«لعنة بريكست» تُفسد «قوت البريطانيين»

«أوفجيم» تقرر خفض سقف أسعار الطاقة في يوليو

متظاهر مناهض لـ«بريكست» أمام البرلمان في لندن (إ.ب.أ)
متظاهر مناهض لـ«بريكست» أمام البرلمان في لندن (إ.ب.أ)
TT

«لعنة بريكست» تُفسد «قوت البريطانيين»

متظاهر مناهض لـ«بريكست» أمام البرلمان في لندن (إ.ب.أ)
متظاهر مناهض لـ«بريكست» أمام البرلمان في لندن (إ.ب.أ)

على غرار روايات الكاتب البريطاني الأشهر وليم شكسبير، حيث يصاب البطل المتمرد على واقعه بلعنة تطارده ليل نهار، في «ماكبث» مثالاً، لا تكاد بريطانيا تخرج من مشكلة اقتصادية حتى تلحقها الأخرى منذ انفصالها الكابوسي عن الاتحاد الأوروبي قبل عامين ونصف.

ومنذ جرى تطبيق «بريكست»، يتزايد عدد البريطانيين المؤمنين بأن الحدث أضرّ بلادهم أكثر مما أفادها. وفي أحدث رصد أجرته كلية لندن للاقتصاد، ظهر أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) مسؤول عن نسبة الثلث من تضخم أسعار الغذاء في المملكة المتحدة منذ عام 2019، وهو ما يقوض جهود الحكومة لإظهار أن الخروج من الاتحاد قد أفاد بريطانيا.

ونقلت وكالة «بلومبرغ» عن خبراء اقتصاد في مركز الأداء الاقتصادي في كلية لندن، القول إن عمليات التفتيش التنظيمية والصحية وغيرها من عمليات التفتيش الحدودية أضافت نحو 7 مليارات جنيه إسترليني (8.7 مليار دولار) إلى إجمالي فواتير البقالة خلال الفترة من يناير (كانون الأول) 2019 حتى مارس (آذار) 2023، بواقع 250 جنيهاً إسترلينياً على كل أسرة. وأوضح الاقتصاديون أن الأسعار ارتفعت بنسبة 25 في المائة خلال هذه الفترة، بدلاً من مكسب بنسبة 17 في المائة كان من المتوقع تحقيقه حال بقيت بريطانيا ضمن السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي.

موظف داخل سوبر ماركت في لندن بعد انخفاض معدلات التضخم إلى 8.7% في أبريل 2023 (إ.ب.أ)

وتأتي نتائج البحث وسط علامات على أن التضخم أصبح ثابتاً، وأن أزمة تكلفة المعيشة صارت الآن مشكلة محلية. وأظهر استطلاع لمؤسسة «يوغوف» أن أكثر من ثلثي البريطانيين يقولون إن الحكومة تتعامل بشكل سيئ مع خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي، كما يضغطون على رئيس الوزراء ريشي سوناك، كي يُظهر أنه يحقق فوائد من الانسحاب من التكتل الأوروبي.

وأفاد بحث سابق أجرته كلية لندن للاقتصاد العام الماضي، بأن مغادرة الاتحاد الأوروبي أضافت في المتوسط 210 جنيهات إسترلينية إلى فواتير الطعام المنزلية على مدى عامين حتى نهاية 2021، بتكلفة بلغت 5.8 مليار إسترليني. وانخفض معدل التضخم البريطاني إلى 8.7 في المائة في أبريل (نيسان) الماضي، من 10.1% في مارس (آذار)... لكنّ ذلك لم يكن كافياً للشعور بالاطمئنان، لأن التوقعات السابقة على النتائج كانت تشير إلى مزيد من التراجع، خصوصاً مع تراجع ضغوط كبيرة لأسعار الطاقة على ارتفاع التضخم. وبالتزامن، ارتفعت تكاليف الاقتراض في بريطانيا إلى أعلى مستوى منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، حين قدمت الحكومة موازنتها المصغرة التي وُصفت آنذاك بالكارثية، وأدت في نهاية الأمر إلى رحيل سريع لحكومة ليز تراس بعد نحو 40 يوماً فقط في الولاية. ومع توالي الضغوط، قفز سعر الفائدة على السندات الحكومية البريطانية لمدة عامين إلى 4.44 في المائة صباح (الخميس)، مرتفعاً من 4.35 في المائة (الأربعاء)، وهو أعلى مستوى منذ أكتوبر (تشرين الأول) حينما فزعت الأسواق بعد حزمة ليز تراس للتخفيضات الضريبية غير الممولة.

وتراجعت أسعار السندات الحكومية البريطانية القياسية لمدة 10سنوات و30 عاماً بشكل أكبر من حيث القيمة، مما أدى إلى ارتفاع عائداتها. وتأتي عمليات البيع في الوقت الذي يسيطر فيه القلق على البلاد، من أن يؤدي ارتفاع التضخم إلى مزيد من ارتفاع أسعار الفائدة. ومن المتوقع ان يواصل بنك إنجلترا رفع أسعار الفائدة من 4.5% حالياً، إلى 5.5% بنهاية العام الجاري. وفي محاولة جانبية لتخفيف الضغوط على المواطنين، أعلنت هيئة تنظيم الطاقة البريطانية «أوفجيم»، أنها تعتزم خفض سقف أسعار الطاقة لديها من 3280 جنيهاً إسترلينياً (4048 دولاراً) في العام، ليصل إلى 2074 جنيهاً إسترلينياً للأسرة ذات الحجم المتوسط في إنجلترا وويلز وأسكوتلندا، اعتباراً من الأول من يوليو (تموز) المقبل. وقال جيرمي هانت، وزير الخزانة البريطاني، إنه «على استعداد لفعل ما يتطلبه الأمر»، عندما سئل عن دعم الطاقة في المستقبل. علماً بأن فاتورة الطاقة تأثرت بعوامل متوالية، بدأت بـ«بريكست»، ثم جائحة «كورونا»، وصولاً إلى حرب أوكرانيا.

ويرى سايمون فيرلي، نائب الرئيس ورئيس قسم الطاقة والموارد الطبيعية في «كيه بي إم جي» في بريطانيا، أن موردي الطاقة ما زالوا بحاجة إلى مزيد من الوضوح حول الاتجاه المستقبلي لسياسة الحكومة لسوق الطاقة، مؤكداً أن خفض فواتير الطاقة سيسهم في خفض معدلات التضخم. ونقلت وكالة أنباء «بي إيه ميديا» البريطانية (الخميس)، عن «أوفجيم» القول إن خفض سقف أسعار الطاقة بواقع 1206 جنيهات إسترلينية كحد أقصى، يعكس الانخفاض الأخير في أسعار الطاقة بالجملة. وسوف يحل الحد الأدنى محل ضمان أسعار الطاقة الحكومي، الذي يضع حداً في الوقت الحالي لفاتورة الطاقة المنزلية النموذجية بنحو 2500 جنيه إسترليني. ويعني ذلك أن الأسرة ذات الحجم المتوسط ستشهد انخفاض فاتورتها السنوية بواقع 426 جنيهاً إسترلينياً. وقالت هيئة تنظيم الطاقة البريطانية إن خفض سقف أسعار الطاقة يمثل المرة الأولى التي يشهد فيها المستهلكون المتخلفون عن السداد انخفاضاً في الأسعار منذ أن بدأت أزمة الغاز العالمية قبل أكثر من 18 شهراً.


مقالات ذات صلة

40 ألف وظيفة... خسائر لندن بعد «بريكست»

الاقتصاد منظر عام لمدينة لندن من موقع بناء «بيسوبغيت 22» (رويترز)

40 ألف وظيفة... خسائر لندن بعد «بريكست»

قال عمدة مدينة لندن مايكل ماينلي إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كلّف المركز المالي في لندن نحو 40 ألف وظيفة وهو تأثير يفوق بكثير التقديرات السابقة

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا كبير المفاوضين الأوروبيين ميشال بارنييه خلال مناقشة حول العلاقات المستقبلية بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا في الجلسة العامة للبرلمان الأوروبي في بروكسل 18 ديسمبر 2020 (إ.ب.أ)

من هو ميشال بارنييه الذي عيّنه ماكرون رئيساً للحكومة الفرنسية؟

ميشال بارنييه سياسي وسطي ومستشار لحزب «الجمهوريين»، تولى مناصب عديدة بالاتحاد الأوروبي وفي الداخل الفرنسي، عُيّن لمفاوضات «بريكست» واشتهر بأنّه مفاوض جيّد.

شادي عبد الساتر (بيروت)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (إ.ب.أ)

بوتين: علاقات «بريكس» تتطور بنجاح كبير و30 دولة ترغب في التعاون أو الانضمام

أكد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الخميس، أن أكثر من 30 دولة أبدت استعدادها للتعاون مع مجموعة «بريكس»، وبعضها يريد الانضمام إلى المنظمة.

«الشرق الأوسط»
أوروبا رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر (إ.ب.أ)

كير ستارمر يمد يده للأوروبيين في ألمانيا بعيداً عن «بريكست»

المستشار الألماني أولاف شولتس يستقبل رئيس الوزراء البريطاني وأعلنا عن العمل على معاهدة استثنائية خلال الأشهر المقبلة للتوقيع عليها مطلع العام

راغدة بهنام (برلين)
أوروبا أولاف شولتس وكير ستارمر في برلين (رويترز)

شولتس وستارمر يعتزمان إبرام معاهدة «تعيد تحديد» العلاقة البريطانية الأوروبية

أعلن المستشار الألماني أولاف شولتس ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر عن معاهدة ثنائية غير مسبوقة سيوقعها البلدان بهدف إعادة تحديد العلاقات الثنائية بعد بريكست.

«الشرق الأوسط» (برلين)

«فاو»: نطمح إلى مخرجات مهمة من «كوب 16» بالسعودية

جانب من الاستعدادات في العاصمة السعودية قبل استقبال مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر (صفحة «كوب 16» على منصة «إكس»)
جانب من الاستعدادات في العاصمة السعودية قبل استقبال مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر (صفحة «كوب 16» على منصة «إكس»)
TT

«فاو»: نطمح إلى مخرجات مهمة من «كوب 16» بالسعودية

جانب من الاستعدادات في العاصمة السعودية قبل استقبال مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر (صفحة «كوب 16» على منصة «إكس»)
جانب من الاستعدادات في العاصمة السعودية قبل استقبال مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر (صفحة «كوب 16» على منصة «إكس»)

قال الدكتور عبد الحكيم الواعر، المدير العام المساعد لمنظمة الأغذية والزراعة (فاو)، إن المنظمة ستُشارك بقوة خلال فعاليات مؤتمر الأطراف «كوب 16» لمواجهة التصحر، الذي ينعقد في السعودية مطلع شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أنه يتوقع خروج المؤتمر -وهو الأول من نوعه الذي يعقد في منطقة الشرق الأوسط- بمخرجات مهمة.

تعليقات الواعر جاءت على هامش لقاء «مائدة مستديرة»، أعده المكتب الإقليمي لـ«فاو» في مقره بالعاصمة المصرية، القاهرة، بحضور ممثلين محدودين لوسائل إعلام مختارة، وذلك لشرح شكل مشاركة المنظمة في المؤتمر المقبل، وتأكيد أهمية ما يُعرف باسم «ثالوث ريو» (Rio trio)، وهي الاتفاقية التي تربط مؤتمرات الأطراف الثلاثة لحماية الأرض التابعة للأمم المتحدة في مجالات تغيُّر المناخ، وحماية التنوع البيئي، ومكافحة التصحر.

وقالت فداء حداد، مسؤول برامج إعادة تأهيل الأراضي والتغيُّر المناخي في منظمة الفاو، إن اتفاقيات الأطراف الثلاثة غاية في الأهمية والتكامل، وإن المؤتمر المقبل في السعودية سيركز على الأراضي والمياه، وإعادة تأهيلهما والإدارة المستدامة لهما.

الدكتور عبد الحكيم الواعر المدير العام المساعد لمنظمة فاو يتوسط لقاء «مائدة مستديرة» مع خبراء وصحافيين في مقر المنظمة بالقاهرة (الشرق الأوسط)

وأشارت فداء حداد إلى أن نحو 90 بالمائة من منطقة الشرق الأوسط تعاني الجفاف، إلا أنه على الرغم من ذلك، تمكَّنت المجتمعات المحلية والحكومات العربية في كثير منها في اتخاذ إجراءات لمواجهة الجفاف والتصحر.

وكشفت فداء حداد أن «فاو» نجحت للمرة الأولى في وضع موضوع النظم الغذائية على أجندة اجتماعات مؤتمر الأطراف لمواجهة التصحر، الذي يعقد في السعودية، لتتم مناقشة أهمية إعادة تأهيل الأراضي في تحسين السلاسل الغذائية وأنظمتها.

من جانبه، أوضح الواعر أن «فاو» لديها دور كبير في تحقيق الهدف الثاني الأممي من أهداف التنمية المستدامة، وهو القضاء على الجوع، ومن ثم فهي تشارك بقوة وفاعلية في مؤتمرات الأطراف لمواجهة تغيُّر المناخ والتصحر وحماية التنوع، التي تخدم ذات الهدف.

وأكد الواعر أن المنظمة تحاول إبراز دور الغذاء والزراعة وتحول النظم، بحيث تكون أكثر شمولاً وكفاءة واستدامة، من أجل تحقيق إنتاج وتغذية أفضل لحياة أفضل، مشيراً إلى نجاح المنظمة في إدخال هذه الرؤية إلى أجندة الاتفاقيات الثلاث التي تهدف لحماية الأرض، والإسهام مع عدد من الدول المستضيفة في بعض المبادرات.

جانب من الاستعدادات في العاصمة السعودية قبل استقبال مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر (صفحة «كوب 16» على منصة «إكس»)

وأضاف المسؤول الأممي أن هناك تواصلاً كبيراً مع السعودية لدعم بعض المبادرات خلال استضافتها «كوب 16»، خصوصاً أن هذه الاستضافة تعد مهمة جدّاً من أجل دول المنطقة، كونها الأكثر معاناة فيما يتعلق بندرة المياه والجفاف والتصحر، إلى جانب مشكلات الغذاء والزراعة وغيرهما... ولذا فإن أمام هذه الدول فرصة لعرض الأزمة وأبعادها والبحث عن حلول لها، وإدراجها على لوائح المناقشات، ليس في الدورة الحالية فقط؛ ولكن بشكل دائم في مؤتمرات «كوب» التالية.

وأكد المدير العام المساعد لمنظمة الفاو، أن العالم حالياً أكثر انتباهاً واهتماماً بمشكلة التصحر، لكونها بدأت في غزو مناطق لم يسبق لها أن شهدتها في تاريخها أو تصورت أن تشهدها، على غرار جنوب أوروبا أو مناطق في أميركا اللاتينية مثلاً، وهذه الدول والمناطق بدأت تلاحظ زحف التصحر وانحسار الأراضي الزراعية أو الغابات بشكل مقلق، ومن ثم بدأت النظر إلى المنطقة العربية تحديداً لتعلُّم الدروس في كيفية النجاة من هذه الأزمة عبر قرون طويلة.

وأفاد الواعر بأن «فاو» ستشارك في «كوب 16» بجناحين، أحدهما في المنطقة الزرقاء والآخر في المنطقة الخضراء، وذلك حتى يتسنى للمنظمة التواصل مع الحكومات، وكذلك الأفراد من المجتمع المدني ورواد المؤتمر.

كما أوضح أن «فاو»، بالاتفاق مع السعودية والأمم المتحدة، ستقوم بقيادة التنسيق في يومي «الغذاء» و«الحوكمة» يومي 5 و6 ديسمبر، إضافة إلى مشاركتها القوية في كل الأيام المتخصصة الباقية خلال فعاليات «كوب 16» لمكافحة التصحر.

الدكتور عبد الحكيم الواعر المدير العام المساعد لمنظمة فاو يتوسط لقاء «مائدة مستديرة» مع خبراء وصحافيين في مقر المنظمة بالقاهرة (الشرق الأوسط)

وحول أبرز الموضوعات والمحاور التي جرى إدراجها للنقاش في أروقة «كوب 16» بالرياض، أوضح الواعر أن من بينها «الاستصلاح والإدارة المستدامة للأراضي» في منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، والتي تعد مسألة مهمة وأساسية في محاولة استرجاع وإعادة تأهيل الأراضي المضارة نتيجة التصحر، خصوصاً من خلال المبادرات المتعلقة بزيادة رقعة الغابات والمناطق الشجرية، على غرار المبادرات السعودية الخضراء التي تشمل خطة طموحاً لمحاولة زراعة 50 مليار شجرة بالمنطقة العربية.