مشروع اتفاق لتهدئة طويلة في غزة.. مقابل ميناء عائم

أبو مرزوق إلى الدوحة لحسم الموقف من المقترح القطري ـ التركي ـ الأوروبي

صبي فلسطيني يقود دراجته أمام بناية في قرية خزاعة (شرق خان يونس) دمرت خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة (أ.ف.ب)
صبي فلسطيني يقود دراجته أمام بناية في قرية خزاعة (شرق خان يونس) دمرت خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

مشروع اتفاق لتهدئة طويلة في غزة.. مقابل ميناء عائم

صبي فلسطيني يقود دراجته أمام بناية في قرية خزاعة (شرق خان يونس) دمرت خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة (أ.ف.ب)
صبي فلسطيني يقود دراجته أمام بناية في قرية خزاعة (شرق خان يونس) دمرت خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة (أ.ف.ب)

كشفت مصادر فلسطينية مطلعة لـ«لشرق الأوسط» إن حركة حماس تتجه إلى الموافقة على مقترح تهدئة طويلة مع إسرائيل في قطاع غزة مقابل ميناء بحري عائم.
وأكدت المصادر أن المقترح الذي طرحته قطر، وتدعمه تركيا بالتعاون مع الأمم المتحدة ودول أوروبية، وجرى نقاشه مع حماس وإسرائيل في الأسبوعين الأخيرين، يقوم على تهدئة طويلة تستمر 5 سنوات قابلة للتجديد، مقابل تخفيف الحصار، وتسريع عملية الإعمار، وإقامة ميناء بحري عائم مراقب من جهات دولية.
وأكدت المصادر أن المقترح الذي ناقشه آخر مرة نيكولاي ملادينوف، منسق عملية السلام في الشرق الأوسط، مع مسؤول ملف التهدئة في حركة حماس موسى أبو مرزوق في قطاع غزة، والذي كان ناقش بدوره الأمر مع مبعوثين آخرين إلى غزة وإسرائيل، بينهم القنصل السويسري بول جرينا، والمبعوث القطري محمد العمادي، يلقى قبولا عند غالبية مسؤولي الحركة.
وكان أبو مرزوق غادر السبت، بحسب مصادر فلسطينية وإسرائيلية ومصرية، من غزة إلى قطر، للقاء مسؤول المكتب السياسي لحماس خالد مشعل، وقادة الحركة، من أجل بلورة موقف واضح ونهائي وحاسم من اتفاق تهدئة مع إسرائيل.
وبحسب المصادر، فقد حصلت حماس على موافقة إسرائيل على إقامة ميناء عائم في غزة بعد فترة قصيرة من إبرام الاتفاق، على أن يكون تحت رقابة دولية.
ويعتقد أن الميناء الذي سيخصص لرسو سفن الشحن، سيخضع لرقابة من قبل حلف شمال الأطلسي الذي يضم عضوية تركيا.
ووافقت إسرائيل على الميناء، فيما رفضت بشكل قاطع فكرة إعادة بناء المطار.
وقالت مصادر إسرائيلية، بأن حماس هي التي أبدت رغبة في البداية للتوصل إلى تهدئة.
وأضافت المصادر، أن حوارات بين حماس ودبلوماسيين غربيين أفضت إلى تفاهمات تتعلق بصيغة التهدئة. وقال مسؤول إسرائيلي، إن حماس عرضت مقترحات تهدف إلى تحسين حياة الناس في غزة.
وطلبت إسرائيل في المقابل التزاما صارما بالتهدئة، وحصول حماس على موافقة جميع الفصائل عليها.
وتعهدت إسرائيل بتحسين حياة الناس في القطاع وتسهيل عملية إعادة الإعمار. ومن الأمور التي شجعت حماس على الموافقة على المقترح، أنه يحظى بدعم أوروبي ومن الأمم المتحدة اللذين يربطان بين اتفاق حقيقي لوقف القتال وإعادة الإعمار.
ويأتي الاتفاق المتوقع، مع ظهور بوادر تقارب بين حماس ومصر، بعد اتفاق أمني يقضي بضبط حماس للحدود والتعاون في أي مسائل أمنية تخص الأمن المصري. وتجلى ذلك في فتح معبر رفح في الاتجاهين مع بداية هذا الأسبوع. وأمر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أمس بتمديد عمل المعبر بالاتجاهين حتى نهاية الأسبوع.
لكن الاتفاق إذا ما حدث، سيكون انقلابا على الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين وفد تقوده السلطة الفلسطينية ويضم حماس من جهة، وإسرائيل من جهة ثانية، برعاية مصرية في 26 أغسطس (آب)، ووضع حدا آنذاك، للحرب الدموية على قطاع غزة التي استمرت 50 يوما وخلفت أكثر من 2200 قتيل في الجانب الفلسطيني، من بينهم 500 طفل، و250 امرأة، و11 ألف جريح. كما تم تدمير نحو 18 ألف منزل. أما في الجانب الإسرائيلي، فقد قتل 66 جنديا وستة مدنيين، فيما أصيب 450 جنديا.
وكان يفترض أن يتوج هذا الاتفاق بمباحثات أخرى تهدف إلى التوصل إلى اتفاق تهدئة حقيقي، لكن خلافات بين السلطة وحماس حول المصالحة، وخلافات أخرى بين مصر وحماس والوضع الأمني في مصر، جمد هذه المباحثات.
وقالت المصادر بأن الأوروبيين طرحوا على حماس تمكين حكومة الوفاق من العمل بعد اتفاق التهدئة من أجل إطلاق عملية الإعمار، وحل ملف الموظفين التابعين للحركة.
وترفض السلطة أي مفاوضات أو اتفاقات محتملة بين حماس وإسرائيل، على اعتبار أن منظمة التحرير هي المخول الوحيد بذلك.
وهاجم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الشهر الماضي، حركة حماس، واتهمها بإجراء مباحثات سرية، قائلا لصحافيين في عمان، بأنه يحمل في سيارته ملفا يحوي محضرا متكاملا عن الاتصالات السرية بين الإسرائيليين وحركة حماس، مضيفا: «إنها اتصالات تحصل في العتمة وبعيدا عن الأضواء، مع أن حماس تستمر في المزاودة على السلطة».
وقال عباس آنذاك، إن «مدخل الاتصالات السرية بين حماس وإسرائيل هو رفات جندي إسرائيلي من أصل إثيوبي موجود في غزة، هي اتصالات تتطور وتناقش إطارا سياسيا». ويوجد لدى حماس رفات جنود إسرائيليين، واتفق على أن يكون ذلك ضمن مفاوضات لاحقة لأي تهدئة.
وردت حماس آنذاك، على لسان الناطق باسمها فوزي برهوم، بتكذيب عباس، إذ قال برهوم «إن زعم الرئيس محمود عباس امتلاكه وثائق تكشف عن اتصالات سرية بين حماس والإسرائيليين، هي محض أكاذيب وافتراءات تهدف إلى خلط الأوراق»، مضيفا أن «اتهامات عباس نابعة من إفلاسه على كل المستويات، مبينًا أنها تأتي في سياق استهدافه المستمر لحركة حماس وسعيه لتشويه سمعة الحركة وتاريخها المقاوم».
وقالت مصادر في السلطة الفلسطينية لـ«الشرق الأوسط»، إن لدى السلطة علما كاملا بمفاوضات حماس وإسرائيل، إذ أبلغت أطراف أوروبية السلطة بطبيعة هذه المباحثات، رغم النفي المتكرر لحماس.
وأضافت: «حماس ناقشت اتفاق تهدئة سياسيا مع كثير من الأطراف والسلطة مطلعة على التفاصيل».
ورأت المصادر أن حدوث أي اتفاق أحادي في غزة، سيعزز فصل القطاع عن الضفة وإقامة كيان منفصل هناك.



هل قلصت مصر وجودها العسكري في سيناء إثر ضغوط إسرائيلية؟

رئيس أركان الجيش المصري قرب حدود إسرائيل نهاية العام الماضي (المتحدث العسكري المصري)
رئيس أركان الجيش المصري قرب حدود إسرائيل نهاية العام الماضي (المتحدث العسكري المصري)
TT

هل قلصت مصر وجودها العسكري في سيناء إثر ضغوط إسرائيلية؟

رئيس أركان الجيش المصري قرب حدود إسرائيل نهاية العام الماضي (المتحدث العسكري المصري)
رئيس أركان الجيش المصري قرب حدود إسرائيل نهاية العام الماضي (المتحدث العسكري المصري)

أكد مصدر مصري مُطلع لـ«الشرق الأوسط»، أن «القوات المصرية في سيناء موجودة من أجل حفظ الأمن القومي المصري، وهو أمر لا تقبل فيه القاهرة مساومة أو إغراء»، مشدداً على أنه «لم يتم سحب جندي واحد من هناك هذه الفترة تحت أي ضغوط كما يتردد».

وأوضح المصدر: «هذا الأمر يرتبط بتقدير الموقف الخاص بالأجهزة الأمنية المصرية وما تراه فيما يخص أمن البلاد وحدودها مع منطقة تشهد حرباً ضروساً منذ عامين، ومحاولات من جانب إسرائيل لدفع هذه الحرب نحو الأراضي المصرية، ولا يرتبط الأمر أو يخضع لأي قضايا أخرى أو صفقات، وإلا كانت مصر قبلت بإغراءات أكبر في مسألة التهجير أو تصفية القضية الفلسطينية».

وأضاف: «التقارير الإسرائيلية التي تتحدث عن تقليص القوات في سيناء هي ذاتها التي تشكو وتحذر يومياً من زيادة الوجود العسكري المصري هناك»، ونوه بأن «هناك بنوداً مستحدثة بين البلدين على اتفاقية السلام تسمح لمصر بهذا الوجود حفظاً لأمنها وقت الحاجة».

كانت منصة «bhol» الإسرائيلية نشرت أن وزير الطاقة إيلي كوهين أشار إلى وجود رابط مباشر بين صفقة الغاز الكبرى مع مصر، وإعادة تمركز القوات المصرية في سيناء، ونقلت المنصة أن «إذاعة الجيش الإسرائيلي» سألت عن سبب عدم تضمين الصفقة بنداً صريحاً ينظم تحركات الجيش المصري في سيناء، فرد كوهين قائلاً: «إذا قرأتم التقارير التي نُشرت الأسبوع الماضي عن انسحاب قوات مصرية من شبه جزيرة سيناء، فاعلموا أن هذا التصرف لم يأت من فراغ».

التقارير الإسرائيلية نقلت عن كوهين قوله إن أحد أسباب تأجيل الصفقة لأربعة أشهر كان مرتبطاً بما وصفه بـ«مسألة السلام مع مصر»، وهو تعبير يُفهم منه القلق الإسرائيلي إزاء الالتزام المصري بأحكام اتفاق كامب ديفيد بشأن الوجود العسكري في سيناء.

هذه الأنباء تلقفها مدونون معارضون للحكومة المصرية وأخذوا يرددونها مع تأكيدات على تقليص القوات المصرية في سيناء بضغوط من إسرائيل، فيما رد عليهم مدونون محسوبون على السلطات بمصر بأن كل الدلائل تشير إلى خطة لزيادة تمترس القوات في سيناء.

السيسي يلتقي نتنياهو على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة 2017 (رويترز)

كان رئيس هيئة الاستعلامات المصرية ضياء رشوان رد على تلك الأحاديث، عبر تصريحات إعلامية، مؤكداً بشكل قاطع أنه «لم يتم تقليص عدد القوات المصرية الموجودة في سيناء، وأن صفقة الغاز تجارية بحتة وليس لها أي بعد سياسي، وتمت بين شركات وليس بين الحكومات»، مشيراً إلى أنه «في الوقت الذي تحدث فيه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عن الصفقة فإن مصر لم يصدر عنها أي تصريح بخصوص الصفقة مما يشير إلى أن الأمر ليس ضاغطاً على القاهرة بأي شكل من الأشكال، وكل ما يتردد من الجانب الإسرائيلي متناقض ومحاولة لإيجاد نصر زائف أمام الرأي العام هناك».

كان موقع «أكسيوس» الإخباري أفاد في سبتمبر (أيلول) الماضي بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، طلب من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الضغط على مصر لتقليص «الحشد العسكري الحالي» في سيناء، وفقاً لما ذكره مسؤول أميركي ومسؤولان إسرائيليان، حسب الموقع.

ونقل الموقع عن مسؤولين إسرائيليين زعمهما أن مصر «تُنشئ بنية تحتية عسكرية -بعضها يمكن استخدامه لأغراض هجومية- في مناطق لا يُسمح فيها إلا بالأسلحة الخفيفة بموجب المعاهدة»، في إشارة إلى معاهدة السلام الموقعة بين البلدَيْن عام 1979.

لكن مدير إدارة الشؤون المعنوية بالجيش المصري سابقاً اللواء سمير فرج قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «مصر ملتزمة باتفاقية السلام تماماً، ولم تخرق أي بند بها على عكس إسرائيل ووجودها المخالف على الحدود المصرية، والوجود العسكري المصري في سيناء هو لحماية الأمن القومي المصري وحفظ أمن الحدود وفق ما تكفله اتفاقية السلام والبنود والآليات المستحدثة عليها».

وشدد على أنه «لم يتم تقليل أو تقليص القوات المصرية في سيناء بسبب صفقة الغاز أو غيره، وهذه أقاويل ترددها حكومة نتنياهو لمحاولة خلق شماعات أمام الرأي العام هناك وتصوير نفسها على أنها هي التي تحافظ على أمن إسرائيل وبدونها ستتعرض إسرائيل للانهيار».

وأكد أن «مصر لم تعلن حتى الآن موقفها بشأن مطالب أميركا بعقد اتفاق بين نتنياهو والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وليس منطقياً أنهم هم من يطلبون اللقاء ثم يقال إن مصر تستجيب لضغوطهم أو مطالبهم، منوهاً بأن «القاهرة كانت تؤمن بأن صفقة الغاز ستتم في نهاية المطاف لأنها تحقق المصلحة لإسرائيل بالقدر نفسه الذي تحققه لمصر، وهي تمت بين شركات وليس بين حكومات».

وأعلن نتنياهو، مساء الأربعاء الماضي، عن المصادقة رسمياً على صفقة تصدير الغاز الطبيعي إلى مصر، بقيمة إجمالية بلغت 112 مليار شيقل (نحو 35 مليار دولار)، قائلاً: «صدقنا مع مصر على أكبر صفقة غاز في تاريخ قطاع الطاقة الإسرائيلي»، مبيناً أن الصفقة «إنجاز كبير لإسرائيل».

وأوضح نتنياهو أن قرار المصادقة على هذه الصفقة المليارية جاء بعد مشاورات مكثفة لضمان تحقيق كافة المصالح الأمنية العليا لإسرائيل، مشدداً في الوقت ذاته على أنه سيمتنع عن ذكر التفاصيل لاعتبارات أمنية ولحساسيتها، مكتفياً بالتأكيد على أنه تمت المصادقة على الصفقة بشكل كامل.


عودة شكاوى «نقص» الأدوية في مصر... والحكومة تطمئن المواطنين

هيئة الدواء المصرية تنفي وجود «نقص في أدوية البرد والأمراض المزمنة» (هيئة الدواء المصرية)
هيئة الدواء المصرية تنفي وجود «نقص في أدوية البرد والأمراض المزمنة» (هيئة الدواء المصرية)
TT

عودة شكاوى «نقص» الأدوية في مصر... والحكومة تطمئن المواطنين

هيئة الدواء المصرية تنفي وجود «نقص في أدوية البرد والأمراض المزمنة» (هيئة الدواء المصرية)
هيئة الدواء المصرية تنفي وجود «نقص في أدوية البرد والأمراض المزمنة» (هيئة الدواء المصرية)

بعد جولة على عدد من صيدليات الحي الذي تعيش فيه، لم تستطع المصرية الخمسينية ليلى عبد الله، إيجاد أحد أصناف دواء ضغط الدعم، فنصحها أحد أصدقائها بالاتصال بـ«هيئة الدواء» أو الذهاب إلى صيدلية الإسعاف الحكومية بوسط القاهرة، فاضطرت لإرسال أحد أقاربها لإحضار الدواء من هناك.

ومع تكرار شكاوى «نقص» بعض الأدوية أو عدم توافرها بسهولة، أصدر المركز الإعلامي لمجلس الوزراء المصري، الاثنين، بياناً ينفي فيه «نقص أدوية البرد والأمراض المزمنة بالأسواق».

وأوضح المركز في بيان صحافي: «بالتواصل مع هيئة الدواء المصرية، أفادت بأن أدوية علاج البرد، والأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة، فضلاً عن الأدوية المحتوية على مواد وفيتامينات تعمل على تقوية المناعة خلال موسم الإنفلونزا، متوافرة بالأسواق بشكل منتظم وطبيعي، مع تعدد البدائل الدوائية المتاحة من إنتاج أكثر من شركة».

وحسب «المركز الإعلامي»، فإن «هيئة الدواء المصرية تقوم بمتابعة دورية ومستمرة لموقف توافر الأدوية الحيوية، وتتخذ إجراءات فورية للتعامل مع أي شكاوى تتعلق بنقص الأدوية»، موضحاً أنه «في حال مواجهة أي صعوبة في الحصول على أي دواء حيوي، يمكن للمواطنين التواصل مع الخط الساخن لهيئة الدواء للإبلاغ عن نقص الأدوية».

وشهدت مصر العام الماضي أزمة في توافر بعض الأصناف، وأقر رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في سبتمبر (أيلول) العام الماضي بـ«وجود نقص في 580 دواء بالسوق المصرية»، مشيراً خلال زيارته مجموعة من مصانع الأدوية حينها إلى «العمل على توفير نحو 470 دواء منها». وبالفعل بدأت الأزمة في الخفوت مع بداية العام الحالي.

المصرية ليلى عبد الله، قالت لـ«الشرق الأوسط»: «رغم تحسن الوضع وقلة حدة الأزمة، فإن أصنافاً من الأدوية ما زالت غير متوافرة بسهولة».

الأمر ذاته يقره الموظف الأربعيني طارق إبراهيم، الذي يعيش في حي السيدة زينب بالقاهرة، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «الوضع أفضل كثيراً عما كان عليه قبل عامين، لكن توجد أصناف نجدها بصعوبة، حتى البدائل غير متوافرة».

عودة شكاوى نقص الأدوية في مصر (وزارة الصحة)

ويرى المدير التنفيذي لـ«جمعية الحق في الدواء» (جمعية أهلية)، محمود فؤاد، أن «نقص الأدوية لم يعد بالحدة التي كان عليها من قبل، لكنه أيضا ما زال موجوداً».

ويقول فؤاد لـ«الشرق الأوسط»: «الحكومة تمكنت من حل جانب كبير من المشكلة، ونجحت في توفير أدوية الأمراض المزمنة، لكن هذه الأدوية يتم توفيرها فقط من خلال صيدليات (الإسعاف) المملوكة للدولة، وعددها 24 صيدلية فقط في كل المحافظات، وما زال كثير من الأصناف غير متوافر».

وحسب فؤاد، فإنه «رغم استقرار سعر الدولار (يعادل 47.5 جنيه) فإن شركات الأدوية أعربت عن رغبتها أكثر من مرة في زيادة الأسعار، وهو ما رفضته هيئة الدواء المسؤولة عن التسعير، على أساس أن تكلفة الإنتاج لم تتغير».

من جهتها، ترى عضوة «لجنة الصحة» بمجلس النواب (البرلمان)، الدكتورة إيرين سعيد، أن «النقص يعود إلى ارتفاع تكلفة إنتاج الدواء لأسباب أخرى، غير سعر الدولار، منها ارتفاع أسعار الخدمات والمرافق، مثل البنزين والوقود والكهرباء، وزيادة الحد الأدنى للأجور».

وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «زيادة تكلفة الإنتاج خفض هامش ربح الشركات، لذلك تطالب برفع الأسعار، وعندما لا تستجيب هيئة الدواء تقوم بعض الشركات بإيقاف بعض خطوط الإنتاج؛ لأن هامش الربح أصبح أقل».

وفي رأيها: «يجب على الحكومة أن تعيد الاهتمام بشركات قطاع الأعمال التي تعمل في صناعة الدواء؛ لضمان عدم تأثر الأسواق، خصوصاً بالنسبة للأدوية الاستراتيجية».

اجتماع وزير الصحة خالد عبد الغفار لبحث متطلبات تطوير صناعة الدواء (وزارة الصحة المصرية)

وتزامن الحديث عن «نقص» بعض أصناف الأدوية مع تحركات حكومية مكثفة لضمان توافر الأصناف كافة، وعقد نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية البشرية ووزير الصحة والسكان، الدكتور خالد عبد الغفار، اجتماعاً، الاثنين، مع ممثلي قطاعات وهيئات الدولة المعنية، لبحث سبل دعم شركات التصنيع الدوائي وتمكينها، وإعداد ورقة عمل متكاملة لتعزيز الإنتاج المحلي، وتوطين صناعة المركبات الحيوية والبيولوجية.

وأكد المتحدث باسم وزارة الصحة الدكتور حسام عبد الغفار، في إفادة رسمية، الاثنين، أن الاجتماع ركز على إعداد ورقة عمل تضم المتطلبات الفعلية لتطوير الصناعات الدوائية وقابليتها للتنفيذ على أرض الواقع، مع التركيز على تمكين الشركات المصنعة، وتحفيز الاستثمار المحلي، وطرح حزم استثمارية جديدة في مجالات الأدوية واللقاحات والصناعات الحيوية، كما تناول آليات «الاستفادة من الحوافز الاستثمارية لدعم صناعة الدواء، وبحث الإجراءات التي يمكن أن تقدمها الدولة لتشجيع الاستثمارات، وتعزيز كفاءة الشركات المصنعة وزيادة قدرتها التنافسية».

ويوجد في مصر 172 مصنعاً للدواء، منها 15 مصنعاً دخلت الخدمة آخر 3 سنوات، بالإضافة إلى 120 مصنعاً لمستحضرات التجميل، و116 مصنعاً للمستلزمات والأجهزة الطبية، و4 مصانع لإنتاج المواد الخام والمستحضرات الحيوية التي تدخل في صناعة الدواء، وفق تصريحات لرئيس الحكومة المصرية العام الماضي.


«تفاهمات» جديدة لـ«إعمار غزة» أمام الوسطاء

منظر عام لمخيم للنازحين الفلسطينيين في الجامعة الإسلامية في مدينة غزة (أ.ف.ب)
منظر عام لمخيم للنازحين الفلسطينيين في الجامعة الإسلامية في مدينة غزة (أ.ف.ب)
TT

«تفاهمات» جديدة لـ«إعمار غزة» أمام الوسطاء

منظر عام لمخيم للنازحين الفلسطينيين في الجامعة الإسلامية في مدينة غزة (أ.ف.ب)
منظر عام لمخيم للنازحين الفلسطينيين في الجامعة الإسلامية في مدينة غزة (أ.ف.ب)

بدأ وسطاء اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، مناقشات دراسة أولية بشأن إعادة الإعمار في القطاع، في أعقاب تأخر عقد مؤتمر القاهرة بشأن التعافي المبكر، وتسريبات أميركية وإسرائيلية تتناول مشاريع إعمار تثير مخاوف بشأن تهجير الفلسطينيين وتقسيم القطاع.

تلك الدراسة التي ناقشها الوسطاء في اجتماع ميامي، وكشفت عنها أنقرة، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، تفتح مسار تفاهمات جديدة بين الإعمار الشامل الذي تريده مصر والعرب وتركيا، مقابل خطط الإعمار الجزئي المطروح إسرائيلياً أو برؤية واشنطن، مشيرين إلى أنه ما دامت المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار لم تدخل فهذه المناقشات «هروب للأمام، وتأجيل للحلول، وبحث عن تفاهمات لسد الفجوات وإنهاء تجميد هذا المسار الحيوي للفلسطينيين».

وغداة اجتماع الوسطاء في مدينة ميامي الأميركية، قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في تصريحات أدلى بها للصحافيين، السبت: «إن هناك تفاهمات تبعث على الأمل رغم تعنت إسرائيل»، مضيفاً: «هناك دراسة أولية بشأن إعادة إعمار غزة، تم تقديمها، ونقاشها بشكل تمهيدي»، وفق ما ذكرته وكالة «الأناضول» التركية.

ولم يقدم فيدان تفاصيل بشأن تلك الدراسة الأولية، وهل هي متفقة مع ما هو مطروح عربياً أو إسرائيلياً أو أميركياً، وتمسك بأهمية أن يدار القطاع من قبل أبنائه، مؤكداً رفض أي مخططات لتقسيم أراضي غزة.

شاحنات مساعدات مصرية في طريقها إلى قطاع غزة ضمن قوافل «التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي» (مؤسسة مصر الخير)

وسبق حديث فيدان بيوم، تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن خطة أعدها جاريد كوشنر صهر الرئيس دونالد ترمب ومبعوثه ستيف ويتكوف تسمى «مشروع شروق الشمس» لإعمار غزة بدأ من الجنوب في رفح على مدار 10 سنوات، مع اشتراط نزع سلاح «حماس»، دون تحديد أين سيقيم نحو مليوني فلسطيني نازح خلال فترة إعادة البناء.

وجاءت هذه التسريبات بعد نحو 8 أيام من نقل موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مسؤول إسرائيلي قوله إن «تل أبيب وافقت مبدئياً على دفع تكاليف إزالة الأنقاض من قطاع غزة، وأن تتحمل مسؤولية العملية الهندسية الضخمة، بعد طلب من الولايات المتحدة، وستبدأ بإخلاء منطقة في رفح جنوب القطاع من أجل إعادة إعمارها».

وفي 21 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أكد كوشنر، في مؤتمر صحافي بإسرائيل، أن إعادة إعمار غزة في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي «مدروسة بعناية، وهناك اعتبارات جارية حالياً في المنطقة الخاضعة لسيطرة جيش الدفاع الإسرائيلي، إذا أمكن تأمينها لبدء البناء، بوصفها غزة جديدة، وذلك بهدف منح الفلسطينيين المقيمين في غزة مكاناً يذهبون إليه، ومكاناً للعمل، ومكاناً للعيش»، مضيفاً: «لن تُخصَّص أي أموال لإعادة الإعمار للمناطق التي لا تزال تسيطر عليها (حماس)».

ويرى مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير حسين هريدي أن هذا الحديث عن دراسة أولية، غير معروفة تفاصيلها هل عربية أو أميركية، يأتي في ظل طرح أميركي بخطة للإعمار، وكذلك إسرائيل بحديث عن إعمار جزئي في منطقة سيطرتها بالخط الأصفر بالقطاع، مشيراً إلى أن أي حديث عن بدء الإعمار دون الدخول للمرحلة الثانية محاولة للهروب للأمام لا سيما من واشنطن، ولا يعني حالياً سوى البحث عن تفاهمات جديدة، والأقرب تنفيذ أو فرض الخطة الأميركية بضمانات.

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أن مصر وقطر وتركيا لن تقبل أي خطط تهدد خطة الإعمار الشامل، والقاهرة أعلنت أكثر من مرة أهمية بدء الإعمار ومساعيها المتواصلة لعقد مؤتمر للإعمار سيكون بشراكة مع واشنطن، مشيراً إلى أن أي دراسة بشأن الإعمار يجب أن تتوافق مع يطلبه الفلسطينيون، وليس كما ترغب واشنطن في خطط شروق الشمس أو إسرائيل بالإعمار الجزئي في مناطق سيطرتها التي تصل لنحو 52 في المائة بالقطاع متذرعة بعدم نزع سلاح «حماس».

تلك الدراسة التي طُرحت في اجتماع ميامي، ولم تُكشف تفاصيلها كاملة بعد، جاءت بعد نحو 17 يوماً من إعلان وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في مؤتمر صحافي ببرلين، مع نظيره الألماني، يوهان فاديفول: «التشاور مع الولايات المتحدة لتكوين رئاسة مشتركة لمؤتمر الإعمار»، الذي يأمل «التوافق على توقيته في أسرع وقت ممكن بالتعاون مع الشركاء».

وبعد ذلك، قال رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية، الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، في جلسة بـ«منتدى الدوحة»، أخيراً: «سنواصل دعم الشعب الفلسطيني، لكننا لن نمول إعادة إعمار ما دمره الآخرون»، ووصفت وقتها تلك التصريحات القطرية، من جانب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، بأنها «ضغط على واشنطن لدفع إسرائيل لتنفيذ انسحاب وبدء إعمار شامل وليس جزئياً».

وكان مؤتمر إعمار قطاع غزة الذي كانت القاهرة ستنظمه في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أُجِّل دون ذكر السبب، بينما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، تميم خلاف لـ«الشرق الأوسط»، نهاية الشهر الماضي، إن القاهرة تعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين على تهيئة البيئة المناسبة لنجاح مؤتمر «التعافي المبكر وإعادة الإعمار في قطاع غزة». في معرض ردّه على سؤال عن سبب تأجيل المؤتمر.

ويرى هريدي أن جهود مصر ستتواصل مع الوسطاء لوضع الإعمار موضع التنفيذ، لكن سيبقى دخول المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار هو المعيار لتحديد ماذا سيحدث، وهل حدثت تفاهمات أو ستفرض خططاً معنية وتُرفض عربياً أو ماذا؟

بينما شدد الرقب أن أي حسم لأي خطة ستنفَّذ أميركية أم عربية يتوقف أولاً وقبل أي شيء على بدء المرحلة الثانية من اتفاق غزة، ونشر قوات الاستقرار، وبدء انسحاب إسرائيل، وإلا فما يحدث هو كسب للوقت وتأخر لأي مشاريع إعمار حقيقية تطرحها الخطة العربية بقيادة مصر.