«حدود» مناطق النفوذ الثلاث تتعمق في سوريا خلال 6 أشهر

بسبب التفاهمات الدولية ـ الإقليمية و«كورونا» والأزمة الاقتصادية في دمشق

قوات أميركية وروسية وسورية في ريف القامشلي شرق الفرات في فبراير الماضي(أ.ب)
قوات أميركية وروسية وسورية في ريف القامشلي شرق الفرات في فبراير الماضي(أ.ب)
TT
20

«حدود» مناطق النفوذ الثلاث تتعمق في سوريا خلال 6 أشهر

قوات أميركية وروسية وسورية في ريف القامشلي شرق الفرات في فبراير الماضي(أ.ب)
قوات أميركية وروسية وسورية في ريف القامشلي شرق الفرات في فبراير الماضي(أ.ب)

لأول مرة منذ 2012، لم يحصل أي تغير على خطوط التماس العسكرية في سوريا لمدة 6 أشهر متواصلة. وبعد 5 سنوات على التدخل العسكري الروسي المباشر في نهاية سبتمبر (أيلول) 2015، لا تزال سوريا التي تبلغ مساحتها 185 ألف كلم مربع، مقسمة إلى 3 مناطق نفوذ: الأولى تمتد على ثلثي أراضي البلاد، وتسيطر عليها قوات الحكومة، بدعم روسي إيراني؛ والثانية تشمل ربع مساحة البلاد في شمال شرقي البلاد، وتسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية - العربية، بدعم من التحالف الدولي، فيما تقع المنطقة الثالثة الواقعة في شمال البلاد وشمالها الغربي تحت نفوذ فصائل مقاتلة يدعمها الجيش التركي.

ذروة التقهقر... والسيطرة
شهدت خريطة السيطرة العسكرية تغيرات كبيرة خلال 9 سنوات. وحسب «مركز جسور للدراسات» السوري، فإنه بعد تحول الاحتجاجات السلمية في مارس (آذار) 2011 إلى «حراك مسلح، أصبح النظام يُسيطر بالكاد على ثلث هذه الأراضي في نهاية عام 2012، فيما كانت المعارضة المسلحة بكل تشكيلاتها تُسيطر على الثلثين الآخرين. وانخفضت سيطرة النظام بعد ذلك إلى نحو ربع الأراضي بين 2015 و2016».
وفي منتصف 2015، كانت ذروة سيطرة الفصائل وتقهقر قوات الحكومة. يقول «جسور»: «سيطرة المعارضة انخفضت بشكل كبير حتى قبل أن ترتفع نسبة سيطرة النظام، إذ شكل ظهور (داعش) فاعلاً ميدانياً في نهاية عام 2013 عاملاً أدى إلى تغيير قواعد اللعبة عسكرياً، إذ بدأ التنظيم يقضم بشكل سريع مناطق سيطرة المعارضة، وبدرجة أقل مناطق سيطرة النظام، حتى وصلت نسبة سيطرته في عام 2015 إلى أكثر من نصف الأرض السورية».
وبعد بدء التحالف الدولي، بقيادة أميركا، حربه ضد «داعش» في سبتمبر (أيلول) 2014، بدأت «وحدات حماية الشعب» الكردية بالاستحواذ التدريجي على بعض مناطق سيطرة التنظيم. وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2015، تم الإعلان عن تأسيس «قوات سوريا الديمقراطية» التي أصبحت المظلة التي ستتولى قيادة المعركة ضد التنظيم، بدعم من التحالف الدولي. وتوسعت سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» بشكل تدريجي، حتى وصلت إلى نحو 15 في المائة من الأرض السورية في عام 2016، ثم نحو 20 في المائة منتصف 2017، ثم في النصف الثاني من عام 2018 إلى نحو 27 في المائة، قبل أن تنخفض بشكل طفيف في خريف العام الماضي.
ولم تتمكن المعارضة منذ عام 2015 من السيطرة على أي أرض جديدة، ولا يشمل ذلك بطبيعة الحال الأراضي التي تمت السيطرة عليها بالتدخل التركي، والمعروفة بأسماء عملياتها العسكرية، وهي «درع الفرات» و«غصن الزيتون» و«نبع السلام» و«درع السلام»، التي قام بها الجيش التركي مع فصائل موالية في شمال سوريا وشمالها الغربي والشرقي.
وأعلن مسؤولون روس أكثر من مرة أنه قبل تدخل جيشهم، في سبتمبر (أيلول) من 2015، لم تكن حصة قوات الحكومة السورية أكثر من 10 في المائة من مساحة البلاد. وبعدها، بدأت قوات الحكومة، بدعم القوة الروسية، إحراز مزيد من التقدم التدريجي، إلى أن «وصلت سيطرة النظام إلى نحو الثلثين منذ عام 2018 حتى الآن».

معارك وتفاهمات
كانت العمليات العسكرية بين 2012 و2016 عاملاً أساسياً في تغيير خطوط التماس ومناطق السيطرة. وفي بداية 2017، بدأ مسار آستانة بين روسيا وإيران وتركيا «بعد خسارة المعارضة الاستراتيجية في مدينة حلب»، في ديسمبر (كانون الأول) 2016، حسب «جسور»، إذ ساهم المسار في «إعادة جدولة العمليات العسكرية، حيث أخذت طابعاً موسمياً يعكس فشل الأطراف في التوصل إلى تفاهم آني، أو رغبة أحد الأطراف في رفع مستوى الضغط التفاوضي قبيل انطلاق جولة جديدة من المسار».
وإلى جانب أساليب العمليات العسكرية و«الأرض المحروقة» و«البراميل»، تمكنت بعض الأطراف، خصوصاً قوات الحكومة، من توسيع سيطرتها بفعل أدوات أخرى، كان أهمها «الحصار»، خاصة في ريف دمشق ودمشق وحمص، التي أوصلت إلى «التسويات»، وهي اتفاقات توقعها الأطراف المحلية داخل المناطق المحاصرة، وأفضت في الغالب إلى خروج المقاتلين نحو الشمال، واستسلام المناطق لقوات الحكومة. وقال المركز: «ساهمت التفاهمات بين الفاعلين المحليين، بوساطات خارجية في بعض الأحيان، إلى توسيع خرائط السيطرة، فقد أدى اتفاق المدن الأربع، في أبريل (نيسان) 2017، برعاية روسية إقليمية، إلى تبادل غير مسبوق للسيطرة على المدن بين المعارضة والنظام، حيث خرجت قوات المعارضة من مدينتي الزبداني ومضايا في ريف دمشق، مقابل تفريغ كامل لبلدتي كفريا والفوعة في ريف إدلب».
وتسببت التفاهمات الدولية في تغيير خرائط السيطرة دون معارك بين الفاعلين المحليين، ومن أبرز هذه الحالات سيطرة قوات الحكومة، المدعومة روسياً، على محافظتي درعا والقنيطرة، بعد تفاهم أميركي - روسي في منتصف 2018. كما شمل ذلك السيطرة التركية على الشريط الحدودي ضمن عملية «نبع السلام» شرق الفرات، بتفاهم أميركي - تركي، إضافة إلى جيوب أخرى شمال البلاد، أو تثبيت الأمر الواقع في شمالها الغربي، بتفاهمات بين أنقرة وموسكو.

جمود ممدد
وأظهرت خريطة النفوذ العسكري لشهر أغسطس (آب) 2020 التي أعدها «جسور» ثبات نسب السيطرة بين أطراف النزاع منذ فبراير (شباط) الماضي. وحافظت فصائل المعارضة على نسبة سيطرتها البالغة 10.98 في المائة، ويشمل هذا قاعدة التنف الأميركية في زاوية الحدود العراقية - السورية - الأردنية. كما حافظت الحكومة على 63.38 في المائة من البلاد، وبقيت 25.64 في المائة من البلاد تحت سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية». وقال المركز: «لم يعد لتنظيم داعش أي سيطرة عسكرية على الأرض السورية منذ فبراير 2019»، لكن لا تزال هناك خلايا للتنظيم في شرق الفرات، إضافة إلى وجود جيوب له في البادية السورية.
ويعود ثبات خطوط التماس لمدة 6 أشهر منذ بدء الصراع السوري إلى سلسلة عوامل خارجية وداخلية، تتعلق بالتفاهمات بين روسيا وأميركا وتركيا شمال شرقي سوريا، وبين أنقرة وموسكو في إدلب، وإلى وباء «كورونا» والأزمة الاقتصادية التي تعصف بدمشق لأسباب عدة، بينها فرض واشنطن عقوبات «قانون قيصر».

تفاهم صعب
في منتصف 2017، توصل الجيشان الأميركي والروسي إلى مذكرة تفاهم تتعلق بـ«منع الصدام» لتبادل المعلومات عن تحركات طائرات الجانبين، ورسم خط تماس نظري هو نهر الفرات، بحيث يكون طرفه الشرقي لأميركا وحلفائها، وطرفه الغربي لروسيا وحلفائها. وأبقت أميركا على قاعدة التنف ومنبج غربه، بينما حافظت الحكومة السورية على وجودها في «مربعين أمنيين» في القامشلي والحسكة شرق الفرات.
وبقيت الخطوط مستقرة نسبياً إلى أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عندما سحب الرئيس دونالد ترمب قواته من مناطق قرب حدود تركيا، ما شجع الجيش التركي على التوغل عسكرياً مع فصائل موالية بين تل أبيض ورأس العين، ضمن عملية «نبع السلام». كما لجأت «قوات سوريا الديمقراطية» إلى دمشق، ووقعت مذكرة قضت بالتعاون مع الجيشين السوري والروسي لنشر نحو 10 آلاف عنصر في مناطق أخلَتْها أميركا، وتسيير دوريات روسية - تركية على الطريق الرئيسية بين حلب والقامشلي، تحت حماية مروحيات روسية، إضافة إلى نشر حرس الحدود السوري على حدود تركيا، عدا منطقة «نبع السلام».
وعاد ترمب ووافق على الإبقاء على 500 جندي شرق الفرات، ومائة جندي في التنف، فتحول شرق الفرات إلى مناطق نفوذ بين أطراف مختلفة، ما أدى إلى إرباك الصورة، الأمر الذي استدعى مفاوضات عسكرية روسية - أميركية للتأكد من عمل اتفاق «منع الصدام» بين الجيشين. وفي ديسمبر (كانون الأول)، تم تجديد الاتفاق.
وكان لافتاً أن الجيش الروسي استمر في تحديه واختباره براً، وأسس قواعد ونقاط تمركز، وسير دوريات في محافظتي الحسكة والرقة، وعلى الطريق إلى حدود العراق، بالتزامن مع تكثيف الجهود لتجنيد عناصر من السكان المحليين. وأعلن الجنرال كينيث مكنزي، في يونيو (حزيران)، أن قوات التحالف رصدت حشداً لمعدات عسكرية روسية في المنطقة، علماً بأن روسيا أقامت قاعدة في مطار القامشلي. وأشار الجانب الأميركي إلى أن وجود روسيا يعطيها فرصة لـ«تعطيلنا وزيادة صعوبة عملنا»، حسب ما جاء في وثيقة أميركية.
وفي نهاية يونيو (حزيران)، بدأت القوات الروسية في الدخول إلى مناطق توجد بها قوات التحالف، وذلك في إطار حملة متعمدة لـ«طردها» من المنطقة. وقال مستشار الأمن القومي الأميركي، روبرت أوبراين، أول من أمس، إن الولايات المتحدة عبرت عن قلقها لروسيا بشأن حادث في سوريا أصيب فيه عدد من الجنود الأميركيين عندما اصطدمت مركبة عسكرية روسية بمركبتهم. وقال أوبراين، خلال مؤتمر صحافي بالبيت الأبيض: «تم إيصال الأمر إليهم (روسيا) بوضوح شديد... تم ذلك على المستوى المناسب». لكن لا تزال موسكو متمسكة بالاتفاق، وتطلب من دمشق التمسك به، فيما استمر الجيش الإسرائيلي بقصف مواقع إيرانية في ريف دير الزور.

هدنة هشة... صامدة
خلال السنتين الماضيتين، شنت قوات الحكومة، بدعم إيراني روسي، أكثر من هجوم على «مثلث الشمال» الذي يضم إدلب وأرياف حماة وحلب واللاذقية، وتقدمت في شمال حماة وغرب حلب، وفتحت طريق حلب – دمشق، وسيطرت على سراقب، وذلك رغم وجود اتفاق سوتشي بين روسيا وتركيا حول «خفض التصعيد» في هذه المناطق. لكنه بعد سيطرة قوات الحكومة السورية على معرة النعمان، جنوب إدلب، في نهاية يناير (كانون الثاني)، بدأ الجيش التركي، في فبراير (شباط)، بتعزيز قواته بشكل غير مسبوق في شمال غربي سوريا «حيث أرسل إلى داخل الأراضي السورية آلاف من القوات الخاصة التي تعد نخبة القوات المسلحة التركية، مدعومة بدبابات ومدرعات ووحدات مدفعية وصاروخية»، حسب المركز. وقالت مصادر عدة إن الجيش التركي نشر أكثر من 12 ألف جندي وآلاف العربات والمدرعات في إدلب وريفها لـ«ردع» قوات الحكومة من استمرار عملياتها في شمال غربي البلاد.
وفي بداية مارس (آذار)، توصل الرئيسان فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان إلى اتفاق في موسكو على ملحق لاتفاق خفض التصعيد في إدلب، نص على «وقف كل الأعمال القتالية على خط التماس القائم في منطقة إدلب، وإنشاء ممر آمن عرضه 6 كيلومترات شمالاً و6 كيلومترات جنوباً من طريق حلب - اللاذقية، ليتم تنسيق المعايير الدقيقة لعمل الممر الآمن عبر قنوات الاتصال بين وزارتي الدفاع الروسية والتركية، وبدء الدوريات الروسية التركية المشتركة على طريق حلب - اللاذقية من بلدة ترنبة غرب مدينة سراقب ووصولاً إلى بلدة عين الحور».
وتعرضت الدوريات المشتركة الروسية التركية على طريق حلب - اللاذقية لهجمات وتحديات كثيرة. كما تبادلت قوات الحكومة والفصائل القصف في جنوب إدلب، إضافة إلى حصول غارات بين فينة وأخرى، واستهداف لمتطرفين بطائرات «درون» في ريف إدلب. لكن الهدنة لا تزال صامدة، رغم الخروقات، واستطاع الطرفان تسيير أكثر من 25 دورية، أنجز بعضها العمل على طول الطريق. وكان لافتاً أن الجيشين نفذا تدريبات مشتركة، ما يمهد الطريق للعمل على «محاربة الإرهاب». وسياسياً، استمر العمل بين الطرفين ضمن صيغة آستانة لرعاية عمل اللجنة الدستورية في جنيف.

الجنرال «كورونا»
في مارس (آذار) الماضي، وصل وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى دمشق لتأكيد ضرورة الالتزام بالاتفاق الروسي - التركي حول إدلب، وضرورة تجنب معارك شاملة وسط انتشار «كورونا». وبعد بقاء الوباء تحت السيطرة في الأشهر الماضية، بدأ في أغسطس (آب) بتسجيل قفزات كبيرة في دمشق ومناطق سيطرة الحكومة، بما في ذلك بين عناصر الجيش والضباط. يضاف إلى ذلك، تعمق الأزمة الاقتصادية، وانخفاض سعر صرف الليرة السورية لأسباب كثيرة، بينها بدء واشنطن في منتصف يونيو (حزيران) بتطبيق «قانون قيصر»، وإصدار قوائم ضمت عشرات المسؤولين والشخصيات السورية. كما ضغطت واشنطن على دول عربية وأوروبية كي لا تطبع مع دمشق ولا تساهم في إعمار سوريا، بل إن «قانون قيصر» يتضمن بنوداً بفرض عقوبات على من يمول العمليات العسكرية أو الإعمار، سواء كان سورياً أو غير سوري. ويقول مسؤولون أميركيون إن الهدف هو «منع النظام من الفوز بالسلام في حال فاز بالحرب»، إضافة إلى «حرمانه من تمويل العمليات العسكرية، وتغيير خطوط التماس»، مع المطالبة بـ«وقف نار شامل» في جميع الأراضي السورية.
ويُعتقد إلى حد كبير أن مصير خطوط التماس في شمال غربي البلاد وشمالها الشرقي، وكيفية التعاطي مع العقوبات الغربية والأزمة الاقتصادية السورية، وسرعة عمل اللجنة الدستورية، وتنفيذ القرار (2254)، ستكون في صلب محادثات الوفد الروسي العسكري السياسي الاقتصادي الرفيع الذي سيحط في دمشق خلال ساعات، ويلتقي الرئيس بشار الأسد، وكبار مساعديه، في وقت برزت فيه تساؤلات عما إذا كانت هذه الخطوط بين مناطق النفوذ الثلاث دائمة أم مؤقتة.



«هدنة غزة» أمام فرصة جديدة مع «حل وسط» مصري

وزير الخارجية المصري خلال لقائه وفداً من حركة «فتح» الفلسطينية في القاهرة (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال لقائه وفداً من حركة «فتح» الفلسطينية في القاهرة (الخارجية المصرية)
TT
20

«هدنة غزة» أمام فرصة جديدة مع «حل وسط» مصري

وزير الخارجية المصري خلال لقائه وفداً من حركة «فتح» الفلسطينية في القاهرة (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال لقائه وفداً من حركة «فتح» الفلسطينية في القاهرة (الخارجية المصرية)

مقترح مصري جديد يدخل على خط الجمود الحالي بمفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وسط تصعيد إسرائيلي متواصل منذ نحو 3 أسابيع عقب انهيار الهدنة.

المقترح المصري لوقف الحرب على قطاع غزة يعد الرابع خلال أقل من شهر، ويسعى إلى «سد الفجوات»، بحسب إعلام إسرائيلي، وهو ما يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، فرصة جديدة للتهدئة قبيل عيد الفصح اليهودي في 20 أبريل (نيسان) الجاري، خاصة مع لقاء وشيك بين الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بالبيت الأبيض قد يحمل ضغطاً من واشنطن نحو اتفاق جديد قائم على حل وسط بين جميع المقترحات السابقة المصرية والأميركية والإسرائيلية التي لم تلقَ قبولاً.

وتبادل وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، السبت، مع وفد من حركة «فتح» الفلسطينية برئاسة جبريل الرجوب، أمين سر اللجنة المركزية للحركة، وعضوية كل من رئيس المجلس الوطني، روحي فتوح، وعضو اللجنة المركزية للحركة ورئيس الوزراء الفلسطيني السابق، محمد أشتية، «الرؤى بشأن التصعيد الإسرائيلي الخطير ومستجدات الجهود المصرية الهادفة لاستعادة وقف إطلاق النار في قطاع غزة واستئناف نفاذ المساعدات الإنسانية بأسرع وقت ممكن»، وفق بيان لـ«الخارجية المصرية».

ولم يكشف عبد العاطي، تفاصيل عن تلك الجهود، غير أن هيئة البث الإسرائيلية الرسمية قالت، مساء الجمعة، إن مصر «تقدمت بمقترح جديد لتسوية بخصوص وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، بهدف سد الفجوات». ويقع المقترح الجديد، وفق هيئة البث، «في مكان ما بين العرض الأصلي من الوسطاء، الذي تضمن إطلاق سراح خمسة أسرى أحياء، وبين العرض الإسرائيلي الذي تضمن إطلاق سراح 11 محتجزاً حياً في غزة».

فلسطينيون يدفعون مركبة تحمل خزان مياه أمام مبانٍ مدمرة في مخيم للنازحين غرب مدينة جباليا خلال وقت سابق (أ.ف.ب)
فلسطينيون يدفعون مركبة تحمل خزان مياه أمام مبانٍ مدمرة في مخيم للنازحين غرب مدينة جباليا خلال وقت سابق (أ.ف.ب)

وتوقفت مفاوضات استئناف اتفاق الهدنة التي انهارت في 18 مارس (آذار) الماضي، بعد نحو شهرين، من التهدئة، عند مقترحات عديدة أبرزها مقترح مبعوث ترمب للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، في 13 مارس الماضي، الذي كان يشمل تمديداً لوقف إطلاق النار حتى 20 أبريل الجاري، ويتضمن إطلاق 10 رهائن، في حين قبلت «حماس» بإطلاق الرهينة الأميركي - الإسرائيلي، عيدان ألكسندر، فقط.

وتلا ذلك بأيام مقترح مصري يتضمن إفراج «حماس» عن 5 رهائن أحياء، من بينهم أميركي - إسرائيلي، مقابل سماح إسرائيل بإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، وتوقف القتال لمدة أسبوع، والإفراج عن مئات الأسرى الفلسطينيين، بحسب ما نقلته وكالة «أسوشييتد برس».

قبل أن تعلن إسرائيل في 29 مارس الماضي، أنها نقلت إلى الوسطاء مقترحاً بالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة، ويتضمن هدنة تنص على عودة نصف الرهائن الـ24 الذين يُعتقد أنهم ما زالوا على قيد الحياة في غزة، ونحو نصف الـ35 الذين يُعتقد أنهم في عداد الأموات، خلال هدنة تستمر ما بين 40 و50 يوماً.

وفي تقديرات عضو مجلس الشؤون الخارجية والأكاديمي المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور، فإن المقترح المصري «فرصة جديدة لسد الفجوات والثغرات لإحياء المفاوضات ووقف التصعيد باتفاق يعيد المساعدات للقطاع مجدداً». ويرجح أن «يقدم المقترح المصري حلاً وسطاً يُرضي طرفَي الحرب، غير أن هذا يتوقف على ضغط الجانب الأميركي على إسرائيل».

وبرأي المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور حسام الدجني، فإن المقترح المصري خطوة جديدة لإنهاء الأزمة، مشيراً إلى أن «أي مقاربة أو طرح ينتهي بوقف الإبادة ستقبله المقاومة الفلسطينية». ويعتقد أن نتنياهو هو التحدي أمام قبول المقترح المصري، متوقعاً أن يناور ويضع شروطاً ومطالب جديدة، خاصة أن إيقاف الحرب ليس في أولوياته.

وتحدث ثلاثة مسؤولين إسرائيليين، السبت، عن أنه من المتوقع أن يزور نتنياهو البيت الأبيض، الاثنين، ويلتقي ترمب، وفق «أكسيوس».

وكان ترمب أعلن قبل أيام أن نتنياهو قد يزور أميركا خلال أيام، مشدداً على أنه سيسعى لحل «مشكلة قطاع غزة»، وذلك بعد حديث مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الأسبوع الماضي، ومناقشة «الحلول الممكنة في قطاع غزة».

وأكد السيسي، خلال اتصال هاتفي، مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، السبت، «أهمية استعادة التهدئة من خلال الوقف الفوري لإطلاق النار وإنفاذ المساعدات الإنسانية»، وفق بيان للرئاسة المصرية.

رد فعل فلسطيني على مقتل نازحين في غارة إسرائيلية سابقة على مخيم مؤقت للنازحين جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
رد فعل فلسطيني على مقتل نازحين في غارة إسرائيلية سابقة على مخيم مؤقت للنازحين جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

ووفق متحدث الخارجية المصرية تميم خلاف، السبت، شدد وزير الخارجية المصري خلال لقاء وفد حركة «فتح» الفلسطينية على موقف بلاده الداعم للسلطة الفلسطينية، مؤكداً «رفض المحاولات الإسرائيلية لتقويض وحدة الأراضي الفلسطينية وفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية».

كما شدد عبد العاطي، خلال اللقاء، على «رفض مصر الكامل للعدوان الإسرائيلي المستمر في قطاع غزة والضفة الغربية، والسياسة العدوانية الإسرائيلية في الإقليم واستخدامها القوة العسكرية الغاشمة دون أدنى اعتبار لمحددات القانون الدولي الإنساني، واستمرار ممارسات الاحتلال الإسرائيلي المتطرفة ضد المدنيين، والتعامل باعتبارها دولة فوق القانون».

وقال إن «أوهام القوة لن تساعد إسرائيل في تحقيق الأمن لها كما تتصور، بل ستؤدي الفظائع التي ترتكبها إلى تكريس شعور الكراهية والانتقام ضدها في المنطقة، ووضع المزيد من الحواجز أمام سبل التعايش السلمي بين شعوب المنطقة، بما ينعكس بصورة شديدة السلبية على أمنها واستقرارها وفرص تحقيق السلام المستدام بالمنطقة»، محذراً من عواقب استمرار الصمت الدولي المخزي تجاه ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وبحسب بيان «الخارجية المصرية»، أعاد الوزير عبد العاطي التأكيد على موقف مصر الرافض لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، متناولاً الخطة العربية الإسلامية لإعادة إعمار قطاع غزة.

طفل فلسطيني يقف بالقرب من القمامة والمياه الراكدة في مخيم للنازحين في النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
طفل فلسطيني يقف بالقرب من القمامة والمياه الراكدة في مخيم للنازحين في النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

إلى ذلك، يتوجه المبعوث الأميركي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، إلى الشرق الأوسط الأسبوع الجاري، ومن المقرر أن يلتقي في أبوظبي مع وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، الذي يرأس فريق التفاوض الإسرائيلي، حسبما ذكر موقع «أكسيوس» الجمعة، نقلاً عن مسؤول أميركي، لفت إلى أنه قد يسافر أيضاً إلى الدوحة أو القاهرة، إذا كانت هناك تطورات في المفاوضات بشأن صفقة غزة.

بينما هدد أبو عبيدة، المتحدث باسم «كتائب عز الدين القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، الجمعة: «قرّرنا عدم نقل الأسرى من هذه المناطق التي تطلب إسرائيل إخلاءها، وإبقاءَهم ضمن إجراءات تأمينٍ مشددة، لكنها خطيرةٌ للغاية على حياتهم»، مضيفاً: «إذا كانت إسرائيل معنية بحياة هؤلاء المحتجزين فعليها التفاوض فوراً من أجل إجلائهم أو الإفراج عنهم».

عودة إلى أنور الذي يتوقع أن تكون الهدنة قبل عيد الفصح اليهودي، ويعزز ذلك مقابلة ترمب، نتنياهو في البيت الأبيض، الاثنين، وزيارة سيجريها الرئيس الأميركي للمنطقة الشهر المقبل، ويضاف لتلك الزيارات زيارة ماكرون، الثلاثاء، للعريش.

ويرى الدجني أن «(حماس) معنية بوقف المذبحة التي ترتكبها إسرائيل بحق المدنيين في قطاع غزة»، مشيراً إلى أن «أي مقاربة أو طرح ينتهي بوقف الإبادة ستقبله المقاومة الفلسطينية».