقليص أعداد العاملين للشهر الثاني على التوالي؛ حيث خفضت الشركات الصناعية عدد موظفيها بأسرع وتيرة منذ فبراير، مع تزايد التشاؤم بشأن الآفاق المستقبلية».

وأشار المسح إلى أن مؤشر الأعمال الجديدة سجّل أضعف مستوى له منذ نوفمبر الماضي، وهو ما يعكس التأثير السلبي للنظرة المستقبلية الضعيفة للاقتصاد العالمي، خاصة مع تراجع قطاع السيارات. ولكن السياسات التي بدأتها حكومة حزب العمال البريطانية كانت أيضاً أحد الأسباب الرئيسية للقلق.

وقال ويليامسون: «إن الشركات توضح رفضها للسياسات المعلنة في الموازنة، وخاصة الزيادة المخطط لها في مساهمات التأمين الوطني لأصحاب العمل». وقامت المستشارة راشيل ريفز بزيادة مبلغ مساهمات الضمان الاجتماعي التي يجب على أصحاب العمل دفعها، وخفض الحد الأدنى للمبلغ الذي يجب على الشركات دفعه، في خطوة تهدف إلى زيادة الإيرادات لتمويل الخدمات العامة.

وقد أشار العديد من أصحاب الأعمال إلى أن التغييرات في الموازنة تتعارض مع وعد ريفز وستارمر بتحويل المملكة المتحدة إلى أسرع اقتصادات مجموعة السبع نمواً.

وكان الزخم الاقتصادي ضعيفاً بالفعل؛ حيث ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.1 في المائة فقط في الفترة من يوليو (تموز) إلى سبتمبر (أيلول)، وفقاً للبيانات الرسمية التي نُشرت الأسبوع الماضي. كما أظهرت الأرقام الصادرة يوم الخميس أن الاقتراض الحكومي تجاوز التوقعات في أكتوبر، مما يعكس اعتماد ريفز المحتمل على تحسن النمو الاقتصادي لتوليد الإيرادات الضريبية اللازمة لتمويل المزيد من الإنفاق على الخدمات العامة.

وأفاد المسح بأن الشركات لا تقوم بالتوظيف ليحلوا محل الموظفين الذين يغادرون، في الوقت الذي تستعد فيه لارتفاع متوقع في تكاليف الأجور في أبريل (نيسان).

وأشار ويليامسون إلى أن المسح أظهر أن الاقتصاد قد ينكمش بمعدل ربع سنوي قدره 0.1 في المائة، لكن تراجع الثقة قد ينذر بمعدل أسوأ في المستقبل، بما في ذلك مزيد من فقدان الوظائف.

وارتفعت أسعار البيع بأبطأ وتيرة منذ الجائحة، لكن الارتفاع الحاد في أسعار المدخلات وتكاليف الأجور كان يثقل كاهل قطاع الخدمات، وهو ما قد يثير قلق بعض أعضاء لجنة السياسة النقدية في بنك إنجلترا، الذين يراقبون عن كثب الأسعار في قطاع الخدمات.

كما قفزت معدلات التضخم بشكل أكبر من المتوقع الشهر الماضي، مما يوضح السبب وراء توخي البنك المركزي الحذر في خفض أسعار الفائدة. وقد تراجع مؤشر النشاط التجاري للقطاع الخدمي، الأكثر هيمنة في الاقتصاد، إلى أدنى مستوى له في 13 شهراً عند 50 من 52.0 في أكتوبر. كما تراجع مؤشر التصنيع إلى 48.6، وهو أدنى مستوى له في 9 أشهر، من 49.9 في أكتوبر.