لا تزال إيران تفتعل الأزمات قبل بدء موسم حج كل عام، في محاولة لتسييس الشعيرة الدينية الأكبر لأهداف طائفية، مطلقة الاتهامات تجاه السعودية التي تبذل الغالي والنفيس في خدمة ضيوف الرحمن، حيث ظلت محاولاتها عصية على عبثهم السياسي الديني.
ووصل الأمر بطهران إلى أن قررت هذا العام منع مواطنيها من أداء فريضة الحج، ومعاقبة من تخول له نفسه السفر إلى أطهر بقعة في الأرض لهذا السبب عن طريق دولة أخرى.
ولم تلتفت السعودية لقرارات المنع هذه، بل رحبت بالإيرانيين الراغبين في الحج عن طريق دولة ثالثة، مقدمة التسهيلات، حيث استقبلت مواطنين إيرانيين قدموا عن طريق دول أخرى لتأدية المناسك.
تاريخيًا، تؤكد أعمال «الشغب والتظاهرات وحمل الأسلحة البيضاء» في 1986 خلال موسم الحج التي قام بها الحجاج الايرانيون ضاربين عرض الحائط بمناسك الحج وسلامة الحجاج الآخرين، لكن في المقابل حرصت السلطات السعودية على «ضبط النفس منعًا لاصطدام الحجاج الآخرين مع شغب بعض الحجاج الايرانيين».
رغم ذلك، لم تسلم السعودية من الاتهامات الإيرانية الباطلة، وكأنها حملة شرسة ضد الرياض في تكذيب بيانات السلطات الأمنية السعودية بينما الواقع كما نقلته وسائل الاعلام، في حينه تلقى رجال الأمن والمواطنون السعوديون «طعنات في أمعائهم بواسطة سكاكين بعض الحجاج الايرانيين»، وتكرر سيناريو الشغب أيضًا في عام 1989.
العدائية الايرانية تجاه دول الخليج، وخاصة السعودية تتوزع حسب سياستها الطائفية بزرع الفتنة، وهي سياسة ليست غريبة على طهران التي تسعى إلى افتعال الأزمات وزعزعة الاستقرار في المنطقة.
وتسعى إيران إلى إظهار السعوديـة أمام الرأي العام في العالم الإسلامي على أنها مقصرة تجاه ضيوف الرحمن، بما يهز صورة الرياض إقليميًا ويحقق لإيران مكسبًا سياسيًا في عدد من الملفات الأخرى، خاصة أن الحج لا تمتلكه السعودية، بل تنظمه فقط، في خطوة أكد خبراء أنها دعوة مباشرة لتصعيد الموقف الطائفي في المنطقة والتحريض على إثارة الفتنة.
وبينما استنفدت إيران كل الوسائل لتسييس الحج هذا العام، بما فيها منع مواطنيها من أداء الشعيرة هذا العام والمطالبة بتدويل الحج تحت حجج وذرائع واهية، قامت السعودية بفتح أبوابها أمام الإيرانيين القادمين إلى مكة من كل أنحاء العالم، الأمر الذي لاقى ترحيبًا واسعا من قبل الرأي العام الإسلامي، مما أغضب خامنئي، الذي شن هجوم غير مسبوق على السعودية أمس (الاثنين).
كل هذا التعنت من قبل المرشد الاعلى الايراني علي خامنئي وبطانته لم يمنع المواطنين الإيرانيين من استغلال الفرصة الذهبية التي وضعتها السعودية أمام أيديهم بإمكانية الذهاب إلى الحج عن طريق دولة ثالثة، حيث سارع المئات منهم بتقديم طلبات تأشيرة الحج غير مكترثين بالمآرب السياسية لحكامهم، وبالتالي تمكن المئات منهم بالفعل من القدوم من مختلف دول العالم لأداء مناسك فريضة الحج هذا العام.
وجددت السعودية على لسان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف، التأكيد على أنها "لن تسمح بأي حال من الأحوال بوقوع ما يخالف شعائر الحج ويعكر الأمن ويؤثر على حياة الحجاج وسلامتهم من قبل إيران أو غير إيران".
وأكد الأمير محمد بن نايف أن "الإيرانيين يعلمون قبل غيرهم أن المملكة قدمت للحجاج الإيرانيين كبقية حجاج بيت الله الحرام كل التسهيلات"، مضيفًا أن "إيران هي التي لا ترغب في قدوم الحجاج الإيرانيين لأسباب تخصها وفي إطار سعيها لتسييس الحج وتحويله لشعارات تخالف تعاليم الإسلام".
وبالعودة إلى مسلسل استغلال الشعيرة الدينية من قبل إيران، لإثارة الشغب والفوضى والاضطرابات والفتن ومحاولة إحداث الصراعات الطائفية بدءًا من أحداث شغب مكة عام 1987، التي كانت أبرزها وأكثرها خطورة، وصولاً لحادثة تدافع منى العام الماضي، التي تورط بها دبلوماسيون وضباط باستخبارات الحرس الثوري الإيراني اندسوا بين الحجاج الإيرانيين بجوازات سفر عادية، نذكر ما حدث في موسم حج عام 1987، حيث قامت مجموعة من الحجاج الإيرانيين، بتحريض من سلطات بلادهم، بتنظيم مظاهرة غير مرخصة، ما أدى إلى حدوث اشتباكات عنيفة بينهم وبين قوات الأمن السعودية.
أتى ذلك نتيجة ممارسة الحجاج الإيرانيين مراسم البراءة، ورفع شعارات سياسية وطائفية، فيما قامت قوات الأمن السعودية والحرس الوطني بتطويق جزء من المسار المخطط للمسيرة ومنع المتظاهرين من العبور، ما أدى إلى تشابك الحجاج المتظاهرين مع قوات الأمن.
واشتدت حدة الاشتباك الذي وصل إلى مرحلة العنف بعد تدافع الحجاج بقوة، ما نتج عنه مقتل 402 شخص، منهم 275 حاجًا إيرانيًا، و42 حاجًا من جنسيات أخرى، و85 رجل أمن سعوديا، فضلا عن إصابة 649 شخصًا (303 من الإيرانيين و145 من السعوديين و201 حاج من بلدان أخرى).
بعد تلك الأحداث الدامية، قطعت الرياض علاقتها الدبلوماسية مع طهران، وقللت العدد المسموح به من الحجاج الإيرانيين (من 150 ألف حاج إلى 45 ألفا).
أما طهران فقامت بمقاطعة الحج في المواسم الثلاثة التالية، إلى أن تجددت العلاقات بين الطرفين في عام 1991 بعد اتفاق يسمح للإيرانيين بممارسة فريضة الحج مرة أخرى، ووضع حدٍّ أقصى للحجاج الإيرانيين يبلغ 115 ألف حاج.
وفي حج عام 1986 أحبطت السلطات السعودية مخططًا إجراميًا إيرانيًا عندما كشف موظفو الأمن والجمارك السعوديون 51 كيلوغرامًا من مادة C4 شديدة الانفجار دستها المخابرات الإيرانية في حقائب الحجاج الإيرانيين لاستخدامها في تفجير في الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، حسبما أثبتت التحقيقات في حينه.
ولم تنته أعمال إيران العدائية في استغلال موسم الحج عند ذاك الحد، حيث وقع انفجاران بجوار الحرم المكي الشريف عام 1989 نتج عنه وفاة شخص وإصابة 16 آخرين، فيما ألقت الجهات الأمنية السعودية القبض على 20 حاجًا كويتيا اتضح خلال سير التحقيقات معهم تلقيهم تعليمات من محمد باقر المهري (عالم دين ووكيل المرجعيات الشيعية في دولة الكويت)، وتسلمهم المواد المتفجرة عن طريق دبلوماسيين إيرانيين في سفارة طهران في الكويت، وتمت محاكمتهم والقصاص منهم.
وفي موسم حج عام 1990 وقعت حادثة نفق معيصم الشهيرة في يوم عيد الأضحى، نتيجة تدافع الحجاج والزحام بينهم، ورغم اتهام بعض الأطراف الإيرانيين بإطلاق غازات سامة أدت إلى وفاة 1426 حاجًا من مختلف الجنسيات، فإن السلطات السعودية حينها لم تتهم أحدًا، وقالت إنه مجرد «حادث عرضي».
موسم حج العام الماضي، حيث حادثة تدافع منى المفتعلة من الحجاج الإيرانيين بعكس المسار المخصص للمشاة، التي نتج عنها مقتل نحو 769 حاجا أجنبيا، من بينهم 464 إيرانياً وإصابة 934، وهي أسوأ أزمة وقعت في مواسم الحج بعد أحداث 1987.
ان نظام الملالي في طهران يعمل على قضية «تدويل الحج» منذ سنين، حيث كرر «خامنئي» هذا الموضوع في تصريحاته أمس، عندما طالب في رسالة نشرت على موقعه الإلكتروني وعلى وسائل إعلام إيرانية رسمية بأنه «يتعين على العالم الإسلامي أن يعيد النظر فيما يتعلق بإدارة الحرمين الشريفين والحج»، على حد قوله.
وتثير إيران هذه القضية في موسم الحج سنويًا بهدف أن تتحول إلى موضوع جدل عالمي يبرز فيه رأي مؤيد للتدويل خاصة عند الغرب، وذلك عبر خلق أزمة قبل كل موسم حج واستغلال حوادث التدافع والوفيات، وهي المسبب الرئيسي لها، في محاولة منها لاتهام السعودية بالتقصير والفشل في إدارة ورعاية الحج.
قضية تدويل الحرمين مطلب إيراني قديم يؤكد عليه معاون السلطة القضائية الإيرانية محمد جواد لاريجاني في كتابه «مقولات في الاستراتيجية الوطنية» خلال تناوله نظرية طرح إيران بمثابة «أم القرى» بدلا من أرض الحرمين، التي تدعو صراحة إلى تدويل الحرمين، وضرورة خروجهما عن السيطرة السعودية، وإدارتهما عن طريق لجان دولية يكون لإيران فيها نصيب أكبر، حسب نظرية لاريجاني.
وينظر النظام الإيراني إلى الحج كفرصة استثنائية لحشد عناصره لإحداث بلبلة من خلال طقوس معينة لا تقع في إطار مناسك الحج، كمراسم الحالة «البراءة من المشركين» التي يقول عنها رجل الدين الإيراني جلال كنجئي إنها «بدعة أضافها نظام الملالي لمناسك الحج»، مضيفا أن «من له علم بالفقه الشيعي يعرف أن فقه الشيعة بالنسبة لمراسم الحج لا يختلف عما يعمله المسلمون كافة من الإحرام والطواف والرمي والسعي والتقصير والذبح وما إلى ذلك».
وقال كنجئي في ندوة سابقة عبر الإنترنت غطتها قناة (العربية)، إن «نظام الملالي يستغل الحج لأهداف متعددة وأهداف دعائية والتقاط فرائس من شبان المسلمين ليستغلهم كخلايا للتجسس والإرهاب».
السعودية نجحت ولا زالت تواصل نجاحها في إحباط كل مخططات إيران الرامية لتسييس الحج وبث الفوضى والاضطرابات والفتن خلال أداء هذه الشعيرة التي تجمع المسلمين في الديار المقدسة، وذلك من خلال رفضها الحازم والقاطع لمحاولات نظام الولي الفقيه في طهران فرض شروط سياسية وإدخال مراسم وطقوس خارجة عن مناسك الحج، وكذلك رفضها شروطا إيرانية من شأنها أن تؤدي إلى إحداث انشقاقات طائفية ومذهبية تعكر صفو الحج وتخدم سياسة تصدير الثورة الخمينية من خلال استغلال موسم الحج.
تهديدات إيران السنوية قبل الحج
تصدت السعودية لمحاولاتها واستقبلت حجاجا إيرانيين من دول أخرى
تهديدات إيران السنوية قبل الحج
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة