مع خروج العالم من ظلال جائحة «كوفيد - 19»، تكشف السعودية عن إمكاناتها الحقيقية بوصفها وجهة سياحية عالمية المستوى. فالمملكة جمعت أكثر من 500 من المسؤولين الحكوميين وقادة القطاع السياحي والخبراء من 120 دولة لإحياء يوم السياحة العالمي تحت شعار «السياحة والاستثمار الأخضر»، في حدث وصف بأنه الأضخم الذي لم يعقد مثيل له على مدار السنوات الـ43 لإعلان هذا اليوم، وفق توصيف المعنيين الدوليين في القطاع.
كلمة الافتتاح ألقاها وزير السياحة السعودي أحمد الخطيب الذي رحّب بالحضور، معلناً أن حكومة المملكة فتحت الباب للاستثمار الدولي في القطاع ومساعدة القطاع الخاص للوصول إلى رأس المال العالمي لبناء المرافق التي يتوقعها الزائر ويحتاجها، وقد تحقّق ذلك في المملكة.
وقال الخطيب إن استضافة يوم السياحة العالمي في الرياض هو أمر مهم للمملكة، إذ يعد القطاع أحد أهم الأنشطة الاقتصادية في العالم، ويوظّف واحداً من كل 10 أشخاص على وجه الأرض، ويوفّر العيش لمئات الملايين الآخرين، كما يمكنه أن يمثّل أكثر من 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لبعض البلدان.
وأوضح أن المملكة تحتاج إلى توفير مليون فرصة عمل في القطاع السياحي خلال الأعوام العشرة المقبلة، لافتاً إلى أن الحكومة خلقت نحو 200 ألف وظيفة وما زالت تحتاج إلى 800 ألف تتناسب مع حجم الغرف التابعة للفنادق والمنتجات الجديدة.
وكشف عن بناء ما يقرب من 500 ألف غرفة جديدة حالياً في عدة مناطق ضمن المشاريع الحكومية العملاقة في نيوم، والدرعية، وغيرها، بالإضافة إلى القطاع الخاص الذي سيضخ مزيداً من المشاريع.
وأعلن استثماراً بقيمة مليار دولار لإطلاق مدرسة الرياض للسياحة والضيافة، ليكون مقرها الرئيسي في منطقة القدية (وسط المملكة)، على أن يتم افتتاح المشروع في 2027.
وتحدّث الخطيب عن نمو القطاع وزيادة عدد السياح، وكيف أصبحت السياحة صناعة عالمية، حيث كانت السياحة من خلال السفر العالمي تمثّل أقل من 3 في المائة من الناتج المحلي العالمي في عام 1970، واليوم تتعافى بقوة من الجائحة، وتتحرك بسرعة نحو 10 في المائة. إذ ارتفع عدد المسافرين من 118 مليون مسافر في أوائل السبعينات إلى ما يقرب من 1.5 مليار مسافر في عام 2019، أي ما يمثّل زيادة بنسبة 700 في المائة، متوقعاً عودة هذه النسبة قريباً، وازديادها يوماً بعد يوم لتتضاعف في العقد المقبل.
وركّز على أهمية العامل البشري في قطاع السياحة، في وقت يقود القطاع انتعاش الاقتصاد العالمي وسط مخاوف من مستقبل الوظائف في معظم القطاعات. إذ قال: «أرى مستقبلاً يكون فيه الإنسان هو المحور الأساسي في قطاع السياحة، وبينما تهدد أتمتة الإجراءات بعض الوظائف في القطاعات الأخرى، إلا أن قطاع السياحة مولد رئيسي لفرص العمل».
وشدّد وزير السياحة على أهمية التعاون بين دول مختلف العالم لتحقيق التقدم والنمو في القطاع بطريقة متوازنة وعادلة أكثر، منوهاً بأهمية العمل على إيجاد آفاقٍ جديدة للسياحة، ومساعدة الدول الصغيرة على تحقيق طموحاتها، وذلك من خلال الاستثمارات، ومعلناً في هذا الإطار استعداد بلاده للتدخل بالدعم المالي لمشاريع السياحة من أجل مستقبل أفضل.
وأشار إلى أنه إذا استطاعت الدول الاتحاد إقليمياً وحتى عالمياً، فيمكن أن تتضاعف الفرص لهذا القطاع، ويمكن للجميع أن يساعد في بناء الجسور بين الدول، بين القطاعين العام والخاص.
الأمين العام لمنظمة السياحة العالمية
من جانبه، أشاد الأمين العام لمنظمة السياحة العالمية زوراب بولوليكاشفيلي بما تشهده السعودية من تطور ونمو في قطاع السياحة.
وقال: «تظهر السعودية للعالم كيف يبدو الاستثمار في السياحة حقاً: التعليم والابتكار والبنية التحتية».
ولفت بولوليكاشفيلي إلى أن السعودية هي أول دولة تحتفل بيوم السياحة العالمي بهذا الشكل والضخامة منذ أكثر من 43 عاماً. وأضاف «نسعد بالعودة لمدينة الرياض مرة أخرى»، لافتاً إلى أن قطاع السياحة سيقود انتعاش الاقتصاد العالمي.
... والمنظمة العربية
من جانبه، قال الأمين العام للمنظمة العربية للسياحة شريف عطية إن «ما يحدث في القطاع السياحي السعودي تطور غير مسبوق من حيث حجم الاستثمارات في البنية الأساسية والعامل البشري أيضاً»، لافتاً إلى أن «تطور قطاع السياحة السعودي بهذا الشكل إضافة ليس فقط للمملكة، ولكن للمنطقة ككل».
أضاف عطية في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط» على هامش «يوم السياحة العالمي» المنعقد في الرياض، أن تطور السياحة السعودية بهذا الشكل «يعزز الانطباع الإيجابي عن جميع الدول العربية التي من المؤكد أنها ستستفيد من هذا الزخم»، مؤكداً في هذا الإطار على أن «تسويق الأنشطة السياحية علم وليس مجرد إعلان».
وعن حجم الاستثمارات في القطاع السياحي العربي، قال الأمين العام للمنظمة العربية للسياحة، إن استثمارات الدول العربية في قطاع السياحة حالياً ليست كافية... جميع الدول العربية بلا استثناء لديها مساحة أكبر لزيادة حجم الاستثمارات في القطاع.
وأضاف أن الاستثمار السياحي ليس معناه بناء فندق فقط أو منشأة سياحية، لكن يجب الأخذ في الاعتبار الاستثمار أيضا في العامل البشري، مثلما تفعل المملكة، وأيضا مراعاة مصادر الطاقة النظيفة وأماكن السائحين ذوي الاحتياجات الخاصة، وذلك لخلق مقاصد سياحية مستدامة.
غوتيريش
وأبرز موقع الأمم المتحدة الاحتفال بيوم السياحة العالمي، إذ قال الأمين العام للمنظمة الأممية أنطونيو غوتيريش إن «الاستثمار في السياحة المستدامة هو الاستثمار في مستقبل أفضل للجميع».
أضاف «السياحة هي قوة قوية للتقدم والتفاهم المتبادل. ولكن من أجل تحقيق فوائدها الكاملة، يجب حماية هذه القوة ورعايتها».
تابع: «في يوم السياحة العالمي، ندرك الحاجة الحيوية للاستثمارات الخضراء لبناء قطاع سياحي للناس والكوكب».
وشهدت فعاليات يوم السياحة العالمي الكثير من الفعاليات والمناقشات والتي أفادت بأنه يمكن للاستثمارات المستهدفة توفير فرص العمل ودعم الشركات والصناعات المحلية مع التخفيف من الآثار البيئية للسياحة، وتمكين المجتمعات وتعزيز ثقافاتها، والمساهمة في أنظمة الحماية الاجتماعية الأساسية.
كما ركزت الجلسات على أن الاستثمار في الابتكار، ورواد الأعمال من الشباب والنساء يعني الاستثمار في الرخاء.
وعلى هامش الفعاليات، وقّع الرئيس التنفيذي للصندوق السعودي للتنمية سلطان المرشد، اتفاقية قرض تنموي بقيمة 70 مليون دولار، مع نائب رئيس الوزراء وزير السياحة والاستثمار والطيران في جزر البهاما تشيستر كوبر.
وتسهم هذه الاتفاقية في تمويل مشروع نهضة مطارات جُزر العائلة ورفع قدرتها التشغيلية، وذلك لدعم قطاع النقل والمواصلات والنمو الاقتصادي.