مسعود أحمد
* مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد الدولي

الإصلاحات الاقتصادية ضرورية لمنطقة الشرق الأوسط

تمر بلدان منطقة «الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان» (MENAP) بمنعطف حرج. فهبوط أسعار النفط يفرض ضغوطا على سلامة المالية العامة في البلدان المصدرة للنفط، والصراعات تهدد أرواح المواطنين وأمنهم في مختلف أنحاء المنطقة. كذلك تواجه المنطقة ضغوطا ديموغرافية حادة يمكن أن تترك ملايين الشباب دون عمل على المدى المتوسط. وهذه تحديات ليست مما يمكن مواجهته ببعض التعديلات أو أنصاف الحلول. ففي هذا المناخ السائد، تواجه بلدان المنطقة حاجة ملحة لإجراء تحول في اقتصاداتها ليس فقط للتكيف مع معطيات الواقع الراهن، وإنما للاستفادة أيضا من فرص الغد. واستمرار أسعار النفط المنخفضة جزء من الواقع.

في العالم العربي.. الاستثمار وتنويع النشاط يمهدان سبيل الرخاء

يواجه العالم العربي مرحلة شاقة نحو تحقيق الرخاء الاقتصادي. ففي معظم البلدان خارج مجلس التعاون الخليجي، تسود مستويات معيشية أدنى من المشاهَد لدى النظراء، وسيتطلب سد هذه الفجوة تحقيق زيادة كبيرة في النمو لعدة عقود قادمة. وفي البلدان التي تتمتع بمستويات معيشية مرتفعة بالفعل، يتمثل التحدي الراهن في تنويع الاقتصاد بعيدًا عن الاعتماد على الهيدروكربونات وتوفير ما يلزم من وظائف للقوى العاملة المتنامية. غير أن توليد النمو والوظائف لن يكون أمرًا سهلاً في عالم تتعاظم فيه التحديات.

منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في حاجة لإعادة ابتكار ذاتها

رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، كما يُذَكِّرنا الفيلسوف الصيني لاو تسو. هذه القاعدة البديهية تصدق الآن على الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوجه خاص. ففي مواجهة انخفاض تاريخي في أسعار النفط، بدأت المنطقة عملية طويلة وشاقة للتكيف مع هذا الواقع الجديد، بعد طول اعتماد على النفط في تحقيق الرخاء. فقد هبطت أسعار النفط بنسبة 70 في المائة منذ منتصف 2014 ومن المتوقع أن تظل عند مستوى يقارب الأربعين دولارا للبرميل في 2016. ثم ترتفع إلى 50 دولارا للبرميل بحلول عام 2020.

دول الخليج والإدارة الرشيدة للموارد المالية

عند النظر إلى اقتصادات مجلس التعاون الخليجي — الإمارات العربية المتحدة والبحرين وعمان وقطر والكويت والمملكة العربية السعودية — ندرج وجود عامل جديد أسهم في تبديل قواعد اللعبة المستقرة، وهو انخفاض أسعار النفط في العام الماضي. وقد أصبحت هذه الاقتصادات مؤهلة لمعالجة الواقع الجديد بفضل إدارتها الرشيدة للموارد المالية على مدار العقد الماضي، ولكنها ستحتاج بالضرورة إلى تعديل إنفاقها تمشيا مع انخفاض الإيرادات، مع السعي في نفس الوقت إلى توفير فرص عمل كافية لسكانها الشباب.

الوصول بالتمويل الإسلامي إلى تحقيق المرجو منه

ما القاسم المشترك بين القرية الأولمبية في لندن وبرج خليفة في دبي؟ الإجابة هي التمويل الإسلامي، أو التمويل وفق المبادئ الإسلامية. ولا يزال هذا النوع من التمويل يمثل نسبة بسيطة من التمويل العالمي، لكنه من أسرع القطاعات نموًا في الصناعة المالية العالمية، ولا يزال في جعبته الكثير من الإمكانات غير المستغلة حتى الآن.

صلابة تونس في سياق عملية التحول

بعد أن استكملت تونس عملية التحول السياسي وتجاوزت الأزمة الاقتصادية الدولية، أصبحت في وضع يسمح لها باستكمال التحول الاقتصادي اللازم لضمان استمرارية النمو واتساع قاعدته ومشاركة كل المواطنين في الاستفادة من ثماره. ولكن المسار لا يخلو من التحديات أو النكسات، كما اتضح من الهجوم المروع الذي استهدف متحف باردو الذي حدث مؤخرا. وقد كافحت تونس، موطن ميلاد الربيع العربي، لكي تصبح نموذجا للاستقرار والتحول الديمقراطي. وعلى مدار الأربع سنوات الماضية، تشرفت بزيارة تونس مرة كل بضعة أشهر وهي تشق طريقها لاجتياز فترة عصيبة من التحول الاقتصادي والسياسي، وشهدت في تلك الأثناء مراحل تحولها.

فرصة الإصلاح التاريخية في الجزائر

عقب الانهيار المفاجئ لأسعار النفط على مدار الأشهر الستة الماضية، تواجه الجزائر أكبر تحدٍّ اقتصادي منذ التسعينات، إبان الحرب الأهلية الطاحنة. وستكون كيفية مواجهة الجزائر لهذه التطورات في الشهور المقبلة موضع متابعة دقيقة من البلدان الأخرى التي تواجه تحديات مشابهة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد عُدْت لتوي من زيارة إلى الجزائر شعرت فيها بالتفاؤل إزاء ما سمعت. فعلى عكس كثير من البلدان المجاورة، لم تمر الجزائر بربيع عربي، رغم توافر مقوماته الأساسية، ولا سيما ارتفاع البطالة بين الشباب.

النعمة والنقمة في انخفاض سعر النفط

يشكل الهبوط الحاد الذي شهدته أسعار النفط واقعا اقتصاديا جديدا لبلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فقد انخفضت أسعار النفط العالمية بأكثر من النصف عن الذروة المسجلة في الصيف الماضي، لتصل إلى مستويات غير مسبوقة منذ الفترة القصيرة التي تخللت عام 2009. وجاء الانخفاض الحاد في الأسعار وعدم اليقين بشأن مدى استمرارية الاتجاه الحالي نتيجة لاقتران الزيادة غير المتوقعة في إنتاج المصادر غير التقليدية مع زيادة ضعف الطلب العالمي وقرار منظمة «أوبك» الحفاظ على مستويات إنتاجها الحالية.

ضرورة خلق فرص العمل والنمو في الشرق الأوسط

جلب الخريف تحولا سلبيا آخر في الرؤى السائدة حول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ففي أعقاب الاجتماعات السنوية للصندوق والبنك الدولي، غادر صناع السياسات العالميون العاصمة واشنطن وبقيت في الأجواء غيوم قاتمة. وقد تناولت المناقشات 3 موضوعات أساسية ستترك تداعيات مهمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتتطلب مزيدا من الجهود لاستعادة لحمة المجتمعات التي مزقتها الصراعات والتوترات الاجتماعية - السياسية والنمو الاقتصادي الباهت. وكان الموضوع الأول هو الخلفية الاقتصادية العالمية المتغيرة: فقد ضعفت توقعات النمو العالمي وظهرت شكوك جديدة تجاه التعافي الوليد في أوروبا.

حان وقت الإصلاح في بلدان التحول العربي

أخيرا، بدأنا نلمس بعض البوادر الإيجابية في البلدان العربية التي تمر بتحول سياسي. فالبيئة الخارجية تواصل التحسن مع ارتفاع النمو لدى الشركاء التجاريين (وخاصة أوروبا) وتراجع أسعار الغذاء في الآونة الأخيرة. وساعدت جهود تنويع الاقتصاد، كالتي يبذلها المغرب، على زيادة الصادرات والاستثمار الأجنبي المباشر.