ما زال الحديث عن محاربة الفساد يشغل الفضاء العام في العراق، لكن المواطنين العاديين لم يلمسوا حتى الآن نتائج الحملة ضد الفاسدين التي يعلنها ويتحدث عنها رئيس الوزراء حيدر العبادي منذ أسابيع؛ فالعراقيون، عموماً، لا يفكرون في طبيعة الحرب المعقدة ضد مافيات تمرست على الفساد وطرق التحايل على تبعاته منذ سنوات، إنما يتوقعون أن تتخذ الحكومة إجراءات حاسمة وعاجلة تطيح بمن تحوم حولهم شبهات الفساد وتضعهم في السجون.
ويميل عدد غير قليل من المتابعين لتصريحات رئيس الوزراء العبادي حول قضية الفساد، إلى الاعتقاد بأنها «ربما تضر بالسمعة السياسية التي حصل عليها بعد نجاحه في الحرب ضد (داعش)، إن لم يتمكن من إحراز تقدم ملموس في ملف الفساد».
وفي آخر حلقات مسلسل هذا الملف، تشير تسريبات صادرة عن وزارتي الدفاع والداخلية إلى صدور أوامر قبض بحق ضباط برتب كبيرة في الوزارتين، ضمنهم وزير الدفاع السابق وقائد القوة الجوية الحالي. وتؤكد النائبة عن ائتلاف «دولة القانون» عالية نصيف صدور مذكرات قبض بحق الضباط الكبار على خلفيات فساد، وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «صدرت أوامر قبض بحق قائد القوية الجوية أنور حمه أمين قبل أسبوعين، على خلفية قضية هدر للمال العام في عقود التسليح التشيكية، كذلك هناك أوامر قبض على وزير الدفاع السابق خالد العبيدي».
لكن النائبة تخشى من أن ملف محاربة الفساد «لم يحرز أي تقدم»، وتستبعد محاربة الفاسدين؛ لأنهم «ينتمون إلى تيارات وجهات سياسية نافذة». وبرأيها، فإن رئيس الوزراء حيدر العبادي «يتحدث عن عناوين عامة، لكنه حين يدخل إلى تفاصيل الملفات، سيواجه صعوبات كبيرة، ومنها إمكانية الإطاحة به من منصبه».
وتشير نصيف إلى أن العبادي «يعرف بشكل تفصيلي الخروقات والفساد في مزاد العملة في البنك المركزي والسرقات التي طالت أراضي مملوكة للدولة، لكنه لم يفعل شيئاً حيال ذلك؛ لأنه لا يريد الصدام مع حلفائه وشركائه في العملية السياسية». وتابعت: «أظن أنه يتحدث عن محاربة الفساد بهدف الضغط على خصومة ولأسباب انتخابية».
بدوره، أكد عضو لجنة النزاهة النيابية، طه الدفاعي، وجود ملفات فساد في جميع مؤسسات الدولة وأوامر قبض بحق مسؤولين كبار في وزارات الدولة ومنها الدفاع والداخلية، لكنه نفى في حديث لـ«الشرق الأوسط» علم لجنة النزاهة البرلمانية بصدور مذكرات قبض بحق ضباط كبار في وزارتي الدفاع والداخلية. ويشير إلى أنه سمع ذلك عن طريق بعض وسائل الإعلام. ويقول الدفاعي: إن «مهمة لجنة النزاهة، رفع الشكاوى والتقارير المتعلقة بالفساد إلى هيئة النزاهة ومتابعتها، لكننا لا نتدخل في عمل القضاء؛ لأننا عُرضة للاتهام، وموقفنا صعب في هذه الاتجاه، ولن ترحمنا الناس إن سمعوا أننا نتدخل في شأن قضائي»، لكنه يعترف بأن «القوات الأمنية في أحيان كثيرة تخشى من تنفيذ أوامر قبض بحق فاسدين إن كانوا من أصحاب النفوذ والسلطة».
ويرى الدفاعي، أن من معوقات محاربة الفساد «قيام قضاة صغار لا يتوفرون على خبرة كبيرة في مجال التحقيق بالحكم في هكذا مسائل معقدة وخطيرة»؛ لذلك «تجد أنهم لا يتورعون عن اتخاذ أحكام صارمة بشأن صغار الموظفين، لكنهم لا يفعلون ذلك مع كبار المسؤولين».
واللافت في شأن قضية محاربة الفساد والتعقيد الملازم لها، أن أغلب المسؤولين الذين صدرت أوامر قبض بحقهم على خلفيات تهم فساد هربوا إلى خارج البلاد، أو أطلق سراحهم بعد مدة وجيزة من إلقاء القبض، وقد أفرج القضاء قبل أيام عن رئيس مجلس محافظة البصرة صباح البزوني، إلى جانب الإفراج عن محافظ الأنبار السابق صهيب الراوي ومحافظ صلاح الدين أحمد الجبوري.
يشار إلى أن قاضي تحقيق محكمة النزاهة في الرصافة، قال، أول من أمس، لجريدة «القضاء» التابعة لمجلس القضاء الأعلى: إن «الكثير من الأوامر صدرت بحق وزراء ووكلاء، ولم تنفذ رغم التأكيدات المستمرة، وبعض الأسباب ترجع إلى هربهم خارج البلاد»، مشيراً إلى أن «القضاء يصدر مذكرات القبض وهو غير مسؤول عن تنفيذها؛ فهذا يقع على عاتق السلطة التنفيذية المتمثلة بوزارة الداخلية».
أوامر توقيف لضباط كبار في الجيش والشرطة العراقيين
ضمنهم وزير الدفاع السابق وقائد القوة الجوية الحالي
أوامر توقيف لضباط كبار في الجيش والشرطة العراقيين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة