رضوان السيد
كاتب وأكاديميّ وسياسي لبناني وأستاذ الدراسات الإسلامية في الجامعة اللبنانية

الدولة والانشغالات الخلدونية الحاضرة

إنّ الذي يعين الميليشيات والعسكر على الاستدامة على حدٍ سواء، هو تساويها في تضاؤل الشرعية وانحياز هذه الفئة الاجتماعية أو تلك إليها.

الجيش والميليشيا ومصائر الدولة الوطنية

ما كان السوسيولوجي الألماني ماكس فيبر (1864 - 1920) الذي قال إن الدولة هي التي تملك وحدها حق أو شرعية الإرغام، يفكر بتوماس هوبز (1588 - 1679) صاحب «الليفياثان» الذي اعتبر أن الدولة هي المنقذ من «حرب الكل على الكل» قبل ذلك بما يزيد على المائتي عام؛ بل كان يقرر ما استقر عليه الأمر في زمن الدولة القومية من النواحي الدستورية والقانونية. وفي الزمن العربي الحديث، كانت مصر ببنيتها الدستورية والقانونية بعد عام 1922 هي التي واجهت مشكلات ظهور تنظيمات مسلحة خارج سلطة الدولة أو ضدها.

الإصلاح الإسلامي والسيرة العلمية

عام 1977 كنت على وشك التخرج في جامعة توبنغن بألمانيا، عندما قام أعضاء في «جماعة المسلمين» (كانت وسائل الإعلام تسميهم تنظيم التكفير والهجرة) بخطف أستاذنا القديم بالأزهر محمد حسين الذهبي وقتله (وهو صاحب كتاب: «التفسير والمفسرون»، الذي كان يدرّسنا إياه في أواخر الستينات بكلية أصول الدين). تولى الشيخ الذهبي أواسط السبعينات وزارة الأوقاف المصرية لفترة قصيرة. وكانت لكتابه قيمة باقية، لأنه تجاوز فيه لأول مرة كتاب غولدزيهر: «مذاهب التفسير الإسلامي» (الصادر عام 1920. الذي ترجمه أستاذ آخر لنا هو عبد الحليم النجار).

ما بعد الاستشراق وما بعد الاستعمار

في هذه السلسلة من المقالات في شهر رمضان، التي تشبه السيرة الذاتية الفكرية، ما كنتُ أريد العودة إلى الاستشراق الذي أتعايش معه منذ 60 عاماً، منذ قرأت كتاب أستاذنا محمد البهي «الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي» (1957 - 1959).

علاقة الدين بالدولة في السيرة العلمية

يعود اهتمامي بعلائق الدين بالدولة إلى بدء التحضير لاختيار موضوع الأطروحة بألمانيا عام 1974. كان الأستاذ جوزيف فان أس، وقد عرضتُ عليه أحد موضوعين للأُطروحة: «أهل الحديث ونشأة أهل السنة في القرن الثاني الهجري» - أو «ثورة ابن الأشعث والقراء 82 - 84هـ»؛ يفضّل الموضوع الأول. إنما وقتها قرأتُ لتلمان ناغل، الأستاذ بجامعة بون يومها أنّ «القراء» الذين ثاروا على الحجاج مع عبد الرحمن بن الأشعث، كانوا المجموعة الأولى، التي نافست الدولة على الاستئثار بالسلطة في الدين.

الأصدقاء والكتب ورمضان

نفتقد الكتب كما نفتقد الأصدقاء. وزعم الجاحظ أنّ صداقة الكتاب أهمّ وآنَسُ من صداقة الخلّان. وما قصّر المتنبي حين ذهب إلى أنّ خير جليسٍ في الأنام كتاب. وقصصي مع الكتب بالغة القدم والعراقة؛ فأول كتابٍ اشتريته من غير الكتب المدرسية كان كتاب «فتوح البلدان» للبلاذري في صيف العام 1964. كانت نشرته لأستاذين لبنانيين وله غلاف لمّاع، وقد عرفت فيما بعد عندما تقدمت في السن والدراسة بين مصر وألمانيا أنّ النشرة ليست علمية، والأفضل نشرتا المستشرق دي غويه وصلاح الدين المنجد للكتاب. لكنْ لِمَ أُزعجُ القراء بأخبار النشرات؟! أُغرمتُ بالنص التاريخي وقرأته خلال عامٍ أكثر من عشر مرات.

الحضارة باعتبارها عملاً من أعمال الإرادة

اشتهرت في الخمسينات والستينات من القرن الماضي أطروحة المفكر الجزائري مالك بن نبي عن «القابلية للاستعمار» وهي ذات جانبين: جانب الضعف البنيوي بحيث يبعث ذلك على إغراء القوى الصاعدة بمهاجمتها - وجانب الأمارة على تلك القابلية بحيث يسود الولع من جانب «المغلوب بتقليد الغالب» بحسب القاعدة الخلدونية المعروفة. وبذلك فقد كانت رؤية مالك بن نبي هذه آخر صِيَغ تعليل انحطاط الألف عام الذي التقى على القول به المستشرقون ونقّاد التقليد من العرب والمسلمين منذ أواخر القرن التاسع عشر. وفي الحالتين أو الزمانين ما كانت رؤية الانحطاط هذه بديهية.

العربي واستقبال الجديد

ما بقي أحدٌ من المراقبين والمعلِّقين العرب إلاّ وأمّل أن تكون إيران صادقة في وعود عدم التدخل وعلاقات المصالحة وحُسن الجوار. ويرجع ذلك إلى الأضرار الهائلة التي تعمدت الجمهورية الإسلامية الإيرانية إنزالها بمجتمعات سائر دول المشرق العربي، ومعظم دول الخليج. وقبل ظهور المشكلة التي صارت حرباً داخلية باليمن، كان هناك ذلك الانقسام الطائفي الذي استند إلى وعي مستجد وانشقاقي نشرته دعاوى تصدير الثورة، ودعوات الثأر لآل البيت، ومحاولات التغيير الديموغرافي والمذهبي، بل التاريخي في سائر الأنحاء العربية.

كيف يحصل الإصلاح؟ أهمية التاريخ الثقافي

توماس باور، أستاذ ألماني يعمل منذ ثلاثة عقودٍ ونيف على التاريخ الفكري والأدبي للحضارة العربية والإسلامية بطرائق مختلفة عما اعتاده المستشرقون، وعما اعتاده المفكرون العرب في الأزمنة الحديثة. المستشرقون الذين أدان إدوارد سعيد مقارباتهم الشاملة للحضارة الإسلامية باعتبارها انحيازاً لوجهات نظر غربية تخدم السيطرة والسطوة في الزمن الاستعماري، يرى فيها باور تفسيراً ناقصاً أو بدءاً من الموقع الخطأ؛ ولذلك لا بد من البدء من الرؤية الغربية نفسها للحضارة الغربية.

الثقافة والسياسة والمعايير الأخلاقية

ازدهر التعليل الثقافي للأحداث والسياسات إبان الحرب على العراق عام 2003. فالعراق، بحسب الأميركان، يفتقر إلى ثقافة الدولة والمسؤولية؛ نظراً لافتقاره إلى المجتمع المدني وسواد الديكتاتورية. وهكذا فإنّ أميركا ذاهبةٌ إلى العراق ليس للقضاء على الخطر النووي فقط؛ بل لتعيد بناء ثقافة الدولة التي غابت عنه. لكن عندما فشل الغزو واتجهت أميركا للانسحاب من البلاد 2008 - 2010، كان هناك من قال من جديد إنّ الثقافة السائدة لا تساعد على بناء الديمقراطية. وبذلك جرى تعليل ظاهرة «داعش» بعد «القاعدة» وتعملق التطرف الذي اختطف الإسلام وسيطر باسمه، واضطر الجيوش الأميركية للعودة للعراق.