تواجه وزارة التعليم البريطانية، اتهامات واسعة، بسبب ما سمته جهات إعلامية وحقوقية «التستر» على مدارس يهودية متشددة غير قانونية، يتعرّض فيها التلاميذ لإساءات جسدية ويتّبعون مناهج تعليمية ضيقة لا تؤهلهم للانخراط في المجتمع البريطاني الحديث. وكشف تحقيق استقصائي أجرته صحيفة الـ«إندبندنت» البريطانية أن سلطات محلية أخفت دلائل على نقل تلاميذ إلى مدارس غير مرخص لها بطلب من «مؤسسات دينية» لم تعرّفها، وأن وزارة التعليم كانت على علم بهذه الممارسة منذ عام 2010 على الأقل، لكنها لم تتخذ الإجراءات اللازمة في حق الجهات المتورّطة. واعتمد التقرير في اتهاماته للحكومة على محضر مكتوب لاجتماع بين ممثلة عن وزارة التعليم و«إدارة هاكني للتعليم»، وهي شركة خاصة مكلفة شؤون التعليم في منطقة هاكني شمال شرقي لندن، أثار خلاله الطرفان في عام 2010 قضية مدارس يهودية متشددة تنشط في المنطقة بطريقة غير مشروعة. والتحق ألف تلميذ على الأقل بهذه المدارس في منطقة هاكني شمال شرقي لندن، وغادروا النظام التعليمي القانوني في سن 13 عاما بعلم من جهات حكومية، مما أثار موجة انتقادات لوزارة التعليم.
والمدارس غير المرخصة «مؤسسات تعليمية» مستقلة تنشئها جهات خاصة دون الحصول على رخصة حكومية، مما يشكّل تجاوزا قانونيا وجريمة جنائية. وأكدت مصادر مختلفة، شملت تلاميذ سابقين ارتادوا هذه المدارس وناشطين حقوقيين، أن جهات دينية تشجع أولياء الأمور على سحب أبنائهم الذكور من المدارس المرخص لها، وإلحاقهم بالمدارس الدينية غير المرخص لها ابتداء من سن 13 عاما بهدف الحصول على تعليم ديني مناسب. ولا يحصل التلاميذ في هذه «المدارس» على تعليم مناسب، بل إن معظمهم لا يتحدّث اللغة الإنجليزية، ولا يتقنون أي مهارات تمكّنهم من العمل أو العيش بشكل مستقل بعد تخرّجهم. كما أشارت بعض المصادر إلى أن التلاميذ يتعرّضون ضمن هذه «المدارس» أحيانا إلى الإساءة من عنف جسدي، وتدريس لمدة تصل إلى 14 ساعة على التوالي، كما يجبر بعضهم على الزواج في سن 18 عاما.
وسُلّط الضوء على هذه القضية بعد تسرب محضر الاجتماع التابع لـ«إدارة هاكني للتعليم» إلى الجهات الإعلامية، وذكر المحضر أن هذه الشركة لاحظت تغيّب تلاميذ يهود من سجلات المدارس، وطالبت الأخيرة بتبليغ السلطات المحلية عند نقل الآباء لأبنائهم من المدارس القانونية إلى أخرى غير مرخّص لها، بهدف حمايتهم. إلا أن الشركة المعنية لم تتابع تحقيقها، واكتفت بإبلاغ وزارة التعليم التي كان أحد ممثليها حاضرا في الاجتماع. ومنذ عام 2010، لم تتخذ الحكومة أي إجراء قانوني تجاه «إدارة هاكني للتعليم» أو المدارس الدينية المعنية.
وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط»، رفضت متحدّثة باسم وزارة التعليم تأكيد أو نفي علم الوزارة بهذه الممارسة، وقالت إنه «لا شيء أهم من سلامة التلاميذ»، مطالبة السلطات المحلية بـ«التحرك فورا للتعريف بهويات التلاميذ المتغيبين عن مدارسهم، والتأكد من سلامتهم وأنهم يتلقون تعليما جيدا». وعن الإجراءات المتّخذة ضد هذه المدارس الدينية غير المرخّص لها، اكتفت المتحدّثة بالقول: «إننا نتخذ إجراءات لتعزيز توجيهنا للمدارس بشأن الحفاظ على سلامة التلاميذ. كما قررنا، على ضوء استشارة حديثة، أن نغير القوانين بحيث نحمل المدارس مسؤولية الإبلاغ عن غياب التلاميذ عن سجلاتها».
من جهته، أكد ممثل عن «الرابطة البريطانية الإنسانية»، وهي مؤسسة خيرية بريطانية لا دينية ساهمت في التقرير الاستقصائي، لـ«الشرق الأوسط» أن نحو 1300 تلميذ في منطقة هاكني وحدها تغيبوا عن مدارسهم القانونية، والتحقوا بمؤسسات دينية غير مرخّص لها، مشيرا إلى أن المنظمة اعتمدت في تقريرها على أحدث البيانات الحكومية. وأضاف المصدر المتحدث باسم المنظمة أن هذه «المدارس» غير المرخص لها مؤسسات خيرية مسجّلة بشكل قانوني، إلا أنها تقوم بدور مؤسسات تعليمية دون الحصول على رخصة حكومية، «وهي لا تلبي الحد الأدنى للمعايير المطلوبة لتأسيس مدرسة خاصة».
وشمل التحقيق الذي قادته المنظمة 8 «مدارس» دينية متشددة، أو «يشيفا»، مسجلة قانونيا على أنها منظمات خيرية، مؤكّدا أن المناهج التعليمية تقتصر على تدريس النصوص الدينية باللغة «اليديشية»، وتشجع التلاميذ على العزلة عن باقي المجتمع. إحدى هذه المؤسسات هي «التلمود توراة تاشبار»، التي مارست نشاطها لأربعة عقود رغم تنبيهات مكتب تقييم التعليم البريطاني (أوفستيد) المتوالية عن فشلها في تلبية المعايير المؤهلة لفتح مدارس خاصة.
في المقابل، عد رئيس مجلس ممثلي يهود بريطانيا، جوناثان أركوش، أنه من المحتمل أن تكون السلطات البريطانية قد غضّت النظر عن المدارس غير المرخص لها بسبب ضيق مساحة المدارس الثانوية المحلّية. وفيما لم يشجّع أركوش هذه الممارسة، فإنه قال لجهات إعلامية أمس إنه «لا وجود لدليل على تورط هذه المدارس في إساءات للأطفال».
يذكر أن «أوفستيد»، وهو الهيئة التعليمية الرسمية لمراقبة معايير التعليم في المملكة المتحدة، كانت قد وجّهت انتقادات لاذعة لمدرستين يهوديتين مستقلّتين للذكور شمال لندن لـ«عدم تحضير التلاميذ للحياة البريطانية الحديثة، وتجاهل القيم البريطانية الداعية للتسامح واحترام الديانات الأخرى». وكشف تقرير «أوفستيد» الذي نشر في فبراير (شباط) الماضي أن إحدى هذه المدارس «حجبت صور النساء في المناهج التعليمية»، فيما عد تلاميذ الأخرى أن دور المرأة لا يتجاوز نطاق «أعمال البيت»، وفقا لمفّتشي الهيئة.
وكشف التقرير أن مدرسة «يتيف ليف»، وهي إحدى كبرى المدارس اليهودية في منطقة «ستامفورد هيل» وتضم 794 تلميذا تتراوح أعمارهم بين 3 و13 سنة، حجبت صور النساء في المراجع المدرسية أو غيرتها «إلى حّد كبير». ويلقي موظفو المدارس الابتدائية، التي رفض تلاميذها التحدث مع مفتشة من الهيئة الحكومية لأنها امرأة، جميع دروسهم باللغة «اليديشية»، مما يعوق تقّدم التلاميذ في مهارات القراءة والكتابة باللغة الإنجليزية، على حّد تعبير مفتشي «أوفستيد».
في السياق ذاته، أفاد تقرير الهيئة نفسها حول أداء تلاميذ مدرسة «بيس أهارون» الابتدائية، بأنهم يجمعون على أن دور النساء يقتصر على «الاهتمام بالأطفال، وتنظيف البيت، وتحضير الغذاء»، منتقدا مستوى التعليم في المدرسة «الذي لا يرقى إلى المستوى المنتظر من مدرسة مستقلّة»، ويقّدم «الشعائر الدينية على المعايير التعليمية» المتعارف عليها. وعدت الهيئة الحكومية أن هذه المدرسة الابتدائية الخاصة، التي تكلّف زهاء 3 آلاف جنيه إسترليني في السنة (أي نحو 4300 دولار أميركي)، لا تحّضر تلاميذها بشكل مناسب للانخراط في «الحياة البريطانية الحديثة».
وقال مفّتشو هيئة «أوفستيد» آنذاك إن نقاشاتهم مع التلاميذ كشفت أن «معظمهم عّبروا عن آراء حول أدوار للمرأة والرجل في المجتمع، لا تتوافق ومبادئ المجتمع البريطاني الحديث»، كما «فشلوا في إظهار الاحترام والتسامح تجاه أشخاص من ديانات مختلفة»، فضلا عن أن معرفتهم بديانات أخرى وثقافات مغايرة «محدودة للغاية».
بريطانيا: انتقادات لوزارة التعليم لتسترها على مدارس يهودية تعلم خارج سيطرتها
منظمة: 1300 طفل يهودي تغيبوا عن السجلات المدرسية شمال لندن
بريطانيا: انتقادات لوزارة التعليم لتسترها على مدارس يهودية تعلم خارج سيطرتها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة