100 سنة على اتفاقية سايكس بيكو.. و«التقسيم» مستمر

دول طائفية في الأفق تستغلها إسرائيل قبل أن تتحول إلى دولة يهودية

مارك سايكس - فرانسوا بيكو
مارك سايكس - فرانسوا بيكو
TT

100 سنة على اتفاقية سايكس بيكو.. و«التقسيم» مستمر

مارك سايكس - فرانسوا بيكو
مارك سايكس - فرانسوا بيكو

يصادف يوم غد، 16 مايو (أيار)، يوم ذكرى مرور مائة عام على معاهدة سايكس بيكو، التي وقعت في سنة 1916 بين لندن وباريس، وتم بموجبها تقاسم أراضي الوطن العربي والشرق الأوسط، ما بين بريطانيا وفرنسا.
وقد كانت معاهدة سرية، شاركت فيها روسيا القيصرية، التي كانت أيضا تطمح في نفوذ على هذه المنطقة، لكنها سقطت قبل أن تحظى بنصيب فيها. وعندما سيطرت الثورة الشيوعية على موسكو، كشفت أسرار الاتفاقية. فثار العرب بقيادة الشريف حسين عليها، واضطرت بريطانيا إلى إجراء تعديلات عليها، أدت إلى قيام المملكات والدول العربية. لكن بريطانيا نكثت بوعودها، آنذاك، للعرب ولشريكتيها روسيا وفرنسا، وقدمت وعدها الشهير بتكوين «وطن قومي لليهود»، المعروف بوعد بلفور 2 نوفمبر (تشرين الثاني) 1917، الذي أسس للصراع العربي الإسرائيلي.
لقد نمت بذور هذه المعاهدة في نهاية العام 1915 وخلال الحرب العالمية الأولى، حيث كانت الإمبراطورية العثمانية قد تحولت إلى «الرجل المريض على ضفاف الفوسفور»، فتفككت وانهارت. فأطلق السلطان المغربي، محمد الخامس، المدعوم من ألمانيا، دعوته إلى الجهاد. وكانت القوتان الاستعماريتان الكبيرتان حاضرتين في المنطقة: فرنسا بنفوذها الاقتصادي والثقافي في المشرق، وبريطانيا في مصر، التي احتلتها سنة 1882. وقد اختارتا دبلوماسيين اثنين، هما الفرنسي فرنسوا جورج بيكو (خال والدة الرئيس الفرنسي الأسبق، فاليري جيسكار ديستان) والبريطاني مارك سايكس (الذي توفي بعد ثلاث سنوات في باريس على إثر إصابته بالإنفلونزا الإسبانية)، لإجراء مفاوضات حول ترتيبات سرية أصبحت تحمل اسميهما، هدفها تقاسم الأرض والنفوذ في العالم العربي.
في تلك الفترة، أبرم «اتفاق كامبون - غراي» في تبادل للرسائل في 9 و15 و16 مايو بين سفير فرنسا في لندن، بول كامبون، ووزير الخارجية البريطاني إدوارد غراي. وانضمت إلى الاتفاق روسيا وإيطاليا في وقت لاحق.
قال سايكس إنه يريد أن «يرسم خطأ يبدأ بحرف الألف (يقصد مدينة عكا، التي تسمى بالإنجليزية acre) ، وينتهي بالحرف كاف نسبة إلى كركوك»، كما يروي الكاتب البريطاني جيمس بار في كتابه «خط في الرمال» (2011). وهذا الخط الأسود يقسم الشرق الأوسط في منتصفه على خرائط الاتفاق من دون أي اعتبار للتوزيع القبلي والعشائري والانتماءات الدينية، لتصبح «سوريا» للفرنسيين في الشمال و«شبه الجزيرة العربية» للبريطانيين في الجنوب، وكل المنطقة مقسمة على خمسة قطاعات. وينص الاتفاق على أن «فرنسا وبريطانيا مستعدتان للاعتراف ولدعم دولة عربية مستقلة أو كونفدرالية لدول عربية» في منطقتي النفوذ ألف (الداخل السوري مع دمشق وحلب وكذلك الموصل) وباء (بين خط سايكس بيكو وخط العقبة - الكويت). ولونت مناطق الوصاية المباشرة بالأزرق في الشمال لفرنسا وتضم لبنان وكيليكيا (شمالي ليبيا) وبالأحمر في الجنوب لبريطانيا (الكويت وجنوب بلاد الرافدين مع جيب في حيفا من أجل مشروع للسكك الحديدية يبدأ ببغداد) (ولونت بالبني منطقة تم تدويلها هي فلسطين). كشفت المعاهدة من قبل حكومة الثورة الروسية في 1917. وقد رأى فيه العرب خدعة استعمارية ولا يليق بالضابط البريطاني بيتر إدوارد لورنس المعروف باسم لورنس العرب، الذي كلف تأجيج الثورة العربية التي بدأت في يونيو (حزيران) 1916.
وبقي تقاسم الأراضي هذا نظريا، إذ إن القوات التركية كانت ما زالت موجودة في المناطق المعنية. وتحت أنظار فرنسوا جورج بيكو الذي أصبح مفوضا ساميا في سوريا وفلسطين، احتل الجنرال البريطاني إدموند اللينبي القدس في 11 ديسمبر (كانون الأول) 1917، ثم سقطت دمشق في 30 سبتمبر (أيلول) 1918.
وما إن انتهت الحرب، حتى قام رئيسا الحكومتين الفرنسية والبريطانية بتعديل اتفاق سايكس بيكو، بينما بدأت تبرز أهمية النفط في المنطقة. وتخلت فرنسا عندئذ عن فلسطين ومنطقة الموصل مع المطالبة بحصتها من النفط. وفي أبريل (نيسان) 1920. أقر مؤتمر سان ريمو الانتداب الذي يفترض أن يعد للاستقلال وعهد به لبريطانيا (فلسطين والضفة الشرقية لنهر الأردن والعراق)، فيما حظيت فرنسا بسوريا ولبنان. وفي 1921 تخلت فرنسا عن كيليكيا ثم في 1939 عن لواء إسكندرونا السوري جنوب تركيا.
وفي 1922، وبعد سحق الثورات في فلسطين وسوريا والعراق، صادقت عصبة الأمم على وضع هذه المناطق تحت الانتداب الفرنسي والبريطاني، وبدأ نشاط الحركة الصهيونية لتطبيق وعد بلفور بإقامة إسرائيل.
ويتم إحياء ذكرى معاهدة سايكس بيكو، هذه الأيام، وسط أخطار تهدد بتغييرات أخرى لصالح تفتيت دول عربية، نتيجة لتمسك زعمائها ومراكز القوى فيها بالمناصب القيادية والنفوذ السلطوي وتمسك شعوبها بالحرية والعدالة الاجتماعية. وبات يطرح بقوة مشروع لإعادة تقسيم الوطن العربي إلى دويلات تقوم على الانتماءات الطائفية، دولة للمسيحيين ودولة للشيعة أو العلويين أو السنة أو الأكراد، ما يشجع إسرائيل على اتخاذ صفة طائفية شرعية هي «الدولة اليهودية».



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.