السيسي: السعودية تحقق خطوات عملاقة

شدد في حديثه إلى «الشرق الأوسط» على أهمية التوازن اللبناني والمصالحة الفلسطينية... واعتبر مياه النيل «قصة حياة أو موت» * قوى الشر تنظيمات متطرفة أو دول إقليمية تسعى لقلب المعادلات

الرئيس السيسي خلال حواره مع رئيس تحرير «الشرق الأوسط»
الرئيس السيسي خلال حواره مع رئيس تحرير «الشرق الأوسط»
TT

السيسي: السعودية تحقق خطوات عملاقة

الرئيس السيسي خلال حواره مع رئيس تحرير «الشرق الأوسط»
الرئيس السيسي خلال حواره مع رئيس تحرير «الشرق الأوسط»

شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على خطورة تصدع الدولة الوطنية ومؤسساتها، عادّاً أن الحل هو الدولة الوطنية الطبيعية والجيش الوطني بلا ميليشيات أو تدخلات مع احترام المواثيق والقرارات الدولية.
وأكد السيسي في حوار مع «الشرق الأوسط» على هامش رعايته «منتدى شباب العالم» في مدينة شرم الشيخ، تمسكه بالعلاقات الاستراتيجية مع السعودية، مكرراً عبارة «نحن دائماً معاً».
وفي تعليق على استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، قال إن «التوازن ضروري للحفاظ على الاستقرار في لبنان»، داعياً اللبنانيين إلى الاضطلاع بهذه المهمة «بعيداً عن التدخلات الخارجية».
وأعرب عن أمله في أن تنعكس المصالحة الفلسطينية إيجاباً على مسيرة السلام، مؤكداً أن الولايات المتحدة هي الطرف الأقدر على دفع هذه المسيرة إلى الأمام. وتوقع أن تعود العلاقات المصرية - الأميركية في عهد الرئيس دونالد ترمب إلى ما كانت عليه وأن تزيد، ملمحاً إلى ضغوط تعرضت لها هذه العلاقات في 2011. وهنا نص الحديث:
* سيادة الرئيس. ماذا تريد مصر من «منتدى شباب العالم»؟
- حين نتحدث عن المستقبل، فهذا يعني أننا نتحدث عن الشباب. لدينا حرص دائم على اللقاء بالشباب والاستماع إلى آرائهم وتطلعاتهم وهواجسهم والتحاور معهم حولها. في اعتقادي أن عدم التواصل مع الشباب كان من أهم أسباب الثورات التي حصلت في مصر وليبيا وسوريا.
بناء الجسور مع الشباب ضروري لإشراكهم في التنمية ولإبعادهم عن التطرف وتمكينهم من لعب دور في صناعة الازدهار والاستقرار. ونحن نتحدث في مصر عن مجتمع شاب؛ إذ إن 65 في المائة من المصريين دون سن الأربعين.
بدأنا تجربة شملت محافظات مصرية عدة. كان يشارك في اللقاء نحو ألف شاب وتذاع المداولات مباشرة على الهواء، ليكون المجتمع شريكاً في التعرف على هواجس الأجيال الجديدة. لا أبالغ إذا قلت إن النتيجة كانت رائعة وأتاحت فرصة المشاركة في الهموم والآمال والتطلعات. وفي ضوء هذه النتيجة، قررنا توسيع المناسبة، فشبابنا جزء من شباب العالم ويتطلع مثلهم إلى فرصة عمل والعيش بكرامة، وأن تكون له مساهمته في مستقبل وطنه. اليوم وفي ضوء التطورات العلمية والتكنولوجية يملك الشباب خبرات كثيرة لا يجوز تجاهلها.
* من يستهدف مصر بالإرهاب؟ وما الجهات التي تدعم الإرهابيين؟
- القوى التي تستهدف مصر تستهدف المنطقة أيضاً. إنها قوى الشر التي تتشكل من تنظيمات متطرفة أو دول إقليمية تسعى إلى زعزعة الاستقرار وقلب المعادلات. قرارنا حاسم بالتصدي لهذه الاعتداءات والمحاولات، وإرادتنا صلبة. علينا كدول عربية أن نتكاتف دفاعاً عن أمننا القومي واستقرارنا ضد محاولات تقسيم بلادنا أو إغراقها في الفوضى واستنزاف اقتصادها وفرص تقدمها. أثق تماماً بأننا ومع أشقائنا في دول الخليج ودول عربية أخرى نستطيع إذا وحدنا جهودنا أن نتصدى لمن يستهدف بلداننا ومنطقتنا ودورنا.
* هل هناك دول لا تزال تدعم الإرهاب؟
- موقفنا واضح في هذا المجال. قلنا مع أشقائنا في السعودية والإمارات والبحرين اسم من يدعم الإرهاب بالمال والسلاح والإعلام، واتخذنا موقفاً قاطعاً برفض سياسات التدخل في شؤون الآخرين.
* أفهم أنكم تشيرون إلى قطر؟
- مطالبنا واضحة، وهي وقف دعم الإرهاب والتدخل في شؤون الآخرين، واحترام سيادة الدول، وهذه المطالب بديهية ومشروعة. الكرة في ملعب قطر. طبعاً هناك الوساطة الكويتية التي نقدرها، لكن الأمر في النهاية مرتبط برد فعل قطر. نحن لا نريد إملاء سياسات على الآخرين ولا التدخل في شؤونهم، ولهذا نتوقع منهم أن يعتمدوا سلوكاً مشابهاً. نريد السلام والاستقرار في المنطقة، ولا بد من وقف السياسات المزدوجة.
* لاحظنا في الفترة الأخيرة نوعاً من الهدوء في العلاقة مع تركيا...
- في علاقاتنا الخارجية لم نكن يوماً دعاة استفزاز أو تصعيد، لا؛ بل إن سياستنا تقوم على بناء جسور التعاون على القواعد الدولية المعروفة. ببساطة، مصر ليست دولة صغيرة ليقرر مصيرها الآخرون. نحن لا نقحم أنفسنا في السياسات الداخلية للدول الأخرى ونحترم خياراتها، ونتوقع من هذه الدول أن ترد بالمثل لتكون العلاقات الطبيعية ممكنة.
* تستمر الهجمات على بعض مراكز الأمن والشرطة في سيناء. كيف تسير المواجهة مع منفذي هذه الهجمات؟
- ترد القوات المسلحة على هذه الهجمات، وتوجه ضربات قاسية إلى الإرهابيين. الحقيقة أن هذه العمليات تتم في مساحة محدودة جداً من سيناء لا تزيد على اثنين في المائة. طبعاً هناك عامل لا بد للقوات المسلحة المصرية من أخذه في الاعتبار، وهو عدم التسبب في سقوط ضحايا في صفوف المدنيين، وهذا يؤخر العمليات أحياناً، فهؤلاء أبناء شعبنا وعلينا أن ننقذهم من الإرهاب وأن نحرص على سلامتهم. الأكيد هو أن الإرهاب لم ينجح في شل إرادة الدولة المصرية التي تتابع جهودها وخططها للتنمية ومعالجة المشكلات الاقتصادية والمعيشية.
* كيف تصفون العلاقات المصرية - السعودية حالياً؟
- العلاقة مع المملكة علاقة عميقة واستراتيجية، وهي لمصلحة البلدين والأمن القومي العربي. وهذا يصدق أيضاً على علاقتنا مع دولة الإمارات. لهذا ترى اصطفافنا معاً من أجل الدفاع عن الأمن القومي العربي. وبأمانة أقول إن أشقاءنا في السعودية يديرون الأمور بحكمة وحزم، ولهذا أقول لهم: نحن دائماً معاً. هذه المسألة واضحة تماماً. استقرار المملكة استقرار لمصر؛ والعكس صحيح. والأمر نفسه بالنسبة إلى الإمارات والبحرين والكويت.
* وكيف تنظرون إلى ما تشهده السعودية في الآونة الأخيرة؟
- أسجل بكل تقدير واحترام ما يجري في السعودية من خطوات عملاقة على أكثر من صعيد ستكون لها نتائجها الإيجابية داخل المملكة وخارجها، وهي خطوات مدروسة وجريئة. إنه في الحقيقة أمر مثير للإعجاب. فتحت قيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده، تحقق السعودية قفزات نحو المستقبل. تتسم القيادة السعودية بالحزم والحكمة معاً في نهجها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتتحرك في كل المجالات بشكل رائع.
إن نهج السعودية القائم على الاعتدال، وتشديدها على المواجهة الشاملة للتطرف وأسبابه، وحرمان أنصار التطرف والغلو من مصادرة الدين ومنابره، وتشديدها على قيم الانفتاح والتعايش والشراكة والحداثة، كلها عناصر تثير الطمأنينة.
أريد أن أقول أيضاً إن تحرك السعودية في اتجاه العراق أمر رائع فعلاً، وهو رسالة للآخرين أننا كعرب نستطيع أن نكون قوة هائلة إذا كنا معاً. إن أشقاءنا في السعودية والإمارات والبحرين يعون تماماً مخاطر التدخلات وسياسات زعزعة الاستقرار، ويدركون أهمية تحصين الأمن القومي العربي. والقيادة السعودية تظهر حنكة وحزماً بتوازن رائع. وأكرر: نحن معاً نستطيع.
* تبدو مصر قريبة من الحل الروسي في سوريا...
- موقفنا من سوريا والأزمات الأخرى تحكمه ثوابت في سياستنا الخارجية. نحن مع الدولة الوطنية ووحدة أراضيها وضد كل محاولات التقسيم والتفتيت لأسباب عرقية أو مذهبية. ونحن مع أن تكون سيادة هذه الدول محمية من قبل الجيوش الوطنية لا من قبل الميليشيات المسلحة. نحن مع الدولة الوطنية والجيش الوطني، وليس مع الميليشيات الطائفية التي تؤدي إلى تفسخ الدول وإغراقها في حروب لا تنتهي. ونحن مع امتلاك كل دولة قرارها بعيداً عن أي هيمنة خارجية أو وصاية. نحن مع احترام القوانين الدولية وسيادة الدول وحدودها الدولية. وهذا ينطبق على سوريا وغيرها.
* هناك حديث عن احتمال قيام إسرائيل بشن حرب رداً على اقتراب «حزب الله» وميليشيات موالية لإيران من الجولان...
- أتمنى ألا يحدث ذلك؛ إذ يكفي المنطقة ما تعيشه من اهتزاز واضطراب. ثم إن التجارب تقول إن الحروب لا تحل المشكلات، وإن الأخطر من مجرياتها العسكرية هو نتائجها اللاحقة. يكفي سوريا أيضاً ما تعيشه، وأنا أدعو إلى احترام سيادتها وأمنها واستقرارها، وإلى احترام إرادة الشعب السوري. المزيد من الحروب لن يحل المشكلة. الحل هو إنهاء النزاعات بالحوار وعلى أسس سليمة لتمكين الدول من معالجة مشكلاتها الاقتصادية والاجتماعية وهي كثيرة.
* هل تتوقعون تقدماً في محاولات الحل في ليبيا؟
- دعمنا دائماً كل المحاولات لإخراج ليبيا من الوضع الذي تعيشه، فنحن لا نريد لليبيا أن تكون مصدر خطر على نفسها أو جيرانها. ولهذا أيدنا جهود المبعوثين الدوليين؛ وبينهم المبعوث الحالي (الدكتور غسان سلامة). ليبيا نموذج آخر لما يمكن أن يحدث حين تنهار الدولة وتتقدم الميليشيات لتقاسم البلد ومناطقه وثرواته. مطلبنا في ليبيا أن تكون مستقرة، وأن تُصان وحدتها، وأن يعيش الليبيون في ظل من يختارونهم بعيداً عن التطرف والإرهاب. ومرة أخرى؛ نحن مع الجيش الوطني وليس مع الميليشيات.
* وكيف ترون المخرج من الوضع الحالي في اليمن؟
- وفق القواعد التي أشرت إليها سابقاً؛ أي على قاعدة الحوار وقيام الدولة وجيشها الوطني استناداً إلى الاتفاق الداخلي واحترام المواثيق الدولية. يجب أن تنصرف الدول إلى الاهتمام بمشكلاتها الاقتصادية والاجتماعية للتغلب على آثار الحروب، وألا تستخدم في عمليات زعزعة استقرار أو تهديد أمن الآخرين.
* والتطورات الأخيرة بين بغداد وأربيل؟
- قبل الاستفتاء أعلنّا بوضوح أننا مع وحدة العراق الذي يتمتع الأكراد فيه بحكم ذاتي، وشددنا على ضرورة حل المشكلات بالحوار. إننا مع وحدة العراق، ومع الحوار أسلوباً لحل المشكلات.
* ماذا يقلقك في الوضع العربي؟
- يقلقني ألا نكون معاً. هذا مصدر قلقي الوحيد. حين نكون معاً نستطيع حماية أمننا وحقوقنا ومصالحنا.
* تتصاعد الشكوى العربية من التدخلات الإيرانية في أكثر من دولة...
- موقفنا واضح هو أننا ضد كل أشكال التدخل الخارجي في شؤون الدول، وضد أي محاولة لزعزعة استقرارها وانتهاك سيادتها. وكما قلت لك إننا معاً نستطيع الدفاع عن الأمن العربي في وجه أي تحديات.

التوازن اللبناني
* يشهد لبنان أزمة جديدة، فقد استقال رئيس الوزراء سعد الحريري، وحمل بعنف على التدخلات الإيرانية في شؤون لبنان وعلى سلاح «حزب الله». هل تخشون من تدهور الوضع في لبنان؟
- لبنان بطبيعته دولة متعددة ومتنوعة التركيبة. التوازن في لبنان شرط من شروط الاستقرار، ولا بد من الحفاظ على هذا التوازن ودون أي تدخل خارجي. سبق وقلت إن ضعف الدولة الوطنية يفسح المجال للاضطراب والفوضى. أعتقد أن التجارب السابقة ستدفع اللبنانيين إلى إنقاذ استقرارهم الذي يعنينا كثيراً، فاستقرار لبنان مهم لنا وللعالم العربي.
* هل تغيرت حركة «حماس» بعد توقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية؟
- المصالحة الفلسطينية مسألة حيوية ومهمة للشعب الفلسطيني، ونحن شجعنا جهود المصالحة وواكبناها ونعتبرها مصلحة خالصة للفلسطينيين. نأمل أن تصب نتائج المصالحة في خدمة مسيرة السلام. المنطقة تحتاج إلى السلام، لأن غيابه كلّف المنطقة كثيراً واستنزف طاقاتها.
* يكثر الحديث عن أفكار أميركية للحل...
- نحن نسعى مع كل الأطراف التي تستطيع أن تدلي بدلوها في هذا الموضوع. ونعتبر أن أميركا هي القوة الرئيسية القادرة على دفع عملية السلام إلى آفاق أفضل. ونستطيع نحن العرب بجهودنا أن نقنع الرأي العام الإسرائيلي بفوائد السلام التي يشكل السلام المصري - الإسرائيلي دليلاً عليها. إن إيجاد حل للقضية الفلسطينية يدخل المنطقة في وضع جديد، وأشقاؤنا في الخليج يتفهمون هذه المسألة.
* هل استعادت العلاقات المصرية - الأميركية حرارتها في عهد الرئيس دونالد ترمب؟
- نحن نعتبر العلاقات مع أميركا استراتيجية ولمصلحة الطرفين، ونحرص على أن تكون مستقرة. ولعل هذه العلاقة تعرضت في 2011 لضغوط، لكنها في عهد الرئيس ترمب ستعود إلى ما كانت عليه؛ وستزيد.
* والعلاقة مع روسيا؟
- علاقاتنا مع كل دول العالم جيدة، وهي طيبة مع روسيا والصين أيضاً. إن عصر الاستقطاب قد ولّى، وتهتم الدول اليوم بتنويع علاقاتها وتوسيع مجالات التعاون. ليس من الضروري أن تكون العلاقات مع دولة على حساب العلاقات مع دولة أخرى. والحقيقة أننا نحتاج إلى التعاون في مجالات عدة، بينها مكافحة الإرهاب، وهو أخطر عدو لنا. لهذا يجب أن يواجه باستراتيجية شاملة متعددة المحاور ولا تقتصر على البعد الأمني. لطالما رفعنا الصوت وحذرنا من أن الإرهاب هو العدو الأول للبشرية. إنه سلاح خبيث استخدم لتهديم الدول وتدميرها. وفي هذا السياق، جاءت دعوتنا المتكررة لتجديد الخطاب الديني ومنع الإرهابيين من هدم الدين نفسه قبل الدنيا. الدين رسالة تسامح وتعاون، والذين سعوا إلى مصادرته عبر التطرف ارتكبوا جريمة واسعة بحق الإنسانية وخالفوا روح الدين وتعاليمه.

قصة حياة أو موت
* سيادة الرئيس. إلى أين وصلت المفاوضات مع إثيوبيا بشأن مياه النيل؟
- موضوع مياه النيل موضوع حيوي وحساس جداً، ونحن نقاربه على قاعدة الحفاظ على مصالح مصر وتفهم مصالح الآخرين. لا نبالغ حين نقول إن النيل بالنسبة لنا قصة حياة أو موت. الموضوع حساس كما قلت، والتعاون فيه يحتاج إلى المثابرة للوصول إلى معادلة تفيد كل الأطراف. هذا جوهر سياسة مصر في هذا الموضوع.
* تشددون على دور الشباب. كيف ترون صعود الأدوار الشابة؟
- أقول إن الشباب طموح وإن الشباب أمل، وأرجو أن يفهم الجميع مقصدي في هذا الأمر.
* هناك انتخابات رئاسية في السنة المقبلة، وهناك دعوات تطالبكم بالترشح لولاية ثانية. هل اتخذتم قراركم؟
- أنا ابن هذا الشعب، وتربيت على أن كل جهد يجب أن يبذل من أجل مصر وأمنها واستقرارها وتمكين شعبها من عيش حياة طبيعية. هذا حق الناس، عليّ أن أعمل وأسعى.
المسألة ليست قراراً أتخذه أنا. لقد اعتبرت دائماً أن قرار الشعب هو القرار الحاسم، وأنا لا أستطيع ألا ألبي قرار الشعب، سواء كان يقضي باستمراري أو بعدم الاستمرار. الشعب صاحب القرار في هذا الأمر.
* ما اللحظة الأصعب في حياتك؟
- اللحظة التي أشعر فيها أن الوطن يتعرض للخطر، وأن أمن الناس يتعرض للخطر، وأن مستقبلهم مهدد. هذه أصعب لحظة.
* ما أصعب قرار اتخذته؟ هل كان قرار تغيير مسار الأحداث في يونيو (حزيران) الشهير؟
- أصعب قرار اتخذته كان قرار الترشح للرئاسة. أقول إنه الأصعب، لأنني كنت مدركاً حجم التحديات التي تواجهها مصر وحجم الأعباء التي تُثقل كاهل المواطن المصري.
* هل تم كشف أي خطة لاغتيالكم؟
- نحن عادة لا نتحدث في هذه المواضيع. وجوابي هو أننا نعيش عمرنا الذي كتبه ربنا.

ديغول وشوقي وأم كلثوم
* بمن أعجبت من الشخصيات التاريخية في القرن الماضي؟
- الحقيقة أنا معجب بالجنرال شارل ديغول. لقد عاش دائماً جندياً في خدمة بلاده ووضع مصلحة فرنسا فوق كل اعتبار.
* ومَن تحب مِن الشعراء؟
- الحقيقة لدى مصر ثروة حقيقية من الشعراء والكتّاب الكبار. وبالنسبة إليّ يأتي في طليعتهم أحمد شوقي.
* ومِن المطربات والمطربين؟
- أنا في هذا المجال ابن جيلي. ثروتنا الفنية هائلة، وبالنسبة إليّ أنا أحب أم كلثوم وعبد الحليم حافظ. الحقيقة أن مصر أنجبت تجارب فنية رائعة. كما أنها كانت نقطة جذب لعدد غير قليل من الفنانين العرب الذين جاءوا واندمجوا في مناخها الثقافي والفني.
* وأي الألوان تفضل؟
- لا أحب الألوان الغامقة.



الحوثيون يصعّدون اقتصادياً ضد الحكومة اليمنية

مسلحون حوثيون يسيرون في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)
مسلحون حوثيون يسيرون في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يصعّدون اقتصادياً ضد الحكومة اليمنية

مسلحون حوثيون يسيرون في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)
مسلحون حوثيون يسيرون في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)

في تصعيد جديد للحرب الاقتصادية، تواصل الجماعة الحوثية فرض قيود مشددة على حركة الاستيراد في اليمن، عبر منع دخول البضائع القادمة من المنافذ البحرية والبرية الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، وإجبار التجار والمستوردين على تحويل شحناتهم إلى مواني الحديدة الخاضعة لسيطرتها.

وتأتي هذه الخطوة، في وقت تعاني تلك المواني تراجعاً حاداً في قدرتها التشغيلية؛ نتيجة الضربات الأميركية والإسرائيلية التي لحقت بها خلال الأشهر الماضية.

وتؤكد مصادر تجارية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن الجماعة تحتجز منذ أسابيع عشرات الشاحنات في المنافذ الجمركية التي استحدثتها على خطوط التماس؛ بذريعة مخالفة التعليمات الجديدة التي تُلزم المستوردين بإدخال بضائعهم عبر مواني الحديدة فقط.

عشرات الشاحنات محتجزة في المنافذ الجمركية التي استحدثها الحوثيون (إعلام محلي)

وتشير المعلومات، إلى أن هذه الإجراءات تستهدف بالدرجة الأولى تعظيم الموارد المالية للجماعة، بعد أن فقدت نحو 75 في المائة من العائدات الجمركية التي كانت تحصل عليها من البضائع الداخلة عبر المواني الخاضعة للحكومة.

وحسب المصادر، فإن من بين أبرز السلع التي طالتها القيود الحوثية، شحنات الأخشاب المستوردة، التي جرى منع دخولها رغم عدم شمولها بقرارات وزارتي المالية والتجارة التابعتين للجماعة بشأن المواد المحظورة.

ابتزاز منظم

وتوضح المصادر، أن الحوثيين يحاولون عقد صفقات مع التجار، تسمح بدخول الشحنات المحتجزة مقابل تعهدات خطية بعدم الاستيراد مستقبلاً عبر المنافذ الحكومية، في خطوة وُصفت بأنها «ابتزاز اقتصادي منظم».

وتشير إلى أن هذه السياسة تتزامن مع تراجع كبير في كفاءة ميناء الحديدة، الذي تضررت معظم أرصفته ورافعاته، إضافة إلى الأضرار التي لحقت بـ«ميناء رأس عيسى» المخصص لاستقبال الوقود.

تراجع القدرة التشغيلية لميناء الحديدة بعد الضربات الأميركية والإسرائيلية (إعلام محلي)

وعلى الرغم من فشل الجماعة في إعادة تشغيل الميناء بطاقته السابقة، فإنها لجأت إلى توجيه السفن نحو «ميناء الصليف» الأقل تضرراً، مع تقديم حوافز مالية وإدارية للمستوردين، مقابل تمرير بضائعهم عبر هذه المواني وتسويقها حتى في مناطق سيطرة الحكومة.

وفي هذا السياق، يؤكد الجانب الحكومي، أن الحوثيين لا يكتفون بتقديم الإغراءات، بل يمارسون ضغوطاً مباشرة على المستوردين لتحويل مسار شحناتهم.

وتشمل هذه الضغوط، تسهيلات تتجاوز خفض سعر الدولار الجمركي، لتصل إلى السماح بدخول سلع مخالفة للمواصفات الخليجية المعتمدة في اليمن؛ ما يشكل تهديداً مباشراً للسوق المحلية وصحة المستهلكين، مستغلين رفض الحكومة استحداث نقاط رقابة في مناطق التماس، على غرار ما قامت به الجماعة.

احتكار القمح

لم تقتصر سياسات الجماعة الحوثية على السلع المستوردة، بل امتدت إلى المواد الغذائية الأساسية، وفي مقدمتها القمح والطحين. إذ منعت استيراد الطحين بحجة قدرتها على توفيره محلياً عبر المطاحن الموجودة في الحديدة، بعد أن قامت باستئجار «مطاحن البحر الأحمر» من مالكيها. غير أن مصادر تجارية تؤكد، أن الطاقة الإنتاجية لهذه المطاحن لا تغطي حتى نصف احتياجات السكان، وهو ما ينطبق أيضاً على إنتاج القمح المحلي.

وتوضح البيانات، أن المساحات المزروعة بالقمح في محافظة الجوف لا تنتج سوى أقل من 5 في المائة من احتياجات السوق، ومع ذلك يُباع القمح المحلي بأسعار تفوق المستورَد بشكل كبير، حيث يبلغ سعر كيس القمح (50 كيلوغراماً) نحو 20 ألف ريال يمني، مقارنة بنحو 12 ألف ريال للقمح المستورَد؛ ما يجعله غير قادر على المنافسة في السوق الحرة. (الدولار نحو 535 ريالاً يمنياً في مناطق سيطرة الحوثيين).

تحوّل مَزارع القمح في الجوف مصدرَ ثراء لقيادات حوثية (إعلام محلي)

وتتهم المصادر مسؤولي وزارة الصناعة والتجارة، ومصلحة الجمارك التابعة للجماعة الحوثية، بتعمد خلق اختناقات تموينية؛ بهدف تصريف مخزون القمح المحلي المكدس نتيجة ضعف الإقبال عليه.

كما كشفت عن دور ما يُعرف بـ«الحارس القضائي» في مصادرة مساحات واسعة من أراضي زراعة القمح في الجوف؛ بحجة ملكيتها لشخصيات مؤيدة للحكومة، قبل منحها لقيادات حوثية تستثمرها مقابل توريد نسب محددة من العائدات إلى حسابات خاصة بالجماعة.

ولم يتوقف العبث عند هذا الحد؛ إذ جرى - حسب المصادر - تأجير معظم مزارع القمح من الباطن لتجار نافذين، يحصلون على أموال طائلة من المال العام والمساعدات، تحت غطاء دعم الإنتاج الزراعي. وأسهمت هذه الممارسات، إلى جانب غياب الإرشاد الزراعي، في فشل مشاريع القمح المحلية، وفاقمت الأزمات التموينية وارتفاع الأسعار بين الحين والآخر.

وتكشف معلومات، من القطاع التجاري عن صراع متصاعد بين مستوردي القمح والمستثمرين المرتبطين بالجماعة؛ نتيجة إجبار المستوردين على شراء القمح المحلي مرتفع السعر، محمّلين هذه السياسات، مسؤولية تكرار الأزمات التموينية، وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين في مناطق سيطرة الحوثيين وخارجها.


لماذا يرى الحوثيون اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال» تهديداً مباشراً؟

أشخاص متجمعون أمام لوحة إعلانية رقمية في صنعاء تحمل صورة زعيم الحوثيين (إ.ب.أ)
أشخاص متجمعون أمام لوحة إعلانية رقمية في صنعاء تحمل صورة زعيم الحوثيين (إ.ب.أ)
TT

لماذا يرى الحوثيون اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال» تهديداً مباشراً؟

أشخاص متجمعون أمام لوحة إعلانية رقمية في صنعاء تحمل صورة زعيم الحوثيين (إ.ب.أ)
أشخاص متجمعون أمام لوحة إعلانية رقمية في صنعاء تحمل صورة زعيم الحوثيين (إ.ب.أ)

في تصعيد جديد يربط بين الجبهات الإقليمية المفتوحة، أدخل الحوثيون ملف «أرض الصومال» على خط المواجهة مع إسرائيل، محذرين من أن أي وجود إسرائيلي في الإقليم الانفصالي سيكون «هدفاً عسكرياً».

التحذير جاء بعد إعلان إسرائيل الاعتراف بـ«أرض الصومال»، في خطوة أثارت ردود فعل واسعة في أفريقيا والعالمين العربي والإسلامي، وأعادت خلط أوراق الصراع الممتد من غزة إلى البحر الأحمر وخليج عدن.

وقال زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، في بيان نقله إعلام الجماعة، إن الاعتراف الإسرائيلي يمثل «عدواناً على الصومال واليمن وأمن المنطقة»، معتبراً أن تل أبيب «تسعى إلى إيجاد موطئ قدم عسكري واستخباراتي» عند أحد أهم الممرات البحرية في العالم. وذهب أبعد من ذلك، حين لوَّح باعتبار «أي وجود إسرائيلي في الإقليم هدفاً مشروعاً» لقوات جماعته.

وتتمتع «أرض الصومال» التي أعلنت انفصالها من جانب واحد عن جمهورية الصومال عام 1991، بموقع استراتيجي بالغ الحساسية عند مدخل خليج عدن، وبالقرب من مضيق باب المندب، أحد أكثر طرق التجارة الدولية ازدحاماً. وعلى الرغم من استقرارها النسبي مقارنة ببقية الصومال، فإنها ظلت لعقود بلا اعتراف دولي رسمي، ما أبقاها في عزلة سياسية واقتصادية.

ترجيحات بأن يستثمر الحوثيون الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال» لحشد مزيد من المقاتلين (أ.ب)

ويرى محللون أن أي اعتراف إسرائيلي بالإقليم يمنح تل أبيب نافذة مباشرة على البحر الأحمر، ويعزز قدرتها على مراقبة خطوط الملاحة، وربما تنفيذ عمليات عسكرية أو استخباراتية ضد خصومها، وعلى رأسهم الحوثيون في اليمن.

ويأتي ذلك في سياق مواجهة مفتوحة منذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، حين شن الحوثيون هجمات بالصواريخ والطائرات المُسيَّرة على أهداف إسرائيلية، وعلى سفن مرتبطة بها، قبل أن تتراجع وتيرة الهجمات مع الهدنة الهشة في غزة.

سبب هلع الحوثيين

مصادر سياسية ترى أن مخاوف الحوثيين لا تتعلق فقط بالبعد «الرمزي» للقضية الفلسطينية؛ بل بحسابات أمنية مباشرة. فوجود إسرائيلي محتمل في أرض الصومال يعني -من وجهة نظرهم- تطويقاً استراتيجياً لهم من الجنوب الغربي، بعد أن باتت إسرائيل حاضرة عسكرياً واستخباراتياً في مساحات متعددة من البحر الأحمر.

كما يخشى الحوثيون أن يتحول الإقليم إلى منصة دعم لعمليات إسرائيلية تستهدف مواقعهم في اليمن، بخاصة في ظل الغارات الإسرائيلية المتكررة التي نُفذت خلال الأشهر الماضية، وأدت إلى قتل كثير من قادتهم العسكريين والسياسيين.

الحوثيون أقروا بمقتل قائد طيرانهم المسيَّر بعد تكتم دام 9 أشهر (إ.ب.أ)

ويعزز هذه المخاوف الحديث في تقارير إعلامية عن إمكانية استخدام «أرض الصومال» ضمن ترتيبات إقليمية أوسع، شملت سابقاً تسريبات عن تهجير محتمل لفلسطينيين من غزة، وهو ما تعتبره الجماعة جزءاً من «مشروع تفتيت» تقوده إسرائيل في المنطقة.

في المقابل، صعَّد مجلس الحكم الانقلابي الحوثي (المجلس السياسي الأعلى) من لهجته، محذراً من أن أي نشاط إسرائيلي في الأراضي الصومالية «لن يُنظر إليه كأمر واقع»، ومؤكداً أن أمن الصومال «جزء لا يتجزأ» من أمن الجماعة، ودعا الدول المطلة على البحر الأحمر إلى اتخاذ خطوات عملية لمنع ما وصفه بـ«الاختراق الإسرائيلي».


اقتصاد اليمن: تعافٍ هش وأزمات تعززها الحرب والانقسامات

مخاوف اليمنيين من تردي الأحوال تزداد في ظل عدم الاستقرار الأمني والسياسي (البنك الدولي)
مخاوف اليمنيين من تردي الأحوال تزداد في ظل عدم الاستقرار الأمني والسياسي (البنك الدولي)
TT

اقتصاد اليمن: تعافٍ هش وأزمات تعززها الحرب والانقسامات

مخاوف اليمنيين من تردي الأحوال تزداد في ظل عدم الاستقرار الأمني والسياسي (البنك الدولي)
مخاوف اليمنيين من تردي الأحوال تزداد في ظل عدم الاستقرار الأمني والسياسي (البنك الدولي)

يواجه الاقتصاد اليمني مرحلة بالغة الهشاشة، في ظل استمرار الصراع، والانقسام المؤسسي، وتراجع مصادر الدخل العامة، حيث تشير التقارير الدولية إلى استمرار الانكماش والنمو الضعيف، وارتفاع معدلات التضخم، وتدهور العملة المحلية، ما يفاقم الضغوط المعيشية على السكان، إلا أنها تتجاهل، وفق خبراء، اقتصاد الظل والقدرة على التكيف.

وتؤكد المؤسسات الدولية، مثل «البنك الدولي»، و«صندوق النقد الدولي»، أنّ تعطل صادرات النفط، وتعدد السلطات النقدية، وضعف الإيرادات الحكومية، أسهمت في إطالة أمد الأزمة الاقتصادية، وتقويض قدرة الدولة على تقديم الخدمات الأساسية، في ظل اعتماد متزايد على المساعدات الخارجية والتحويلات المالية.

وتُحذر التقارير من أن أي تحسن اقتصادي مستدام، بعد التحسن الذي شهدته العملة المحلية، سيظل مرهوناً بالاستقرار السياسي والأمني، ونجاح الإصلاحات المالية والاقتصادية الشاملة.

إلا أن تقارير ودراسات الجهات والمنظمات الدولية والأممية تعاني قصوراً في فهم واقع الاقتصاد والحياة الاقتصادية باليمن، وفق يوسف شمسان، الباحث اليمني في «الاقتصاد السياسي للحرب»؛ كونها «تبحث في القيمة المضافة للاقتصاد الكلي الرسمي، وتتجاهل القيمة المضافة للاقتصاد غير الرسمي، خصوصاً في زمن الحروب».

يمني يعدّ ما بحوزته من أوراق نقدية قبل التوجه إلى السوق (أ.ف.ب-أرشيفية)

ويوضح شمسان، لـ«الشرق الأوسط»، أن الاقتصاد غير الرسمي في أوقات الحرب يتنوع بين الجبايات والتهريب وريع العقود الحكومية والمساعدات الإنسانية، والتي يمكن الحصول على الناتج الفعلي بإضافتها إلى الاقتصاد الرسمي.

ويستغرب «عدم إدخال الحياة الاقتصادية العامة في حسابات مُعِدّي التقارير حول الاقتصاد اليمني لدى تلك الجهات، وهذه الحياة تتمثل بإعادة الإنتاج والتكيف مع الأوضاع التي فرضتها الحرب، والحصول على وسائل إنتاج جديدة».

ويلفت إلى أن نسبة «اقتصاد الظل» في اليمن وصلت إلى أكثر من 35 في المائة حالياً، وتتمثل الأنشطة الجديدة لهذا الاقتصاد في اللوجستيات الحربية والنقل والإمداد العسكري والقطاعات العسكرية غير الرسمية، والعمل لدى المنظمات الإغاثية، وغير ذلك مما لا يظهر في الناتج القومي للاقتصاد الرسمي.

شروط التعافي

ويكشف «صندوق النقد الدولي»، الذي استأنف زياراته للبلاد بعد أكثر من 11 عاماً من الانقطاع وأصدر بياناً ختامياً لمشاوراته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عن انخفاض حاد في الإيرادات الحكومية من 22.5 في المائة من الناتج في 2014، إلى أقل من 12 في المائة العام الماضي.

رغم إشارات التطمين بعد تعافي العملة اليمنية لم تتحسن القدرة الشرائية للسكان بشكل كافٍ (رويترز)

ووفقاً للصندوق، ارتفع الدَّين العام إلى أكثر من 100 في المائة من الناتج المحلي، مع استمرار الانكماش الاقتصادي والتضخم، ومع توقعات بنمو متواضع يبدأ العام المقبل، ثم يتسارع تدريجياً حتى 2030 إذا استمرت الإصلاحات التي اتبعتها الحكومة خلال هذا العام.

ويؤكد «البنك الدولي» أن الاستقرار السياسي والأمني هو مفتاح تعافي اليمن اقتصادياً، ومِن دونه ستظل الضغوط الاقتصادية الوطنية، مثل التضخم، وفقدان الوظائف، وانكماش الناتج، تتفاقم أكثر. ويشير إلى أن ارتفاع أسعار السلع الأساسية والغذائية يجعل الحياة اليومية أكثر صعوبة.

وكان «مجلس القيادة الرئاسي» قد أصدر، نهاية أكتوبر الماضي، قرارات بشأن الإصلاحات الاقتصادية، مِن بينها توحيد تحصيل الإيرادات وتحرير الدولار الجمركي؛ بغرض تمكين الدولة من السيطرة على مواردها السيادية، وضبط الاختلالات الناتجة عن تعدد مراكز التحصيل.

البنك الدولي يتوقع انكماش الناتج المحلي الإجمالي باليمن وارتفاع أسعار الغذاء (أ.ف.ب)

وفي الأشهر السابقة، اتخذ «البنك المركزي اليمني»، في العاصمة المؤقتة عدن، إجراءات وقرارات مكّنته من السيطرة على سوق العملات النقدية، وأدت إلى ارتفاع سعر العملة المحلية وتعافيها بما يقارب 45 في المائة.

استمرار المخاوف

استعاد الريال اليمني بعض قيمته، هذا العام، بعد مسيرة تدهور شهدتها الأعوام الماضية، وتسارع بشدة خلال منتصف العام الحالي، ليصل إلى قرابة 3 آلاف ريال مقابل الدولار، قبل أن يتمكن «البنك المركزي» بإجراءاته الرقابية والمالية، من العودة به إلى 1630 ريالاً لكل دولار.

ويشدد محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في «جامعة تعز»، على ضرورة حصول «البنك المركزي اليمني» على كامل الاستقلالية في إدارة القطاع المصرفي ومواجهة الانقسام وفي سعر صرف العملة المحلية، بمواصلة السياسات النقدية والسياسات المعززة لها.

«البنك المركزي اليمني» تمكّن من تحسين وضع العملة المحلية بعد إجراءات مشددة (رويترز)

ويتمثل ذلك، وفق حديثه لـ«الشرق الأوسط»، في تفعيل التشريعات الخاصة بالإنفاق العام بما يتناسب مع ظروف مواجهة الحرب وآثارها الجانبية، وترشيد نفقات مسؤولي السلطات المحلية، وإلغاء المخصصات المالية الممنوحة مركزياً، وتحويل نفقاتها إلى مصادر الإيرادات المحلية والمشتركة.

وإلى جانب ذلك، يرى أهمية كبرى لتفعيل الوحدات الاقتصادية المملوكة للدولة، لتؤدي دورها في مواجهة الغلاء وتشجيع الاستيراد المباشر عوضاً عن الاستيراد عبر دول وسيطة، ومنع استيراد السلع المستهلكة ومنتهية الصلاحية، والتي تتسبب بأضرار كبيرة على الاقتصاد المحلي والمستهلكين.

وينوه «البنك الدولي» بتلقّي اليمن دعماً خارجياً من السعودية وصل إلى بضعة مليارات خلال العامين الماضيين، ما أسهم في منع الانهيار، إلا أنه لم يعالج جذور الأزمة الاقتصادية التي تعود أسبابها إلى «الصراع واستمرار انقسام البلاد تحت نظامين نقديين».

تحذيرات من زيادة الفقر والبطالة وارتفاع أسعار الغذاء وتدهور القوة الشرائية باليمن (البنك الدولي)

وتُواجه الحكومة اليمنية المعترَف بها دولياً كثيراً من الصعوبات، وتفتقر إلى الموارد، وتعجز عن الحصول على إيرادات تصديرية، خصوصاً في قطاع النفط والغاز بسبب العمليات العدائية للجماعة الحوثية.

ويتوقّع «البنك الدولي»، في آخر إصدارته حول اليمن، انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنحو 1.5 في المائة، مع ارتفاع أسعار الغذاء وتدهور القوة الشرائية، وتراجع الثقة في الاقتصاد الوطني بفعل انخفاض الإيرادات الحكومية وزيادة معدلات الفقر والبطالة، وهو ما سيؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي.