دخلت تركيا أمس عصر «الفراغ الحكومي» مع تقديم رئيس وزرائها أحمد داود أوغلو استقالته لرئيس الجمهورية رجب طيب إردوغان إثر إعلان النتائج الرسمية الأولية للانتخابات، بانتظار إعلانها رسميا خلال 10 أيام مع انتهاء مهلة تقديم الاعتراضات من الأحزاب المشاركة فيها. وتتزايد المخاوف من أن تفضي هذه النتائج إلى فراغ طويل في السلطة بسبب الصعوبات التي تعترض عملية تشكيل الحكومة.
ويفترض أن يكلف الرئيس إردوغان أحمد داود أوغلو تأليف الحكومة الجديدة باعتباره الحزب الأول، لكن هذا السيناريو أمامه مصاعب جمة جراء رفض أكبر أحزب المعارضة «حزب الشعب الجمهوري» الائتلاف مع «العدالة والتنمية»، وكذلك رفض الأكراد، مقابل الشروط «التعجيزية» لحزب الحركة القومية للانضمام إلى الائتلاف، وأبرزها وقف عملية السلام مع الأكراد.
وفي المقابل، بدا أن حزب العدالة والتنمية يتهيب خطوة الانتخابات المبكرة، وإن لم يكن قد أسقطها من حساباته. وذكرت مصادر قريبة من داود أوغلو لـ«الشرق الأوسط» أنه مستعد للخوض في أي ائتلاف مع أحزاب المعارضة، لكن من دون التخلي عن «الثوابت»، مشيرة إلى أن الانتخابات المبكرة خيار قائم في حال فشل التوافق. وقالت المصادر إن الهدف الرئيسي لداود أوغلو هو نفس عنوان حملته الانتخابية، أي الاستقرار.
وهو سيسعى لتأمين هذا الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي من خلال انفتاحه على جميع الأطراف في حال كلفه رئيس الجمهورية تأليف الحكومة. وأوضحت المصادر أن ثوابت العدالة والتنمية هي استمرار عملية تطهير الإدارة الرسمية من أفراد «الكيان الموازي» في إشارة إلى جماعة الداعية الإسلامي المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن. أما الأمر الثاني فهو استمرار عملية السلام الداخلية (مع الأكراد). وكانت مصادر في الحزب الحاكم أضافت شرطا ثالثا بمثابة «الخط الأحمر»، وهو مناقشة وضع رئيس الجمهورية رجب طيب إردوغان الشرعي». وكان نائب رئيس الوزراء التركي، نعمان قورتلموش استبعد لجوء البلاد لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة في المرحلة الراهنة. ولدى سؤاله عن الحزب الذي من المحتمل أن يتحالف معه «العدالة والتنمية»، الحاصل على أعلى نسبة أصوات في الانتخابات البرلمانية التي جرت أمس، قال قورتلموش: «إنه من المبكر الحديث في هذا الأمر»، مضيفًا أن الشعب التركي اختار حزب العدالة والتنمية في المرتبة الأولى، إلا أنه لم يمنحه قوة تمكنه من تشكيل الحكومة بمفرده، وهو ما يعني أن هناك موافقة على السياسات العامة للحزب، مع إرسال رسالة تقول: «أكملوا طريقكم مع إجراء بعض التعديلات». وحول تصريحات رؤساء أحزاب المعارضة التركية بخصوص رفضهم التحالف مع «العدالة والتنمية»، قال قورتلموش: «إن تلك تصريحات أطلقت مباشرة بعد الانتهاء من عملية التصويت، كما أن النتائج أظهرت استحالة تشكيل أي حكومة دون مشاركة العدالة والتنمية».
ولكن مصادر في حزب الحركة القومية اشترطت لدخول الائتلاف «ترك المطالبة بإقامة نظام رئاسي في البلاد والعمل بالنظام البرلماني الحالي بالإضافة إلى شرط إنهاء عملية السلام في تركيا والحفاظ على مفهوم الهوية التركية ضمن الهيكل الوحدوي للبلاد، وكذلك العمل بنظام سياسي شفاف يضمن محاسبة كل أنواع عمليات الفساد والرشى في البلاد».
وكانت صحيفة «زمان» التركية المعارضة كشفت أمس عن أن إردوغان لا يرحب حاليًا بإجراء انتخابات مبكرة بسبب معلومات عن احتمال تراجع الأصوات إلى 35 في المائة في حال الإعلان عن انتخابات مبكرة، بعد أن حصل ما يقرب من 40.8 في المائة في الانتخابات. ولهذا السبب قد يرحب بحكومة ائتلافيّة لفترة قصيرة على الأقل لأنها أفضل الخيارات المتاحة. وقالت إن إردوغان الذي لم يرضَ عن أداء داود أوغلو، قد يرغب في الفترة المقبلة مواصلة الطريق مع اسم جديد.
وكان حزب الشعوب الديمقراطي الكردي أعلن أمس رفضه الدخول في أي ائتلاف مع حزب العدالة والتنمية الحاكم. وقال صلاح الدين ديمرتاش زعيم الحزب للصحافيين في أنقرة: «قلنا من قبل إننا لن نشارك في أي ائتلاف يضم حزب العدالة والتنمية وما زلنا عند موقفنا».
ودخل الرئيس السابق عبد الله غل، الذي يقال إن تصويت أنصاره للأكراد ساهم في هذه النتيجة، على الخط أمس بتأكيده أنّه يجب على جميع الأحزاب التي فازت بمقاعد برلمانية خلال الانتخابات التي جرت يوم الأحد الماضي، احترام إرادة الشّعب التركي والتّصرف بحكمة في المرحلة المقبلة». وأوضح غل أنّ الإرادة الشعبية تجلت بشكل واضح في هذه الانتخابات، معلنًا أنّه لم يلتقِ بأصدقائه في حزب العدالة والتنمية عقب إعلان النتائج النهائية. وعن فقد حزب العدالة والتنمية لجزء من أصوات الناخبين خلال هذه الانتخابات قال غل: «هذا شيء طبيعي لأننا نعيش في ظل نظام التعددية الحزبية، وهذا يحدث في كثير من الدّول وفي الماضي أيضا شاهدنا مثل هذه الأمور». وفيما يخصّ المرحلة السياسية المقبلة للبلاد، أكد غل على ضرورة أن تخوض تركيا تجربة الحكومة الائتلافية، مفصحًا بأنّ إجراء الانتخابات من جديد ليس بالأمر السّهل، وأنّ على الأحزاب التوافق فيما بينهم من أجل تشكيل حكومة ائتلافية.
تركيا تدخل نفق «الفراغ الحكومي» من دون ضوء في الأفق
أحزاب المعارضة بين رفض دخول و«الشروط التعجيزية».. والحزب الحاكم يطرح 3 شروط
تركيا تدخل نفق «الفراغ الحكومي» من دون ضوء في الأفق
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة