مائة يوم من رئاسة ماكرون: نجاحات في الخارج وتساؤلات في الداخل

الرئيس الشاب يريد استعادة دور باريس في حل الأزمات الدولية

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزوجته بريجيت في قصر الإليزيه الشهر الماضي (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزوجته بريجيت في قصر الإليزيه الشهر الماضي (أ.ف.ب)
TT

مائة يوم من رئاسة ماكرون: نجاحات في الخارج وتساؤلات في الداخل

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزوجته بريجيت في قصر الإليزيه الشهر الماضي (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزوجته بريجيت في قصر الإليزيه الشهر الماضي (أ.ف.ب)

قبل مائة يوم، انتخب إيمانويل ماكرون أصغر رئيس للجمهورية الفرنسية عن عمر لا يتجاوز 39 عاماً. وقد أثار انتخابه موجة من التفاؤل لما جاء به من وعود، مثل ضخ دماء جديدة إلى الحياة السياسية، وتخطي الحواجز بين اليمين واليسار، وإصلاح النظام الفرنسي إصلاحاً جذرياً، وإعادة تشغيل الدورة الاقتصادية، وتوفير فرص عمل لمواجهة نسب البطالة المرتفعة، ووضع فرنسا مجدداً في قلب خريطة الدبلوماسية الدولية.
ولكن بعد 100 يوم على وصوله إلى الرئاسة، تهاوت شعبية ماكرون إلى 36 في المائة، وفق آخر استطلاعات الرأي. كذلك، فقد ثقة ثلثي مواطنيه لجهة تأييد أولى خطواته، وفق استطلاعين للرأي آخرهما نشرت نتائجه صحيفة «لو فيغارو» اليمينية يوم السبت.
يلاحظ المحللون أن تدهور شعبية ماكرون بدأ مع إعلان الحكومة عن مجموعة من القرارات «غير الشعبية»، التي تتناول خفض عجز الميزانية، وتدابير تقشفية تتناول كل القطاعات بما فيها القوات المسلحة. وصعب على الفرنسيين، خصوصاً الطبقتين الوسطى والدنيا، تفهم قرار الحكومة تقليص المساعدة المقدمة للطلاب وذوي الدخل المحدود لتوفير السكن، في الوقت الذي تنوي فيه إلغاء ضريبة الثروة. كذلك، يتخوف الموظفون والعمال من عزم العهد الجديد على «إصلاح» قانون العمل عن طريق المراسيم وليس المرور في البرلمان. وينبع تخوفهم من أن تفرط الإصلاحات المرتقبة بعدد من الضمانات المتوفرة لهم، وأن تكون لصالح رب العمل وعلى حساب الموظفين.
ومنذ العاشر من الشهر الجاري، هجر ماكرون وزوجته بريجيت قصر الإليزيه لعطلة صيفية سنوية في مدينة مرسيليا المتوسطية، على أن يستأنف نشاطه في 23 أغسطس (آب) بجولة على 3 بلدان في أوروبا الشرقية. وخلال هذه الفترة، تتعطل الحياة السياسية في فرنسا وتفرغ الوزارات والبرلمان من شاغليها. ومنذ اليوم، يقرع جرس الإنذار حكوميا، إذ إن كل استطلاعات الرأي تتوقع خريفا «حاميا» سياسيا واجتماعيا، بحيث إن الرئاسة والحكومة ستدخلان فعليا في قلب الأزمات. وما حصل في الأيام المائة الأولى ليس سوى «مقدمات».
لكن المفارقة أنه في الوقت الذي تقوى فيه شكوك الفرنسيين إزاء ما ينتظرهم من تدابير وإجراءات في الأسابيع والأشهر القادمة، إلا أنهم، في الوقت عينه، ينظرون بكثير من الرضا إلى الخطوات الأولى التي خطاها ماكرون على الصعيد الدبلوماسي والخارجي. فالرئيس الشاب الذي شغل لفترة قصيرة نسبيا منصب وزير الاقتصاد في حكومة مانويل فالس، كان يظن أنه يفتقر للخبرة في السياسة الخارجية. لكن ما حصل هو أنه استفاد عقب انتخابه مباشرة من روزنامة لقاءات دولية مكنته سريعا من أن ينضم إلى نادي كبار رؤساء الدول والحكومات. فمن قمة الحلف الأطلسي في بروكسل يوم 25 مايو (أيار)، إلى قمة قادة البلدان السبع الأكثر تصنيعا في العالم في مدينة تاورمينا الإيطالية، نجح ماكرون في امتحان الدخول خصوصا في لقاءاته مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب. وعقب ذلك، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضيفا على ماكرون في قصر فرساي التاريخي. واكتمل العقد بمناسبة قمة العشرين التي استضافتها مدينة هامبورغ الألمانية يوم 7 يوليو (تموز)، وبقبول ترمب الدعوة التي وجهت إليه لحضور الاحتفال العسكري في جادة الشانزليزيه بمناسبة العيد الوطني الفرنسي، الأمر الذي وفر للرئيسين المناسبة لمحادثات مطولة في قصر الإليزيه. وبين هذه القمة وتلك، التقى ماكرون المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عدة مرات وكذلك نظراءه الأوروبيين، كما استقبل العديد من قادة الدول في باريس الذين جاءوا للتعرف على «الظاهرة» السياسية التي نبتت في فرنسا من لا شيء.
بيد أن المهم بالنسبة للرئيس الفرنسي لم يكن فقط انضمامه إلى النادي «المغلق» بل أن تكون لفرنسا دبلوماسية «نشطة» ومؤثرة في أوروبا ولكن أيضا في الفضاء الأوسع. وتقول مصادر دبلوماسية فرنسية تحدثت إليها «الشرق الأوسط» إن ماكرون «طموح»، ويريد لباريس أن تعود «طرفا فاعلا في الأزمات الدولية».
لذا، فإن العلاقات المباشرة التي بناها مع الرئيسين ترمب وبوتين يريد تسخيرها لتكون «صلة الوصل» في زمن التوتر بينهما، ولتلعب فرنسا بالتالي دور «الوسيط». كذلك، بدأ الرئيس الفرنسي بإطلاق مبادرات دبلوماسية كان أبرزها حتى الآن نجاحه في حمل رئيس حكومة الوفاق الليبية فائز السراج وقائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر على المجيء إلى باريس والتوافق على «خريطة طريق» للخروج من الأزمة الحادة في ليبيا، التي يرى الرئيس الفرنسي أن لها انعكاسات مباشرة ليس فقط على شمال أفريقيا واستقرار بلدان الساحل، بل أيضا على فرنسا وأوروبا، بسبب موضوعي الإرهاب والهجرات المكثفة المنطلقة من الشواطئ الليبية.
تقول المصادر الفرنسية إن ماكرون يعتبر أنه، بفضل العلاقات التي نسجها مع واشنطن وموسكو، قادر على أن يلعب دورا مؤثرا في الملف السوري الذي أخرجت منه فرنسا وأوروبا معا منذ التدخل الروسي المكثف نهاية صيف عام 2015. ويعتبر ماكرون أنه يتعين على باريس «إعادة النظر» في سياستها السورية، بمعنى التراجع عن بعض المواقف التي التزمت بها حكومات الرئيس الاشتراكي فرنسوا هولندا، والتي تميزت بالدعم المطلق للمعارضة السورية. لكن الحقائق الميدانية والرغبة في التقارب مع موسكو، دفعت بـ«الدبلوماسية الفرنسية الجديدة» محاولة اكتشاف سبل جديدة. وما يسعى إليه الرئيس الفرنسي، وما كشف عنه مباشرة هو تشكيل «مجموعة اتصال» تتكون من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وإلى جانبها الدول الإقليمية المعنية بالأزمة والفاعلة فيها، مثل تركيا والسعودية وإيران والأردن وربما العراق إضافة إلى النظام والمعارضة. وبرأي باريس، فإن اجتماعات جنيف وتلك التي تحصل في آستانة لن تأتي بالحل السياسي وهي قاصرة، وبالتالي يتعين إيجاد «غطاء» دولي توفر الشروط الضرورية لوضع حد للحرب في سوريا وللسير بالحل السياسي.
وكما في ليبيا وسوريا، فإن ماكرون يعتبر أن بلاده قادرة على أن يكون لها دور في إخراج ملف المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية من الطريق المسدود الذي وصلت إليه منذ ربيع عام 2014 عندما وضع وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري عمليا حدا لوساطته، بعد أن اصطدم بالعراقيل الإسرائيلية. وهنا أيضا، لم يتبن ماكرون تماما سياسة سلفه هولندا، إذ إنه تخلى عن فكرة المؤتمر الدولي وعن مشروع الاعتراف الأحادي بالدولة الفلسطينية لا بل إنه ذهب، خلال وجود نتنياهو في باريس في شهر يوليو الماضي إلى حد اعتبار مناهضة الصهيونية جزءا من معاداة السامية، وهو ما لم يسبق أن قاله أي رئيس سابق.
بالإضافة إلى هذه الملفات الساخنة، يريد ماكرون لبلاده دورا أكثر فاعلية في مسائل أخرى عديدة، لعل أبرزها الدفاع عن اتفاق باريس الخاص بالمناخ وارتفاع حرارة الأرض وفي إعادة إطلاق المشروع الأوروبي. وستتوافر له الفرصة لشرح كل توجهاته بمناسبة المؤتمر السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم، الذي ينعقد تقليديا نهاية الشهر الجاري.
هل سينجح ماكرون؟ السؤال مطروح والتحديات صعبة والمسائل قديمة وبالغة التعقيد والأهم أن الوسائل والأدوات المتوافرة لديه ليست كثيرة. لكن الرئيس الشاب يراهن على ديناميته وعلى قدرته على التأقلم في محاولاته الدبلوماسية. ولذا، فإذا أصاب نجاحا، فإنه سيحسب لرصيده وإن لم يصب، فإنه يكون قد حاول مثلما حاول كثيرون قبله ولم ينجحوا.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».