يعد تيمور جنبلاط، نجل النائب اللبناني وليد جنبلاط زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي، العدة للانطلاق نحو مرحلة جديدة من العمل السياسي بعد سنتين من التحضير في «العمل الاجتماعي» بناء على رغبة والده.
وكان جنبلاط الأب قد قرر منح نجله الفرصة للانطلاق في الحياة السياسية عبر عزوفه عن الترشح للانتخابات البرلمانية، التي كشف تيمور لـ«الشرق الأوسط» أنه سيترأس فيها لائحة تضم خليطاً من «المحاربين القدامى» والوجوه الشابة الجديدة.
في أول حوار من نوعه يجرى معه، تحدث تيمور جنبلاط عن نظرته للكثير من الملفات السياسية. واعترف بأن التجربة ليست سهلة أبدا، لكنه قال إنه واثق من كفاءة فريق العمل الذي يسانده في عمله هذا، كما أنه يحتفظ بـ«أكبر معلم» وهو والده وليد جنبلاط. تيمور الذي «يكره السياسة»، يجد نفسه مضطرا لخوض غمارها بكل قوة، ملاحظا الفارق بين اندفاعته وبين أخطاء الطبقة السياسية، قائلا: «ربما لأنني أكره السياسة أستطيع أن أنجز أكثر، نظرا إلى ما فعله محبو السياسة بالبلاد». ومع أن تيمور يرى أن خلافته لوالده في مقعده النيابي، ومن ثم لاحقا في العمل السياسي، قد لا تكون «مثالية» في العمل الديمقراطي، فهو يشير في المقابل إلى «إننا نعيش في لبنان حيث لكل طائفة زعيمها الذي يفترض به رعاية أمورها وقيادتها في هذا البحر الهائج الذي تضرب أمواجه لبنان ودول المنطقة».
وفيما يأتي نص الحوار:
* كيف توائم بين مبادئ الاشتراكية والعائلية والطائفية؟
- نحن نعيش في لبنان، حيث الأوضاع تذهب من سيئ إلى أسوأ في كل يوم، ولا بد لنا من الحد من الخسائر. لسنا الحزب الوحيد الذي يسلم فيه الأب ابنه، فغالبية الأحزاب الموجودة على الساحة تفعل ذلك. ولنعترف بأن ديمقراطيتنا ليست مثالية، لكننا نقوم بما علينا القيام به من أجل قيادة المنطقة التي نوجد فيها وسط حفلة الجنون التي تضرب لبنان. أما الذين ينتقدون عملية التوريث فنقول لهم: ماشي الحال.. فليسمحوا لنا، لأن لا أحد بيته من حجارة... كلنا بيتنا من زجاج.
* بعد سنتين من «العمل الاجتماعي» بين المختارة وبيروت، كيف ترى العمل الاجتماعي؟
- من خلال استقبالاتي للناس في المختارة (كل يوم سبت) وبيروت (الثلاثاء) وجدت كم هي أحوال المواطنين مزرية. بعضهم يبحث عن مساعدة بسيطة، وبعضهم يبحث عن وظيفة. نساعد قدر الإمكان، لكن الأوضاع صعبة، ولا يمكن لنا أن نقوم بكل شيء. تصوّر أن أصحاب الشهادات العليا باتوا يقبلون بوظيفة إدارية في مصرف، لكن المصارف لم تعد تحتمل المزيد، فبتنا للأسف الشديد نعمل من أجل تأمين فرص عمل لهؤلاء خارج لبنان، وكأننا نقول لأبناء شعبنا إن بلدنا لم يعد يصلح للعيش فيه. وفي المقابل، تجد أن الدولة ومؤسساتها تخلت عنهم بشكل شبه كامل.
الخليج رئة يتنفس منها لبنان اقتصاديا، ولكن بعض المواقف اللبنانية لا تساعد في تحسين العلاقة مع الخليج، وهذا ما يجب أن يتوقف. ونحن نتمنى أن يعود الخليجيون إلى لبنان للسياحة والاستثمار. لقد رافقت والدي أكثر من مرة إلى المملكة العربية السعودية، وأدرك عمق المحبة التي يكنها أهل الخليج للبنان. وعلاقتنا معها ممتازة.
* ستترشح للانتخابات النيابية؟
- نعم بالتأكيد. الانتخابات لحظة مهمة لي لإثبات نفسي، وسأدخلها مع لائحة كاملة تضم تشكيلة من الرفاق الحزبيين والحلفاء القدامى، بالإضافة إلى وجوه جديدة مشهود لها بالكفاءة والقدرة التمثيلية. أما عن الانتخابات النيابية، فهي ليست خيارا، بل هي أمر حتمي لا مفر منه، فبعد تمديد ولاية البرلمان لمرتين متتاليتين، بات من الصعب جدا الاستمرار بهذا النهج. لا أحد يريد التمديد ولا الفراغ، ولهذا أعتقد أننا سنصل إلى انتخابات، لكن السؤال هو على أساس أي قانون... الله أعلم.
* لماذا خرجت الأسبوع الماضي لتقول: «للذين يهاجموننا نحن هنا وسنبقى»؟
- هناك كثر يهاجموننا.. وأنا أردت أن أوجه لهؤلاء رسالة بسيطة مفادها أنه مع انتخابات ومن دونها، ووفق أي قانون، أكثري أو نسبي أو مختلط، نحن سنبقى موجودين، ولا أحد قادر على إلغائنا.
* ما مشكلتكم مع النسبية؟
- النسبية تصغّر حجمنا، ولا أعتقد أن أي حزب يقبل بتصغير حجمه التمثيلي. ومن الطبيعي أن نفكّر بهذه الطريقة، ولا أعتقد أن أي حزب آخر في البلد لا يفكر مثلنا. نحن طائفة صغيرة وحزب صغير يتمركز أساساً في الشوف والجبل ومضطرون للدفاع عن حقوقنا.
* يقال إنكم تحاولون أن تحصلوا على عدد من النواب أكبر من حجمكم التمثيلي؟
- كلا، نحن نحاول الدفاع عن كتلتنا.
* لكن البعض يرفض أن تحوزوا على مقاعد لنواب مسيحيين، ويرى أن عليكم أن تكتفوا بالنواب الدروز الستة في الجبل؟
- هذا الكلام مرفوض. النواب المسيحيون وغير المسيحيين الموجودون معنا هم أعضاء في الحزب التقدمي الاشتراكي، ولديهم حيثيتهم المسيحية والوطنية، ولا أحد يزايد على وطنيتهم. والنواب المتحالفون معنا، هم أيضا أصحاب حيثية، وهم جزء من العائلات المسيحية الموجودة في منطقة الجبل منذ عشرات السنوات، ولا يجوز أن يحاول أحد الانتقاص من قدرتهم التمثيلية. نحن حزب وطني، ومن الأحزاب القليلة في البلد الموجود فيها خليط من كل الطوائف، فهل يجب أن نحصر فقط بالنواب الدروز، وماذا عن تمثيل غير الدروز منا؟
إن بعض الطروحات بشأن قانون الانتخاب تعاني من انفصام عن الواقع. نحن بلد مؤلف من 18 طائفة، وما تزال هذه الطوائف تعيش هواجس البقاء والتمثيل. ولا أعتقد أنه من الممكن تغيير العقلية بالكامل في فترة قصيرة، فالأمر يحتاج إلى عمل طويل وإلى ظروف ملائمة. وهما أمران غير متوفرين الآن.
* ماذا عن برنامجك الانتخابي؟
- لدي برنامج متكامل، لكنني أفضل ألا أتحدث عنه الآن بسبب قلة وضوح الرؤية فيما يتعلق بالانتخابات وقانونها ومواعيدها..
* ما ملامحه؟
- يمكنني أن أقول إنه برنامج طموح وعصري. سياستي العامة ستكون مشابهة لسياسة الوالد، لكنني أود التركيز على قضايا الشباب من أجل تمكين هؤلاء من التقدم ومساعدتهم على تحقيق طموحاتهم وآمالهم فيما يتعلق ببناء الدولة، وما يتعلق بتأمين معيشتهم وراحتهم. ولهذا أود التركيز على مصالح الناس، والشباب تحديدا، لأنني لا أريد أن أتفلسف بالسياسة وأنظّر مطولا كما يفعل كثيرون. يجب علينا التركيز على قضايا الناس.
الناس بحاجة إلى رؤية التغيير، وإلى رؤية وجوه جديدة شابة. وهذا ما يريده والدي من خلال دعمه لي ومساندته إياي في التوجّه نحو العمل السياسي. وآمل أن أقدم شيئا جديدا ومقبولا، وأن يحكموا علي من خلال أدائي ومن خلال أفكاري، وألا يؤيدوني أو يعارضوني من خلال تأييدهم أو معارضتهم لوالدي. الآن يوجد شخص اسمه وليد جنبلاط يأخذ القرار السياسي. ولهذا أفضل الآن التركيز على العمل الاجتماعي.
أنا ابن زعيم، وهذا لا يجعلني تلقائيا زعيما. الزعامة تحتاج إلى عمل وجهد، وآمل أن أوفق في تقديم نموذج إيجابي. ويمكن على الأقل للناس أن تطمئن إلى أني سأكون صريحا جدا معهم في كل الشؤون التي تهمهم. هناك قلة ثقة بين الناس والقيادات السياسية هذه الأيام، وهذا ما أحاول أن أتفاداه. لقد تكاثر عدد الزعماء في لبنان، إلى حد أنك إذا رميت حجرا من الشرفة، فلا بد أنك ستصيب زعيما ما.
* كيف تنظر إلى اللعبة السياسية التي تشرف على الدخول إليها؟
- بكلمة واحدة أقول... عصفورية (مستشفى مجانين)!
* وكيف ذلك؟
- انظر إلى وضع مؤسساتنا، لقد تراجعنا مائة سنة. لا يوجد أي ملف يتم التعاطي معه بكفاءة، مثلا، موضوع النفايات. لقد وضعهم الوالد في أجواء ضرورة إقفال المكب الموجود في منطقة الناعمة (جنوب بيروت)، والذي عمل لأكثر من طاقته الاستيعابية بكثير. لكنهم انتظروا حتى اليوم الأخير المخصص لإقفال المكب لبدء التفكير بالعمل على إيجاد البديل، فكانت الكارثة التي لم نخرج بعد منها. أما وضع الكهربا، فحدث ولا حرج. هل يعقل أنه لا يوجد كهرباء على مدار الساعة في لبنان على رغم كل ما رمي عليه من أموال. هناك نقص في الأخلاق السياسية في البلد. واللبناني بات يغلب طائفيته على وطنيته، والمشكلة هي من الطبقة السياسية.
* وكيف الخلاص؟
- هذا سؤال لا توجد له إجابة حتى الآن. علينا البدء من الصفر، لكن المشكلة في أن الطبقة السياسية تمنع التقدم. نحن نتعرض لحملة منظمة، يهاجموننا فيما خص معمل سبلين (للإسمنت)، وكأنه الوحيد الذي يتسبب بالتلوث في لبنان. بينما نحن وضعنا «فلاتر» جديدة للحد من التلوث وقمنا بإجراءات لمنعه. لكن يبدو أن الهجوم السياسي علينا يبحث فقط عن أعذار لمهاجمتنا.
* ماذا يعني الفراغ؟
- التمديد للمجلس النيابي كارثة..أما الفراغ فكارثة أكبر.
* كيف ترى الوضع الإقليمي..
- فوضى كبيرة... سوريا في حال يرثى لها ووضعها يحتاج إلى وقت طويل. لا أرى في الأفق حلولا، مهما حاولوا إيهامنا بجنيف وغيرها. 500 ألف قتيل وعشرات الملايين من المهجرين. سوريا التي نعرفها انتهت، ولن تعود إلى سابق عهدها.
* وهل يستطيع لبنان الصمود في مواجهة «الموجات الارتدادية؟
- لقد مررنا بما هو أسوأ، واستمررنا. وهذا لن يتغير، فنحن باقون هنا ولدينا القدرة على التأقلم.
* بعيدا عن السياسة، ما هي هواياتك؟
- كتبت الشعر، بالفرنسية والإنجليزية... واليوم بدأت الانخراط أكثر باللغة العربية..
* شعراً..
- لا، لكن بالخطابات. أحاول تقديم نفسي بخطابات قصيرة، سألتزم بخمس دقائق كمعدل لخطاباتي، فمن المعروف أن الناس لا تركز في سماع الخطابات لأكثر من 7 دقائق.
* ماذا عن أخيك أصلان؟
- أصلان يساعدني في العمل الاجتماعي، وسيكون إلى جانبي في العمل السياسي. هناك أناس يعتمدون علينا، ويجب أن نقف إلى جانبهم. ولعل أكثر ما يميز أصلان صراحته، فهو يمتلك صراحة مطلقة.
تيمور وليد جنبلاط: مع انتخابات ومن دونها ووفق أي قانون لا أحد قادر على إلغائنا
نجل الزعيم الاشتراكي اللبناني خرج إلى الضوء عبر «الشرق الأوسط» في أول حواراته الإعلامية
تيمور وليد جنبلاط: مع انتخابات ومن دونها ووفق أي قانون لا أحد قادر على إلغائنا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة